بقلم – د.جوزيف رامز أمين

لبى نداء ربه منذ بضعة أيام قليلة أستاذنا الجليل أ.د.ابراهيم أحمد عبد المنعم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بقسم السياسة والاقتصاد – كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة وأبرز رواد الدراسات الأفريقية ليس في مصر وحدها وإنما في العالم العربي والقارة الأفريقية، وذلك بعد صراع طويل مع المرض..

فارق الحياة وهو فى منتصف العقد السابع تقريبا من عمره حيث ولد فى (7 أبريل 1946، بالدقهلية) وهو أستاذ علوم سياسية بجامعة القاهرة على مدار قرابة ثلاثين عاما منذ عام 1990، تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وشغل مناصب عديدة هامة منها: رئيس الجمعية الأفريقية للعلوم السياسية, وكان رئيسا لقسم السياسة والاقتصاد ووكيلا لمعهد الدراسات الأفريقية “قبل تغيير اسمه الحالى”. وكان عضوا فى لجنة العلوم السياسية بوزارة الثقافة, كما شارك في كثير من المؤتمرات في العديد من الدول منها : كندا – فرنسا – مالطة – ليبيا – السودان – نيجيريا – ساحل العاج – السنغال – جنوب افريقيا – زيمبابوى – اليمن – الكويت – الأردن – سوريا – كينيا …وغيرها.            

 حقيقة كانت حياته مثمرة ومليئة بالأحداث والأنشطة المتنوعة..وهو يستحق منا هذا المقال المختصر بسجله الحافل ودوره العلمى والفكرى خاصة فى التعريف بأفريقيا وكيفية التقارب مع شعوبها ووضع الأساس العلمى والفكرى لدراسة القارة والتعامل مع دولها, خاصة فى ضوء إصداراته المتميزة, وأبرزها:                       

 «حركة التحرير الوطنى في جنوب أفريقيا», «ناميبيا: قضية الاستقلال الصعب», «القرن الأفريقى : المتغيرات الداخلية والصراعات الدولية» , «مصر وأفريقيا : مسيرة العلاقات في عالم متغير», «الصراعات والحروب الأهلية في أفريقيا», «الإسلام والمسلمون في أفريقيا,العلاقات العربية ـ الأفريقية»…. وغيرها الكثير.                           

ولم يكن أ.د.ابراهيم مجرد أستاذ للعلوم السياسية والدراسات الإفريقية ولكنه كان تماما كمعلم كبير للجميع وكرب أسرة فى قسمه، قسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقبة العليا، وهو المرجعية العلمية الأساسية لكل ما يعرض على القسم من أنشطة وفعاليات وهو الأب الروحى لكل أساتذة القسم والدارسين به..لم يتغيب قط عن حضور الجلسات أو التواجد فى مكتبه لاستقبال الدارسين والباحثين من مصر وشتى ربوع العالم العربى ودول القارة الأفريقية، وإرشادهم إلى الطريق العلمى الصحيح. 

وبقدر تفوقه العلمى المبدع والمأمول منذ ميلاده ونشأته بالدقهلية ليس فقط بالعلوم السياسية والدراسات الأفريقية ولكن أيضا بالعديد من العلوم الاجتماعية، وبعلوم الدين الحنيف حيث كان يحفظ القرآن الكريم كما كان مفوها وخطيبا وبارعا فى شرح أصول الدين.. وتوضيح أركانه بفهم عميق وتسامح جم, ولم يقتصر فقط على الناحيتين العلمية والدينية لكنه كان صاحب لمحات إنسانية ومواقف حياتية وشهامة وأصول وبداهة فى المعاملة يشهد لها الجميع.                                                                                                

قراءة فى سجل نصر الدين:

ولعل القراءة فى سجل الأستاذ الراحل منذ تخرجه من العلوم السياسية وحصوله على درجة الأستاذية وما عداها ..يفيد أننا فعلا كنا فى مواجهة جنرال عسكرى اتخذ الدقة والانضباط شعارا له فى تدريسه بالجامعة وفى إشرافه على الرسائل العلمية التى خرجت جميعها ان لم يكن معظمها بالنتائج المرجوة والتقديرات الرفيعة.          

وكان فارسا بحق فى تخصصه العلمى الدقيق فى مجال الدراسات الأفريقية وكان من  أوائل من درسوا بعمق جذور العنصرية فى جنوب أفريقيا، والتعددية بأشكالها فى نيجيريا، ودول القرن الأفريقى، والسودان ،كما درس بعمق أسباب تدهور العلاقات العربية الأفريقية وأرجعها للمدركات الذهنية السلبية لدى كل من العرب والأفارقة.. ودرس بعمق كذلك وبالأرقام مسيرة العلاقات المصرية الأفريقية ناهيك عن العلاقات الإسرائيلية الإفريقية وقضية مياه النيل وسبل حل النزاعات الافريقية ومشكلة الحدود بين الدول الافريقية وغيرها بأفكار ورؤى مغايرة, وعلى كافة المنتديات والمؤتمرات والاصدارات والأنشطة.                                                             

ولعل أهم ما دعا إليه طوال مسيرته هو كيفية التوصل إلى حل لمشكلة الاندماج الوطنى فى القارة ..واهتم بأن يتولى دارسي الماجستير والدكتوراة لديه إعداد مكتبة متكاملة عن النظم السياسية الإفريقية المعاصرة وتحليلها.                                                                                                

تجربة شخصية:

كان أستاذنا أ.د.ابراهيم هو المشرف الرئيسى والوحيد لى فى رسالة الماجستير عن “دور الكنيسة القبطية فى أفريقيا” والغريب أن تنبع الفكرة من عنده وهو الأستاذ المسلم ذو الجذور الصوفية.. وكان مدخله لهذه الرسالة عبارة قرآها سيادته على أبواب إحدى الكنائس فى جنوب أفريقيا.. “وهى أن السيد المسيح ومعه أقباط مصر سيأتوا ويحرروا الأغلبية الأفريقية من سيطرة البيض”.                                                       

 ولقد كانت هناك معارضة لهذه الفكرة من أحد الأساتذة  المرموقين “من قسم آخر” داخل المعهد العلمى الذى عملنا فى اطاره..ومن أحد الشخصيات العلمانية  المهتمة وقتها بأفريقيا فى الإطار الكنسي ..لكن مع احترام الفكر الآخر -نجحت الرسالة وسط مباركة واضحة من قداسة البابا المتنيح /الأنبا شنودة الثالث وقتها..ومن الأنبا /أنطونيوس مرقس أسقف الكنيسة القبطية فى ذلك الوقت  فى أفريقيا,ولقد مرت بامتياز,وطبعت ووزعت بنجاح,وأصبحت مرجعا لكل من يعمل فى هذا المجال.                                                                

وحقيقة على مستوى التعاملات لم نلحظ وكذا الأساتذة الأقباط فى المعهد أو القسم أى ظاهرة لتعصب أو انحياز فى فكره,بل كان أبا ومهتما بالجميع.                                                              

وعندما جاءت مرحلة الدكتوراة كان تركيزه معى على النظم السياسية الأفريقية وكان الاختيار على تنزانيا فى ظل التعددية السياسية بها منذ عام ١٩٩٢ وذلك لكى أكون ضمن فريق العمل فى النظم السياسية الإفريقية ولكى يتم بناءى علميا وأكاديميا….وصاحبه فى الاشراف العلمى على تلك الرسالة أ.د.صبحى قنصوة.                                                                                                 

ورغم الزخم العلمى المحاط بهذه الرسائل كان لا يغيب عن فكر أ.د.ابراهيم المساعدة العلمية وحتى الإنسانية للعاملين  والدارسين معه ومؤازرتهم قدر المستطاع.                                                       

بعض مقترحات التكريم:

أثناء تكريم سيادته في حفل كلية الاقتصاد والعلوم السياسة بجامعة القاهرة لرواد دفعة 1968

أولا- وفى تصورى هناك بعض المقترحات لتكريم اسم الراحل الكريم..أولها أن يطلق اسمه على إحدى قاعات المحاضرات بالكلية وخاصة قسم “سياسة واقتصاد” لاسيما وهو قد أفنى حياته وسط جدران هذا القسم والمعهد”أو الكلية ” العلمية العريقة حاليا, وأن يتم تأبينه فى حفل مهيب يحضره كافة المهتمين بالشأن الأفريقى فى مصر والعالم العربى.                                                                                                 

وثانيا– أن تحتفى الدورية الأفريقية دورية «آفاق افريقية» الصادرة من الهيئة العامة للاستعلامات إحدى أهم وأول الدوريات العلمية المحكمة فى الشئون الأفريقية فى مصر بالمستشار العلمى لها منذ عام 2000، وعلى مدى قرابة ٢٠عاما.. والذى عملت معه أجيال عديدة عبر هذه الفترة من بينهم :كاتب هذا المقال …وأنتجت تلك الدورية خلالها حوالى ٤٨ عددا ومئات ان لم يكن آلاف من الدراسات والتقاريروالترجمات وعروض الكتب والرسائل …وذلك من خلال عدد تذكارى أو عرض ملخص لما أصدرته تلك الدورية على مدار ٢٠ عاما.                                                                                                    

وثالثا- أن تمتد أنشطة الجمعية العلمية للشؤون الإفريقية وهى الجمعية التى أسسها الراحل الكريم مؤخرا “عام 2017” واختتم بها مسيرته العلمية..وكانت تعمل من خلال ١٤ وحدة متنوعة فى كافة مجالات العمل الأفريقى والندوات والمحاضرات والتقارير والكتب والمقالات على موقع الجمعية و كافة الإصدارات.. بحيث يعد امتدادها صورة من صور الوفاء للراحل الكريم.                                                                              

وفى النهاية لا يسعنى الا أن اتقدم بخالص العزاء لأسرة هذا الراحل الكريم ..وإلى بيته الدائم:كلية الدراسات الإفريقية العليا وقسم السياسة والاقتصاد بها ..وكذا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية..وإلى طلابه ومريديه ومحبيه فى مصر والعالم العربى وأفريقيا..وحيث يعد فقدانه خسارة  كبيرة لفارس من فرسان هذا الدهر وأستاذا  أصيلا للعلوم السياسية والدراسات الأفريقية…تاركا تراثا ضخما من الكتب والتقارير والرسائل والمقالات لكل من يريد العلم والاستنارة .