كتب – حسام عيد

من بين 998 مشروعًا ممولًا من الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا خلال عام 2019، كانت مصر وجنوب أفريقيا والمغرب؛ هي الدول المسؤولة عن الحصة الأكبر، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مجلة “FDI Intelligence”، التابعة لصحيفة “فايننشال تایمز” البريطانية.

وتشمل البلدان الأخرى التي لديها أعداد كبيرة من المشاريع الممولة من الخارج، والتي توزعت بين، كينيا (87) ونيجيريا (73) وغانا (42) مشروعًا.

فيما استقطبت كل من نيجيريا وغانا المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال الاستثمار الرأسمالي مقارنة بجنوب أفريقيا، لكن الاستثمارات كانت موزعة على عدد أقل من المشاريع.

مصر.. النقطة المضيئة

وقال التقرير إن مصر حلت محل جنوب أفريقيا كوجهة أولى بالمشروعات في المنطقة، حيث سجلت ارتفاعًا في عدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة بنسبة 60%، بعدد 136 مشروعًا في عام 2019 مقارنة بـ85 مشروعًا في عام 2018.

إلى جانب برنامج إصلاحي مدعوم من صندوق النقد الدولي، شرعت الحكومة في إنفاق ضخم على البنية التحتية في قطاعات تتراوح من الطاقة إلى البناء.

وساهمت الجهود التي قامت وتقوم بها الحكومة المصرية لتهيئة مناخ الاستثمار ووضع الأطر التشريعية والتنظيمية المتعلقة بهذا الملف، في تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري، وضخهم للمزيد من الاستثمارات خلال الفترة الماضية بالرغم من تراجع تدفقها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بواقع 13%، لتتوالى التقارير الدولية المؤكدة على ذلك، والتي تعكس في ذات الوقت ثقة المجتمع الدولي في تحقيق  الاستقرار والثبات.

فالاقتصاد المصري حقق ميزة جديدة تضاف إلى أرصدة الإشادات الدولية للاقتصاد المصري بعد فوز الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بالمركز الأول كأفضل هيئة استثمار نجحت في جذب أفضل مشروع استثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2019، وذلك عبر الإصدار الإلكتروني الأول من فعاليات الدورة العاشرة لملتقى الاستثمار السنوي AIM2020، والذي عقد في دبي خلال الفترة من 20 إلى 22 أكتوبر 2020.

أما البنك الدولي فققد أشاد في الأسبوع الثاني من أكتوبر 2020 بالإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها مصر، والتي أسهمت في تحسين استقرار الاقتصاد الكلي، وتعزيز ثقة المستثمرين وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.

وذكر البنك الدولي، أن حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر العام الماضي، سجلت ارتفاعًا بواقع 11% إلى 9 مليارات دولار، واصفًا مصر بالـ”نقطة المضيئة” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما يخص تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2019.

وقد تصدرت مصر قائمة البلدان الأفريقية الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة السمراء من حيث عدد المشروعات وحجم التدفقات المالية.

وأوضح البنك أن جزءا كبيرًا من هذه التدفقات موجه إلى قطاع النفط والغاز، فيما حصل قطاعي الاتصالات والسلع الاستهلاكية على حصة من رأس المال الوافد لمصر.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر؛ أنشأت الحكومة المصرية مصنعًا لحمض الفوسفوريك بقيمة 848 مليون دولار في محافظة الوادي الجديد كجزء من مشروع مشترك مع العديد من الشركات الصينية وشركة فوسفات مصر ومقرها مصر.

جنوب أفريقيا.. أرض الثروات والفرص

فيما تحذو جنوب أفريقيا حذو مصر في 123 مشروعًا، رغم أنها تتفوق بسهولة على جميع البلدان الأفريقية الأخرى من حيث عدد المشاريع التي مولتها خارج أراضيها العام الماضي. الأمر الذي يعني أن حصة جنوب أفريقيا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة “الصادرة” عالميًا تجاوزت الحصة “الوافدة”، حيث استثمرت جنوب أفريقيا في 81 مشروعًا خارج حدودها خلال عام 2019، وهو ثاني أكبر استثمار أجنبي مباشر صادر للخارج من أي دولة أفريقية.

وجاءت جنوب أفريقيا في المركز الثاني بين أكبر الدول الأفريقية المستقبلة للاستثمار الأجنبي المباشر في 2019 بقيمة 4.6 مليار دولار وبنسبة تراجع 15.1% مقارنة بعام 2018.

وتمتلك جنوب أفريقيا ميزة نسبية في كونها دولة غنية بالثروات المعدنية الكبيرة غير المتعلقة بالطاقة، فهي تصنف كأغنى دولة في العالم من حيث احتياطياتها المعدنية، والتي تقدر قيمتها بنحو 2.5 تريليون دولار أمريكي، فهي أكبر منتج في العالم للبلاتين والكروم والفاناديوم والمنجنيز، وثالث أكبر منجم للذهب، وتقدم خدمات احترافية متطورة للغاية متعلقة بالتعدين.

وإضافة إلى الثروات المعدنية، هناك الأسواق المالية والمؤسسات المصرفية، والتي تأتي كمصدر للخدمات المهنية المتطورة للغاية والخبرة المالية. وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمية، تتسم أسواق المال والأعمال في جنوب أفريقيا بثقة وتنافسية عالية بين دول العالم. الأمر الذي يعني أن جنوب أفريقيا لديها بيئة استثمارية مرنة يتدفق عليها المستثمرين من كافة أنحاء العالم.

المغرب.. سوق تنافسي

أما المغرب فقد احتضن 102 مشروعًا بتمويل من الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي، ليأتي ثالثا بعد مصر وجنوب أفريقيا، كأكبر متلقي للتدفقات الأجنبية المباشرة في القارة السمراء.

وقد صنفت مجلة (FDI Intelligence) -إحدى منتجات صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية- المنصة الصناعية “طنجة المتوسط” على الساحل المغربي كثاني أفضل منطقة اقتصادية في العالم، في تصنيف المناطق الاقتصادية الأكثر جذبًا في العالم لسنة 2020 (FDI’s Global Free Zone of the Year)، بعد مركز دبي للسلع المتعددة بالإمارات العربية المتحدة، بعدما كانت قد صنفت بالمرتبة الخامسة خلال سنة 2019.

وأوضح ميناء “طنجة المتوسط” في بيان صادر عنه، إلى أن تقرير مجلة (FDI Intelligence)، أكد “أنها المرة الأولى التي تحتل فيها منطقة أفريقية مكانة جد متقدمة في هذا التصنيف العالمي، وهو ما يدل على الصعود الهائل لشبكة مناطق الأنشطة التي طورها طنجة المتوسط، أكبر مركز مينائي وصناعي في إفريقيا، المتموقع على ضفة جبل طارق”.

وتوفر هذه المنصة ذات المعايير الدولية والموقع الجغرافي الفريد، والتي تتميز بجودة خدماتها المندمجة، للمستثمرين؛ جسرًا بحريًا على مدى 14 كيلومترًا نحو أوروبا وربطًا بحريًا دوليًا نحو 180 ميناء بـ 70 بلدًا.

وخلص البيان، إلى أن هذا الاعتراف يأتي لتعزيز الموقع التنافسي للمنصة الصناعية “طنجة المتوسط” في إعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية، وبشكل خاص في الفضاء الأورومتوسطي في أفق ما بعد جائحة كوفيد-19.

غانا.. وجهة رائجة

وبين أفضل 10 وجهات رائجة، دخلت غانا؛ من حيث عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وشهدت زيادة بنسبة 56% عن أرقام 2018، أي ما يعادل 15 مشروعًا إضافيًا.

كما شهدت غانا نموًا في الاستثمار الرأسمالي بنسبة 479%، بزيادة قدرها 4.8 مليار دولار. وكان هذا مدفوعًا بمشروعات مثل منشأة إنتاج بقيمة 2.8 مليار دولار طورتها شركة Greenland Resources ومقرها السويد كجزء من شراكة بين القطاعين العام والخاص مع حكومة غانا.

وختامًا؛ إن أفريقيا “القارة البكر” ستظل بيئة خصبة متجددة يتهافت عليها مستثمرو العالم من كل صوب وحدب بآمال استغلال الفرص الفريدة وجني المزايا التنافسية، ومن ثم تحقيق الريادة.

كما أن الانتعاشة المستقبلية سيقودها إصلاح سلاسل القيمة “من أجل مرونة، وتجديد المخزون الرأسمالي، وتعافي الاقتصاد العالمي”. لذلك؛ من الضروري التركيز على الاستثمار في تطوير البنية التحتية والموارد المحلية في أفريقيا، لمساعدة بلدان القارة كي تكون أكثر صمودا ومرونة تجاه أزمات مماثلة للأزمة الحالية.