كتبت – أماني ربيع

خلال خمسة عشر عاما أمضاها في إلدوريت بكينيا، بعيدا عن وطنه، أخذ على عاتقه رسم الابتسامة على وجوه الأطفال السمراء بإصلاح آلاف من حالات الشق الحلقي، وبالأمس، خسر الطبيب المصري أشرف عمارة معركته ضد فيروس كورونا المستجد كوفيد – 19، وتوفي صباح أمس في مستشفى ميديهيل، ناكورو، بعد صراع مع المرض لأيام، ليصبح ثانى طبيب في أفريقيا وأول جراح يتوفى بالفيروس التاجي في كينيا.

بحسب كل من عرفه، لم يكن الطبيب الراحل مجرد جراح تجميل عادي، فكل من عمل معه سواء خلال ممارسته للجراحة، أو خلال تدريسه في كلية الطب بجامعة موي، أكد أن عمارة كان يملك قلبا من ذهب.

أشرف الدكتور عمارة، على مئات الأطباء المتدربين، في إجراء عمليات الجراحة التجميلية في مستشفى Moi التعليمي، بالإضافة إلى دوره الرائد في الأبحاث الطبية في هذا المجال.

جراح الخير

يشير الملف الشخصي للدكتور عمارة في جامعة Moi إلى أنه عمل بالجامعة منذ 2005 ، حيث قام بتدريس الجراحة التجميلية والإشراف على طلاب درجة الماجستير أثناء إجراء البحوث وإجراء العمليات على المرضى.

ولاتزال رسائل التعازي  تتدفق على مواقع التواصل الاجتماعي منذ إعلان خبر الوفاة أمس، من عدد من الأشخاص الذين عرفوا الدكتورة عمارة، وبجانب حزنهم أعربوا عن غضبهم من الرحيل المفجع لطبيب أفنى حياته في خدمة مرضاه.

” وُلد ابني بشق في الشفاه، وعندما ذهبنا لرؤية جراح التجميل لعلاجه، وجدنا دكتور عمارة أكثر من مجرد طبيب، كان أشبه بضوء في نهاية نفق مظلم للغاية، لم يكتف فقط بإجراء العملية، قام بنصح ابني وتشجيعه وطمأنته مثل.”، بهذه الكلمات عبرت باربرا ماري تشيبيت عن حزنها على الطبيب الراحل.

وكتب سي كي روتيش تومشي: “هذا يوم حزين للغاية، استيقظت على خبر مفجع عن رحيل جندي شجاع، استسلم المعلم وجراح التجميل والترميم للوحش، أصبح الأمر مخيفا، الأمل الصغير فينا يتضاءل”.

وكانت كاري نيموا، واحدة من مئات الطلاب الذين درس لهم دكتور عمارة، ووصفت خسارتها بالضخمة وقالت: “أنا تائهة، ومذهولة، كان أفضل جراح تجميل وترميم قابلته على الإطلاق، كان أستاذي وفخورة بأني تعلمت على يديه، لماذا يغادر الأشخاص الطيبون في وقت مبكر جدا، كوفيد – 19، يسلبنا الأحباء.”

وقال ماركوس سامي من طلابه أيضا: “كان يرحب بجميع الطلاب المصريين الذين يذهبون إلى كينيا ويفتح منزله لهم، عندما سافرت وسُرقت أموالي، تحدث معي شخصيًا دون أن يعرف أي من الطلاب وقال أنا هنا مثل والدك، لا تطلب شيء من أحد آخر “.

واحتفت منظمة ” Smile Train Africa” بالطبيب الراحل، ووصفته بـ “الجراح المبدع الخير الحازم”، والذي كان شريكًا هائلاً في تغيير حياة مئات المرضى الذين يعانون من الشق في جميع أنحاء إفريقيا.

والشق عبارة عن فشل التئام الشفة أو الحنك في الالتحام، يولد به الطفل، ويتسبب في معاناة الأطفال في التنفس أو الأكل أو التحدث.\

كما رسم الطبيب المصري الراحل الابتسامة على وجوه الأطفال وذويهم، حاول بكل جهد نقل خبرته الجراحية، إلى الجراحين في عدة دول أفريقية من كينيا والصومال وجيبوتي إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وزيمبابوي.

قالت المديرة الإقليمية للمنظمة، إستر نجوروج موريثي، إن العديد من طلابه، أصبحوا قادرين الآن على تقديم رعاية عالية الجودة داخل مجتمعاتهم المحلية.

وأوضحت أن المنظمة سوف تعمل على تشجيع جراحي التجميل على حفظ ذكراه حية، واستمرار إرثه من خلال محاكاة قيمه في خدمة وتقديم الرعاية للمرضى.

قوة مصر الناعمة في أفريقيا

ومن جهتها، نعت النقابة العامة للأطباء في مصر، الدكتور عمارة عبر حسابها على موقع فيسبوك: “إن قوة مصر الناعمة فى أفريقيا فقدت واحدا من أبرز ممثليها فى المنطقة وتحديداً فى كينيا، وهو الطبيب الجراح أشرف عمارة والذى داهمه وباء كورونا ليصبح ثاني طبيب فى أفريقيا وأول جراح يتوفى بكورونا فى كينيا.”

وأوضحت النقابة، فى بيان، أن الدكتور أشرف عمارة هو أستاذ جراحة التجميل فى المستشفى التعليمى بكينيا، حيث قررعقب تخرجه فى قصر العينى، أن يوهب حياته وعلمه لعلاج أبناء القارة السمراء من تشوه خلقى نادر وصعب وهو الشفة الأرنبية التى تخصص فيها وكان من أمهر جراحيها.

وقال الدكتور وائل صقر، رئيس قسم جراحة التجميل بكلية الطب جامعة بني سويف، خلال مداخلة هاتفية فى برنامج مساء dmc ، الذي تقدمه الاعلامية إيمان الحصرى، إن الدكتور عمارة بعد  حصوله على شهادة الدكتوراة، قرر العمل ضمن فريق مع صندوق التعاون الأفريقي، ثم توجه إلى دولة كينيا، وكان يسافر إلى أوروبا لزيادة خبراته، وسافر إلى أكثر من سبع او ثمانى دول أفريقية؛ لمساعدة الأفارقة عبر إجراء عمليات جراحية لهم.

وأضاف صقر: “كان الراحل ينفق على العمليات من حسابه الخاص من أجل الإنسانية، وقام ببناء مسجد على نفقته الخاصة”.

وفي تعليقه لصحيفة Saturday Standard، قال ويلسون أروسا، الرئيس التنفيذي لشركة MTRH ، إن المجتمع الطبي صُدم بفقدان الجراح إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد، مؤكدا أن الطبيب الراحل أجى دوره في الجراحة التجميلية سواء في MTRH ، و Smile Train Africa على أكمل وجه.

ووصف إسماعيل أيابي، سكرتير اتحاد الممارسين الطبيين والصيادلة وأطباء الأسنان في كينيا (KMPDU)، الدكتور عمارة، بأنه كان جراحا يعتمد عليه، أجرى الكثير من العمليات الدقيقة في عدة مستشفيات في أنحاء مدينة إلدوريت.

وأوضح أن الطبيب الراحل أصبح أول جراح يموت بسبب كوفيد – 19 في المنطقة، موضحا الخطر الذي يشكله المرض على الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية.

الجائحة تفترس العاملين بالصحة

ولفت أيابي أن الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجد، عرّضت العاملين الصحيين لخطر متزايد، وأصبح الدكتور عمارة ثاني طبيب وأول جراح يموت بسبب فيروس كورونا في البلاد، وقال: “نحث زملائنا على مواصلة العمل لإنقاذ البشرية، ولن يثبط هذا من عزيمتنا.”

وبحسب موقع pd أونلاين، أصبحت كينيا في مواجهة أزمة صحية ملحة، حيث تسببت الجائحة العالمية في خسائر فادحة في المسعفين، وبدأ العاملون في مجال الرعاية الصحية في البلاد يتحملون وطأة المرض منذ تفشي الوباء في البلاد مارس الماضي.

وكانت الدكتورة دورين لوجاليكي أديسا، التي تقيم في نيروبي، وهي أم لتوأم يبلغان من العمر 13 عامًا، وطبيبة أمراض نساء وتوليد في مستشفى نيروبي الجنوبي، أول طبيبة كينية تستسلم لـ كوفيد – 19 في يوليو الاضي.

توفيت لوجاليكي، التي كانت مصابة بمرض السكري، في مستشفى جامعة الآغا خان، وبعد فترة وجيزة من وفاتها، أعلنت الوزارة وفاة الدكتور مبولوي، أخصائي أمراض الرئة في مستشفى كينياتا الوطني، وألوميرا، وهو طبيب أسنان بجامعة نيروبي.

شهد هذا الشهر أكبر عدد من وفيات الأطباء  بدءًا بوفاة ألوشولا  جراح العظام في مستشفى مقاطعة كاكاميجا العام، وبعده على الفور إنيانجالا، وهو مسعف امتلك خبرة 25 عامًا في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، إلى جانب دكتور عمارة جراح التجميل، وغيرهم.

 وبحلول يوم السبت، تسبب الفيروس في وفاة نحو 31 من العاملين في مجال الرعاية الصحية وإصابة نحو 800 طبيب و 320 مسؤول إكلينيكي و 600 ممرض.

ووصلت الأرقام إلى مستويات مثيرة للقلق في الأسبوعين الماضيين حيث خسرت البلاد الدكتور ندامبوكي مبولوي، ود. ك مبوبا لصالح الفيروس القاتل، ودق معدل الإصابة المرتفع بين العاملين في مجال الرعاية الصحية ناقوس الخطر بين الأطباء، حيث منحت نقابة الممارسين الطبيين والصيادلة وأطباء الأسنان في كينيا (KMPDU) أمس الحكومة مهلة أسبوعا، لتزويدهم بتغطية تأمينية شاملة وتوفير ما يكفي من معدات الحماية الشخصية (PPEs) لحمايتهم من الفيروس عند التعامل مع المرضى.

وأرجع الاتحاد الكيني للمسؤولين الطبيين (KUCO) ارتفاع عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين أصيبوا بالعدوى والموت إلى فشل الحكومة في استبعاد كبار السن وذوي الأمراض المزمنة من العمل، وقال جورج جيبور الأمين العام للاتحاد: “كان من الممكن تجنب هذه الوفيات لو استجابت الحكومة لإرشاداتنا وتلك الخاصة بمن يستبعد هذه الفئة من الخدمة الفعلية كما هو الحال مع دول أخرى مثل إثيوبيا ومصر وغانا ورواندا وأستراليا”.

بعد ذلك ، أصدر الأطباء 9 مطالب يرغبون في أن تلبيها الحكومة من بينها التوزيع الفوري لمعدات الحماية الشخصية الموجودة في وكالة الإمدادات الطبية الكينية (Kemsa) إلى المرافق الصحية ، والتغطية الشاملة للعاملين في الرعاية الصحية ، وزيادة بدل المخاطر الصحية ، والعاملون في الرعاية الصحية المتوقعون من هم فوق 55 سنة للعمل من المنزل.

ودعا المحامي المخضرم جون كامينوا الحكومة الكينية لتركيز جهودها على مكافحة الوباء، بدلا من الانخراط في قضايا فرعية أخرى، خاصة مع قلة عدد الاختبارات والمسحات التي تُجرى للمواطنين، وبخاصة الذين يعناون من أعراض الفيروس التاجي الكلاسيكية مثل الحمى ومشاكل الجهاز التنفسي التي عادة ما تصاحب نزلات البرد.

وأصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO)، مؤخرا، تحذيرًا مرعبًا لمليارات الأشخاص حول العالم ، قائلة: “ربما سئمنا من فيروس Covid-19 ، لكنه لم يتعب منا.”

طلب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ، تيدروس أدهانوم جيبريسوس ، من البلدان ألا تعلق آمالها على الإطلاق السريع للقاحات المختلفة في المراحل الأخيرة من التطوير حاليًا، وقال لمنتدى باريس للسلام: “ربما سئمنا من Covid-19 لكنه لم يتعب منا.

وأضاف: “إنه يفترس أولئك الذين يعانون من ضعف في الصحة، لكنه يفترس نقاط ضعف أخرى أيضًا: عدم المساواة ، والانقسام ، والإنكار ، والتفكير بالتمني والجهل المتعمد، هذا وباء لا يمكننا التفاوض معه، أو أن نغمض أعيننا ونأمل أن يزول “.

في الأسبوعين الماضيين ، أبلغت كينيا عن 14081 حالة جديدة ، تمثل 20.3 في المائة من إجمالي 69273 حالة وفاة، واعتبارا من يوم السبت، كان هناك 1185 مريضًا في مختلف المستشفيات و 5974 في الرعاية المنزلية، من بين هؤلاء المرضى ، هناك 58 في وحدة العناية المركزة.