كتب – محمد الدابولي

بات مستقبل تنظيم القاعدة على المحك في الفترة الأخيرة، خاصة بعد فقدانه العديد من القيادات التاريخية والمؤثرة، سواء على مستوى قيادة التنظيم في جبال أفغانستان، أو على مستوى أفرعه خاصة في القارة الأفريقية، فعلى مستوى قيادة التنظيم تتواتر حاليا العديد من الأنباء حول وفاة زعيم التنظيم «أيمن الظواهري».

في وقت سابق أشارت حسابات تابعة لتنظيم «حراس الدين» في سوريا والذي يعد أحد أفرع التنظيم إلي وفاة زعيم التنظيم «أيمن الظواهري» إذ انقطعت الاتصالات بين الظواهري وحراس الدين فترة طويلة تصل إلي أسابيع، مما دفع تلك الحسابات إلي استنتاج وفاة الظواهري لنظرا لما كان يعانيه مؤخرا من بعض الأمراض.

قادة العمليات

لعل خبر وفاة الظواهري أقل وطأة على التنظيم من الأخبار المتداولة عن مقتل قادة العمليات في التنظيم سواء على المستوى الرئيسي أو أفرع التنظيم في أفريقيا، فخلال الأيام الماضية وتحديدا يوم 14 نوفمبر 2020 أشارت صحيفة نيويورك تايمز  إلي تمكن الاستخبارات الإسرائيلية يوم 7 أغسطس 2020من قتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة «عبدالله أحمد عبدالله» والمكنى بـ «أبومحمد المصري» في عملية استخباراتية معقدة بالتعاون مع نظيرتها الأمريكية.

نوهت الأخبار المتداولة عن «أبو محمد المصري» بأنه قتل في حي باسدران في العاصمة الإيرانية طهران حيث كان يقيم بصورة متخفية، وكان «المصرى» يشغل منصب قائد العمليات في تنظيم القاعدة، إذ كان المسئول تقريبا عن كافة هجمات تنظيم القاعدة، وفي تقرير لموقع العربية أشار إلي ضلوعه في تدريب المقاتلين الصوماليين عقب سقوط نظام «محمد سياد برى» على استهداف الطائرات بواسطة الصواريخ الموجهة وهو ما تحقق في عام 1993، ويشير التقرير أيضا إلي كونه العقل المدبر والمنفذ لهجمات استهداف سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في عام 1998.

قائد العمليات الأفريقي

وبالتزامن مع أخبار وفاة زعيم تنظيم القاعدة وقائد العمليات الرئيس «أبو محمد المصري»، أعلنت القوات الفرنسية العاملة في إطار عملية برخان عن تمكنها من اغتيال قائد العمليات في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين الموالي للقاعدة «باه أغ موسى» في عملية عسكرية، ويمتلك «أغ موسي» سجلا حافلا بالعمليات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، حيث سبق له الخدمة في الجيش المالي قبل أن ينشق عليه وينتمي لحركات تمرد الأزواد، وأخيرا الإلتحاق بإياد أغ غالي، وتأسيسهما لتنظيم «أنصار الدين».

نظم «باه أغ موسى» العديد من العمليات الإرهابية ضد الجيش  المالي، ففي يناير 2012 كان المسئول عن مذبحة كيدال التي راح ضحيتها عشرات الجنود من الجيش المالي، وفي 16 يوليو 2016 نفذ هجوما أخر على ثكنة نامبالا في مالي مما أسفر عن مقتل 20 جندي، وفي مارس 2019 نفذ هجوما أخر تجاه معسكر ديورا في مالي مما أدي إلى مقتل 21 جندي على الأقل، وفي سبتمبر 2019 نفذ هجوما أخر على الحدود بين مالي وبوركينافاسو مما أدي لمقتل 40 جندي، وبعدها بشهرين نفذ هجوما أخر في مدينة إنديلمان شمال مالي مما أدي لمقتل 53 جندي.

بزغ نجم «باه أغ موسي» في مارس 2017 أي بعد اندماج تنظيمه أنصار الدين مع تنظيمات جبهة تحرير ماسينا والمرابطون والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي “جهة الصحراء” ليؤسسوا جميعاً تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين ويتولى هو مسئولية قيادة العمليات في التنظيم الجديد، مما دفع الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة إلي إدراج اسمه في قوائم الإرهاب.

استكمال العقد

تدخل عملية اغتيال باه أغ موسي ضمن سلسلة استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، فخلال عملية برخان التي انطلقت في عام 2014 حرصت فرنسا ودول الساحل على التخلص من قيادات التنظيمات الإرهابية واحدا تلو الأخر ، حيث تم اغتيال معظم قيادات التنظميات الإرهابية التي قادت العمل المسلح في منطقة الساحل منذ عام 2012.

فقد سبق اغتيال «باع أغ موسي» اغتيال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي «عبدالمالك دروكدال» في يونيو 2020 ، كما تم استهداف رؤوس أخري مثل يحي أبو الهمام أمير جهة الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأبو عبدالرحمن الصنهاجي القاضي الشرعي في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، وأبو عياض التونسي وأبو دجانة القصيمي وغيرهم من القيادات المؤثرة في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين.

مستقبل التنظيم

بات مستقبل تنظيم القاعدة على المحك خاصة بعد الأحداث الأخيرة والتي كشفت تصدع التنظيم واحتمالية تعرضه للتفكك والانهيار ومن أبرزها:

  • تصفية العقول التدميرية:

التصفيات المستمرة لقيادات تنظيم القاعدة خاصة المسئولين عن العمليات سواء على مستوى فروعه في أفريقيا أو على المستوى الرئيسي، ستؤدي إلي ضعضعة التنظيم وضعف قدرته على توجيه الضربات وتنفيذ هجمات إرهابية سواء في أفريقيا أو غيرها، فعلي سبيل المثال امتلك «أغ موسي» خبرة مزدوجة كونه رجل عسكري سابق في الجيش المالي

  • أزمة الخلافة في قيادة التنظيم:

باتت أزمة خلافة قيادات التنظيم أزمة كبيرة داخل تنظيم القاعدة وفروعه، ففي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على سبيل المثال لم يتم اختيار خليفة لعبدالمالك دروكدال حتى الآن خشية أن يؤدي ذلك إلي تصاعد الخلافات بين القيادات الوسطى للتنظيم، فضلا عن احتمالية تصاعد الخلافات بين العناصر العربية والأزوادية داخل التنظيم حول قيادة التنظيم.

ويبدو أن مسألة أزمة الخلافة في قيادة التنظيم ليست على مستوى أفريقيا بل على مستوى التنظيم ككل، ففي ظل تواتر الأخبار عن وفاة أيمن الظواهري زعيم التنظيم تتصاعد احتمالية تعرض التنظيم للتصدع على خلفية اختيار خليفة للظواهري في قيادة التنظيم، إذ كان يُري في أسامة بن لادن ومن بعده الظواهري كقيادات تاريخية للتنظيم حظيت باحترام فروع التنظيم في العالم، لذا من المحتمل مواجهة القيادة الجديدة للتنظيم رفض كبير على مستوى أفرع التنظيم مما يؤدي إلي زيادة احتمالية تفكك التنظيم وانهياره، خاصة في أفريقيا التي فشل فيها التنظيم اختيار قيادة جديدة لفرعه في بلاد المغرب الإسلامي خلفا لعبدالمالك دروكدال.

  • جيل جديد من التنظيمات الإرهابية:

بعد الضربات الأخيرة لتنظيم القاعدة وفروعه، من المحتمل أن نكون أمام جيل جديد من التنظيمات الإرهابية، إذ من المحتمل أن تنتفي صفة العالمية على تلك التنظيمات وأن تصطبغ بالطابع المحلي بشكل كبير كما هو الحال حاليا في شمال مالي والتي يبرز بها جبهة تحرير ماسينا المنتمية لجماعة الفولاني، وأيضا الجماعات الإرهابية وتحديدا نصرة الإسلام في شمال بوركينافاسو وبعض الجماعات الأخرى في غرب أفريقيا التي باتت تلعب على وتر المظلومية الإثنية بشكل كبير.