كتبت – أماني ربيع

تعتبر الجريمة حقيقة يومية متجذرة في شوارع جنوب أفريقيا، ولسنا نشير هنا إلى الجرائم مثل السرقة، أو النصب، وغيرها من الجرائم الخفيفة، لكن استشرت آفة الجرائم العنيفة، من قتل وخطف وغيرها، ما خلق أجواء من الخوف في البلاد، جعلت من حدوث استجابة مجتمعية تجاه الأمر، شيئا مستبعد حدوثه، فالجميع يخشى على حياته.

لا تسير في شوارع جنوب افريقيا ليلا لأنها غير آمنة، تعتبر هذه من النصائح الشائعة لأي مسافر أو غريب يحط رحاله في جنوب أفريقيا، وتضعنا أحدث إحصائيات الجريمة السنوية التي تصدرها دائرة الشرطة في جنوب أفريقيا أمام صورة قاتمة لجرائم العنف في البلاد، ويصل متوسط جرائم القتل في اليوم 58 جريمة يوميا، هذا بخلاف التزايد المقلق للاعتداءات الجنسية والسرقات العنيفة في الشوارع .

هذه الجرائم تخلق لدى من يتعرض لها، صدمات وجروح نفسية وجسدية عميقة ومؤلمة، كما تجعل مجتمع جنوب أفريقيا أكثر قلقًا وهشاشة وبؤسًا، حيث الآمان حلم بعيد المنال، حتى وأنت في منزلك.

كان تاسكو ماجيبا، نائمًا في منزل خالته بمنطقة ويتبانك في مقطاعة مابومالانجا، عندما اقتحم اللصوص المنزل، وسرقوا ما قيمته مئات الجنيهات من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية وغيرها، حاول تعقب اللصوص، وقدم بلاغا للشرطة، لكن كان الأمل في العثور عليهم قد انتهى.

لم يكن منزل تاسكو هو الوحيد الذي تم استهدافه من قبل اللصوص، فهناك آلاف المنازل المعرضة لذلك، وتبدو الحلول الأمنية أمرا غير مجدي، لأن المواطنين من الأثرياء فقط، هم القادرون على اقتناء أجهزة التكنولوجيا الأمنية، لذا فإن المجتمعات الفقيرة مثل الموجودة في ويتبانك، المعروفة الآن بأ إيمالاهليني، تُترك ليدافع أفرادها عن منازلهم وحياتهم أيضا.

 يقول ماجيبا: “يوجد في البلدات قضبان مضادة للسرقة وكلاب وأجهزة إنذار”، وأشار إلى محاولات شركتي أمن كبيرتين دخول السوق في المنطقة، لكن فشلتا في ذلك.

لكن الشاب الذي كان يدرس الهندسة في جامعة كيب تاون وقت حدوث اقتحام عام 2016 ، علم بعد ذلك بحدوث اقتحام جديد لنفس المنزل، فاللصوص لم يكتفوا بما عثروا عليه وعادوا لسرقة المزيد، وهو ما أثار إزعاجه، وبدأ في البحث مع زميله بالغرفة طالب التجارة وقتها نتاندوينكوسي شيزي، عن حل للأمر.

كان الأمر معقدا، ففكرة اقتناء الأفراد في المجتمعات الفقيرة للأجهزة الإلكترونية الخاصة بالأمن، غير مجدية، نظرا للانقطاع المتواصل للكهرباء، كما أن وجود شبكة بيانات لتتبع اللصوص عبر أوصافهم أيضا صعبة مع غياب شبكة الإنترنت والواي فاي عن تلك المناطق حيث البنية التحتية غير مؤهلة لذلك، هذا الأمر دفع ماجيبا وزميله للبدء من الصفر.

وأطلق تشيزي وماجيبا ” Jonga”، وهو نظام إنذار مجتمعي مبتكر في بداية هذا العام، ويجمع بين مستشعر حركة لاسلكي بطارية يصل عمرها إلى 6 أشهر وصفارة إنذار 100 ديسيبل مع تطبيق أندرويد يرسل رسائل نصية إلى 5 جهات اتصال محددة مسبقًا عند تشغيل الإنذار.

وبدلا من الاعتماد على شركات الأمن التي تقدم خدمات مسلحة تستجيب للتعامل مع الاعتداءات وهي خدمة باهظة، تبدو تقنية جهاز ” Jonga” اقرب لمجتمع البلدات الصغيرة، وعبر التكامل مع تطبيق Namola الأمني، يصبح لدى مستخدم ​​ارتباطًا بخدمات الطوارئ.

وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، كانت نوكولوليكو ميسيبي من أوائل المشتركين في خدمة تشيزي وماجيبا، قامت بتركيب النظام في متجرها في مبومالانجا، وأبدت إعجابا شديدا بالتقنية قائلة: “جهاز الإنذار عظيم، يشعرنا بالحماية وبأسعار معقولة.”

واضافت: “سأضع واحدا في منزلي أيضا”.

تبلغ تكلفة الجهاز 500 راند، ما يعادل (22.50 جنيهًا إسترلينيًا) وهناك 80 راند (3.60 جنيه إسترليني) رسم شهري.

تم إطلاق ” Jonga”، والتي تعني “انظر” قبل أسابيع فقط من انتشار جائحة  كوفيد 19، التي أجبرت تشيزي وماجيبا على تغيير استراتيجيتهما، وبدلا من الانتقال من باب إلى باب، قاموا بالتعاون مع المنظمات من أجل تدشين مجتمعي للخدن..

وقامت شركة Coca-Cola بتركيب أجهزة ” Jonga” في حاويات الشحن الخاصة بها، كما عرضت المنظمات غير الحكومية رعاية وحدات أجهزة الإنذار ودعم تركيبها في المجتمعات الفقيرة.

بعيدًا عن كوفيد 19 ، يتمثل التحدي الأكبر الذي يواجهه جهاز  ” Jonga” في توسيع نطاق انتشاره، وبخاصة في الأماكن التي أصبحت فيها جرائم العنف والسرقة مستوطنة.

ويرى خبراء التقنية، أن حلول الثنائي تشيرزي ماجيبا ذوي الخبرة المحدودة، أصابت العاملين المخضرمين بالمجال الأمني بالارتباك، لكنهم أبدو إعجابهم بنموذج التكنولوجيا الذكية ومنخفضة التكلفة التي قد تساعد بشكل كبير في تمكين المجتمعات الأفريقية الفقيرة.

وقال المستثمر مارك فورستر، أحد المساهمين الرئيسيين في حل أمني آخر، أن لدى  ” Jonga”، مستقبلا كبيرا ومؤثرا في السواق الناشئة.

وتشهد المناطق الفقيرة  في جنوب أفريقيا، معدلات عالية من السطو والاعتداء في الشوارع ، ويتم التركيز، من قبل العصابات المسلحة، على استهداف مناطق التسوق وضواحي الطبقة الوسطى حيث يقومون بسرقة السيارات واقتحام الممتلكات.

ويكمن الموت والأذى في كل زاوية بشوارع البلاد، فحتى لو لم تكن أنت المستهدف، قد تصيبك رصاصات طائشة من نافذة منزلك

وبحسب موقع “newframe” خلال تجولك بالشوارع تقابل باستمرار، الجدران العالية والأسوار المكهربة وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة والأضواء الكاشفة وفدادين من الأسلاك الشائكة وعدد لا يحصى من شركات الاستجابة المسلحة،  هذا “التركيب المعماري العسكري الجديد” يهدف إلى حماية السلامة الشخصية والممتلكات، لكنه يعزز أيضًا الشعور بأن الحياة اليومية هي حرب على مستوى أصغر يمكن أن يندلع فيها عنف هائل في أي وقت.

هناك قلق توتير نفسي يستشري بين المواطنين، وأسئلة مخيفة تتردد باستمرار، هل يمكنني إخراج هاتفي في الأماكن العامة أم سيتم خطفه؟ هل هذا الشخص يمشي نحوي حاملاً سكينًا؟ هل هذا الصوت بالخارج في الليل مجرد حفيف أوراق الشجر أم دخيل مسلح؟

ومن العواقب السلبية أيضا لتفشي الجريم في البلاد، هو تعبئة الخوف الذي تغذيه السلطات لتحقيق أهداف سياسية رجعية، واستبداد شعبي، عبر استخدام وسائل الإعلام والخطاب المدني لإضفاء الشرعية على عمليات القتل على أيدي الشرطة، على سبيل المثال.