كتبت –  د. أميره محمد عبدالحليم

خبيرة الشؤون الأفريقية ومدير تحرير مجلة مختارات إيرانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ربما تكون الأحداث الكثيرة والمفاجآت التي حملها عام 2020 قد أعطت انطباعات بأن الحركات الإرهابية قد تراجعت عن عملياتها خلال هذا العام أو أجلت بعضها للأعوام القادمة، إلا أن ما شهدته مناطق مختلفة في العالم وخاصة في القارة الأفريقية يسير على النقيض تمام من هذه التنبؤات، فقد استمرت الحركات الإرهابية في تنفيذ عملياتها، وفي المقابل ظهرت مبادرات مواجهة هذه الحركات على نحو متزايد، مما طبع عام 2020 بمجموعة من السمات المرتبطة بنشاط الحركات الإرهابية وأهدافها في القارة الأفريقية.

ويسعى التقرير الحالي إلى محاولة البحث في سمات وملامح العمليات الإرهابية خلال عام 2020، وما يرتبط بها من قضايا مكافحة الإرهاب، من خلال المحاور التالية:

  • تزايد واتساع الرقعة الجغرافية للعمليات

اتسم عام 2020 بنمو التهديدات الإرهابية في القارة في ظل تزايد العمليات وبروز مناطق جديدة تصاعدت فيها الأنشطة الإرهابية، حيث ذكرت تقارير دولية أن القارة الأفريقية شهدت في الأشهر الـ6 الأولى من العام نحو 1168 هجمة إرهابية مقارنة بـ982 اعتداء إرهابيًّا في 2019، كما تمددت العمليات ووصلت إلى دول كانت بعيدة إلى حد ما عن مسرح العمليات، مثل منطقة البحيرات الكبرى وجنوب أفريقيا وغربها.

ووفقًا للمؤشر العالمي للإرهاب الذي يصدر عن معهد الاقتصاد والسلام (سيدني) فقد حظي عدد من الدول في أقاليم أفريقيا جنوب الصحراء على أعلى معدل من العمليات خلال عام 2019، هذه الدول هي بوركينا فاسو، موزمبيق، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مالي، النيجر، الكاميرون، إثيوبيا، وسجلت بوركينافاسو أكبر زيادة في عدد الوفيات نتيجة العمليات الإرهابية خلال هذا العام؛ حيث تتطابق التهديدات الإرهابية في هذه الدول مع عدد آخر من التهديدات المناخية وانتشار الفقر والنمو السكاني المرتفع مع ضعف المرونة المجتمعية، مما يزيد من عمق الأزمة الانسانية التي تواجهها هذه الدول([1]).

ولم تكن دول القارة الأفريقية جنوب الصحراء أوفر حظا في عام 2020، حيث زادت الأزمة الصحية التي تسبب فيها انتشار جائحة كوفيد19، مع استمرار التهديدات الإرهابية إلى زيادة الهشاشة التي تعانى منها هذه الدول، وخلال شهر نوفمبر 2020 خصصت الأمم المتحدة 100 مليون دولار من الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ، لمساعدة ملايين الأشخاص على إطعام أنفسهم في البلدان الأكثر عرضة للجوع الناجم عن الصراعات والتدهور الاقتصادي وتغير المناخ وجائحة كوفيد19، حيث ستحصل كل من أفغانستان وبوركينا فاسو وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وجنوب السودان واليمن على 80 مليون دولار من الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ (CERF)، كما تم تخصيص 20 مليون دولار إضافية لاتخاذ إجراءات استباقية لمكافحة الجوع في إثيوبيا، حيث قد يؤدي الجفاف إلى تفاقم الوضع الهش في البلاد([2]).

ويشهد إقليم كابو ديلجادو في أقصى شمال موزمبيق بروز جماعة إرهابية يطلق عليها “الشباب” أو “أهل السنة والجماعة” منذ عام 2017 وأعلنت في العام الماضي ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واشتدت هجمات هذه الجماعة خلال عام 2020، وخاصة على قوات الجيش والمدنيين وسيطروا على بلدات بأكملها، وقد جذبت هذه التهديدات انتباه دول الاتحاد الأوروبي نظرًا للاستثمارات الغربية الواسعة في الإقليم، حيث يحتوي الإقليم على مشروعات للغاز الطبيعي تصل استثماراتها لأكثر من 60 مليار دولار، كما طلبت حكومة موزمبيق من دول الاتحاد مساندتها من خلال التدريب والدعم اللوجيستي لمواجهة هذه التهديدات، وخلّفت هجمات هذه الجماعة حتى الآن أكثر من ألفي قتيل ونزوح مئات الآلاف في محافظة كابو ديلجادو الحدودية مع تنزانيا([3]).

وكان المتطرفون قد سيطروا على ميناء موسيمبوا دا برايا الاستراتيجي منذ أغسطس 2020، وقاموا في شهر نوفمبر 2020 بقطع رؤوس حوالي 50 شخصًا في البلدات المجاورة في مقاطعة كابو ديلجادو، وفقًا لتقارير محلية، وقام أكثر من ألف جندي في 19 نوفمبر 2020 من استعادة قرية مويدومبي في شمال البلاد من المتمردين الإسلاميين وقتلوا 16 منهم ودمروا بعض عتادهم، وذلك بعد أسبوع من قيام الإرهابيين بقطع رؤوس خمسين مواطنًا من القرية([4]).

ويؤدي تصاعد الهجمات الإرهابية في شمال موزمبيق مع المشكلات المناخية المرتبطة بالفيضانات، وكذلك انتشار وباء كورونا خلال عام 2020 إلى زيادة التحديات الأمنية والانسانية في البلاد، وأدى تصعيد الصراع في كابو ديلجادو منذ بداية عام 2020 إلى نزوح جماعي وزيادة الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 355 ألف شخص نازح، ووفقًا للبيانات الأولية الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة تستمر الأرقام في الزيادة يوميًّا، ووصل أكثر من 11 ألف شخص إلى بيمبا عاصمة كابو ديلجادو في الفترة من 16 إلى 30 أكتوبر وحدها، هربًا من العنف في مناطق إيبو وكيسانغا وماكوميا، كما يؤدي العنف والتهجير وما يترتب عليه من فقدان لسبل العيش إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي في كابو ديلجادو، ويواجه أكثر من 710 آلاف شخص الجوع الشديد، بما في ذلك النازحون والمجتمعات المضيفة([5]).

 كما يساهم العنف في كابو ديلجادو في إعاقة وصول المساعدة الإنسانية لمنظمات الإغاثة التي تواجه تحديات مهمة للوصول إلى الأشخاص المتضررين الذين هم في أمس الحاجة إليها.

وأعلنت الشرطة في دولة تنزانيا في أكتوبر 2020 أن نحو 300 إرهابي من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، القادمين من دولة موزمبيق المجاور هاجموا مركزًا تابعًا للشرطة في مدينة كيتايا جنوب تنزانيا قرب الحدود مع موزمبيق([6]).

 كما استمرت العمليات الإرهابية التي تتولى القيام بها الحركات الإرهابية المنتشرة في شرق أفريقيا ومنطقة الساحل وإقليم غرب أفريقيا خلال عام 2020، ففي 6 يناير 2020، هاجمت حركة الشباب قاعدة عسكرية كينية بالقرب من لامو حيث قتلت الجماعة ثلاثة أمريكيين بعد أن استهدفت قاعدة عسكرية كينية تستخدمها القوات الأمريكية كمحطة خارجية. واعتبرت حركة الشباب هجوم “ماندا باي” تدبيرًا انتقاميًّا من المحاولة الأمريكية لتصنيف القدس عاصمة لإسرائيل. وزعم أن الهجوم نفذ بتوجيه وقيادة القاعدة([7]).

وفي يونيو2020، هاجمت حركة الشباب قاعدة عسكرية تركية في مقديشيو، كما استهدفت حركة الشباب في أغسطس 2020 فندقًا في مقديشيو مما أسفر عن مقتل أكثر من عشرة أشخاص، ووقع هذا الهجوم بعد أيام فقط من مقتل 19 من الحراس والسجناء بعد أن حاول أفراد من التمرد الفرار من سجن مقديشيو المركزي، كما هاجمت موقع عسكري في سبتمبر في منطقة جوبا السفلى بجنوب الصومال ، وقتلت الحركة اثنى عشر شخصا بينهم جنود وضباط في أواخر شهر نوفمبر الماضي في هجومين منفصلين استهدفا، عائلة بأكملها وقوات من الشرطة العسكرية في الصومال، وأودت الهجمات المتواصلة بحياة مئات الأشخاص، بمن فيهم صحفيون بارزون ومدافعون عن حقوق وسياسيون وزعماء دينيون ورجال أعمال.

إلا أن أبرز هذه العمليات وأكثرها وحشية كانت في نهاية شهر نوفمبر 2020عندما قام عناصر من بوكو حرام بذبح 43 مزارعًا في نيجيريا وقتل آخرين، حيث وصلت أعداد الضحايا إلى ما يقرب من 110 أشخاص كما أصيب آخرون في قرية كوشوبي، شمال شرقي نيجيريا.

  • تصاعد حضور تنظيم الدولة الإسلامية

بعد أقل من عامين على سقوط الخلافة المعلنة لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وقتل القوات الأمريكية لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي منذ عام، فإن التنظيم لم يتفكك بل يسعى لإقامة قواعد له في الصحراء الكبرى وجنوب أفريقيا، وفي 6 دول على الأقل، موزمبيق، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مالي، بوركينا فاسو، النيجر، نيجيريا.

وخلال عامي 2019، 2020 كان لتنظيم الدولة الإسلامية دور كبير في أشهر الهجمات الإرهابية التي شهدتها دول أقاليم جنوب الصحراء، فخلال عام 2019 حظت أقاليم جنوب الصحراء على نحو 41 % من هجمات التنظيم، ولكن تزايدت الهجمات في عام 2020، في الوقت الذي تصاعد فيه الصراع والمعارك بين أفرع تنظيم الدولة الإسلامية ونظيرتها في تنظيم القاعدة في منطقة الساحل وإقليم غرب أفريقيا.

وظهرت في أقاليم أفريقيا جنوب الصحراء ما يقرب من ثلاث حركات بايعت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)عبر مساحات شاسعة من الأراضي، من الصحراء الكبرى إلى الأراضي الوعرة في حوض بحيرة تشاد الغربي، إلى قرى المحيط الهندي الخلابة وجزر المنتجعات في الجنوب الشرقي، ويعكس الارتفاع في الهجمات الإرهابية زيادة مطردة في قوة الحركات، مع محاكاة عنف الإسلاميين في أجزاء من سوريا والعراق، في مناطق مختلفة من القارة.

وتدحض عودة ظهور موالين لتنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا، التصريحات التي أعلنها المسئولون الغربيون، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية من تمكنهم من القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مما يتطلب إعادة النظر في استراتيجيات مكافحة الإرهاب في العالم.

وقد دفعت هذه التطورات القوى الإقليمية إلى البحث عن استراتيجيات جديدة لمواجهة هذه التهديدات المتنامية في القارة، فقد عقد قادة أركان جيوش دول الساحل الخمسة (G5) اجتماع طارئ مع المسئولين في مجلس السلم والأمن الأفريقي في يونيو 2020، طلبوا فيه انشاء قوة مشتركة جديدة قوامها ثلاث آلاف جندي لدعم القوة المشتركة السابقة في مواجهة التهديدات المختلفة وفي مقدمتها الإرهاب.

وخلال شهر ديسمبر 2020 عقدت جماعة تنمية الجنوب الأفريقي (السادك) اجتماعين لزعماء الجماعة في العاصمة الموزمبيقية مابوتو لبحث سبل المساعدة في محاربة المتطرفين الذين قتلوا الآلاف وشردوا عشرات الآلاف في شمال موزمبيق الغني بالغاز.

كما اتفقت فرنسا في مارس 2020 مع عدد من حلفائها الغربيين والأفارقة على تشكيل قوة مهام جديدة أطلق عليها اسم (تاكوبا) بقيادة فرنسية تتألف من قوات خاصة أوروبية ستقاتل، إلى جانب جيشي مالي والنيجر، وكذلك القوات الفرنسية في الساحل (برخان) الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل في غرب أفريقيا، حيث تضم هذه القوات مجموعات قتالية من ثلاثة عشر دولة وتلك الدول هي بلجيكا وجمهورية التشيك والدنمارك وإستونيا وفرنسا وألمانيا ومالي وهولندا والنيجر والنرويج والبرتغال والسويد والمملكة المتحدة، وبدأت أفواج هذه المجموعات تصل إلى الساحل الأفريقي.

واتجهت وزارة الخارجية الأمريكية في نوفمبر 2020 إلى وضع اثنين من كبار قادة حركة الشباب على قائمة الإرهابيين وهما، عبدالله عثمان محمد ويعرف أيضا بكنية “المهندس إسماعيل”، وهو كبير خبراء المتفجرات في صفوف الحركة، ومعلم أيمن هو قائد جيش أيمن، الذي يعد وحدة تابعة للشباب تقوم بهجمات وعمليات إرهابية في كينيا والصومال. والمسئول عن التحضير للهجوم الذي استهدف معسكر سيمبا في خليج ماندا في كينيا في يناير 2020، والذي قتل فيه عنصر في الجيش الأمريكي ومتعاقدان أمريكيان([8] ).

  • اغتيال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي

في إطار سياسات استهداف قادة أفرع تنظيم القاعدة حول العالم كجزء من مكافحة إرهاب التنظيم، تمكنت القوات الفرنسية في شمال مالي من اغتيال الزعيم التاريخي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبدالمالك دوراكدال أو أبومصعب عبدالودود في يونيو 2020، ما اعتبر تحولًا خطيرًا في مسار تنظيم القاعدة في الساحل والصحراء الأفريقية .

حيث كان دوراكدال يعمل كخبير متفجرات في الجماعة الإسلامية المسلحة، وتولى قيادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية في عام 2004، وفي سبتمبر 2006 أعلن تحالف الجماعة مع تنظيم القاعدة، وغيرت الجماعة اسمها في يناير 2007 إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي .

ومع بداية الأزمة في شمال مالي عام 2012، طلبت الحركات الإرهابية في هذا الإقليم الدعم من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكان لهذا الدعم أثر كبير في النجاحات التي حققتها هذه الجماعات في شمال مالي وانتشارها في منطقة الساحل بعد ذلك، وفي نوفمبر 2012، أنشئ تحالف بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا([9]).

وكان عبد المالك دوراكدال يمثل الفرع الجزائري من تنظيم القاعدة وخاصة عقب اندماج التنظيم في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مع ثلاث تنظيمات أخرى في مارس 2017، وقد يؤدي اغتياله إلى تصاعد الخلافات داخل التنظيم، حيث انضم التنظيم إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في عهد دوراكدال وربما تكون توجهات القائد الجديد للتنظيم مخالفة لهذا التوجه، كما فقد التنظيم بمقتله قائدًا على مستوى عالٍ من فهم المنطقة ومكوناتها الاجتماعية والقبلية، وإذا لم يكن خليفته على نفس مستواه من التخطيط فإن تنظيم القاعدة سيعرف فترة ركود وتخبط، في الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهات بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (داعش)، وكذلك موافقة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على التفاوض مع الحكومة المالية بشروط أهمها خروج القوات الفرنسية من منطقة الساحل الأفريقي، وإعلان تنظيم الدولة في الصحراء تكفير جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

ويبدو أن الاتفاق على خليفة عبد المالك دوراكدال قد استلزم نقاشات كبيرة داخل التنظيم حيث لم يتم الإعلان عن القائد الجديد إلا بعد خمسة أشهر من وفاة دوراكدال حيث أعلن التنظيم تعيين الجزائري أبوعبيدة يوسف العنابي الرئيس الحالي لـ”مجلس الأعيان” التي تعمل كلجنة توجيهية للجماعة الإرهابية. كما انه عضو لسابق في الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية ومدرج على اللائحة الأمريكية السوداء لـ”الإرهابيين الدوليين” منذ سبتمبر 2015، والمتحدث الإعلامي باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب.

  • الإعلان عن انسحاب القوات المتدخلة لمحاربة الإرهاب

على الرغم من أن تقييم التدخلات الخارجية في القارة الأفريقية لمكافحة الإرهاب يشوبه العديد من التناقضات حيث تعلن الدول المتدخلة وخاصة فرنسا والولايات المتحدة عن نجاحات كبيرة في مواجهة هذه الجماعات إلا أن الواقع يطرح العديد الأزمات والتهديدات الناجمة عن التدخلات الخارجية، فقد زادت عمليات حركة الشباب النوعية عقب العمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة وتستهدف قادة الحركة وخاصة عقب اغتيال أحمد عبدي جوداني قائد الحركة السابق في عام 2014، كما ساهم التدخل الفرنسي في شمال مالي في انتشار الحركات الإرهابية في منطقة الساحل والغرب الأفريقي.

كما، قوضت سياسات البيت الأبيض الأخرى الجهود المبذولة لهزيمة الإيديولوجية المتطرفة العنيفة على مستوى العالم وفي أفريقيا، فخطاب ترامب المناهض للإسلام وحظره المهاجرين المسلمين منح المسلحين انتصارا دعائيا، مما عزز “رسالة القاعدة الأساسية، وهي أن أمريكا ضد الإسلام”.

كما جاء إعلان الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليعيد توجيه الهجمات الإرهابية إلى القواعد والمصالح الأمريكية في أفريقيا، حيث اتجهت حركة شباب المجاهدين في يناير 2020 ردا على الاعتراف الأمريكي إلى الهجوم على قاعدة عسكرية في منطقة ماندا بكينيا مما أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين.

وخلال عام 2020 تصاعدت التأكيدات التي تطرحها القوات المتدخلة في القارة الأفريقية حول انسحابها من القارة، على الرغم من نمو التهديدات، فإدارة الرئيس ترامب تتحرك لخفض انتشار القوات الأمريكية وتهدد بتقليص الدعم للحكومات المحلية على الخطوط الأمامية للمعركة ضد المتشددين الإسلاميين. على الرغم من تحذيرات بعض المحللين من أن التخفيضات قد تعيق جهود منع تقدم المتطرفين، فمن المتوقع أن تنسحب القوات الأمريكية في الصومال عام 2021.

وكان الرئيس ترامب قد دافع عن نجاحاته في مكافحة الإرهاب في كل حدث وكان يشير إلى الدولة الإسلامية بصيغة الماضي. وقال في خطاب قبوله في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في أغسطس الماضي: “لقد طمسنا 100 % من خلافة داعش”. لكن مسئولين آخرين يقولون إن التهديد انتقل إلى مناطق جديدة وأشكال مختلفة. فخلال العامين اللذين انقضوا منذ سقوط آخر معقل سوري للدولة الإسلامية، شهدت فروع التنظيم في أفريقيا مكاسب هائلة في الأراضي والمجندين، والسلاح ([10]).

كما أقامت الولايات المتحدة منشآت ومهابط طائرات في النيجر وبوركينافاسو، وتبلغ مساحة المنشآت في منطقة أجاديز بالنيجر 17 فدانًا استغرق بناؤها أربع سنوات وتكلفتها حوالي 110 ملايين دولار. ويعمل بها المئات من الجنود الأمريكيين، وتركز القوات، إلى جانب الشركاء المحليين، بشكل كبير على مهام المراقبة والاستخبارات. وفي نوفمبر 2019 بدأ الجيش الأمريكي في إطلاق طائرات بدون طيار من القاعدة الجوية في منطقة أجاديز في النيجر.

وقال قائد أفريكوم الجنرال ستيفن تاونسند عند افتتاح القاعدة: “إننا نعمل مع شركائنا الأفارقة والدوليين لمواجهة التهديدات الأمنية في غرب أفريقيا”. ومع ذلك، يقر مسئولو البنتاجون بأنهم يدرسون خططًا للانسحاب من غرب أفريقيا، في انتظار نتائج مراجعة الموقف في الخارج التي أمر بها وزير الدفاع مارك إسبر.

كما أعلن رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال، فرانسوا لوكوانتر، في شهر ديسمبر الجاري وأثناء زيارته لشمال مالي أن بلاده تفكر “بجدية” في سحب قواتها من منطقة الساحل الأفريقي. وأوضح أنه “من المرجح أن تقوم فرنسا بانسحاب جزئي لقواتها في الأيام أو الأسابيع المقبلة، وفق ما نقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية. ويوجد حوالي 5100 جندي منخرط في قوات “برخان” الفرنسية في الساحل.

خاتمة

تطرح التحولات الكبيرة التي تشهدها الحركات الإرهابية في أفريقيا الكثير من التحديات سواء على مستوى صناع القرار وكذلك على مستوى الشعوب والمجتمعات التي تجد انفسها في عمليات إرهابية كثيرة بمفردها تدافع عن بقائها. وهذا يتطلب البحث عن استراتيجيات محلية تعتمد على تصور المواطنين حول أسباب نشوب التهديدات هذا بجانب الخطط العسكرية والتنموية وامن الحدود للدول والمؤسسات الاقليمية والدولية.

كما تتطلب مكافحة الإرهاب في أفريقيا اعادة التفكير بصورة جدية من قبل المؤسسات والدول حول التدخلات الخارجية وخاصة الغربية وتقييم دورها الماضي في مكافحة الإرهاب في القارة.

كذلك لا يخفى تطابق مناطق انتشار الإرهاب في القارة الأفريقية مع مناطق الثروات الطبيعية و المناطق القاحلة والفقيرة أيضا في شرق وغرب وجنوب القارة، ومنطقة الساحل مع وجود مجتمعات يتم حرمانها من عوائد الثروات الضخمة، وانتشار الفساد في المؤسسات المحلية مما يعيق الحد من انتشار الحركات الإرهابية وتمكنها من تجنيد المواطنين.

وفى المقابل تنتشر عمليات التجنيد للأشخاص في الحركات الإرهابية في المناطق الجافة والقاحلة حيث تستغل الحركات الحاجة إلى وجود سبل للعيش للمواطنين في هذه البقاع.

ولذلك، لابد ان تنصرف استراتيجيات مكافحة الإرهاب أولا إلى التعرف عن قرب على طبيعة الاحتياجات المجتمعية والانسانية في المناطق المختلفة في القارة الأفريقية، وكذلك محاولة تداول السلطة وتحقيق بعض المبادئ الديمقراطية لتخفيف الأعباء من على كاهل الضعفاء في القارة الذين أصبحوا ضحايا لسياسات الحكومات ومصالح القوى الخارجية من ناحية، وضحايا لأكثر الحركات الإرهابية وحشية في العالم.

الهوامش


* خبيرة الشئون الأفريقية في برنامج دراسات الإرهاب والتطرف – مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ( القاهرة ).


([1])The Institute for Economics & Peace (IEP), the Global Terrorism Index (GTI). P.2.

https://www.economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2020/08/GTI-2019web.pdf

[2])) الأمم المتحدة تخصص 100 مليون دولار لمساعدة 7 دول، على رأسها اليمن لتجنب خطر المجاعة، 17 نوفمبر 2020،

https://news.un.org/ar/story/2020/11/1065972

[3]))  لماذا تتوجس أوروبا من تصاعد الإرهاب في موزمبيق .. هجمات الجهاديين تهدد استثمارات الشركات الغربية، 13/10/2020،

https://alarab.news/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%AA%D9%88%D8%AC%D8%B3-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%82

[4])) قمة جنوب أفريقية تبحث مكافحة الإرهاب في مابوتو، 15 ديسمبر 2020،

https://www.skynewsarabia.com/world/1400616-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%94%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%A7%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%88

[5] ) Escalation of conflict and violence drive massive displacements and increased humanitarian needs in Cabo Delgado, https://reports.unocha.org/en/country/mozambique/

[6])) «داعش» يوسع هجماته الإرهابية نحو تنزانيا

300 إرهابي هاجموا قرية على الحدود بين تنزانيا وموزمبيق، 24/10/2020،

https://aawsat.com/home/article/2582646/%C2%AB%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%C2%BB-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D8%B9-%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%AA%D9%86%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7

([7])  Rajen Harshé, Al Shabaab’s insurgency and the Somalian imbroglio in the Horn of Africa,  Jul 07 2020, https://www.orfonline.org/expert-speak/al-shabaabs-insurgency-and-the-somalian-imbroglio-in-the-horn-of-africa-69289/

[8])) وزارة الخارجية تدرج اثنين من كبار قادة حركة الشباب على لائحة الإرهابيين

https://translations.state.gov/2020/11/17/%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%AC-%D8%A7%D8%AB%D9%86%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9/))%20ABDELMALEK%20DROUKDEL%D8%8C%20https:/www.un.org/securitycouncil/ar/sanctions/1267/aq_sanctions_list/summaries/individual/abdelmalek-droukdel(%20)%20Danielle%20Paquette,Others%20,%20%20ISIS%20attacks%20surge%20in%20Africa%20even%20as%20Trump%20boasts%20of%20a%20%E2%80%98100-percent%E2%80%99%20defeated%20caliphate,%20Oct.%2019,%202020,%20%20https:/www.washingtonpost.com/national-security/islamic-state-attacks-surging-africa/2020/10/18/2e16140e-1079-11eb-8a35-237ef1eb2ef7_story.html

[9])) ABDELMALEK DROUKDEL، https://www.un.org/securitycouncil/ar/sanctions/1267/aq_sanctions_list/summaries/individual/abdelmalek-droukdel

([10]) Danielle Paquette,Others ,  ISIS attacks surge in Africa even as Trump boasts of a ‘100-percent’ defeated caliphate, Oct. 19, 2020,  https://www.washingtonpost.com/national-security/islamic-state-attacks-surging-africa/2020/10/18/2e16140e-1079-11eb-8a35-237ef1eb2ef7_story.html