كتب – محمد الدابولي

أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي «آبي أحمد» مساء يوم 28 نوفمبر 2020 عن تمكن قوات الجيش الإثيوبي من تحرير مدينة ميكيلي عاصمة إقليم التيجراي والتي يبلغ تعداد سكانها نصف مليون نسمة، وطرد ميليشيات جبهة تحرير التيجراي منها، متعهدا بإعادة بناء المنطقة من جديد وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لسكان الإقليم، حيث فر قرابة 40 ألف مواطن جراء العنف الدائر، فيما أشار  إلى مسئولية الشرطة الفيدرالية في ملاحقة أعضاء جبهة تحرير التيجراي الفارين وتقديمهم للمحاكمة العاجلة، وسبق أن أمر «آبي أحمد» قوات جيشه بالتحرك صوب ميكيلي صباح الخميس 26 نوفمبر 2020 وذلك بعد انتهاء مهلة الـ72 التي منحها «آبي أحمد» لقادة التيجراي للاستسلام قبل اقتحام المدينة.

جديرا بالذكر أن الصراع العسكري في شمال إثيوبيا اندلع يوم 4 نوفمبر الماضي إثر اتهامات وجهها رئيس الوزراء «آبي أحمد» بمهاجمة قواعد الجيش الفيدرالية في المنطقة الشمالية ونهب أسلحتها الثقيلة، ومحاولة زعزعة استقرار البلاد وإسقاط الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا.

ويأتي تحرك الجيش الإثيوبي السريع في استعادة ميكيلي قبل أن تدخل الأزمة السياسية الإثيوبية في دروب التدويل والوساطة الدولية، فقبل بدء مهلة 72 ساعة عقد مجلس الأمن جلسة يوم الثلاثاء 24 نوفمبر  للنظر في الصراع الدائر في إثيوبيا، وجاء انعقاد جلسة مجلس الأمن بعد طلب تونس وجنوب أفريقيا وسان فنسان وجريديان، وسبق أن رفض آبي أحمد أي محاولة للوساطة الأفريقية في الأزمة، كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة فتح ممرات إنسانية لمساعدة المحاصرين واللاجئين.

يثار حاليا تساؤل حول الحسم السريع لقوات الجيش الإثيوبي وانتزاع مدينة ميكيلي من قبضة جبهة تحرير التيجراي، كما يدول التساؤل حول مصير قادة الجبهة الذين اختفوا فورا، فهل هذا انهيار عسكري أم مناورة تكتيكية تديرها جبهة تحرير التيجراي لنقل الصراع من المدن الكبرى، للنأي بها من عمليات القصف والتدمير، إلى المناطق الجبلية واتباع تكتيك حرب العصابات ضد تمركزات الجيش الإثيوبي.

رغم إعلان آبي أحمد الانتصار والسيطرة على ميكيلي، صعدت جبهة تحرير التيجراي من تهديداتها وضرباتها، فقائد قوات التيجراي «دبرصيون ميكائيل» في رسالة له بثتها وكالة “رويترز” أكد عزم قواته مواصلة القتال والدفاع عن حقوق الشعب التيجراني في تقرير مصيره، وبعد ساعات من إعلان آبي أحمد انتصاره دوت ستة انفجارات عنيفة في مدينة أسمرة عاصمة إريتريا والمتحالفة حاليا مع الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ضد قوات التيجراي.

سيناريوهات مستقبلية

بعد السيطرة على مدينة ميكيلي تدور العديد من التساؤلات حول سيناريو الصراع والأزمة السياسية في إثيوبيا، ليس فقط في مدينة ميكيلي ومنطقة التيجراي بل في إثيوبيا عمومًا، وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية:

أولا: تعزيز موقف آبي أحمد: بسقوط ميكيلي مؤخرًا يكون آبي أحمد قد نجح في القضاء على أبرز القوى المعارضة لسلطانه في إثيوبيا، فعلي سبيل المثال كان دبرصيون جبرميكائيل  هو المرشح المنافس لآبي أحمد في عام 2018 حزب الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية، وذلك على علي خلفية اختيار رئيس وزراء جديد للبلاد خلفا لديسالين، كما أنه بانتصاره الأخير يكون آبي أحمد أبدي قدرة ومرونة كبيرة في مواجهة الاضطرابات الداخلية فخلال السنتين الماضيتين تعرض آبي أحمد لأكثر من محاولة تمرد وانقلاب في أكثر من قومية (الأورومو – الصوالية – التيجراي – الأمهرة) ونجح في مواجهتهم جميعا، ونقطة أخري تعزز سطوة آبي أحمد هي تحركه لاحتواء الأمر عسكريا خشية تدويل الأزمة الإثيوبية في المحافل الدولية سواء الاتحاد الأفريقي أو مجلس الأمن.

ثانيا: عصر الأمهرة: رغم انتماء آبي أحمد لقومية الأورومو إلا أنه من الناحية الفعلية يسعي لإعلاء مصالح الأمهرة التي ينتسب لها بواسطة والدته وزوجته، فخلال الأزمة الأخيرة قامت جماعة الأمهرة بتوجيه الدعم المالي والعسكري للجيش الإثيوبي في مواجهة التيجراي، الأمر الذي عرض مدينة بحر دار عاصمة الإقليم رشقات صاروخية انطلقت من إقليم التيجراي، وتسعى الأمهرة إلى استعادة نفوذها وسلطانها من جديد في الساحة السياسية الإثيوبية خاصة بعد فقدانها على يد رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي الذي مكن أبناء قوميته التيجرانيين من السيطرة على البلاد. 

ثالثا: تعزيز حضور الجيش الإثيوبي: بالانتصار الأخير وتطهيره من عناصر الوياني (جبهة تحرير التيجراي) سيكون الجيش الإثيوبي لاعبا فاعلا في رسم السياسة الداخلية الإثيوبية خلال الفترة المقبلة فالجيش هو عصا آبي أحمد الغليظة لإخماد أية تطلعات قومية وحق تقرير المصير في البلاد.

 رابعا: حرب العصابات: تتجه أغلب التحليلات حاليا إلى أن الصراع في إثيوبيا سيتجه إلى حرب عصابات مدمرة، وذلك من خلال الانسحاب من مدينة ميكيلي والتوجه صوب الجبال في شمال شرق إثيوبيا وشن الهجمات من هناك، إلا أنني لا أميل كثيرًا لهذا الرأي ولكني لا أرفضه، ويرجع توجسي من هذا السيناريو هو انقطاع قادة جبهة تحرير التيجراي عن شظف العمليات القتالية وحرب العصابات، فقادة التيجراي اليوم ليسوا كالأمس، حيث كانوا ساكني الجبال والمرتفعات متلحفين ببنادقهم ينتظرون الفرصة السانحة للوثب على عناصر نظام الديرغ وقبله نظام هيلاسلاسي وإيقاع الهزائم بهما كما حدث في العقود التي سبقت سقوط نظام الديرغ، أما اليوم فقادة التيجراي من كبار القوم وأكثرهم ثراء وأن صراعهم الحالي مع الحكومة الفيدرالية جزء كبير منه حول تقسيم موارد الدولة والاستئثار بها.

خامسا: نقل الصراع لأسمرة: يبقي الرهان على موقف أسمرة هو الرهان الرابح في الأزمة الإثيوبية، فقديما تحالفت جبهة تحرير التيجراي مع نظيرتها الإرتيرية ونجحوا في دك معاقل نظام الديرغ وإسقاطه، واليوم وقفت أسمرة بالمرصاد للجبهة وعززت من موقف آبي أحمد في المعركة، لذا فالأول الوحيد حاليا لجبهة تحرير التيجراي هو نقل الصراع إلى أسمرة على أمل تصدع النظام السياسي بها الأمر الذي سيكون بمثابة انفراجة كبرى لجبهة تحرير التيجراي.