كتب – محمد الدابولي

لا تدخر مصر جهدا في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار في دول جوارها العربي والأفريقي، فعلى مدار عقود مضت ساهمت القاهرة في العديد من المشاريع السياسية والدبلوماسية والعسرية التي من شأنها تحقيق استقرار  الدول العربية والأفريقية متخذة العديد من الأليات المناسبة لتحقيق هذا الأمر.

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي برز دور القاهرة بشكل واضح في مسألة تحقيق أمن استقرار الدول الأفريقية عبر  دعم الأنظمة الوطنية الأفريقية ومساعدتها على تجاوز تحديات الإمبريالية العالمية وسياسات الاستعمار الجديد، وأيضا المساهمة الفعالة والحجادة في إنشاء كيان تنظيمي يضم الدول الأفريقية حديثة العهد بالاستقلال تكون مهمة المنظمة الوليدة «منظمة الوحدة الأفريقية» التي تأسست في 25 مايو 1963 هي مساعدة الأقاليم الأفريقية على التحرر وتحقيق استقرار تلك الدول.

 وعلى مسار أخر شاركت مصر عسكريا لأجل تحقيق الاستقرار السياسي في واحد من أكثر الأقطار الأفريقية أهمية وهو دولة الكنغو الديمقراطية الغنية بالمعادن النفيسة واليورانيوم، حيث كانت مصر ضمن القوات الأممية التي أرسلت للكونغو لحفظ الأمن والاستقرار ومنع استقلال اقليم كاتنجا، وفي مطلع الألفية الجديدة كانت مصر من الدول المؤسسة والداعمة للاتحاد الأفريقي وأجهزته المتنوعة مثل مجلس السلم والأمن الأفريقي، المنوط به تحقيق الأمن والاستقرار داخل القارة الأفريقية.

ثقة أفريقية متزايدة

خلال اجتماعات المجلس التنفيذي رقم (36) لوزراء خارجية أفريقيا في العاصمة أديس أبابا في فبراير 2020، تم انتخاب مصر بأغلبية ساحقة لتكون عضوا جديدا في مجلس السلم والأمن الأفريقي، وفي الأول من أكتوبر 2020 تم اختيار مصر كرئيس لمجلس السلم والأمن الأفريقي لمدة شهر.

اختيار مصر لعضوية المجلس ثم رئاسته يعني تزايد الثقة الأفريقية بالدور المصري في تحقيق الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، حيث أن المشاركة الحالية لمصر في مجلس السلم والأمن هي الرابعة منذ تأسيسه في عام 2004، إذ تم انتخاب مصر لعضوية المجلس خلال الفترة من عام 2007 وإلي عام 2008، كما تجددت عضوية مصر في المجلس عام 2012 إلا أنها جُمدت عقب ثورة الثلاثين من يونيو، وفي عام 2016 تم انتخاب مصر للمرة الثالثة كعضو في المجلس وهي تلك الفترة التي شهدت انفتاحا مصريا على القارة الأفريقية، إذ أعقبها رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019.

اختيار الدول الأفريقية لمصر لتكون عضو شبه دائم في مجلس السلم والأمن الأفريقي يحمل دلالات تقدير وعرفان تلك الدول للدور المصري في تحقيق السلم والأمن وعدم تأثره بأية متغيرات دولية، فعلي سبيل المثال لا الحصر:

  • كانت القاهرة من الدول المساهمة والمؤسسة في صياغة برتوكول مجلس السلم والأمن الأفريقي من خلال إعلان القاهرة الخاص بانشاء آلية داخل منظمة الوحدة الأفريقية لتسوية النزاعات داخل القارة الأفريقية، وجديرا بالذكر أن هذا الإعلان صدر في أعقاب الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية المنعقد في القاهرة خلال الفترة من 28 إلي 30 يونيو 1993، وأخيرا صدقت مصر على برتوكول مجلس السلم والأمن الأفريقي في عام 2005.
  • خلال ترؤس مصر لمنظمة الاتحاد الأفريقي في عام 2019 دعمت أكثر من مبادرة أفريقية هدفها تحقيق الاستقرار الأمني في القارة الأفريقة مثل مبادرة «إسكات البنادق» التي اعتمدتها مصر في عام 2019 وتم تحديد عام 2020 كعام لوقف الحروب والنزاعات في القارة الأفريقية.
  • وتدعيما لمبادرة إسكات البنادق، استضافة مصر «مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار  والتنمية» في عام 2019، ويأتي المركز كخطوة تنظيمية أفريقية من أجل استكمال منظومة السلم والأمن في أفريقيا، فالمبادرة تضمن آليات لإنهاء الحروب والنزاعات الأفريقية، وتدعيم القوات الأفريقية في مجالات حفظ السلام والأمن في أفريقيا.
  • وخلال قمة دول الساحل والصحراء في عام 2016 بمدينة شرم الشيخ، تم التوصية بانشاء مركز  دعم لوجستي بين دول منطقة الساحل والصحراء لأجل مكافحة الإرهاب، وفي نوفمبر 2018 دشنت وزارة الدفاع المصرية المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول تجمع الساحل والصحراء، حيث افتتح وقتها القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع الفريق أول محمد زكي مبني المركز، الذي يشمل تجهيزات سمعية وبصرية وحواسيب آلية لتسهيل التعاون بين الدول الأعضاء وجديرا بالذكر أن المركز بني على  مساحة تقدر 61900 متر مربع.
  • وبعيدا عن الدور المصري لدعم السلام والأمن في أفريقيا عبر آليات الاتحاد الأفريقية، تمتد الجهود المصرية لتحقيق استقرار أفريقيا عبر آليات الأمم المتحدة خاصة بعثات قوات حفظ السلام الأممية، إذ تساهم مصر في تلك البعثات بنحو 3200 من الأفراد العسكريين والشرطيين، وجل المشاركة المصرية في حفظ السلام تخدم في أفريقيا وهم كالتالي المشاركة في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي «MINUSMA»، وكذلك بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في أفريقيا الوسطى «MINUSCA»، والعملية المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة «UNAMID»، وزبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية «MONUSCO »، وبعثة الأمم للاستفتاء في الصحراء الغربية «MONUSCO »، وأخيرا بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان «UNMISS».

تحديات أفريقية

ستواجه المشاركة الحالية لمصر في مجلس السلم والأمن الأفريقي، العديد من التحديات التي تتطلب جهدا سياسيا ودبلوماسيا مصريا واسعا لأجل تعزيز الأمن والسلم والأمن في أفريقيا ومن أبرز تلك التحديات:

  • جائجة كورونا التي عصفت بالقارة الأفريقية والعالم الحالي والتي مازالت تأثيراتها السياسية والاقتصادية والأمنية تتداعي على القارة الأفريقية، فنتيجة الجائحة الحالية، توقفت معظم الأنشطة الاقتصادية الأفريقية، نتيجة سياسات العزل والحجر الصحي، فيما تأجلت القمة الأفريقية الخاصة بمبادرة إسكات البنادق التي كان من المتوقع انعقادها في مايو 2020 في جنوب أفريقيا.
  • تزايد أزمة الغذاء الأفريقي: تزايدت خلال العام الحالي أزمة غذائية أفريقية نتيجة توقف النشاط الاقتصادي في معظم الدول الأفريقية، بالاضافة إلي هجمات أسراب الجراد التي طالت مناطق شرق أفريقيا، فضلا عن الفيضانات المدمرة التي عصفت بالعديد من الدول الأفريقية.
  • استكمال بيئة السلم والأمن الأفريقي: من المؤكد أن القاهرة ستسعي خلال هذا الشهر وطوال فترة تواجدها في مجلس السلم والأمن الأفريقي، على استكمال بناء بنية تحقيق السلم والأمن الأفريقي وعدم تعطل مبادرات أفريقيا لتحقيق السلم مثل مبادرة إسكات البنادق التي تأثرت بعض الشئ بسبب أزمة كورونا، ومن المتوقع أن تسعى القاهرة تعزيز مبادرات إنشاء  القوة الأفريقية الجاهزة والتابعة للاتحاد الأفريقي للتدخل في الأزمات السياسية والأمنية.
  • مكافحة الإرهاب: يعد الملف الرئيس على طاولة مداولات مجلس السلم والأمن الأفريقي خاصة بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها مالي من تغيير السلطة بواسطة انتفاضة شعبية، واحتمالات تزايد الأنشطة الإرهابية خلال الفترة القادمة في منطقة الساحل والصحراء.
  • رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب: باتت مسألة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب التابعة للخارجية الأمريكية الشغل الشاغل للعديد من الدوائر السياسية الأفريقية، حيث سيتبع إزالة اسم السودان من تلك القائمة رفع كافة العقوبات الدولية على السودان، ومن ثم تحسين الأداء الاقتصادي للسودان في مرحلة ما بعد البشير، كما سيؤدي إزالة السودان من تلك القائمة دفع عملية التحول السياسي في السوادن للمضى قدما خاصة بعد اتفاق جوبا.
  • مواجهة التحديات المحتملة الناجمة عن أزمات النظم السياسية الداخلية في أفريقيا، فإثيوبيا على سبيلالمثال في سبيلها للصدام الإثني مع العديد من الجماعات الإثنية الغاضبة مثل جماعة الأورومو، وجماعة التيغراي التي أجرت انتخاباتها المحلية رغم رفض الحكومة، وتسعى لإنهاء حكم أبي أحمد وحزب الإزدهار، ومثلما هو الحال في إثيوبيا، تتجه الأوضاع في الكاميرون وكوت ديفوار خلال الفترة القادمة نحو التفجر خاصة في ظل أزمة انسداد الأفق السياسي في كلا البلدين.