كتب – محمد الدابولي

أثار  قرار مجلس إدارة النادي الأهلي المصري بتعيين الجنوب الأفريقي «بيتسو موسيماني» مديرا فنيا جديدا للأهلي، خلفا للمدير الفني السابق السويسري  «رينيه فايلر» إعجاب أغلب المحللين الكرويين، ومشجعي النادي الأهلي، نظرا للخبرة التدريبية العريقة التي يمتلكها «موسيماني».

استقال موسيماني في وقت سابق من تدريب ناديه المفضل «ميلودي صن داونز»، الذي حقق معه أبرز انجازته المهنية كمدير فني لكرة القدم سواء على المستوى المحلي بتحقيقه لقب الدوري في بلاده خمس مرات في سبع سنوات، وعلى المستوى القاري بفوزه بدوري أبطال أفريقيا نسخة عام 2016 على حساب نادي الزمالك المصري، ولا ينسى مشجو النادي الأهلي أن موسيماني هو المدرب الذي أذاق ناديهم المفضل مرارة الهزيمة الثقيلة في دوري أبطال أفريقيا نسخة عام 2018 بخماسية نظيفة هي الأكبر في تاريخ النادي في المواجهات الأفريقية.

بعيدا عن الحسابات والتحليلات الرياضية التي تذهب أغلبها للثناء على قرار إدارة النادي الأهلي باختيار موسيماني،نجد أن هذا القرار رغم أنه شأن رياضي، إلا أنه يحمل في طياته مدولات ثقافية واجتماعية وربما سياسية ستظل مرتبطة بهذا القرار التاريخي للنادي الأهلي.

ليس الأول

لا يعد بيتسو موسيماني هو أول أفريقي يتولي مسئولية تدريبة أو حتي إدارية في النادي الأهلي، فقد سبقه لاعب الوسط المدافع في المنتخب السوداني «عبدالمنعم حسين» الشهير بـ«قرن شطة» الذي اعتزل كرة القدم في عام 1983، ليتولي مسئولية التدريب في قطاع الناشئين بالنادي، وتدرج في مناصبه حتي أصبح المدرب العام (الرجل الثاني في الإدارة الفنية) للنادي الأهلي موسم 1993/1994 مع المدرب الإنجليزي آلان هاريس ونجح شطه في تحقيق بطولة الدوري العام وبطولة أفريقا للأندية أبطال الكئوس (تم الغاؤها في عام 2004، واستبدالها بكأس الكونفدرالية الأفريقية)، وفي يوليو 2020 تولى شطة مسئولية أكاديمية النادي الأهلي لكرة القدم.

وعلى خطى «شطة»، تمكن النيجيري «إسحاق أول» الذي لعب في النادي الأهلي في مطلع الألفية الجديدة، من العمل في قطاع الناشئين داخل النادي، إذ تولي مسئولية اعداد فريق مواليد 99 خلال الفترة من عام 2015 وحتي 2018 تقريباً، وترددت الأنباء في عام 2018 عن نيته الحصول على الجنسية المصرية عقب تعديل قانون الجنسية المصري، لذا يمكن القول أن موسيماني ثالث أفريقي يتولي مسئولية تدريبية بالنادي الأهلي، إلا أنه يتميز بأنه أول أفريقي يتولي منصب الرجل الأول في الإدارة التدريبة والفنية للنادي الأهلي.

انطلاقة للعالمية

في كتابه فلسفة الثورة، أكد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أن الأفارقة ينظرون إلى مصر  على أنها صلة أفريقيا بالعالم الخارجي، لذا يمكن القول أن مقولة الرئيس الراحل تحققت بصورة واضحة في مجال التدريب الرياضي في الفترة الحالية، إذ ينظر لمسألة تولي موسيماني على أنها انطلاقة كبرى للمدربين السود في أفريقيا، فلأول مرة يتولي أفريقي أسود مسئولية الادراة الفنية في أكبر نادي في القارة من حيث عدد البطولات القارية، والمصنف بأنه نادي القرن في أفريقيا.

فموسيماني يعلم جيدا أنه الآن بات على الخريطة العالمية للمدربين، وأن وجهته القادمة قد تكون خارج أفريقيا، الأمر الذي يفتح أفاق جديدة للعديد من المردبين الأفارقة في السير على خطى موسيماني في التألق، أملا في تحسين وضعهم التدريبي في القارة ومزاحمة المدربين الأوروبيين على تولي المسئولية الفنية في كبرى الأندية والمنتخبات الأفريقية.

وجديرا بالذكر  يمكن القول بأن القاهرة ستكون محل ميلاد جديد للعديد من المدربين الأفارقة الأكفاء، ففي خلال استضافة مصر  لفعالية بطولة الأمم الأفريقية عام 2019، برز اثنين من المدربين الأفارقة الذين تفوقوا على باقي المدربين الغير أفارقة في البطولة وقدما أداء رائع حظي باعجاب الجميع، وهما المدرب الجزائري «جمال بلماضي» والمدرب السنغالي «أليو سيسيه»، وكلاهما نجح في الوصول إلي نهائي البطولة ليتمكن بلماضي ورفاقه في الفوز بالبطولة.

أفريقيا ليست ضعيفة

جاء اختيار النادي الأهلي للمدرب الجنوب أفريقي، ليشي بوضوح بأن أفريقيا التي يعهدها البعض كضعيفة وفقيرة وبلا خبرات أصبحت غير موجودة، فالدول الأفريقية الآن باتت تمتلك من الخبرات والقدرات الفنية في مختلف المجالات بما يؤهلها لتسابق الدول الكبرى في مجالات عدة، وأن ما ينقصها فقط هو تسليط الضوء على المنجزات الأفريقية التي تحققت خلال العقدين الماضيين، فالعديد من الدول تغيرت ملامحها تماما، وأصبحت أكثر حضارية وتقدما عن ذي قبل.

ومن هنا نثنى على قرار مجلس إدارة النادي الأهلي المصري في أنه لم يتأثر برواسب ومدركات سلبية رسمت عن أفريقيا في مخيلة العديد من المصريين، وإدراكه الجيد بما آلت إليه الأمور حاليا في أفريقيا من تقدم وتطوير ، وأنه آن الآوان للاستفادة المتبادلة من الخبرات الأفريقية.

خطوة للأمام

تمثل خطوة تعيين موسيماني فرصة تاريخية للتواصل الثقافي والرياضي بين مصر وأفريقيا، وتفعيل للأجندة السياسية المصرية بتعزيز التواجد في القارة الأفريقية، والذي قطعت مصر أشواط سياسية كبيرة فيه مثل ترأسها للاتحاد الأفريقي، ومجلس السلم والأمن الأفريقي، لذا آن الآوان لتفعيل التواصل المجتمعي عبر الرياضة والثقافة ومختلف المجالات الأخرى، ونأمل أن تكون تلك الخطوة بداية جديدة لتبادل الخبرات بيننا وبين باقي الدول الأفريقية وعدم الامتعاض من الاستفادة من الخبرات الأفريقية

تخوف محتمل

تبقي نقطة أخيرة تثير مخاوفي الشخصية ألا وهي اختلاط التعصب الكروي الأعمى بالعنصرية، إذ أنه من المحتمل أن يواجه موسيماني بالعديد من الحملات المسيئة له عنصريا باعتباره أسود البشرة الأمر الذي قد يخلق صورة سلبية شديدة عن المجمتع المصري في أفريقيا بأنه مجمتع عنصري.

 لذا أوصي بضرورة انتباه جميع المسئولين عن إدارة كرة القدم المصرية لأية حملات تعصب كروية تحمل صبغة عنصرية تجاه موسيماني ورفاقه في الجهاز الفني للنادي الأهلي والتي بدأت بالفعل من السخرية الشديدة من المعد البدني المرافق لموسيماني نظرا لضخامه هيكله الجسماني، في حين ردد البعض ومنهم مسئوليين كرويين في أندية منافسة بأنه لا يجوز للنادي الأهلي اللجوء إلي المدرسة الأفريقية في اختيار مدربيه.

وفي تلك النقطة لا بد أن نعي أن موسيماني حاليا هو سفير أفريقيا الشعبي في القاهرة، لذا يجب على الجميع مسئوليين ومشجعين ضبط إيقاع تشجعينا الكروي ليكون بعديا عن التعصب والكراهية والعنصرية، أملا في خلق صورة جيدة عن المجمتع المصري في الذهنية الأفريقية المعبئة أيضا بمدركات سلبية عن مجتمعنا بأنه يعاني من العنصرية والتمييز ضد السود.

وأخيرا..نكرر الثناء على قرار إدارة النادي الأهلي في إصباغ الطابع الأفريقي على إدارته الفنية، ونلتمس الدعم لهذا القرار لانجاح تلك التجربة الرائعة، وندعو باقي القطاعات والمجالات في مصر في تحقيق الاستفادة من الخبرات الأفريقية في مجالات الفن والصحة والتعليم والاقتصاد والتجارة وغيرها من المجالات الأخرى.