كتب – حسام عيد

تعرضت موزمبيق للكوارث الطبيعية التي أضرت بالاتصالات وأبطأت النمو، لكنها تسعى اليوم من خلال مشروع جديد إلى استعادة وتحسين البنية التحتية للبلاد.

مبادرة الطرق الفرعية المتكاملة

على الرغم من النمو الاقتصادي المستدام منذ عام 2005، لا يزال الفقر الريفي في موزمبيق مستمرًّا، حيث يتفاقم انخفاض الإنتاجية الزراعية، لا سيما في المقاطعات الشمالية والوسطى، بسبب ضعف الاتصال المادي، بما في ذلك الوصول المحدود إلى خدمات الإرشاد الزراعي، وأسواق الائتمان، ومعلومات السوق.

وتعني البنية التحتية المحدودة للنقل أن النشاط الاقتصادي مقسم بشكل فعّال إلى ثلاث مناطق جغرافية -الشمال والجنوب والوسط- مما يخلق ظروفًا لتقلبات الأسعار الإقليمية التي لا يتم تسهيلها من خلال التجارة المتكاملة.

وأطلقت موزمبيق مبادرة جديدة، تعرف بـ”مشروع الطرق الفرعية المتكاملة (IFRDP)”، يمولها البنك الدولي. وهي تركز على إعادة تأهيل وصيانة الطرق الفرعية، مع نسبة كبيرة من الاستثمارات التي تستهدف بناء وإصلاح الجسور والقنوات لتحسين إمكانية الوصول، لا سيما خلال فترات الأمطار الغزيرة أو الفيضانات. ستخصص المبادرة الجديدة 185 مليون دولار لإعادة تأهيل وتطوير الطرق الحالية في أربع مقاطعات رئيسية: سوفالا، مانيكا، تيتي، وزامبيزيا.

الأضرار الناجمة عن الأعاصير والفيضانات

تعاني موزمبيق من التعرض لهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات التي قد تصبح أكثر تواترًا بسبب تغير المناخ العالمي، فجغرافيتها وخطها الساحلي الطويل، إلى جانب أنماط استخدام الأراضي المتغيرة وتأثير تغير المناخ، تعني أنها تتأثر بانتظام بظواهر الطقس المتطرفة.

وتحدث الفيضانات الكارثية سنويًّا تقريبًا خلال موسم الأمطار وتتأثر إلى حد كبير بنمط الطقس “النينيا” الذي يعد ظاهرة في حد ذاته، ومنطقة التقارب بين المدارين (منطقة ضغط منخفض بالقرب من خط الاستواء). وتشير توقعات تغير المناخ إلى أن أنماط هطول الأمطار قد تصبح أقل تأكيدًا للبلد ككل وتختلف حسب المنطقة. منذ عام 1960، زادت نسبة الأيام التي تشهد هطول أمطار غزيرة بنسبة 2.6٪ لكل عقد أو ما يقدر بـ25 يومًا في السنة في المجموع.

في عام 2019، تسبب إعصار إيداي في إتلاف أو تدمير ما يقدر بنحو 240 ألف منزل، بينما تسبب الإعصار كينيث في إتلاف أو تدمير 50 ​​ألف منزل إضافي. وتسبب إعصار إيداي وحده في أضرار تقدر بنحو 115 مليون دولار للقطاع الخاص. قبل تلك الأحداث المدمرة، أثرت الفيضانات في عام 2015 على 326 ألف شخص، وقتلت 140، وتسببت في أضرار تقدر بنحو 371 مليون دولار في أجزاء من زامبيزيا ونامبولا ونياسا. كما تعرضت شبكات الطرق والسكك الحديدية لأضرار جسيمة على مدار العشرين عامًا الماضية، حيث تم تحويل مبالغ كبيرة من تحسين الشبكة إلى إصلاح الأضرار الناجمة عن الفيضانات.

هذه الاضطرابات تعزل المجتمعات لفترات طويلة من الزمن، بعد إيداي وكينيث، أجرت الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بالشراكة مع الحكومة، تقييم احتياجات ما بعد الكوارث (PDNA).

وقامت عملية PDNA بتوثيق الأضرار والخسائر الجسيمة للأحداث الأخيرة. وقد حددت أضرارًا تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار، مع احتياجات قطاع الطرق المقدرة بنحو نصف مليار دولار. في المنطقة الوسطى، تضرر حوالي 1962 كيلومترًا من الطرق و90 جسرًا و15 جسرًا و24 انجرافًا، مما أدى إلى عدم إمكانية المرور على نطاق واسع، وأدى هذا الوضع إلى تقليص العبور بنسبة 7٪ للشبكة الوطنية.

تحسين الوصول إلى الطريق

يركز هذا المشروع الجديد جزئيًّا على معالجة الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذا الاضطراب، وقد تم تقييم مخاطر الفيضانات بناءً على مستويين: احتمالية الفيضانات في ظل سيناريوهات تغير المناخ المختلفة، وضعف الجسور والقنوات وأسطح الطرق، ويتمثل الهدف الأساسي للمشروع في تعزيز الوصول إلى الطرق في المناطق الريفية لدعم سبل عيش المجتمعات المحلية وتمكين الاستجابات الفورية عن طريق البر في الأزمات وحالات الطوارئ.

ومن المأمول أن يعطي المشروع دفعة لموزمبيق في وقت تتعرض فيه أيضًا لآثار جائحة «كوفيد-19»، الذي أضر بالآفاق الاقتصادية للبلاد، ويؤثر الوباء بشكل كبير على النشاط الاقتصادي حيث يؤثر التباعد الاجتماعي وقيود السفر على الطلب على السلع والخدمات. في الوقت نفسه، يؤدي انخفاض أسعار السلع إلى إبطاء وتيرة الاستثمار في الغاز والفحم.

ومن المتوقع أن يهبط ​​النمو إلى 1.3٪ في عام 2020، انخفاضًا من توقعات ما قبل جائحة «كوفيد-19» عند 4.3٪. ومن المتوقع أيضًا أن تشهد موزمبيق فجوات كبيرة في التمويل الخارجي والمالي في عامي 2020 و2021.

تحديات كبيرة

إن التحديات المزدوجة التي تواجهها البلاد متشعبة وخطيرة: الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي بالنظر إلى التعرض لتقلبات أسعار السلع الأساسية، واستعادة الثقة من خلال الإدارة الاقتصادية المحسنة وزيادة الشفافية، بما في ذلك تجاوز آثار فضيحة الديون الخفية. هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية لدعم القطاع الخاص المتعثر.

الواقع السياسي على الأرض لا يساعد الأمور: تظل جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) والمقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) القوى السياسية الرئيسية في البلاد، وقد حافظت رينامو على ترسانة كبيرة وقواعد عسكرية بعد اتفاق السلام لعام 1992 الذي أنهى الحرب الأهلية، وسجلت البلاد اندلاع مواجهات مسلحة وأعمال عنف منذ ذلك الحين.

وتم التوصل إلى اتفاق سلام جديد في أغسطس 2019، لكنه انتهك عدة مرات من قبل فصيل عسكري منشق عن رينامو، ويهدف الاتفاق الجديد إلى دمج مقاتلي رينامو في الجيش الوطني وتفكيك قواعد رينامو العسكرية.

في غضون ذلك، تكافح الحكومة مع تمرد إسلامي في أجزاء من مقاطعة كابو ديلجادو الغنية بالغاز، كان قتل المدنيين على يد المتمردين محصورًا في البداية في منطقة واحدة، وانتشر الآن إلى مناطق وبلدات أخرى داخل المحافظة. وتظهر التقديرات الأخيرة أن الصراع أدى إلى مقتل أكثر من ألف شخص وأجبر 100 ألف على النزوح وترك منازلهم.

التحدي الرئيسي الإضافي هو تنويع الاقتصاد. وتتمثل الاستراتيجية في الابتعاد عن التركيز الحالي على المشاريع كثيفة رأس المال والزراعة المعيشية منخفضة الإنتاجية، لكن ذلك سيتطلب إنفاقًا ضخمًا على البنية التحتية.

وفي الوقت نفسه، يركز العمل على تعزيز الدوافع الرئيسية للإدماج، مثل تحسين جودة التعليم وتقديم الخدمات الصحية، والتي يمكن بدورها تحسين المؤشرات الاجتماعية.

وختامًا، يمكن القول: إن تحسين الاتصال وتعزيز شبكة النقل المتداعية مجرد خطوة واحدة على طريق أطول لاستعادة الرخاء الوطني.