كتب – حسام عيد

مع الزيادة السريعة في الطلب على الأخشاب في قطاعات من البناء إلى الأثاث المنزلي، هل هناك أي شيء يمكن أن تفعله كينيا لضمان إمدادات أفضل؟

توسع متصاعد في سوق الإسكان

على جانبي طريق نجونج المزدحم في العاصمة الكينية نيروبي، يقضي النجارون غير الرسميين -المعروفين باسم “فونديس”- كل يوم في صنع الأسرّة والطاولات والكراسي لسوق الإسكان الآخذ في التوسع باستمرار.

معظم الأخشاب المستخدمة في بناء الأثاث تتم معالجتها بشكل سيئ، ومبالغ في سعرها، وغير منتظمة الحجم. تصل الأخشاب إلى جانب الطريق من مجموعة متنوعة من المواقع، مع وجود فرصة جيدة أن يكون بعضها من مواقع قطع الأشجار غير القانوني في البلدان المجاورة؛ مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية.

نظرًا لحالات عدم اليقين وعدم الكفاءة في سلسلة القيمة، يُباع المنتج النهائي للنيروبيين من الطبقة المتوسطة بسعر مرتفع مقارنة بأجزاء أخرى من العالم.

وينطبق الشيء نفسه على شركات الأثاث الكبيرة وشركات البناء التي تكافح من أجل الحصول على أخشاب عالية الجودة من قطاع الأخشاب في كينيا، بالمقارنة مع الدول الأكثر تصنيعًا، فإن كينيا غير قادرة على إنتاج كميات كبيرة من الأخشاب الصناعية بسبب نقص العرض وعمر مناشر الخشب.

من المحتمل أن يخلق هذا مشاكل خطيرة حيث يتجاوز الطلب المستقبلي بسرعة سلسلة التوريد البطيئة التي تعتمد بشكل كبير على القطاع غير الرسمي.

ويتساءل تيفيز هوارد -الرئيس التنفيذي لشركة كومازا للتشجير، واحدة من أكبر شركات زراعة الأشجار والغابات الصناعية في أفريقيا- قائلًا: “كم عدد ناطحات السحاب ومنازل المدينة وخزائن المطبخ التي سيتم بناؤها في نيروبي على مدار العشرين عامًا القادمة؟”.

ويضيف: “تشير التوقعات إلى أننا بحلول عام 2030 نتطلع إلى عجز قدره 30 مليار دولار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تنفق المنطقة كل عام هذه الأموال في جلب الأخشاب من الصين والبرازيل وفنلندا وأماكن أخرى”.

مشاكل التوريد

معظم الأخشاب في كينيا مأخوذة من غابات مملوكة للحكومة، أو يتم استيرادها من البلدان المجاورة والمصدرين الجماعيين مثل الصين أو البرازيل. الماهوجني والسرو والأوكالبتوس شائعة في كينيا، بينما يتم استيراد الخشب الرقائقي من خارج القارة ويتم استيراد خشب الساج والصنوبر من المنطقة.

يعتمد نوع الخشب المتداول على ما تم زراعته منذ سنوات أو حتى عقود، من المتوقع أن يغمر الصنوبر السوق الكيني خلال السنوات العشر القادمة حيث تبدأ أوغندا في حصاد الأشجار التي تم زراعتها منذ حوالي 20 عامًا.

ومع ذلك، يتعرض الإمداد المحلي لضغوط بسبب حظر قطع الأشجار الذي فرضته الحكومة في 2018 لتجديد الغابات وإجراء إصلاحات في إدارة الغابات. في حين أن هذا سيفيد البيئة، حيث تقول شركات الأعمال في قطاع الأخشاب إن الآثار التجارية للحظر يجب أن تؤخذ في الاعتبار.

ويقول آدم جرونوالد، الرئيس التنفيذي لشركة “لينك Lynk” لخدمات التجارة الإلكترونية، والتي تمكن الأسر والشركات من الحصول على الخدمات في جميع أنحاء نيروبي بطريقة أكثر ذكاءً، “لقد ربحت كينيا الكثير من النقاط وأنا متأكد من أنها حصلت على قدر هائل من المنح أو المساعدات لكنها تخنق الصناعة بالفعل.. لا أعلم إلى أي مدى سيكون التأثير المستقبلي، وكيف سيرتبط بنمو البلد؟”.

وقد غزت تلك السياسة التي اتبعتها كينيا، قطع الأشجار غير القانوني وزيادة الواردات من المواقع غير القانونية خارج البلاد، كما تقول إليزابيث تشيج، الرئيس التنفيذي لجمعية المباني الخضراء في كينيا.

فمع الحظر المعمول به، فإن معظم الأخشاب المنزلية الموجودة في السوق هي من أراضٍ خاصة أو عقود قطع الأشجار غير القانونية.

قضية أخرى؛ هي الطلب الكبير على الفحم كمصدر للطاقة، حيث يُصنع الفحم النباتي عن طريق حرق الأخشاب، وتقلل الصناعة بسهولة من كمية الأخشاب التي يمكن استخدامها للأثاث والبناء.

كما أن مناشر الخشب في كينيا سيئة التجهيز لمعالجة كمية الأخشاب اللازمة لتزويد دولة سريعة النمو.

ووفقًا لـ”تيفيز هوارد”، يمكن لمناشر الخشب الحديثة استعادة حوالي 45% من الخشب المقطوع والباقي يتحول إلى نشارة الخشب، في حين أن المناشر القديمة في كينيا يمكنها فقط استرداد 35%.

لن يقوم المستثمرون ببناء منشرة إلا إذا كان هناك إمدادات جيدة من الأشجار ولن تقوم الشركات بزراعة الأشجار إلا إذا كان هناك منشرة جيدة -مما يترك قدرًا كبيرًا من القصور الذاتي في السوق. بدون الأشجار أو المناشر، فإن قطاع الأخشاب في كينيا عالق في مأزق حيث يتعذر عليه تلبية الطلب المتزايد.

تلبية الطلب

تمثلت استجابة كينيا لنقص الأخشاب الصناعية في زيادة الواردات من بلدان المنطقة وخارج أفريقيا. وقد أنفقت كينيا حوالي 20 مليون دولار على استيراد الأخشاب في عام 2010، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة. وعندما تم فرض حظر قطع الأشجار في عام 2018 ، ارتفعت واردات كينيا من الأخشاب من حوالي 50 مليون دولار في عام 2017 إلى 83.4 مليون دولار.

ومع ذلك، فإن طلب كينيا على الأخشاب ضئيل للغاية مقارنة ببلدان مثل الصين والولايات المتحدة، مما يعني أن المصدرين لا يعطون الأولوية لسوقها.

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة كومازا، تيفيز هوارد: “السبب الوحيد وراء عدم إغراق كينيا حاليًا بالموردين العالميين هو أن الطلب صغير جدًا بحيث لا يمكنك رؤيته”.

تاريخيًّا، تمت تلبية الطلب عن طريق الحصول على الأخشاب من الغابات المحلية أو عن طريق إنشاء مزارع مدارة على نطاق واسع. إن الافتقار إلى الأرض المناسبة -من حيث الغابات الموجودة وأماكن إنشاء مزارع جديدة- يعني أن كينيا لديها خيارات قليلة جدًا لزيادة العرض.

ويوضح هوارد: “في حين يتم استخدام حوالي 120 ألف هكتار من الأراضي حاليًا للأخشاب، ستحتاج الدولة الواقعة في شرق أفريقيا إلى زراعة 200 ألف هكتار سنويًا على مدار السنوات العشر القادمة لتلبية الطلب”.

ويضيف: “هذه الأرض غير موجودة لأن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة يعيشون عليها كلها وهذا ما يمنع كينيا ودول شرق أفريقيا من الارتقاء إلى نموذج زراعة المزارع الكبيرة: هناك نقص أساسي في الأراضي”.

وأسس هوارد، كومازا، منذ أكثر من 10 سنوات، وكان في طليعة نموذج جديد: “تشجيع المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة على زراعة الأشجار”. لا يتطلب النموذج تخصيصًا واسع النطاق للأراضي، وبالتالي يخفض التكاليف بنسبة تصل إلى 90% مع إيجاد طريقة مستدامة لتعزيز إمدادات الأخشاب في كينيا.

ويقوم حاليًا بحصاد ثلاث شاحنات يوميًا ويأمل في زيادة هذا العدد إلى 200 شاحنة يوميًا بحلول عام 2030. وتوقعًا أنه ستكون هناك “مدن كاملة” بدون خشب قريبًا بسبب مشكلات سلسلة التوريد، يأمل هوارد أن ينطلق نموذجه “كومازا” في السوق الرائد عندما تصبح أشجاره متاحة.

ومع ذلك، وبسبب التخلف في القطاع، يجب أن تستثمر “كومازا” في جميع مجالات سلسلة التوريد من زراعة الأشجار، إلى معمل الخشب والبيع في السوق. وتمكنت الشركة من جمع 28 مليون دولار في يوليو للقيام بهذه الاستثمارات.

ويقول هوارد: “إنه يشبه إلى حد ما طفرة النفط في الولايات المتحدة خلال عهد رجل الأعمال وأحد مؤسسي صناعة النفط الأمريكية، جون دافيسون روكفلر”.

ويضيف: “كان عليهم بناء مضخة لإخراج النفط من الأرض، ثم مصنع براميل لتعبئتها وخط سكة حديد لتوصيلها إلى السوق، على كينيا محاكاة كل ذلك والقيام به في قطاع الأخشاب وصناعته”.