كتب – حسام عيد

اجتذبت الاكتشافات الجوهرية التي تم إجراؤها على مدار العقد الماضي تركيز شركات النفط الدولية الكبرى والتي بدأ بعضها في الإنتاج في مواقع ثابتة على طول ساحل المحيط الهندي في شرق أفريقيا، وأثارت اهتمام موجة من شركات الاستكشاف الأصغر والشركات شبه الحكومية المتحمسة التي تتطلع إلى الريادة في الاكتشاف الكبير التالي.

ويقع المحيط الهندي لأفريقيا مباشرة مقابل الأسواق الآسيوية المتعطشة للطاقة في الهند وجنوب شرق آسيا والصين.

ومع تواجد الميزة التنافسية لقدرة شحن الغاز المسال مباشرة من المصدر إلى الميناء عبر المحيط، يعمل هذا الموقع كجذب كبير للمستثمرين الذين يتطلعون إلى تقليل نفقات النقل العامة والوصول إلى قاعدة عملائهم الآسيويين.

ويعتقد خبراء الصناعة أن المنطقة غير المستكشفة نسبيًّا قد تحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ما يعني أنه يمكن للقطاع المربح تسريع التنمية إذا كانت الحكومات قادرة على جني الأرباح وتحقيقها وإضفاء الطابع الديمقراطي عليها.

ويقول “إد هوبي-هامشير” -كبير محللي أفريقيا في مؤسسة “فيريسك مابلكروفت” لاستشارات المخاطر السياسية- “إن إمكانات النفط والغاز في المنطقة هائلة”.

الإمكانات الإقليمية

وقد فاجأ دارين وودز -الرئيس التنفيذي لشركة النفط الأمريكية “إكسون موبيل”، المؤسسة الأضخم للتجارة الدولية في مجال النفط والغاز الطبيعي في العالم- مراقبي الصناعة العام الماضي عندما أعلن عن خطط لإنفاق أكثر من 200 مليار دولار على مدى السنوات السبع المقبلة لزيادة إنتاج شركته من الوقود الأحفوري، إلى جانب الاستثمار في البتروكيماويات والتكرير.

جاء هذا الإعلان على خلفية الإنفاق الرأسمالي المتواضع على النفط والغاز من قبل الشركات الكبرى في الصناعة منذ انخفاض سعر النفط الخام في عام 2014.

ومع انتعاش أسعار النفط بشكل مبدئي، مع توقعات بنك أوف أمريكا ميريل لينش للطاقة لعام 2019 التي تتوقع أن يستقر خام برنت عند حوالي 70 دولارًا -على الرغم من أن مخاطر تقلب الأسعار مرتفعة في سياق اضطرابات التجارة العالمية- تتطلع العديد من شركات النفط الدولية إلى زيادة الإنتاج وزيادة الأرباح.

وتعتمد “إكسون موبيل” على الطلب المتزايد، على الرغم من الجهود العالمية لتنويع مزيج الطاقة، وستصبح الأسواق الحدودية مثل المحيط الهندي في شرق أفريقيا تمثل حصة متزايدة باستمرار من محافظ الصناعة، كما يقول المحللون.

وقام اكتشافان مهمان خلال العقد الماضي -الغاز في شمال موزمبيق والنفط في أوغندا- باستقطاب الأضواء الصناعية نحو مناطق شرق أفريقيا والمحيط الهندي، حيث يعتقد الكثيرون أن هذه الاكتشافات ليست سوى قمة جبل الجليد.

كما قامت شركة النفط الإيطالية العملاقة إيني مع شركة التنقيب الأمريكية أناداركو (التي استحوذت عليها شركة شيفرون في أبريل بتكلفة إجمالية قدرها 50 مليار دولار) في سلسلة من الاكتشافات في حوض روفوما في موزمبيق في عام 2010، فيما وصف بأنه أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في العقود الأخيرة.

ومع احتياطيات مؤكدة تبلغ 100 تريليون قدم مكعب، وتقديرات موارد تبلغ 150 تريليون قدم مكعب، يمتلك حقل روفوما ما يكفي من الغاز لتزويد ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لمدة 15 عامًا.

وإذا تم استغلال هذه الاحتياطيات بشكل فعال، يتوقع الخبراء أن تصبح موزمبيق ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

بينما في عام 2006، اكتشفت أوغندا النفط في حوض ألبرتين ريفت بالقرب من حدودها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتقدر الاحتياطيات بنحو 6 مليارات برميل، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في عام 2022 عند 230 ألف برميل يوميًّا.

وعلى الرغم من أن هذا يتضاءل بالمقارنة مع قدرة نيجيريا البالغة 2.5 مليون برميل في اليوم، فإن قدرة أوغندا على بدء الإنتاج من خلال الشراكة مع الشركات الكبيرة -في هذه الحالة شركة توتال الفرنسية الكبرى وشركة النفط البحرية الصينية الوطنية- تعتبر نموذجًا أوليًّا للمنطقة.

ويعتقد ماثيو ريتشموند -مالك شركة “ساماكي للاستشارات” بالعاصمة التنزانية دار السلام- أن نجاح أو عدم نجاح هذين المشروعين سيحدد في نهاية المطاف الشهية الشاملة للاستثمار في النفط والغاز في جميع أنحاء المنطقة.

ويضيف، “كل الأنظار تتجه نحو كيف ستعمل الشركات العالمية مع أوغندا لتصدير خامها وكيف ستعمل كذلك مع موزمبيق لتصدير غازها الطبيعي المسال، هذان هما المعياران لما يحدث في شرق أفريقيا”.

جلب غاز موزمبيق المسال إلكترونيًّا

وبعد نكسات كبيرة في الصناعة بعد الانتكاسات التي تشمل عدم الاستقرار في المنطقة وكارثة ديون موزمبيق الخفية، تنتظر العاصمة مابوتو قرارات الاستثمار النهائية من إكسون موبيل وأناداركو -أكبر مساهمين في حقول الغاز- بقيمة 20 مليار دولار و30 مليار دولار على التوالي.

وصرح دارين وودز الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل أن قرار الشركة سيتخذ في وقت لاحق من هذا العام، حيث تقوم الشركة بتقييم العطاءات المقدمة من قبل مجموعات تتنافس لبناء زوج من قطارات التسييل العملاقة لتسييل الغاز في منطقة كابو ديلجادو شمال شرق موزمبيق -موطن حوض روفوما.

وقد يأتي قرار “أناداركو” في وقت مبكر، حيث قال رئيس مجلس الإدارة آل ووكر إنهم “قريبون جدًا” بعد الحصول على اتفاقية بيع وشراء (SPA) مع شركة بهارات بتروليوم الهندية للتكرير، والتي تعهدت بشراء مليون طن سنويًّا من الغاز الطبيعي المسال لمدة 15 عامًا.

وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لمبيعات الغاز المحجوزة إلى 8.5 مليون طن سنويًّا من سعة 12.88 مليون طن سنويًّا، وهو مستوى قالت “أناداركو” سابقًا إنه سيسمح لها بإجراء الاستثمار.

كما أن إكسون موبيل، بميزانيتها العمومية الكبيرة وشبكتها العالمية من المشترين، إلى جانب الخبرة الواسعة في قارة أفريقيا، قادرة على الالتزام بشروط أقل بكثير من شركائها.

وبينما تشير الاستثمارات النهائية إلى أكبر الخطوات حتى الآن نحو إطلاق إمكانات الغاز في موزمبيق، يؤكد “هوبي-هامشير” أنه لا يُتوقع ظهور الحقلين عبر الإنترنت حتى عام 2024، مما يعني أن أصحاب المصلحة -لا سيما حكومة موزمبيق- لا ينبغي أن يتوقعوا أرباحًا في أي وقت قريب، خاصة في ظل وجود “تناقضات” بين ما تعد به الحكومة وما ستكون قادرة على تقديمه، فهناك عوائق لا تزال تلحق الضرر بمناخ الاستثمار، أولها؛ خفض صندوق النقد الدولي التمويل والثقة في موزمبيق بعد اكتشاف ملياري دولار من الديون العامة الخفية في عام 2016، إضافة إلى استمرار مسلحين تابعين لحركة الشباب في إحداث فوضى بمنطقة كابو ديلجادو، حيث أدى هجوم على البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال أناداركو في وقت سابق من هذا العام إلى وفاة أحد مقاولي الشركة.

ويضيف كبير محللي أفريقيا في مؤسسة “فيريسك مابلكروفت” لاستشارات المخاطر السياسية، “نتوقع أن يتم تشغيل الحقول في عام 2024 ولكن الإيرادات الحكومية ستبدأ بالتحقق والتدفق مع حلول 2027”.