كتب – حسام عيد

في خطوة أخرى يُتوقع أن تؤتي بثمارها على مسار تطوير صناعة النفط في شرق أفريقيا، وقعت أوغندا وتنزانيا على اتفاق لتقاسم الأرباح من ​خط أنابيب​ مخطط لتصدير ​النفط الخام​ بشكل مشترك تبلغ قيمته 3.5 مليار دولار.

ويعد الاتفاق علامة بارزة أخرى تقرب التوصل إلى قرار نهائي للاستثمار في المشروع، وذلك بالإضافة إلى اتفاقيات بين الحكومتين وشركات بقيادة شركة “توتال” الفرنسية.

لكن رغم ما تأمله أوغندا وتنزانيا، إضافة إلى توتال، من فرص اقتصادية واعدة من توفير لآلاف فرص العمل، وتدفق للعملة الصعبة، وتعزيز الاستثمارات النفطية، إلا أن هناك تحديات لا يمكن غض الطرف عنها، فمشروع خط الأنابيب يهدد بنزوح 12 ألف أسرة في الدولتين، نتيجة لتصاعد المخاوف من فقدان الأراضي وسبل العيش؛ بحسب تقارير وأبحاث ودراسات دولية صادرة عن الفديرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH –منظمة غير حكومية- ومنظمة أوكسفام الخيرية الدولية، وهو ما أغضب دعاة الحفاظ على البيئة.

أول خط أنابيب نفط رئيسي بشرق أفريقيا

الاتفاق، الذي سيشهد نقل النفط ما يقرب من 900 ميل (1445 كيلومترًا) من حقول بحيرة ألبرت النفطية إلى ميناء تانجا التنزاني، وقع عليه الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني والرئيس التنزاني جون ماجوفولي في فعالية نقلها “التلفزيون التنزاني” يوم الأحد الموافق 13 سبتمبر الجاري. ومن المتوقع أن يستغرق بناء خط أنابيب النفط الخام لشرق أفريقيا ما يصل إلى ثلاث سنوات حتى يكتمل.

والمشروع سيساهم في زيادة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر ويفتح مرحلة جديدة للنمو الاقتصادي في المنطقة عند اكتماله.

وقال ماجوفولي في كلمة بعد اجتماعه مع الرئيس الأوغندي، ” اتفقنا على أن تنزانيا ستحصل على 60% من الأرباح وأن تحصل أوغندا 40%”، كما أوردت وكالة “بلومبيرج”.

ويعتمد ترتيب حصتي الدولتين جزئيا على دور تنزانيا في بناء وتشغيل 1115 كيلومترا (693 ميلًا) من خط الأنابيب، وفقًا لـ”ماجوفولي”. وستكون أوغندا مسؤولة عن جزء يبلغ طوله 330 كيلومترا من خط الأنابيب على أراضيها.

وتقود شركة توتال الفرنسية خططًا لبناء خط نقل الخام من حقول النفط الأوغندية في غرب البلاد إلى ميناء تانجا التنزاني، للتصدير، بالشراكة مع شركة الصين الوطنية للنفط البحري “كنوك” والحكومتين “أوغندا وتنزانيا”. وتمتلك أوغندا، التي اكتشفت مخزونات نفط خام صالحة تجاريًا في عام 2006، ما يقدر بـ6 مليار برميل من موارد النفط وتخطط لبدء ضخ النفط الخام من أراضيها في عامي 2023 و2024 للأسواق العالمية.

انفراجة تأملها “توتال”

يأتي التوقيع في أعقاب اتفاق بين أوغندا وشركة توتال الفرنسية العملاقة يوم الجمعة، والذي أرسى اتفاقية الحكومة المضيفة التي تحكم مشروع خط أنابيب التصدير في أوغندا وشروط دخول شركة النفط الوطنية الأوغندية في المشروع.

توتال هي المساهم الرئيسي في حقول النفط الأوغندية بعد الموافقة في أبريل الماضي على شراء حصة شركة النفط البريطانية “تولو أويل Tullow Oil” في الحقول البرية مقابل 575 مليون دولار، وهي صفقة من المتوقع أن تكتمل في الربع الرابع من العام الجاري. وستعمل جنبًا إلى جنب مع شركة كنوك CNOOC الصينية المملوكة للدولة لتطوير الحقول.

وقال العضو المنتدب لشركة توتال الفرنسية في أوغندا، بيير جيسوا، “لقد وصلنا اليوم إلى معالم رئيسية تمهد الطريق لقرار الاستثمار النهائي في الخط خلال الأشهر المقبلة. نتطلع الآن إلى إبرام اتفاق مماثل مع حكومة تنزانيا واستكمال عملية تقديم العطاءات لجميع عقود الهندسة والمشتريات والبناء الرئيسية”.

وقالت شركة النفط الوطنية في تنزانيا في يونيو الماضي إنها تتوقع قرارًا استثماريًا نهائيًا للمشروع في ديسمبر المقبل.

وكشف متحدث باسم الحكومة التنزانية أن خط الأنابيب الذي سيمر حوالي 80% منه عبر تنزانيا؛ سيوفر أكثر من 18 ألف فرصة عمل للتنزانيين، وسيُدر على البلاد عائدات تزيد عن 3.2 مليار دولار.

وقد أعلنت “توتال” إن اتفاقها مع أوغندا، الذي تم تأكيده خلال اجتماع بين يوري موسيفيني والرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بوياني، سيسمح لها بتكثيف أنشطة المشروع واستئناف الاستحواذ على الأراضي في البلاد. وقد تم اكتشاف احتياطيات النفط المتوقعة عند 6 مليار برميل في عام 2006 بواسطة “تولو النفطية Tullow Oil”، لكن التطوير تأخر مرارًا وتكرارًا وسط نقص في البنية التحتية والخلاف بين الشركاء حول كيفية المضي قدمًا في المشروع.

مخاطر بيئية وإنسانية

ورغم الطموحات الاقتصادية والاستثمارية التي تأملها تنزانيا وأوغندا شركة توتال الفرنسية من مشروع خط أنابيب النفط الأول والرئيسي في شرق القارة السمراء، أطلق مراقبون تحذيرات من أن المشروع قد يأتي بتكلفة باهظة لبعض المجتمعات الأوغندية والتنزانية.

وذكر بحث أجرته منظمة “أوكسفام” الخيرية الدولية، أن خط أنابيب النفط المقرر أن تقيمه أوغندا سيؤدي إلى أن تفقد أكثر من 12 ألف أسرة أرضها وسبل عيشها، والنزوح لمناطق أخرى، كما يهدد أيضا النظم البيئية الحساسة، وفقًا لما ذكرته وكالة “بلومبيرج”.

وأضافت المنظمة الخيرية ومقرها لندن، أن صناعة النفط الخام للدولة الواقعة شرق أفريقيا لديها “عمليات مبهمة” لتعويض الأسر المتضررة.

وتابعت المنظمة، شركات النفط الكبرى والحكومة يتعين عليها أن تعالج هذه القضايا قبل المرحلة المقبلة للمشروع.

ويطرح تقريرا “وعود فارغة أسفل الخط” لمنظمة “أوكسفام” و”نفط جديد، نفس المشاريع التجارية” للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) و”مؤسسة مبادرة حقوق الإنسان” (FHRI)، شكوكًا في طريقة تنفيذ شركات النفط لمشاريعها في منطقة بحيرة ألبرت أقصى شمال سلسة بحيرات “صدع ألبرتين” وهو الفرع الغربي لصدع شرق أفريقيا.

بدوره، طالب ليفينجستون سيوانيانا، رئيس مؤسسة مبادرة حقوق الإنسان، أثناء عرض التقريرين في كمبالا، الحكومة وشركات النفط بأخذ أصوات المجتمعات المحلية والنتائج بالاعتبار عند تنفيذ مشاريع النفط في المنطقة.

من جهتها، قالت شيلا موانجا، نائبة رئيس “الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان”، إن التقريرين يقدمان توصيات نابعة من المجتمعات المحلية بحث شركات النفط والحكومات على اتخاذ تدابير لتجنب الكوارث البشرية والبيئية.

فيما يتهم هاريسون أسابا، أحد سكان منطقة “بوليسا” في أوغندا، شركة “توتال” بعدم تعويض العديد من المنازل التي كانت في نطاق 300 متر من الآبار وبإجبارها على إخلاء أراضيها.

وفي السياق ذاته، طالب رشيد بونيا مسؤول الدعم بـ”مؤسسة مبادرة حقوق الإنسان” الشركات العاملة في مجال استخراج النفط في “بونيورو” غربي أوغندا بتعويض السكان المتضررين من المشروع.

وقال بونيا إن “مؤسسة مبادرة حقوق الإنسان” ومنظمات المجتمع المدني الأخرى ستتجه إلى المحكمة للمطالبة بإنصاف السكان النازحين الذين لم يتم تعويضهم بالكامل.

الشفافية والحوار المجتمعي مطالب أساسية

من جانبها، قالت توتال إنها “ستواصل حوارًا بناء مع المجتمع اوالمنظمات غير الحكومية فيما يتعلق بجميع أنشطة المشروع” بعد انتقاد الآثار البيئية المحتملة لخط الأنابيب.

يريد الأفراد والمجتمعات التي تمت مصادرة ممتلكاتها للمشروع مزيدًا من المعلومات والتعويض العادل عن الأراضي والممتلكات المفقودة. تشعر العائلات بالقلق من أن مشاريع النفط تدمر الهياكل المجتمعية وتقوض أنماط حياتهم وثقافاتهم التقليدية.

وكانت أوغندا تعهدت في أغسطس الماضي بالكشف علانية عن تفاصيل عقود الموارد والإيرادات من خلال الانضمام إلى برنامج يهدف إلى الحد من الفساد في إنتاج النفط وكافة المشاريع المتعلقة به؛ وفق ما أفاد بيان صادر عن “مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية”.