كتب – محمد الدابولي

عام يمضي وعام يأتي، وما تزال الأزمات الأفريقية كما هي دون تغيير، فأزمات التحول الديمقراطي والصراع الإثني، والعنف الانتخابي تضرب معظم دول القارة، فضلًا عن أزماتها الاقتصادية وانتشار الجماعات الإرهابية في معظم الدول الأفريقية، وما تكاد تهدأ أزمة سياسية في إحدى الدول حتى تشتعل في دول أخري، فبعد انقضاء أزمة الانتخابات الرئاسية في غينيا وساحل العاج، برزت لنا أزمة الانتخابات الرئاسية في كل من أفريقيا الوسطى والنيجر.

واكبت أحداث عنف واقتتال ودمار الانتخابات الرئاسية في الدول الأربعة المشار إليها، ورغم ذلك نجد أن تجربتي أفريقيا الوسطى والنيجر تختلفا عن باقي الانتخابات التي أجريت في أفريقيا خلال عام 2020؛ فالانتخابات في النيجر تعد نقطة مضيئة في سياق التحول الديمقراطي في أفريقيا، وتحقيق التداول السلمي للسلطة في بلد أفريقيا شهد أربعة انقلابات عسكرية منذ استقلاله عام 1960.

أما الانتخابات في أفريقيا الوسطى فينظر إليها على أنها خطوة للأمام في قطر أفريقي شهد حربًا أهلية ضروس خلال الفترة من عام 2013 وإلى عام 2015 أدت لتمزيق الدولة اجتماعيًّا وانهيارها سياسيًّا، كما أن المعطيات السابقة لإجراء الانتخابات في بانغي كانت تشير إلى أهمية إنجاح مثل تلك الانتخابات، وأن البديل الذي كان ينتظر أفريقيا الوسطى هو الدمار والانهيار التام، أما باقي الانتخابات في أفريقيا خاصة غينيا وساحل العاج فقد كشفت عن أزمة انسداد الأفق السياسي في كلا الدولتين؛، إذ أفضت الانتخابات إلى تمديد ولاية ثالثة لكل من الرئيس ألفا كوندي والحسن وتارا.

أجريت الانتخابات الرئاسية في كلا من النيجر وأفريقيا الوسطى في 27 ديسمبر الماضي، وأسفرت الانتخابات في كلا الدولتين، عن فوز رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى «فوستان آراكانج تواديرا» بفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، إذ أعلنت اللجنة المنوط بها تنظيم الانتخابات عن تحقيق الرئيس تواديرا نسبة 53% من الأصوات، وبالتالي لن يكون هناك جولة إعادة بين المرشحين.

أما في النيجر فتشير نتائج الانتخابات إلى جولة إعادة في 21 فبراير المقبل بين «محمد بازوم» مرشح الحزب الحاكم ووزير الداخلية السابق، وبين «محمدو عثمان» مرشح المعارضة والرئيس الأسبق للبلاد خلال الفترة من عام 1993 وإلى عام 1996، إذ تصدر «بازوم» نتائج التصويت بنسبة 39.33%، فيما حل «عثمان» في المرتبة الثانية بنسبة 16.99%.

عودة للتحول الديمقراطي

تبرز أهمية الانتخابات في النيجر كونها ثاني تجربة انتقال سلمي للسلطة في البلاد؛ فالرئيس المنتهية ولايته محمد إيسوفو اتخذ قراره بعدم الترشح لولاية ثالثة في رئاسة البلاد مكتفيًا بفترتين رئاسيتين، رغم أنه وصل للسلطة بانقلاب عسكري في فبراير 2010 ضد الرئيس السابق مامادو تانجا.

تعد تجربة التداول السلمي للسلطة الحالية في نيامي هي الثالثة في تاريخ البلاد السياسي منذ استقلال النيجر عن فرنسا في عام 1960، فإثر الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في مطلع التسعينيات، تم حل الحزب الوحيد «الحركة الوطنية لتنمية المجتمع» وإجراء انتخابات رئاسية في مارس 1993 أسفرت عن فوز مرشح المعارضة حينها «محمدو عثمان» بالانتخابات، إلا أن التجربة لم يكلل لها بالنجاح؛ إذ أطاح الجنرال «إبراهيم باري مناصرة» بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًّا وتولى هو رئاسة البلاد، واليوم يعيد «عثمان» الكرة من جديد أملًا في فوزه للمرة الثانية برئاسة البلاد.

أما المرة الثانية في تحقيق التداول السلمي للسلة في النيجر فكانت في عام 1999، حيث تصاعدت الأزمة الاقتصادية مما أدى إلى انهيار نظام «مناصرة» وقتله في أبريل 1999 لتتولي حكومة عسكرية بقيادة «داود مالام وانكي» رئاسة البلاد، واتخذت قرارها بتنظيم انتخابات ديمقراطية أسفرت عن فوز «مامادو تنجا» برئاسة البلاد في ديسمبر 1999، إلا أن تلك التجربة لم يكلل لها النجاح أيضًا إذ تم الانقلاب على تنجا في فبراير 2010 من الفريق «سالو دجيبو».

سيناريو الغزواني

يدور تساؤل هل حقا تشهد النيجر تجربة تداول سلمي للسلطة كما حدث في عامي 1993 و1999، لا يمكن الجزم بإجابة واضحة وصريحة، فتطورات الأحداث السياسية في البلاد خلال الفترة المقبلة هي من ستجيب على هذا التساؤل، رغم ذلك يمكن القول أن سيناريو الانتخابات في النيجر مشابه إلى حد كبير سيناريو الانتخابات الرئاسية الموريتانية عام 2019، إذ ارتأى الموريتاني السابق «محمد ولد عبدالعزيز» تصعيد وزير الدفاع في حكومته «محمد ولد الغزواني» ليتولى قيادة البلاد خلفا له وتأمين استمرار استحواذ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على السلطة في نواكشوط.

وحاليًا يتكرر السيناريو في النيجر؛ إذ لجأ الرئيس محمد إيسوفو إلى عدم الترشح لولاية ثالثة مفضلا ترشح وزير داخليته محمد بازوم لخلافته في رئاسة البلاد وبالتالي ضمان استمرار حزبه السياسي «الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية» في قيادة البلاد، ويؤدي تشابه التجربتين في موريتانيا والنيجر إلى إثارة تخوف مستقبلي حول العلاقة بين محمد إيسوفو وبازوم في حال نجاح الأخير في جولة الإعادة، فهل يسعى إيسوفو الذي وصل للسلطة بانقلاب عسكري إلى قيادة البلاد من مقعد الظل، أم سيحترم عملية التحول الديمقراطي، وفي حال رغبة إيسوفو في قيادة البلاد من مقعد الظل فهل سيقبل «بازوم» بمثل تلك الممارسة السياسية أم ستكون له استقلاليته، لذا فالأيام المقبلة ستنبئنا بما سيحدث في أروقة نيامي السياسية، وأي مستقبل سياسي تنتظره البلاد.

هجمات إرهابية

يبقي التهديد الإرهابي هو أكبر التحديات التي تواجه عملية التحول السياسي في البلاد، ففي يوم اعلان نتائج الانتخابات في 4 يناير شُنت عمليتين إرهابيتين ضد قريتين غرب النيجر على الحدود مع مالي أسفرت عن مقتل 100 شخص ، وتشير المعلومات إلى أن الهجوم الإرهابي الأخير نفذ بواسطة دراجة نارية.

وتعاني النيجر من تنامي خطر التنظيمات الإرهابية ففي أقصي جنوب شرق البلاد حيث بحيرة تشاد ينشط تنظيم بوكو حرام، وفي شمال وغرب البلاد تنشط الجماعات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل والصحراء مثل تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد آغ غالي.

خطوة لاستعادة السيادة

وعلى الجانب الآخر تشكل الانتخابات التي أجريت في أفريقيا الوسطى خطوة مفصلية نحو استعادة سيطرة الحكومة على مساحات شاسعة البلاد، فالبلاد لا تزال ترزح تحت سيطرة الميليشيات المسلحة؛ فالرئيس «تواديرا » الذي تم اعادة انتخابه للمرة الثاني يسعى حاليًا من خلال سلسلة من التوافقات الداخلية والخارجية إلى استعادة سيطرة حكومة بلاده على كافة أقاليم دولته.

تجلت تحديات الانتخابات الرئاسية في أفريقيا الوسطى في حالة السيولة السياسية والأمنية في البلاد وعدم قدرة الحكومة في بسط سيطرتها الكاملة على كل أقاليم الدولة إذ أجريت الانتخابات بمساعدة الأمم المتحدة والقوى الدولية والأفريقية في حوالي 87% من مساحة الدولة، في حين لم تستطع الحكومة تنظيم الانتخابات في المقاطعات المسيطرة عليها من قبل الميليشيات المناوئة للحكومة.

كما أتت الانتخابات في ظل التوترات التي يحاول الرئيس الأسبق المعزول فرانسوا بوزيزي تصدريها للحكومة، فبعد أن رفضت المحكمة العليا في البلاد ترشيح بوزيزي لإدانته في جرائم حرب، انطلقت العديد من الميليشيات المتمردة في الهجوم على قوات الحكومة في العديد من المناطق أبرزها مدينة بامباري شمال شرق العاصمة بانغي في 23 ديسمبر الماضية وعشية الانتخابات في 27 ديسمبر تعرضت قوات الأمم المتحدة لهجوم مما أدي لمقتل ثلاث من أفراد البعثة الأممية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اتهام الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي بتدبير محاولة انقلابية، وتزامنًا مع إعلان نتيجة الانتخابات هاجمت فصائل متمردة مقرة من بوزيزي مدينة بانجاسو الحدودية مع الكنغو الديمقراطية والتي تشتهر بالتعدين واستخراج الماس في 3 يناير 2021، وسبق أن تعرضت المدينة لهجمات من ميليشيات الأنتي بالاكا في عام 2017 مما أدى لمقتل عشرات المسلمين.

الانجراف إلى الهاوية

يشكل الانجراف إلى الهاوية تحديًا كبيرًا أمام إنجاح الانتخابات في أفريقيا الوسطى، فشبح انهيار الدولة في عام 2013 ما زال عالقًا بالأذهان، خاصة الإطاحة بحكم فرانسوا بوزيزي ودخول البلاد في حالة اقتتال أهلي بين ميليشيات الأنتي بلاكا المسيحية وميليشيات السيلكا المنتمية إلى الجماعات المسلحة.

وفي محاولة لتدارك الأوضاع استضاف السودان في فبراير 2019 محادثات سلام بين الحكومة في أفريقيا الوسطى و14 جماعة وميليشيا مسلحة في البلاد؛ إذ وقّعت الأطراف علي اتفاق نهائي لإرساء الاستقرار السياسي في البلاد، وقبيل الانتخابات في ديسمبر الماضي اندمجت ثلاث ميليشيات مسلحة وهم “الحركة الوطنية لأفريقيا الوسطى” و”العودة والمطالبة وإعادة التأهيل” الفولانيىة وميليشيا أنتي بالاكا المسيحية في كيان واحد وهو “تحالف الوطنيين من أجل التغيير”.

التنافس الدولي

أفريقيا الوسطى بلد أفريقي غني بالموارد الطبيعية، خاصة الماس، الأمر الذي أهّله ليكون بؤرة تنازع دولي بين القوى الدولية المتعددة، فقبيل الانتخابات وأثناء تصاعد عمليات الميليشيات المسلحة الموالية للرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي، تصاعدت المنافسة الدولية في أفريقيا الوسطى، ففرنسا صاحية الإرث الطويل في أفريقيا الوسطى دفعت بطائراتها الحربية للتحليق في سماء البلاد، وفي المقابل أرسلت روسيا الاتحادية العديد من عناصرها العسكرية (300 خبير عسكري) إلى بانغي لمساعدة الرئيس تواديرا في ضبط الأمن واستعادة المدن المسيطر عليها من قبل الميليشيات.

وخلال الانتخابات الأخيرة وُجهت اتهامات إلى فرنسا بدعم الرئيس الأسبق بوزيزي، وفي المقابل اتهمت قوى سياسية في أفريقيا الوسطى موسكو بدعم الرئيس تواديرا، خاصة أنه دخل في سلسة اتفاقات عسكرية بينه وبين روسيا، كما أنه قام بتعيين مستشارين عسكريين روس في الجيش، ويتخذ من عناصر روسية أفرادًا للحراسة الشخصية له.