أماني ربيع

 تحاول منصة البث الرقمي المدفوع نتفلكس، توسيع رقعة مشتركيها عبر دول العالم، ومن أجل ذلك لم تكتف بعرض أو إنتاج أعمال أمريكية، بل ساهمت إلى حد كبير في دفع الدراما الأوروبية إلى الواجهة بأعمال منها: lacasa de papel، من إسبانيا، و” Dark”، وغيرها، ومؤخرا لجأت إلى سياسة جديدة، تتعاون فيها مع العديد من الدول ذات الثقافة المميزة لتقديم أعمال أصلية يفترض أن تعبر عن هوية هذه المجتمعات.

لكن في كثير من الأحيان وفيما يتعلق بالشرق تحديدا نشأت مخاوف عدة من هذا الاتجاه الذي أثمر في البداية عن أول عملي أصلي عربي لنتفلكس “جن” وهو مسلسل أردني بطولة شباب من الأردن، الذي واجه انتقادات واسعة بسبب المشاهد الخارجة فيه، ورداءة أداء الممثلين المشاركين، كذلك سياسة المنصة في فرض توجه معين على المسلسلات والأفلام المقدمة من خلالها، والتي لابد وأن تتضمن مشاهد إباحية، وشخصيات مثلية الجنس، وهو أمر مرفوض من قبل المجتمعات الشرقية بتقاليدها ودينها الذي يجعل من تقبل هذا الأمر مستحيل.

وحتى من يسمون أنفسهم بالمنفتحين باتوا ينتقدون نتفلكس أيضا، لأنهم يرون أن تلك المشاهد يتم إقحامها بشكل فج ودون ضرورة درامية، ولكن لمجرد الترويج لفكر معين.

دراما أمريكية بوجوه سمراء

وفي أفريقيا أطلقت نتفلكس منذ مدة مشروع “صوت أفريقيا” الذي يهدف لإنتاج أعمال أصلية تعبر عن الثقافة الأفريقية، وبدأتها بمسلسل Queen Sono ، الذي نجح نجاحا كبيرا، وأتبعته بعمل جديد موجه لفئة المراهقين هو Blood and Water، الذي بدوره حقق نجاحا لافتا.

وأطلق على هذه الإنتاجات من قبل الصحف المحلية مسلسلات كيب تاون، وتعامل معها البعض بحذر متسائلين عن إذا كانت أعمالا تعبر عن أفريقيا حقا، أم أنها تفتقد للأصالة، فهي مصنوعة بأسلوب عالمي الهوى على الطريقة الأمريكية لكن بوجوه سمراء وعلى أرض أفريقية.

في مسلسل Blood and Wate، مثلا تظهر الحفلات الصاخبة والشباب الوسيم مع الفتيات الجميلة بأزياء على الموضة في قصور فخمة، لكن النقاد لفتوا إلى أن هذه ليست لندن أو لوس أنجلس إنها جنوب أفريقيا.

تدور أحداث المسلسل في جنوب أفريقيا، وهو ثاني إنتاجات نتفلكس الأصلية في القارة السمراء، ويدور حول التفاوت والعلاقة المعقدة بين طلاب ومدرسي وأولياء أمور مدرستين إحداهما خاصة والأخرى مدرسة حكومية حيث نرى ممارسات الأثرياء في فرض سلطتهم على نظام التعليم عبر الضغط بورقة التبرعات، وفي إطار ذلك نتعرف على كومالو المراهقة التي تبحث عن شقيقتها المفقودة.

وعلى غرار مسلسلات المراهقين الأمريكية مثل  pretty little liars، وBeverly Hills 90210، تكون الأحداث مليئة بتجمعات الشباب الجامحين وسط الخمور اولحياة المرفهة، ثم يتم الانتقال إلى الصورة المناقضة في الشوارع الخلفية ذات الطابع الشعبي الغامض

وخلال الأسبوع الأول من طرحه، نجح Blood and Wate، في التواجد ضمن أفضل 10 عروض لنتفلكس بالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا.

وجاءت ردود المنصة العملاقة، بأن هذه الأعمال مجرد البداية، وكانت أشبه بطلقة اختبار للسوق، وأن نتفلكس تذهب إلى الدول الأفريقية وتبحث التعاون مع مؤسسات إبداعية محلية، لمناقشة أفكار أصيلة تعبر عن الواقع الأفريقي وتحويلها إلى أعمال على الشاشة، وقالت مدير برنامج الأعمال الأفريقية الأصلية في نتفلكس، دوروثي جيتوبا، وهي من كينيا، أن هناك مسلسلات أخرى قيد الإعداد منها واحد من نيجيريا، كما أن وطنها كينيا، لديه وعد بأعمال كثيرة مع نتفلكس.

خصوصية الثقافة الأفريقية

وتحاول المواهب الأفريقية في مختلف تخصصات العمل السينمائي والتلفزيوني، الإستفادة من الفرصة التي توفرها نتفلكس، سواء على مستوى التمويل الضخم، وكذلك الظهور على شاشة عالمية لجمهور من مختلف الدول، وهو أمر يحتاج إليه مجال صناعة السينما في أفريقيا، الذي يعاني فقرا كبيرا في الموارد بشدة، رغم توافر العناصر الموهوبة، خاصة وأن الظهور في عمل لنتفلكس، هو بمثابة جواز سفر إلى النجاح والعالمية.

وتعتبر جنوب أفريقيا وجهة مفضلة لنتفلكس، وحتى الآن فالعملين اللذان تم إنتاجهما من جنوب أفريقيا، وذلك بسبب التسهيلات المقدمة للمنصة هناك، والتعامل بصورة احترافية.

وبمقارنة دراما Blood and Water مع نظيرتها المحلية Grassroots، التي تعرض على قناة DS.TV Mzansi Magic، سنلاحظ اشتراك العملين في خط المؤامرة، لكن سنرى اختلافا في تناول الحياة الاجتماعية بجنوب أفريقيا، حيث المدارس الخاصة، هي بقايا لنظام الفصل العنصري البائد، وهناك قواعد صارمة فيما يتعلق بالعرق، والتعبير عن الرأي والرغبات، وبحسب النقاد الفارق هنا يبدو أشبه بمقارنة الليل بالنهار.

لكن ما يفتقر إليه مسلسل Blood and Water، تم تعويضه في Queen Sono، الذي قدم مدينة جوهانسبرج في صورتها الحقيقية كمدينة قاسية بلا قلب، كما أن المسلسل غني بإيقاعات اللغات المحلية المختلفة، من الزولو والأفريكانية إلى السواحيلية، وهو أمر جيد فيما يتعلق بتقديم الثقافة الأفريقية للعالم.

لكن اشترك Blood and Water وQueen Sono في أن الاهتمام بعنصر المفاجأة و”البلوت تويست” بمعنى الانعاطف الحاد للأحداث في اتجاه يختلف عما يتوقعه المشاهد، ترك تاثيرا سلبيا على الحبكة ومنطقية الأحداث.

لكن ورغم ذلك يرى العاملين بمجال السينما والدراما، أن المنصات مثل نتفلكس، تتوج جهود صناع الفلام من الشباب، الذين وجدو أنفسهم في بيئة لا تساعدهم على الإبداع بسبب نقص الموارد، قولة الدعم الحكومي، وكانت أعمال مستقلة سابقة مثل The Foxy Five الذي يرصد التي الحركة النسوية التي تضامنت مع احتجاجات مدرسة بريتوريا الثانوية للبنات عام 2016، والذي كان وقت إطلاقه أشبه بالسباحة ضد التيار في ظروف غير مواتية، كذلك  سلسلة Shuga التعليمية على قناة MTV، التي قدمت عروض دراما ملائمة للمراهقين وبدأت في إثارة محادثات لجمهورها من الشباب حول الصحة الجنسية وغيرها من الظواهر الاجتماعية، كل هذا مهد الطريق لوجود نتفلكس في البلاد، حيث الجمهور متجاوب ومتشوق للمزيد.

لكن البعض تساءل عن هدف مشاريع نتفلكس في القارة، ومن جهتها قالت جابو نادية نيومان، مبتكرة مسلسل The Foxy Five ، عن مسلسل Blood and Water، إنها شعرت عند رؤيته وكأن نتفلكس، أخذت حبكات القصص الأرميكية ووضعتها في سياق جنوب أفريقي، هذا بخلاف القيدمة الترفيهية، وصدق الأحداث والشخصيات، وأن المبدعين بحاجة إلى المزيد من التمويل الحكومي.

وترى جابو أيضا، أن الطابع التجاري لأعمال  لنتفلكس، يجعل المبدعين الأفارقة مقيدين فيما يقدمونه وليسوا أحرارا، فهم يقدمون أعمالا ذات صدى عالمي، ويحاولون تشذيب قصصهم بشكل يجعلها أكثر قبولا لدى الجمهور الغربي، أكثر منه معبرا عن الشخصية الأفريقية.

وبحسب المسؤولون في نتفلكس، فإن أهداف المنصة في أفريقيا جزءًا من إستراتيجية طويلة المدى، وليس مجرد تواجد عابر، ورؤيتهم تتمثل في عبارة: “الاحتفال بقصص صنعها الأفارقة ليشاهدها العالم”، لكن يجب أن تكون هناك مراعاة أكبر للخصوصية الثقافية للقارة الأفريقية بدورها وثقافاتها وإرثها المتنوع، وهناك حاجة أيضا لسد الهوة بين مشاهد الحفلات الفخمة الصاخبة، وقسوة الحياة الحقيقية في الشوارع الخلفية بأفريقيا، حيث الحياة كفاح مستمر من أجل البقاء.