كتبت – أماني ربيع

طلبت دولة تشاد تعليق طلب الحصول على إدراج بحيرة تشاد ضمن مواقع التراث العالمي، وكان السبب وراء هذا الطلب المفاجئ، هو وجود فرص واعدة للعثور على النفط، والتعدين بالمنطقة.

وكتبت وزيرة السياحة والثقافة بتشاد مادلين ألينقي إلى اليونسكو، الهيئة الدولية المخولة بمنح جائزة التراث العالمي ، رسالة طلبت فيها “تأجيل عملية تسجيل بحيرة تشاد على قائمة التراث العالمي”.

وفي هذه الرسالة، لم توضح ألينقي، طبيعة الاتفاقيات المزمع إبرامها من أجل التنقيب ن النفط بالمنطقة، كما لم تعلن عن هوية الشركات التي سترعى العملية، أو جنسيتها.

وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، توضح الرسالة أن الحكومة وقعت اتفاقيات تعاون مع بعض شركات النفط، وطلبت من اليونيسكو، “تأجيل العملية” لتسمح للحكومة بإعادة تعريف خريطة المنطقة والتعرف إذا ما كانت هناك فرصة حقيقة للعصور على النفط أم لا.

وفي أكتوبر من العام الماضي، أطلقت وزيرة التنمية السياحية والثقافة مادلين ألينقي ورشة لاعتماد خطة لإدارة التراث الثقافي لبحيرة تشاد بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية، “اليونيسكو”.

يأتي الطلب بعد عملية متعددة السنوات شاركت فيها حكومات الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا لترشيح المشهد الثقافي لبحيرة تشاد على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. تم ترشيحه كموقع طبيعي وثقافي.

بالطبع كان هذا الإعلان هو ضربة للعديد من الدول التي لم تكن على علم بطموحات تشاد النفطية في حوض بحيرة تشاد، التي تقتسمها أربعة دول هي: نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.

وعلقت أليس بيادا من وزارة الفنون والثقافة بالكاميرون ، التي تمتد البحيرة على حدودها مع تشاد، قائلة: “عملنا لمدة عامين من أجل طلب إدراج البحيرة على لائحة التراث العالمي ولم نسمع بهذا من قبل”.

وأضافت بيادا “سيكون مضيعة للوقت والموارد إذا لم تستمر العملية.”

وإلى الآن، لم ترد وزارة السياحة والثقافة في تشاد على طلبات الدول المجاورة بالتعليق على هذا الأمر.

وقال متحدث باسم مركز مواقع التراث العالمي التابع لليونسكو: “من المهم التذكير بأن الهدف من إدراج موقع في قائمة التراث العالمي هو ضمان الحفاظ على قيمته العالمية البارزة للأجيال القادمة”.

وأضاف أن الأمر كان مفاجئا، ولم يكن احتمال تعليق عملية التسجيل واردا لديهم، مشيرا إلى أنه إذا قررت تشاد المضي قدمًا في التنقيب على النفط بحوض المنطقة، فسيتعين على الحكومة التشادية التعاون مع اليونيسكو لإلغاء العملية.

وتعتبر منطقة بحيرة تشاد، مسرحا مستمرا، لعدد من الأزمات الإنسانية الأكثر تعقيدًا في العالم ، من أزمة التغيرات المناخية، التي تهدد بجفافها، إلى جانب تصاعد مد التطرف الديني، ونزوح السكان في إثر العمليات العسكرية، كما استخدمتها منظمة بوكو حرام النيجيرية المتشددة، كمخبأ لعناصرها.

ووفقا لموقع منظمة أطباء بلا حدود، أجبر النزاع المسلح أكثر من 2.3 مليون شخص على الفرار من ديارهم عبر حوض بحيرة تشاد، وأدى العنف والتهجير القسري إلى تدمير قدرة الناس على إعالة أنفسهم.

واندلع الصراع بين القوات العسكرية والجماعات المسلحة غير الحكومية في منطقة بحيرة تشاد في شمال شرق نيجيريا منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وامتد منذ ذلك الحين إلى الكاميرون وتشاد والنيجر المجاورة، ما تسبب في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في أفريقيا.

وجد العديد من النازحين ملاذاً في المجتمعات المضيفة ، وهو ما شكل ضغطاً هائلاً على منطقة تعاني بالفعل من الفقر وانعدام الأمن الغذائي وتفشي الأمراض المزمنة، مع هشاشة النظم الصحية.

ويعيش حوالي 45 مليون شخص على موارد البحيرة، ويتوزعون في منازل على جزرها البالغ عددها 942 وشواطئها.

وقال سيباستيان موريسيت من المركز الدولي لبناء الأرض في جرونوبل ، الذي عمل على تجميع وثائق ترشيح البحيرة للانضمام لمواقع التراث العالمي : “إنها بيئة ثقافية نابضة بالحياة ، مع تنوع فريد وأنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية لازالت غير معروفة بالشكل الكافي”.

وذكر مثالا على الأوضاع الغريبة بالمنطقة قائلا: إن هناك عشرات الآلاف من الأشخاص يعيشون بلا سجن ولا شرطة ، ما يعني أن هناك الكثير الذي بالإمكان تعلمه عن هؤلاءء الناس، الذين يعيشون داخل أنظمة هشة، وليس لديهم من يمثلهم، أو يطالب بحقوقهم.

وأصبحت بحيرة تشاد، منذ السبعينيات، مهددة بالجفاف، في إثر انحسارالأنهار التي تغذي البحيرة وتعرضها للجفاف بدورها، وبحلول نهاية التسعينيات، تقلصت البحيرة إلى ما يقرب من 2000 كيلومتر مربع، تلى ذلك حدوث المجاعة هناك.

لكن جددت عملية الترشح لللائحة مواقع التراث العالمي، في عودة البحيرة لسابق عهدها، مع تزايد حجمها مجددا خلال السنوات الأخيرة، ولم تعد مهددة بالاختفاء كما كان في الماضي.

واوضح موريست أنه باستخدام بيانات GPS و Google Earth تم تأكيد زيادة حجم البحيرة، وعاد السطح إلى 17000 كيلومتر مربع.

قبل النفط ، كانت تجربة المجتمعات المحلية الوحيدة في مجال التعدين هي التنقيب عن النطرون، وهو معدن يشبه الملح ويستخدم في تغذية الإبل.

 يقول الخبراء إن التنقيب عن النفط في مثل هذه البيئة غير المستقرة قد يؤدي إلى تحول البحيرة إلى دلتا النيجر الجديدة ، حيث هاجم المتمردون خطوط الأنابيب وتسبب تسرب النفط في تلويث المياه بشكل يتعذر إصلاحه.

ويعتبر الإدراج ضمن قائمة التراث العالمي الخاصة باليونيسكو، لدى العديد من الدول رمزًا للمكانة الدولية المرموقة ، وعلامة لجذب التعاون الدولي والاستثمار في ه1ه المواقع، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية مثل  تنشيط السياحة، كما تتلقى تلك المواقع أيضًا تمويلات لمشاريع الحفاظ على التراث من المانحين الدوليين.

وحتى الآن،، لم يتم بعد تحديد ما إذا كان الموقع يستحق الإدراج في قائمة التراث العالمي، وهو أمر يحتاج إلى سلسلة من التقييمات من قبل هيئتين استشاريتين قبل إصدار القرار النهائي من قبل لجنة التراث العالمي في مؤتمرها السنوي.

ومن جانبها قالت هاميسو هاليلو مالام جاربا نائب مدير الحياة البرية والصيد والمتنزهات والمحميات في النيجر “لا يمكننا التخلي عن هذه العملية، فنحن مدينون بها للأجيال القادمة، البحيرة مورد مشترك، ولا يمكن لأي بلد أن يطالب بإلغاء العملية بمفرده، هذا غير عادل.”