كتب – محمد الدابولي

تنحصر أطر مكافحة الإرهاب في أفريقيا في المجابهة الأمنية والعسكرية بشكل أساسي، فيما تتغافل الحكومات الأفريقية والمنظمات الإقليمية والقارية والدولية عن تقديم رؤي وأطروحات جديدة يمكن من خلالها معالجة أزمة الإرهاب بعيدا عن الحلول الأمنية والعسكرية.

تقريبا معظم الدول الأفريقية ذخرت أسلحتها مرسية التعاون الإقليمي والأفريقي في مكافحة الإرهاب، ففي منطقة الساحل والصحراء تم تدشين قوة الساحل في فبراير 2017 بين دول المنطقة الخمس “موريتانيا، بوركينافاسو، تشاد، مالي والنيجر”، وفي بحيرة تشاد تنشط جيوش تشاد ونيجيريا والكاميرون في محاربة بوكو حرام، وفي الصومال تنشط بعثة الاتحاد الأفريقي أميصوم في دعم عملية السلام ومكافحة الإرهاب.

رغم تكثيف الدول الأفريقية اعتمادها على العنصر الأمني والعسكري في مكافحة الإرهاب، إلا أنه لم يسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة في مكافة الإرهاب، فلاتزال حركة الشباب في الصومال تواصل نشاطهنا العملياتي في وسط الصومال، فيما أصبحت الحركات المتطرفة في منطقة الساحل متناغمة بشكل كبير مع المجتمعات المحلية التي تعاني من الفقر والتهميش، وفي حوض بحيرة تشاد وشمال شرق نيجيريا تنشط حاليا ثلاثة تنظيمات إرهابية متطرفة وهو تنظيم بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) وأخيرا تنظيم أنصارو الموالي للقاعدة.

فشل الأداتين الأمنية والعسكرية وحدهما  في معالجة ملف الإرهاب في أفريقيا يفتح الباب للتساؤل عن أدوات أخري يمنكن أن تشكل كيانا متناغما مع الأداة الأمنية والعسكرية في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية في أفريقة، وفي مقالنا اليوم سيتم التطرق بشكل أساس علي الرؤى المجتمعية في معالجة الظاهرة الإرهابية في العديد من الدول الأفريقية.

استغلال الميزات الجغرافية

منذ نشاط عمليات بوكو حرارم في عام 2009 ربطت العديد من التفسيرات والتحليلات حول انتشار الإرهاب في ولايات شمال شرق نيجيريا إلي حالة الفقر المدقع والتهميش التي تعانيه ولايات بورنو وآداماوا ويوبي، إلا أن ثمة ولايات نيجيرية أخري لازالت تعاني من انتشار الفقر مثل ولايات غومبي وباوتشي، فكلاهما ضمن أفقر عشر ولايات نيجيرية بالإضافة إلى احتلال غومبي المرتبة الثالثة من ناحية الفقر الشديد في البلاد.

رغم تشابه الظروف بين ولايتي غومبي وبورنو، إلا أن غومبي وباوتشي نجحتا في إحجام الظاهرة الإرهابية حيث لم تتعرض الولايتين لهجمات إرهابية سوي في عام 2010 ومن بعدها تمكنت إدارة الولايتين في التصدي للارهاب مستغلين في ذلك الطابع المجتمعي والجغرافي للولايتين.

أكد معهد الدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا ولايتي غومبي وباوتشي نجحتا في استغلال موقعهما الجغرافي في تحجيم الظاهرة الإرهابية، فكلا الولايتان ليستا حودية كما هو الحال في بورونو  وكانو وأداماوا على سبيل المثال، إذ سمحت الحدود الرخوة بين نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون في تسلل العناصر الإرهابية بحثا عن الملاذات الأمنة في بحيرة تشاد وتوريد الأسلحة والمؤن للجماعات الإرهابية.

ساهم الموقع الجغرافي للولايتين في التضييق على معاقل بوكو حرام في ولاية غومبي خاصة في غابات سامبيسا الممتدة بين غومبي وباوتشي وبورنو، ومؤخرا تركزت بوكو حرام وبقية الحركات في امتداد الغابة الواقع في ولاية بورنو مبتعدة عن الجزء الواقع في داخل ولاية غومبي.

دعم الزعامات التقليلدية

نقطة أخري يجب الركون إليها في سبيل مكافحة الإرهاب ألا وهي محاولة اكتساب الزعامات في سبيل الحرب على الإرهاب، إذ ستعمل تلك الزعامات على تشكيل جبهة وسيطة بين قوى الأمن والجيش من ناحية والمواطنين من ناحية أخري.

إذ تلعب تلك الزعامات دور المنسق لتحركات القوى الأمنية في المناطق الملتهبة، فعلي سبيل المثال نظمت القيادات التقليدية المحلية في ولاية غومبي بنيجيريا ما يشبه الشرطة المجتمعية مكونة من المزارعين والصيادين هدفها في الأساس تعقب أثر مقاتلي بوكو حرام وملاحقتهم وحراسة موارد الولاية من النهب الذي تمارسه بوكو حرام.

وحظي الدور الأمني للقيادات التقليدية في نيجيريا برعاية رسمية من الحكومة، إذ أوضح معد الدراسات الأمنية إلي أنه تم تشكيل لجنة يامالتو الأمنية في ولاية غومبي، وذلك بالتعاون بين رئيس الحكومة المحلية والقيادات التقليدية، وتم الاتفاق على ترشيح العديد من المواطنيين المحليين للعمل كدوريا استكشاف في المواقع الهامة التي تشهد نشاطا ملحوظا للتنظيمات الإرهابية، ويجب أن يكون التنسيق بين العناصر المحلية وقوى الأمن فعالا ومتواصلا.

ونظرا لكينونة الظاهرة الإرهابية في أفريقيا المرتبطة بالعامل الديني، ينبغي أن يكون التنسيق بصورة أفضل مع القيادات الدينية التقليدية، فخلال أزمة مالي عام 2012 وسيطرة الجماعات الإرهابية على شمال مالي  وزحفها باتجاه الجنوب لاحتلال العاصمة بماكو لعب الداعية والإمام محمود ديكو دورا بارزا في وقف تمدد الجماعات الإرهابية  ووفر الدعم الديني والروحي للجهود الحكومية والدولية خاصة عملية السرفال الفرنسية والتصدي للفتاوي التي أطلقتها جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة المنادية بالجهاد ضد العملية الفرنسية.

ونقطة أخري ينبغي الإشارة إليها في شرح خطورة القيادات الدينية المحلية، ما حدث في اقليم السوم شمال بوركينافاسو إذ أدي إهمال الحكومة البوركينية للأوضاع في شمال البلاد إلي انقلاب القيادات الدينية المحلية في اقليم السوم «مالام ديكو» على الدولة وتشكيل بؤرة إرهابية في شمال البلاد.

استعن بالصوفية

في تقرير  أصدرته مؤسسة راند للأبحاث الأمريكية عام 2007 تحت عنوان «تكوين شبكات إسلامية معتدلة» أوضح ضرورة الاعتماد على بعض الجماعات الإسلامية التي توسم بالاعتدال لمواجهة التنظيمات الإرهابية ويأتي في مقدمة تلك الجماعات «الطرق الصوفية» التي عدتها المؤسسة الأمريكية بأنها قد تشكل حائط صد أمام التنظيمات المتطرفة لابتعاد شيوخها عن الغلو  والتطرف فضلا عن انتشارها الواسع في العالم الإسلامي، كما أنها الأجدر على تفكيكخطاب وأيدولوجية الجماعات المتطرفة.

وبالفعل نجحت الطرق الصوفية في تحجيم العديد من التنظيمات الإرهابية مثل نجاح جماعة «أهل السنة والجماعة» الصومالية (صوفية التوجه) في تحجيم حركة شباب المجاهدين، كما لعبت الطريقتين المريدية والتيجانية في وقاية المجتمع السنغالي من شر التهديدات والتنظيمات الإرهابية.

وفي نيجيريا تصدت الطريقة التيجانية الصوفية في ولاية باوتشي لبوكو حرام ، فعلى سبيل المثال نجح الشيخ «ضاهر عثمان باوتشي» في تفكيك خطاب الجماعات الإرهابية والدعوة إلي تجنب الانضمام إلى بوكو حرام وإدانة تصرفاتها، وجديرا بالذكر تعرض الشيخ «ضاهر» للعديد من محاولات الاغتيال.

تعظيم دور المجتمع المدني

نجحت الجماعات الإرهابية في إيجاد حواضن شعبية لها في بعض المناطق في الدول الأفريقية مستغلة غياب دور الدولة المركزية من جهة ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخري، إذ أقدمت تلك الجماعات على تقديم المنح والمساعدات إلى أهالي تلك المناطق، لذلك ينبغي على الحكومات الأفريقية تشجيع منظمات المجتمع المدني على الانتشار الواسع خاصة في المناطق الفقيرة والمهمشة.