كتب – حسام عيد

مع تقدم التصنيع الأفريقي وتداعيات جائحة كورونا الوبائية «كوفيد-19» على سلاسل التوريد الطويلة ، تكتسب فكرة أن الاقتصادات الأفريقية يجب أن تنتج المزيد محليًا زخمًا.

في كل مرة يزور أحد الشخصيات الأجنبية البارزة شركة “سيبلا المحدودة لجودة الصناعات الكيميائية Cipla Quality Chemical Industries Limited” المحلية في أوغندا، يزرعون شجرة. فيما يظهر الرؤساء الزائرون بشكل متكرر لدرجة أن الحافة العشبية خارج مصنعها في العاصمة كمبالا ستصبح غابة قريبًا.

وتعد الشركة المصنعة للمستحضرات الصيدلانية إنجاز فريد ومدعاة للفخر لدى الحكومة الأوغندية، فهي بمثابة علامة على أن أفريقيا لا تحتاج إلى الاعتماد على الواردات الأجنبية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

تعزيز الإنتاج المحلي

عززت جائحة «كوفيد-19» فكرة أن البلدان الأفريقية يجب أن تنتج محليًا، بدلاً من الاستيراد من الخارج.

وقد أعرب الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، الذي أعلن الإغلاق في مارس، عن أمله في أن تساعد الأزمة في بناء القدرة التصنيعية، بدلاً من تحويل السوق الأوغندية إلى نقطة إغراق للسلع الأجنبية.

وقال الرئيس الأوغندي، محفزًا المصنعين والمنتجين وأصحاب الأعمال ورأس المال في البلاد: “كل ما كنت تستورده، باستثناء المنتجات البترولية، اصنعه الآن هنا”.

وتقوم شركة سيبلا Cipla، وهي شركة أدوية هندية تمتلك 51% من شركة سيبلا المحدودة لجودة الصناعات الكيميائية CiplaQCIL، باستيراد الأدوية التي تبيعها في أوغندا.

في عام 2005 دخلت في شراكة مع سيبلا المحدودة لجودة الصناعات الكيميائية Quality Chemicals Industries، موزعها الأوغندي، ونقلت أجزاء من عملية تصنيع الأدوية والمستحضرات الصيدلانية إلى العاصمة كمبالا.

ويوضح الرئيس التنفيذي للشركة الأوغندية سيبلا لجودة الصناعات الكيميائية CiplaQCIL، نيفن برادفورد، أن المكونات النشطة لا تزال تأتي من الهند والصين، ولكن يتم تصنيع الأقراص واختبار الجودة في أوغندا.

وأضاف، «تبيع الشركة أدوية لفيروس نقص المناعة البشرية والملاريا وفيروس التهاب الكبد B للحكومة الأوغندية والوكالات المانحة و 19 دولة أفريقية».

هذا النوع من إحلال الواردات يخلق فرص عمل وينقل المهارات ويوفر النقد الأجنبي، فضلًا عن إثارة الكبرياء الوطني.

وقد لاحظ الرئيس التنفيذ لشركة سيبلا الأوغندي «برادفورد» أن هناك ميزة في الوقت الراهن تدعم ذلك النهج، وهي؛ أمن الإمداد، بعد تسبب «كوفيد-19» في تعطيل النقل.

وقال برادفورد: “إذا كان هناك أي شيء ، فإن ما فعله كوفيد-19 من وجهة نظرنا هو بلورة عقول مقدمي الرعاية الصحية حول أمن الإمدادات”.

وأضاف، “فقط عندما يواجهون اضطرابات الخدمات اللوجستية والواردات والشحن الجوي والشحن البحري وكل ذلك، فإنهم يقدرون حقًا فائدة الحصول على تأمين التوريد من شركة تصنيع مقرها في أفريقيا”.

وأكد برادفور أن ذلك يساعد أوغندا وأفريقيا على نطاق أوسع، موضحًا أن: “في بداية جائحة كوفيد-19، كانت بوتسوانا تواجه عجزًا بمخزون مضادات الفيروسات القهقرية “الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية” لأنها لم تستطع الحصول عليها من مصادر الإمداد المعتادة في الهند. لذلك تمكنا من التدخل وتأمين عقد بقيمة تزيد عن 6.5 مليون دولار لتقديم مليون علاج من مضادات الفيروسات القهقرية المرتدة. ومن البداية تمكنا من القيام بذلك في 10 أسابيع”.

محاكاة تجارب الماضي

في القرن الثامن عشر، حث الأب المؤسس للولايات المتحدة الأمريكية ألكسندر هاميلتون الحكومات على إقامة حواجز جمركية لحماية الصناعات الناشئة. وفي الخمسينيات من القرن الماضي، قال الاقتصاديون في أمريكا اللاتينية إن توجه إحلال الواردات من شأنه أن يساعد البلدان النامية على كسر قبضة التبعية الاقتصادية.

تبنت العديد من الدول الأفريقية هذا النهج بعد الاستقلال، مع بعض النجاح الأولي. بين عامي 1965 و1970 نما إنتاج التصنيع سنويًا بنسبة 8% في غانا، و10% في تنزانيا، وهي معدلات نادرًا ما تمت مطابقتها منذ ذلك الحين.

لكن الازدهار لم يدم، حيث أصبحت البلدان الأفريقية أكثر اعتمادًا على الواردات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها لا تزال بحاجة إلى شراء السلع الوسيطة والرأسمالية، وكانت المؤسسات الصناعية غير فعالة بسبب سوء الإدارة بعد أن كانت محمية من المنافسة الدولية.

في الثمانينيات، عندما انزلقت أفريقيا إلى أزمة ديون، دفع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الحكومات نحو الصادرات والخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر.

في السنوات الأخيرة، حقق إحلال الواردات عودة هادئة. ويؤدي النمو الصيني والحمائية الترامبية إلى تآكل مبادئ التجارة الحرة، كما أن التصنيع البطيء في أفريقيا يعيد إحياء الاهتمام بالسياسات البديلة.

على أي حال، تحدث درجة من إحلال الواردات في أفريقيا، مدفوعة بالنمو السكاني والطلب المتزايد.

وقد وجدت الدراسات الاستقصائية للشركات الصناعية الأفريقية التي أجراها مركز النمو الدولي، وهو شبكة بحثية في كلية لندن للاقتصاد، أن العديد منها بدأ كشركات استيراد وتصدير قَبَل الدخول في التصنيع المحلي.

وما يقارب من نصف الـ50 شركة صناعية رائدة في إثيوبيا في عام 2010، بدأوا كتجار. وهناك نمط مماثل ينطبق على الشركات الأجنبية في أفريقيا، حيث تحقق الشركات المصنعة الصينية في أفريقيا 93% من إيراداتها من المبيعات المحلية أو الإقليمية، وفقًا لمسح أجرته شركة الاستشارات العالمية ماكينزي McKinsey لعام 2017.

إمكانات متفاوتة

عادة ما تتم ممارسة سياسة إحلال الواردات على نطاق وطني، لكن نمو الأسواق الإقليمية يخلق ما يعادله على مستوى أفريقيا، فالمجتمعات الاقتصادية الإقليمية تتعمق، ومنطقة التجارة الحرة القارية تلوح في الأفق.

في كتاب ثورة الأعمال في أفريقيا، الذي صدر عام 2018، توقع مستشارو ماكينزي أن “ثلاثة أرباع فرص النمو في التصنيع تكمن في تلبية الطلب داخل أفريقيا وإحلال الواردات”.

ويقول كارلوس لوبيز من جامعة كيب تاون: «إن الإمكانات غير متكافئة. أعتقد أن استراتيجية التصنيع في أفريقيا ستتمحور حول إحلال الواردات في الغالب على منطقة المعالجة الزراعية، ولكن ليس في مجالات أخرى. قد تكون قطاعات مثل التصنيع الخفيف أكثر توجهًا نحو الصادرات العالمية».

في بعض البلدان لم يختفِ إحلال الواردات أبدًا. في نيجيريا، يخلق السوق المحلي الكبير وفورات الحجم للصناعة المحلية.

كما ساعدت “سياسة التكامل العمودي الخلفي الخاصة بها رجل الأعمال أليكو دانجوتي في بناء شركة أسمنت محلية -وهي نموذج يأمل في تكراره في قطاعات من الأسمدة إلى تكرير النفط. في الوقت نفسه، أدت قيود الاستيراد الخرقاء إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين وشجعت التهريب.

بينما اتخذت السياسة الأوغندية مسارًا أكثر التفافا. وأوضح “برنامج النقاط العشر” الذي وضعه جيش المقاومة الوطني بقيادة موسيفيني في الثمانينيات بأن إحلال الواردات سيوقف “النزيف اللانهائي” للموارد الوطنية. ولكن بعد فوزه بالسلطة عام 1986، انتقل إلى التجارة الحرة وقلل من تدخل الدولة.

ويقول الاقتصادي في كلية إدارة الأعمال بجامعة ماكيريري الأوغندية، راماثان جوجوبي: «في ذلك الوقت، كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية يروجون لتوافق آراء واشنطن وكانت هذه حكومة جديدة، لقد كانت مفلسة».

ويضيف: «لذا تخلوا على الفور عن برنامج النقاط العشر. لكن على مر السنين كانوا يحاولون تدريجيًا العودة إلى حيث كانت خطتهم الأولية».

في عام 2014، أدخلت أوغندا سياسة «شراء أوغندا، وبناء أوغندا»، والتي تسعى إلى تعزيز استهلاك المنتجات الأوغندية من خلال العلامات التجارية، وخطط أفضلية المشتريات العامة ودعم الشركات الصغيرة لتلبية متطلبات سلسلة التوريد. وقام موسيفيني بتكليف مصانع جديدة ومجمعات صناعية، والتي عادة ما تتلقى إعفاءات ضريبية.

في عام 2018 ، افتتح مصنعًا تديره شركة Goodwill، وهي شركة صينية لتصنيع السيراميك، تدعي اليوم أنها تلبي 70% من الطلب الأوغندي على بلاط السيراميك.

وختامًا، وفي ظل الأوضاع التي فرضتها جائحة «كوفيد-19»، والتداعيات الناجمة عنها، يتمثل إحلال الواردات الآن في تطوير القدرة على المنافسة، لا نتحدث عن حظر الواردات، ولكننا ننظر في كيفية استخدام محرك إحلال الواردات لجعل منتجاتنا الأفريقية أكثر تنافسية محليًا، ثم في السوق الإقليمية وفي الأسواق الدولية.