كتب – محمد الدابولي

ما زالت الساحة السياسية في مالي تعج بتطورات ميدانية وسياسية، قد تعيد رسم المسار السياسي في البلاد، وكذالك مسارات مكافحة الإرهاب في البلاد، ففي صباح يوم الجمعة الموافق 9 أكتوبر 2020 أعلنت الرئاسة المالية عن نجاح عملية تبادل أسرى تمت بين الحكومة وبين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المصنفة إرهابيا.

أفرجت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» عن القيادي البارز في صفوف المعارضة المالية «سومايلا سيسي»، الذي تم اختطافه يوم 25 مارس 2020 على خلفية مشاركته في حملته الانتخابية في منطقة «نيافونكي» شمال غرب البلاد، وجديرا بالذكر أن «سيسي» ذو السبعين عاما نجح في الفوز بالانتخابات التي أجريت خلال شهري مارس وإبريل  الماضيين رغم ظروف اختطافه.

كما تم الإفراج عن الرهينة الفرنسية «صوفي بترونين» التي تم اختطافها في عام 2016، وتم الإفراج عن رهينتين أخريتين، وفي المقابل تم إطلاق سراح ما يقارب 100 عنصر متطرف من أنصار الجماعات المتطرفة، وبعض الحسابات الموالية لتلك التنظيمات تشير إلي  الإفراج عن 206 من تلك العناصر المتطرفة.

سياق مختلف

يأتي خبر   تبادل الأسري والمحبوسين بين الطرفين في ظل متغير سياسي تعيشه مالي منذ الخامس يونيو الماضي إذ اندلعت تظاهرات صاخبة في أرجاء البلاد رافضة لسياسات الرئيس السابق «إبراهيم أبو بكر كيتا»، وتصاعد الحراك السياسي المعارض بقيادة الشيخ محمود ديكو، حتي تم انقلاب عسكري على الرئيس كيتا في 19 أغسطس 2020، ومن بعد الانقلاب دخلت في مرحلة لرسم المسار السياسي في البلاد بين القوى السياسي واللجنة العسكرية التي دبرت الانقلاب الأخير.

ويعد اختطاف سومايلا سيسي في مارس 2020 من الأسباب المباشرة التي أدت إلى اندلاع الأحداث الأخيرة في البلاد، إذ ساهمت عملية الاختطاف في انخفاض شعبية النظام الحاكم وتزايد الشكوك حول قدرته على إدارة البلاد، كما أدت عملية الاختطاف إلي حالة استنفار قصوى في صفوف تيارات المعارضة في البلاد وإعادة توحيدها تحت قيادة الشيخ «محمود ديكو».

دلالات مختلفة

تحمل صفقة تبادل المخطوفين والمحبوسين بين الحكومة المالية والتنظيمات المتطرفة شمال مالي العديد من الدلالات السياسية والأمنية التي سوف تطال تأثيراتها العديد من الأطراف السياسية في البلاد، وهي كالتالي:

  • تقوية شوكة النخبة العسكرية في البلاد: منذ الانقلاب العسكري في أغسطس الماضي، تحاول النخبة العسكرية الحاكمة للبلاد محاولة اكتساب شرعية وشعبية في الشارع المالي خاصة أنها لا تحظي بقبول واسع في صفوف قوى المعارضة، لذا حرصت اللجنة العسكرية التي تشكلت لإدارة البلاد فور الانقلاب إلي العمل على تحجيم نفوذ الجماعات الإرهابية وإعادة الانتشار في المناطق الشمالية والغربية لمنع تسلل الجماعات الإرهابية، في محاولة من اللجنة للإشارة بأنها تمسك بزمام الأمور في البلاد.

وتأتي الصفقة الأخيرة كمحاولة مركبة من اللجنة العسكرية لكسب شعبية مضاعفة في صفوف المعارضة خاصة بعد النجاح في الإفراج عن زعيم المعارضة سومايلا سيسي، كما أنها محاولة لكسب ثقة المجتمع المحلي والإقليمي في أفريقيا وإعطاء صورة مفادها أن تلك النخبة قادرة على ضبط ايقاع الأمن والاستقرار في البلاد، وأخيرا تعد الصفقة محاولة لاكتساب ثقة دولية خاصة بعد الإفراج عن الأسيرة الفرنسية «صوفي بترونين » المختطفة منذ عام 2016. 

  • بعثرة أوراق المعارضة السياسية: قد يسبب الإفراج عن سومايلا سيسي في بعثرة أوراق المعارضة السياسية في مالي، وانقسام المعارضة بين قيادتين سياسيتين أحدهما ينتمي للمذهب العلماني وهو سومايلا سيسي، والأخر يمثل التيار الديني وهو الشيخ محمود ديكو، لذا من المحتمل أن بسبب الإفراج عن سيسي موازنة الشعبية السياسية الجارفة للشيخ ديكو، خاصة أن سيسي سبق له أن كان أمين عام رئاسة الجمهورية وعين وزيرا للمالية في فترات سابقة، أي أنه يتفوق على الشيخ ديكو بامتلاك خبرات سياسية واسعة.

لذا من المحتمل أن يعمل سيسي على إعادة شمل حزبه السياسي «الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية» وإعادة الانخراط مرة أخري في العمل السياسي.، ومن المحتمل أيضا أن يتقدم للانتخابات الرئاسية القادمة بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لتكون رابع مرة يخوض فيها الانتخابات الرئاسية.

  • تعضيد الجماعات الإرهابية: الافراج عن العناصر المتطرفة في مقابل الإفراج عن سيسي وثلاثة أخرين من شأنه تعضيد التنظيمات الإرهابية بالعديد من الكوادر البشرية التي سبق أن خسرتها في مواجهات سابقة مع الجيش وقوات الأمن في مالي.
  • توفير حاضنات شعبية للتنظيمات المتطرفة: في هذا السياق يشير  الناطق الرسمي باسم الحركة العربية الأزوادية «بُدة البربوشي»  في تصريح خاص لإذاعة مونت كارلو الدولية  إلي أن الجماعات المتطرفة هي المستفيد الأول من عمليات إطلاق سراع سومايلا سيسي وصوفي بيترونين، إذ يوضح أن تلك التنظيمات ستحاول استغلال تلك لاالصفقة في اكتساب شعبية وحاضنة سياسية لها في المناطق الشمالية، وأن الخاسر الأكبر هو الحكومة المالية الحالية، وتعزز تلك الفرضية مع الفرضية السابة التي أشارت إلي خطر الإفراج عن أكثر من مئة عنصر متطرف ينتمي لتلك التنظيمات المتطرفة.