كتب – حسام عيد

أرض الصومال أو كما تعرف بـ”صوماليلايند”، الجمهورية المعلنة ذاتيًا منذ ثلاثة عقود، وتحديدًا في عام 1991، تتصدر اليوم التقارير البحثية والإعلامية، بعد اعتمادها نهجًا اقتصاديًا أكثر انفتاحًا، حازت معه على ثقة المستثمرين الأجانب.

 وتتمتع “صوماليلاند” بنظام سياسي متكامل ومؤسسات حكومية فعّالة وأجهزة امنية وعملة نقدية مستقلة، بالإضافة إلى نجاح هذه المنطقة في النأي بنفسها عن دوامة الفوضى والعنف التي تعصف بالصومال.

وتساهم استثمارات شركة “موانئ دبي العالمية”، وشركة “ترافيجورا” السويسرية العاملة في تجارة السلع الأولية، وثاني أكبر متداول للنفط في العالم، في إحداث نقلة تنموية وخلق اقتصاد نوعي وتوفير فرص عمل رائجة، وهو ما تثبته وتؤكده الإنجازات المتسارعة على أرض الواقع، الأمر الذي من شأنه تشجيع المستثمرين الأجانب والشركات العالمية الكبرى على القدوم إلى أرض الصومال لاستشكاف الفرص التنافسية الفريدة، وقد يكون سببًا رئيسيًا في تحول بوصلة المجتمع الدولي إلى صوماليلاند، وتهافت دول العالم على إقامة علاقات ثنائية تحمل في طياتها الخير والاستقرار والسلام.

الاستثمار مفتاح الاعتراف الدولي

منذ مارس 2017، تسلمت “موانئ دبي العالمية” إدارة ميناء بربرة، وتحتفظ بحصة 51% مقابل 30% لهيئة موانئ صوماليلاند، و19% لإثيوبيا، بعد أن صوت برلمان جمهورية صوماليلاند في عام 2016 لمنح الشركة الإماراتية امتيازًا لمدة 30 عامًا مع تمديد تلقائي لمدة 10 سنوات لإدارة وتنمية الميناء في بربرة.

وقد بشرت استثمارات بحجم 442 مليون دولار ضختها الشركة الإماراتية لتوسعة الميناء الواقع في شرق أفريقيا وتحويله إلى أحد المرافق الرئيسية في القارة، بفجر جديد في صوماليلاند.

وكانت توسعة موانئ دبي العالمية لميناء بربرة، التي أضافت رصيفًا جديدًا ومنطقة تجارة اقتصادية حرة على مساحة 12 متر مربع لتتكامل مع مشروع تطوير الميناء، وطريق سريع بطول 240 كيلومترًا لم يكتمل بعد بقيمة 100 مليون دولار يربط بربرة بإثيوبيا ومن المتوقع أن يكون ثاني أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ صوماليلاند، اختبارًا قويًا لأرض الصومال، التي أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991.

في حين أن الدولة لديها العديد من السمات المميزة للأمة، بما في ذلك العملة والجيش والقادة المنتخبون ديمقراطيًا، فإن محاولتها للحصول على الاعتراف الدولي قد توقفت، حيث يعتقد القادة في العاصمة، هرجيسا، أنهم يعرفون ما الذي سيجلب الاستقلال الرسمي لأرض الصومال؛ إنه الاستثمار الدولي.

في عام 2018، قال موسى بيحي عبدي رئيس جمهورية أرض الصومال، إن “شركة موانئ دبي العالمية قدمت إلى صوماليلاند حاملة الخير معها، وآمل أن تتبعها الشركات الكبرى الأخرى”.

وبالفعل هذا ما حدث في عام 2020، فقد توافدت الاستثمارات العالمية لتصاحب الإنشاءات الضخمة التي قامت بها موانئ دبي لتجهيز الميناء، ووقعت شركة ترافيجورا السويسرية Trafigura لتجارة السلع الأولية، وأحد أكبر تجار النفط في العالم، عقدًا لتوريد الهيدروكربونات وتحديث ميناء بربرة. وفي أوائل سبتمبر الماضي، قامت الشركة بتسليم أول شحنة من زيت الوقود منخفض الكبريت لصوماليلاند.

ويقول جيمس جوسلينج، رئيس مكتب ترافيجورا لتجارة الطاقة في أفريقيا، “لقد أثبتت أرض الصومال نفسها على مدى سنوات عديدة أنها مستقرة وديمقراطية، مع اقتصاد متنام”.

ويضيف “تكرس شركة ترافيجورا Trafigura موارد كبيرة لتنمية مصادر الطاقة المتجددة، وبصمة الطاقة لدينا على المستويين الكلي والجزئي، وتعد شرق أفريقيا سوقًا مثيرة للاهتمام للغاية”.

تعزيز التجارة الإقليمية

وهنا، يرى أحمد سليمان الباحث في القرن الأفريقي في مركز تشاتام هاوس في لندن، إن ميناء بربرة يتسم بموقع جيوستراتيجي مهم على خليج عدن.. فهو بمثابة نقطة اختناق بحرية ذات أهمية عالمية، حيث يمر عبره ما يصل إلى 20% من التجارة العالمية سنويًا”.

وسيشمل استثمار ترافيجوار، تحديث البنية التحتية لزيادة سعة التخزين والسماح بسفن أكبر في محطة بربرة للنفط. الأمر الذي سيسمح لترافيجورا باستيراد غاز البترول المسال ووقود الطائرات لتلبية الطلب المحلي والإقليمي بالإضافة إلى دمج الخدمات اللوجستية وتنسيق مواصفات الوقود في القرن الأفريقي، وبالتالي تعزيز التجارة الإقليمية.

وأبدى وزير التجارة والصناعة والسياحة لدولة أرض الصومال محمود حسن سعد، ترحيبه بخطوة شركة ترافيجورا، قائلًا: “يسعدنا العمل مع شركة دولية رائدة ومستقلة مثل ترافيجورا Trafigura لتحسين جودة وموثوقية توريد المنتجات البترولية المكررة إلى البلاد”.

وأضاف، “من خلال العمل مع Trafigura، ستزداد الشفافية والمعايير العالية والقدرة التنافسية المتزايدة عبر سلسلة التوريد”.

ومثل هذه الاستثمارات هي علامات تظهر أن حكومة أرض الصومال هي حكومة شرعية، ولها سيطرة على أراضيها، وتحاول تحسين حياة سكانها، ولديها قوات مسلحة خاصة بها، وتجري انتخاباتها الخاصة، وكانت سلمية إلى حد كبير في منطقة غير مستقرة للغاية في أفضل جزء خلال ثلاثة عقود مضت؛ وفق ما أفاد الباحث في القرن الأفريقي أحمد سليمان.

النفاذ إلى السوق الإثيوبي

يرتبط استثمار ترافيجورا في ميناء بربرة بقدر كبير بآمال جارة أرض الصومال الشاسعة المتعطشة للطاقة، إثيوبيا.

ويقول رئيس مكتب ترافيجورا في أفريقيا، جيمس جوسلينج، “إثيوبيا مركز طلب ضخم بدون منفذ بحري، وتعتمد على ميناء واحد فقط في جيبوتي”.

ويضيف “تتمتع بربرة بموقع جيد لتزويد إثيوبيا بوصول متزايد إلى البحر والمزيد من الأمن للإمداد من حيث احتياجات الطاقة”.

وتعد إثيوبيا ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها 112 مليون نسمة، وقد شهدت نموًا متسارعًا في الطلب على الوقود قبل ظهور فيروس “كوفيد-19”. وبحسب مجلة “أفريكان بيزنس”، تزود ترافيجورا 60% من البنزين المباع في إثيوبيا، و50% من الديزل و25% من وقود الطائرات، بعد أن وقعت عقدًا مع المؤسسة الإثيوبية لتوريد البترول في وقت سابق من هذا العام.

واليوم، تتطلع إثيوبيا إلى تنويع وصولها إلى البحر بعيدًا عن اعتمادها الوحيد على ميناء جيبوتي، والطريق عبر أرض الصومال “صوماليلاند” هو خيار طبيعي.

في حين تتفوق إثيوبيا غير الساحلية على جارتها الصغيرة “صوماليلاند” في نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار وكذلك نتائج التعليم والصحة، فإن تنميتها الاقتصادية قد تنتقل لها. ويقول الباحث أحمد سليمان: “إذا كانت البنية التحتية لأرض الصومال متطورة بشكل جيد، فهناك احتمال أن تجني البلاد ما يصل إلى 30% من التجارة الخارجية لإثيوبيا”. وبالنظر إلى طلب إثيوبيا الهائل على الطاقة، فإن فرصة أرض الصومال ملموسة.

وختامًا؛ تعتقد حكومة أرض الصومال “صوماليلاند” أن الاستثمار سوف يدفعها نحو الاعتراف الدولي بها، وتأمل أن تؤدي صفقة ترافيجورا إلى تأثير إيجابي وملموس بين الشركات متعددة الجنسيات للاستفادة من الطلب المتزايد على الوقود والطاقة في منطقة مهمة وسريعة النمو.