كتبت – د. نهلة احمد أبوالعز

أستاذ الاقتصاد المساعد بقسم السياسة والاقتصاد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة


يعتبر الاقتصاد غير الرسمي ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، تعاني منها وبدرجات متفاوتة كل أنواع الاقتصاديات في العالم، وقد شهدت فترة الثمانينات من القرن الماضي تنامي ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، كما تميزت بظهور أزمة اقتصادية عانت منها اقتصادات الدول النامية بشكل عام ودول القارة الأفريقية على وجه الخصوص، ورافق هذه الأزمة مجموعة إصلاحات هيكلية أتت في معظمها سلبًا على خطط التنمية، وساهمت نتائج الإصلاحات الهيكلية في زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي، وكانت دول أفريقيا جنوب الصحراء من أشد الدول المتأثرة بالأزمة وهذه الظاهرة، بحيث قُدر حجم الاقتصاد غير الرسمي في تلك الدول بما يقرب من 40% من الناتج المحلي الإجمالي لها خلال الفترة (2010- 2017)، واحتلت المرتبة الأولى بين أقاليم العالم في هذا الصدد.
ومن هنا تنبع أهمية هذه الدراسة من وضع الاقتصاد غير الرسمي بين القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذات الاهتمام الدولي خصوصًا مع ما يفرضه التوجه الحالي في القارة الأفريقية نحو التنمية المستدامة والنمو الشامل، إلى جانب البحث في كيفية تأثير الاقتصاد غير الرسمي على التخطيط للتنمية المستدامة من خلال تحليل لمختلف الآثار السلبية والإيجابية على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية للتنمية المستدامة، وتهدف الدراسة إلى تقديم رؤية لظاهرة القطاع غير الرسمي في أفريقيا من خلال تحديد مفهومه، ومحاولة تفسير أسباب انتشاره في المجتمعات الأفريقية وجهود التصدي له وسبل دمجه في الاقتصاد الرسمي، ولتحقيق هذا الهدف تم تقسيم الورقة إلى عدة محاور على النحو التالي:


مقدمة:


أولًا: إطار نظري حول مفهوم وخصائص ومؤشرات قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي.


ثانيًا: وضع الاقتصاد غير الرسمي وأسباب تزايد حجمه بدول أفريقيا جنوب الصحراء.


ثالثًا: انعكاسات الاقتصاد غير الرسمي على اقتصادات الدول الأفريقية جنوب الصحراء.


رابعًا: سبل مقترحة لدمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي بالدول الأفريقية.
خاتمة وتوصيات.

مقدمة:
يعتبر الاقتصاد غير الرسمي ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، تعاني منها وبدرجات متفاوتة كل أنواع الاقتصادات في العالم، وتزداد أهمية الاقتصاد غير الرسمي من خلال ما يمثله حجمه كقيمة مضافة وكنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بحيث بلغت مساهمته في ذلك الناتج خلال الفترة (2010- 2017) في 158 دولة في العالم 32,2%، تباينت تلك المساهمة في أقاليم العالم المختلفة، حيث بلغت ما يقرب من 21% في دول شرق آسيا مقارنة بنحو 24% في دول الشرق الأوسط، و23% في أوروبا، و27,5% في جنوب آسيا، وحوالي 36% في دول أفريقيا جنوب الصحراء, وما يقرب من 34,8% في أمريكا اللاتينية، وحوالي 18% في دول منظمة (OECD). والملاحظ أنه يمس كل دول العالم بمختلف أنظمتها الاقتصادية، إلا أن النسبة بلغت أقصاها في دول أفريقيا جنوب الصحراء، أما من ناحية العمالة غير الرسمية فإنه “وطبقا لبيانات منظمة العمل الدولية لعام 2014 والتي أشارت إلى أن نحو 57,5% من إجمالي العمالة في القطاع غير الزراعي تتركز في الاقتصاد غير الرسمي، كما أشارت المنظمة إلى أنه في جميع البلدان الــ36 التي تتوافر عنها بيانات، ثلاثة من كل خمسة (59,8%) من العمال غير الزراعيين لديهم عملهم الرئيسي في القطاع غير الرسمي.


أولًا: إطار نظري حول مفهوم وخصائص ومؤشرات قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي.


أ‌- المفاهيم المختلفة للاقتصاد غير الرسمي:


هناك عدة مسميات للاقتصاد غير الرسمي كالاقتصاد الخفي، اقتصاد الظل، الاقتصاد الموازي، الاقتصاد غير المنظم، الاقتصاد الأسود، الاقتصاد الأرضي، وكلها مسميات تحاول إيجاد وصف شامل لهذه الظاهرة.، حيث لاتزال إشكالية المصطلح قائمة بحيث يصعب إيجاد تعريف عام محدد لهذه الظاهرة، وسيتم التطرق إلى جملة من تعاريف جاءت بها بعض المنظمات الدولية وكذلك لقيت إجماعًا في الملتقيات الدولية، “ومع ذلك فمن الصعب التوصل إلى تعريف دقيق لاقتصاد الظل؛ لأنه يتطور باستمرار حسب التغيرات التي تطرأ على النظام الضريبي واللوائح التنظيمية:


1- تعريف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:
تعرف أدبيات صندوق النقد الدولي الاقتصاد غير الرسمي كالآتي “يسمى اقتصاد الظل بالاقتصاد الخفي، أو الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد الموازي، وهو لا يشمل الأنشطة غير المشروعة فقط بل يشمل أيضًا أشكال الدخل التي لا يبلغ عنها والمتحصلة من إنتاج السلع والخدمات المشروعة، سواء من المعاملات النقدية أو المعاملات التي تتم بنظام المقايضة. ومن ثم فإن الاقتصاد غير الرسمي يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية التي تخضع للضريبة إذا ما أبلغت بها السلطات الضريبية” ، ويُعرّف البنك الدولي الاقتصاد غير الرسمي بأنه “تبادل السلع والخدمات التي لا تعتبر مسجلة في الحسابات الرسمية، فالاقتصاد غير الرسمي يفلت في معظم الاحيان من الضرائب وعادة ما تمارس أنشطته في الأسواق السوداء” .


2- تعريف مفوضية الاتحاد الأفريقي
تعريف الاقتصاد غير الرسمي بالإشارة إلى وثيقة مفوضية الاتحاد الأفريقي رقم (LSC/EXP4 (IV على أنه “يشمل المنشآت التي لا يتم تسجيلها عادة، ولها مستوى منخفض من التنظيم والإنتاجية والمردودية، كما أن لها وصولًا محدودًا إلى الأسواق والتسهيلات الائتمانية والتدريب الرسمي والخدمات العامة، ولها مبانٍ صغيرة أو غير ثابتة، وأخيرًا لا تحظى بالاعتراف والدعم أو التنظيم من قبل السلطات العامة ولا تتقيد باللوائح الحماية الاجتماعية والتشريعات الخاصة بالعمالة أو أحكام السلامة الصحية. ويُعتبر هذا التعريف واسعًا بحيث يشمل المجالين الريفي والحضري على حد سواء .


3- تعريف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية
تستعمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مصطلح الاقتصاد غير الملاحظ والذي يتشكل من أربعة أنواع هي: الانتاج تحت الأرض، الانتاج غير المشروع، القطاع غير الرسمي، مؤسسات القطاع العائلي الموجهة للاستهلاك النهائي .


تعريف الامم المتحدة:
وضع المؤتمر الدولي الخامس عشر لإحصاءات العمل لعام 2005 تعريفًا للاقتصاد غير الرسمي ينص على وصف القطاع غير الرسمي بشكل عام بأنه يضم وحدات الإنتاج التي تعمل على نطاق صغير ومستوى بسيط من التنظيم، مع عدم وجود تقسيم يذكر بين العمالة ورأس المال كعوامل إنتاج، وهدفه الأساسي هو توليد الدخل والعمالة للأشخاص المهتمين؛ ومن الناحية التشغيلية يعرف القطاع على حساب البلد باعتباره مجموعة المشاريع غير ذات الشخصية الاعتبارية التي تملكها الأسر المعيشية وتنتج بعض المنتجات للسوق ولكنها لا يعمل فيها سوى عدد محدود من العاملين، وليست مسجلة بموجب التشريع الوطني فيما يتعلق على سبيل المثال بالضرائب أو التزامات الضمان الاجتماعي أو القوانين التنظيمية .


ب – أسباب نمو الاقتصاد غير الرسمي:


يمكن ذكر أسباب تنامي الاقتصاد غير الرسمي في النقاط التالية:
أ‌- تلعب الدولة دورًا كبيرًا في تنامي هذا الاقتصاد، وذلك لعدم قدرتها على تلبية كل حاجات المجتمع بالنظر إلى النمو المتزايد للمجتمع
ب‌- العولمة وأثرها على نوعية الأنشطة الممارسة، بالإضافة إلى نوعية التعاملات الاقتصادية خاصة في مجالات التبادل والاستثمارات ومدى قدرة المؤسسات على الصمود اتجاه هذه العولمة، إذ نجد أن هناك مؤسسات ومن أجل مواكبة المنافسة الدولية تلجأ إلى البحث عن اليد العاملة الرخيصة من البلدان النامية ويتم بعد ذلك توظيفها بطرق غير قانونية واستغلالها لأقصى درجة ممكنة.
ت‌- عدم قدرة أصحاب الأجور الضعيفة الذين يعملون في القطاع الرسمي على تلبية حاجاتهم، مما يدفع بهم للجوء إلى العمل في القطاع غير الرسمي من أجل الحصول على أجور إضافية.
ث‌- النمو الديمغرافي المتزايد.
ج‌- الآثار السلبية الناتجة عن الإصلاح الهيكلي، الخصخصة والأزمات الاقتصادية يتجلى ذلك خاصة في حالات غلق المؤسسات العمومية وما ينتج عنها من تصريح العمال… إلخ.
ح‌- عدم قدرة الدولة على إجبار كل الأفراد لاحترام قوانينها.
خ‌- تراجع الدولة على أداء مهامها وانتشار البيروقراطية والرشوة، بالإضافة إلى عدم تطبيق القوانين بصرامة… إلخ، كل هذا يشجع الأفراد للدخول إلى مثل هذا النوع من القطاع.
د‌- تعلم المرأة أصبح يساهم بدوره في زيادة حدة البطالة، وبالتالي تنامي الاقتصاد غير الرسمي، إذ أصبحت تتقلد اليوم مناصب كانت في السابق حكرًا على الرجال فقط.
ذ‌- تطور قطاع السياحة والحرف التقليدية مما أدى إلى ظهور أنشطة يمكن احترافها لا رسميًّا.
ر‌- هيكل النمو الاقتصادي: ففي بعض البلدان يكون النمو الاقتصادي ضعيف، أو يوجد هناك نموًّا لكن لا يرافقه خلق فرص عمل جديدة، وهذا ما يخلق اختلالًا في إمكانية تشغيل البطالة المتزايدة، مما يدفعهم للجوء إلى العمل في القطاع غير الرسمي من أجل تلبية حاجاتهم.

ثانيًا: وضع الاقتصاد غير الرسمي وأسباب تزايد حجمه بدول أفريقيا جنوب الصحراء


1- حجم الاقتصاد غير الرسمي في دول أفريقيا جنوب الصحراء:
كان الاعتقاد السائد لفترة طويلة من الزمن أن الاقتصاد غير الرسمي هو ظاهرة انتقالية تختفي تدريجيًا مع نمو الاقتصاد الرسمي واستيعاب الطاقة الزائدة من قوة العمل، غير أن هذا الافتراض لم يتحقق، فلقد تزايد حجم الاقتصاد غير الرسمي واستمر وجوده، وهذا ما يتضح من الجدول التالي:

Source:

– Raju, D. (2008) Informal Sector Enterprises & Workers: Labor Market Issues & Options, Human Development Network Social Protection & Labor (HDNSP) Unit. World Bank Group.

– African Development Bank “AFAB” (2017) “Addressing Informality In Egypt” Working Paper No 12odj, North Africa Policy Series, London.

حيث يتضح من الجدول استمرار تزايد مساهمة الاقتصاد غير الرسمي من GDP، وبصفة خاصة في دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغت تلك المساهمة أكثر من 57% خلال عام 2015 مقارنة بـ39% عام 2003.
وتتميز الدول الأفريقية بالارتفاع النسبي للاقتصاد غير الرسمي، وتختلف مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من دولة لأخرى، والشكل التالي يوضح تلك المساهمة كمتوسط للفترة من 1991-2017 طبقًا لدراسة Friedrich Schneider لعام 2018، والتي حاول فيها قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي في 158 دولة عبر العالم باستخدام النموذج الديناميكي DMIMIC. وقد اشارت نتائج الدراسة إلى أن متوسط حجم اقتصاد الظل في 158 دولة خلال 1991- 2017 هو 32.5% من الناتج المحلي الإجمالي الرسمي، والذي كان 34.82% في عام 1991 وانخفض إلى 30.66% في عام 2017. وكان أقل حجم لاقتصاد الظل في دول شرق آسيا (16.77% في المتوسط خلال الفترة 1991- 2017، ثم تلاها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD) بنسبة 18.7%، وأعلى قيمة لها في دول أفريقيا جنوب الصحراء ودول أمريكا اللاتينية، حيث تجاوزت مساهمته 35% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول .
ويتضح من الشكل رقم (1) أن الدول الأفريقية تتسم بالارتفاع النسبي للاقتصاد غير الرسمي كنسبة من GDP، وتختلف تلك النسبة من دولة إلى أخرى حيث سجلت زيمبابوي وتنزانيا اعلى النسب وقدرت بنحو 60,5% و56,3% على التوالي، فيما سجلت موريشيوس أقل نسبة في تلك الدول الأفريقية قدرت بحوالي 23%

Source:

Schneider, F. and Leandro Medina (2017), “ Shadow Economies around the World: New Results for 158 Countries over 1991-2015? papper No. 5769, IZA Discussion Paper. Feb. 2017.

ويبدو أن الطابع غير الرسمي ينخفض مع تزايد مستوى الدخل، مما يعكس قدرة حكومية أعلى وحوافز أفضل نحو زيادة مستوى الرسمية في البلدان ذات الدخل المرتفع، ونفس السمة أيضًا تنطبق على دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يبلغ متوسط الاقتصاد غير الرسمي 36,5% في البلدان المنخفضة الدخل LIC)) في المنطقة و30,4% لبلدانها متوسطة الدخل (MIC)، ونحو 40% في الدول المصدرة للبترول (Oil exporters) والدول الهشة Fragile countries) ) خلال نفس الفترة، وهو ما يتضح من الشكل(3):

2- حجم العمالة غير الرسمية في دول أفريقيا جنوب الصحراء:
يمثل عمال الاقتصاد غير الرسمي اكثر من ثلثي العمالة العالمية والتي عادة ما يتم توظيفها بأجر ومن دون عقود توظيف أو منافع اجتماعية، لكنهم يمثلون القطاع الأكثر ديناميكية في الاقتصاد ، ولعل الزيادة الكبيرة في عدد العمالة غير الرسمية يجعل الأمر أكثر إلحاحًا وضرورة لوضع سياسات عامة محددة تهدف إلى تحسين رفاهية الملايين من هؤلاء العمال وخلق وظائف افضل للجميع، فالعمل غير الرسمي هو الشكل السائد للعمل وبخاصة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما أن حصة الوظائف الممارسة خارج الهياكل والمؤسسات الرسمية لبلد ما قد تمثل أكثر من نصف العمالة غير الزراعية، وتصل إلى 90% إذا شملت العمالة الزراعية .
ووفقًا لدراسة بنك التنمية الأفريقي الصادرة عام 2016 فإن نسبة العمالة غير الرسمية من إجمالي العمالة في القطاع غير الزراعي تتراوح في جنوب آسيا ما بين 62% و84%، بينما تراوحت بين 33% و82% في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفي شرق وجنوب آسيا ما بين 42% و73%، بينما في أمريكا اللاتينية تراوحت تلك النسبة بين 40 و75%، أما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فتراوحت بين 31% و57% .
وطبقًا لدراسة البنك الدولي عام 2016 حول السمة اللارسمية في إطار عملية التنمية والنمو، فإن العمالة غير الرسمية تتفاوت بين أقاليم العالم، ويوضح الشكل التالي نسبة العمالة غير الرسمية من إجمالي قوة العمل في مناطق العالم عام 2015:

ويتضح من الشكل أن نسبة العمالة غير الرسمية بلغت عام 2015 في إقليم جنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء نحو 90%، و85% على التوالي من إجمالي قوة العمل، وهي تمثل النسبة الأعلى بين مناطق الدراسة، ويعزى ذلك إلى كونها دول ضعيفة الدخل كثيفة السكان في ظل الموارد المحدودة وتعاني من مشكلات هيكلية في اقتصاداتها، وكلها عوامل تشكل بيئة خصبة لنمو الاقتصاد غير الرسمي والعمل فيه. وتشير الدراسات الاستقصائية -التي أجرتها منظمة العمل الدولية- إلى أن من30 إلى 90% من العمالة في القطاع غير الزراعي تحدث في القطاع غير الرسمي في بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وﻓﻲ معظم البلدان التي ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎت ﻣﺼﻨﻔﺔ ﺑﺤﺴﺐ اﻟجنس، ﻓﺈن ﺣﺼﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ وﻓﻲ اﻷﻧﺸﻄﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺰراﻋﻴﺔ تتجاوز ﺣﺼﺔ الرجال، وﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺟﻨﻮب الصحراء تتسم ﻧﺴﺒﺔ 74% ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻟﺔ اﻟﻨﺴﺎء (في غير الزراعة) ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻤﺔ، ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻧﺴﺒﺔ 61% للرﺟﺎل؛ وﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ واﻟﻜﺎرﻳﺒﻲ ﺗﺒلغ هذه النسبة 54% ﻣﻘﺎﺑﻞ٤٨%؛ وﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﺁﺳﻴﺎ ﺗﺒﻠﻎ هﺬﻩ اﻟﻨﺴﺒﺔ 83% ﻣﻘﺎﺑﻞ 82%، ويعني ذلك أن اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت الأكثر اﺳﺘﻀﻌﺎﻓًﺎ وﺗﻬﻤﻴﺸًﺎ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻷن ﻳﺆول ﺑﻬﺎ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻈﻢ .
3- أسباب تزايد حجم الاقتصاد غير الرسمي بدول أفريقيا جنوب الصحراء:
وفقًا لنماذج النظريات الاقتصادية، يمكن أن يعزى وجود ونمو الاقتصاد غير الرسمي للعديد من الأسباب التي يجب النظر إليها ككل متكامل باعتبارها نتائج ارتبطت بخصائص هيكلية، تميز الاقتصادات الأفريقية أسهمت في تنامي حجم الاقتصاد غير الرسمي، يرجع المحللون الاقتصاديون أسباب انتشار الاقتصاد غير الرسمي خاصة في الدول الأفريقية إلى الأزمات الاقتصادية التي مرت بها هذه الأخيرة، بالإضافة إلى برامج إعادة التصحيح الهيكلي التي فرضت عليها من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويضطلع الاقتصاد غير الرسمي في القارة الأفريقية بدور هام في استيعاب الكثير من اليد العاملة زهيدة الثمن في ظل الانفجار الديموجرافي ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى تنامي حجمه:
• الانفجار الديموغرافي وآثاره السلبية على النمو الاقتصادي والموارد.
• الأوضاع الاجتماعية المتدنية وسوء الظروف المعيشية للسكان بالقارة.
• زيادة عرض العمل مقارنة بالطلب عليه في ظل النمو البطيء للقطاع الخاص وضعف دور الدولة في توفير الوظائف العمومية.
• تسيير الأعمال من قبل أشخاص مستقلين يوظفون معهم في أغلب الأحيان أفرادا من عائلاتهم أو بعض الأشخاص الذين لديهم خبرة أو المبتدئين الذين يحاولون تعلم الحرف.
• ارتكاز الاقتصاد الأفريقي أساسًا على وحدات صغيرة من الإنتاج توزع السلع والخدمات المتواجدة في المناطق العمرانية ولعل أهم ما يميز تلك الوحدات الصغيرة عدم التصريح بالدخل المتحصل وهذا بقصد الهروب من دفع الضرائب.
وبشكل عام تصبح اللارسمية “خيارًا قسريًّا” عند المجموعات الضعيفة بالدول الأفريقية التي تحتاج إلى فرص عمل، ولكن يتم استبعادها من العمل بالقطاع الرسمي بسبب نقص الفرص، ونقص الموارد و/ أو التمييز (دراسة بنك التنمية الأفريقي عن مصر)، ومن الأسباب التي تجعل فرص العمل بالقطاع الرسمي نادرة النمو السريع لسوق العمل، وتباطؤ خلق الوظائف بالقطاع الرسمي في فترات الانكماش الاقتصادي، والأزمات، الإصلاحات الهيكلية. من ناحية أخرى، قد يختار المشاركون في سوق العمل الانضمام إلى الاقتصاد غير الرسمي إذا كان يوفر لهم فوائد أكبر مع عدد أقل من القيود المفروضة على الاقتصاد الرسمي ؛ فتكاليف القيام بالمشروعات والأعمال رسميًّا في العديد من الدول الأفريقية تفوق فوائد معظم الشركات، كما أن إجراءات تسجيل المشروعات والبدء فيها يعد أمرًا مكلفًا للغاية ويستغرق وقتا طويلًا.
ثالثًا: انعكاسات الاقتصاد غير الرسمي على اقتصادات الدول الأفريقية جنوب الصحراء.
تناولت العديد من الدراسات الآثار المترتبة على الاقتصاد الخفي تحت عنوانين رئيسيين؛ آثار إيجابية وآثار سلبية، وقد تركزت معظم الأدبيات على عرض الآثار السلبية فيه، إلا أن هذا لا يعني أنه لا توجد آثار إيجابية تتمثل في دوره كمهدئ اجتماعي في وقت الأزمات وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، كما أنه يعتبر مساهمًا في خلق الوظائف وتوليد الثروات وتوليد الدخل للأسر الفقيرة، كما أنه يعتبر أهم موفر للوظائف للشباب الداخلين حديثًا للعمل.
أ- الآثار الإيجابية للاقتصاد غير الرسمي على اقتصادات الدول الأفريقية جنوب الصحراء:
1- الاقتصاد الرسمي يمثل شبكة أمان وقت الأزمات الاقتصادية:
يشكل الاقتصاد غير الرسمي صمامًا للأمن الاجتماعي، وبخاصة في فترات الانكماش والأزمات الاقتصادية؛ حيث ينخفض حجم العمل في القطاع الرسمي، كما أنه يحقق آثارًا توزيعية إيجابية على محدودي الدخل مما قد يؤدي إلى تخفيض الفروق في توزيع الدخل .
في غياب الفرص الكافية في القطاع الرسمي يمثل النشاط غير الرسمي شبكة أمان توفر فرص العمل والدخل إلى حد كبير لعدد كبير من الأشخاص الذين قد يكونون أكثر عرضة للفقر، وبحسب إحصاءات منظمة العمل الدولية فإن 30من إلى 90% من التوظيف في القطاع غير الزراعي يحدث في القطاع غير الرسمي في بعض البلدان الأفريقية جنوب الصحراء. وتؤكد المسوحات العائلية أيضا أن القطاع غير الرسمي يلعب دورًا هامًّا في التشغيل في العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء، فما بين 55 و75% من العمالة غير الزراعية في الدول ذات الدخل المنخفض واﻟﺒﻠﺪان اﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮارد ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺟﻨﻮب اﻟﺼﺤﺮاء يحدث في المشروعات العائلية المعيشية .
2- مساهم رئيسي في خلق الوظائف وتوليد الثروة:
تشمل العمالة غير الرسمية أكثر من نصف العمالة غير الزراعية في معظم مناطق العالم النامي، بالتحديد 82% في جنوب آسيا، و66% في أفريقيا جنوب الصحراء، و65% في شرق وجنوب شرق آسيا و51% في أمريكا اللاتينية، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل العمالة غير الرسمية 45% من العمالة غير الزراعية، وبالنسبة لأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى مثلت أدنى مستوى (عند 10% )، وتشير التقديرات الخاصة بالصين -التي تستند إلى ست مدن- إلى أن 33% من العمالة غير الزراعية غير رسمية .
3- أهم موفر للوظائف للشباب من الجنسين
تعتبر العمالة غير الرسمية مصدرًا أكبر للعمالة بالنسبة للمرأة مقارنة بالعمالة الرسمية ومصدرًا أكبر للعمالة بالنسبة للمرأة مقارنة بالرجال؛ ففي دول أفريقيا جنوب الصحراء يعمل 74% من النساء العاملات في القطاع غير الزراعي بصورة غير رسمية مقارنة بنسبة 61% من الرجال، كما يختلف الحجم النسبي للعمالة غير الرسمية في مختلف المناطق الفرعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تشكل العمالة غير الرسمية حصة أصغر من العمالة غير الزراعية في الجنوب الأفريقي (33% في جنوب أفريقيا و44% في ناميبيا)، وذلك مقارنة بالبلدان في المناطق الفرعية الأخرى (مثلا 82% في مالي و76% في تنزانيا) ، وفي زيمبابوي استوعب القطاع غير الرسمي حوالي 84٪ من قوة العمل البالغة 15 عامًا فما فوق .
والشكل التالي يمثل النسبة المئوية للشباب الإناث والذكور العاملين في القطاع غير الرسمي في عدد من الدول الأفريقية:

4 – محفزًا لنمو الاقتصاد الرسمي:

 يشكل الاقتصاد غير الرسمي حافزًا ومشجعًا لنمو الاقتصاد الرسمي، ويتم ذلك بصورة غير مباشرة؛ فبحسب بعض الأدبيات الاقتصادية فإن ثلثي الدخل المكتسب من أنشطة الاقتصاد غير الرسمي يعاد ضخه في الاقتصاد الرسمي، فيتم إيداع هذا الدخل المتحصل في القنوات الرسمية والبنوك التي تعيد ضخها واستثمارها في الاقتصاد الوطني أو إنفاقه في الاقتصاد غير الرسمي على السلع والخدمات الرسمية بالوجه الذي يعود بالنفع على قنوات الاقتصاد الرسمي[1].

 ب – الآثار السلبية للاقتصاد غير الرسمي على اقتصادات الدول الأفريقية جنوب الصحراء:

1 – الأثر على حصيلة الضرائب:

 نظرًا لأن الضريبة تمثل أحد أهم العوائد المالية لأي حكومة، إضافة لكونها أحد أبرز أدوات السياسة المالية التي تستخدمها الحكومات المختلفة للسيطرة على سير الأنشطة الاقتصادية فيها، فإن أي انخفاض في حصيلة الضريبة داخل أي بلد سيؤدي إلى اضطرابات في اقتصادها القومي قد تؤثر في مجملها على استقرار الوضع الاقتصادي فيها، إن أول وأهم الآثار السلبية المترتبة عن وجود الاقتصاد غير الرسمي هو الدخل الذي يتم توليده ولا يكشف عنه في داخل الاقتصاد غير الرسمي، كذلك فإن بعض أشكال الضرائب مثل الضريبة على القيمة المضافة وضريبة المبيعات لا يتم تحصيلها نتيجة التهرب الضريبي، وعندما يكون حجم الاقتصاد غير الرسمي كبيرًا، ويساهم بنسبة ملموسة من الناتج القومي فإنه يؤثر على حجم الإيرادات العامة المفترض تحصيلها[2].

2- القطاع غير الرسمي والإنتاجية:

 عندما يساهم القطاع غير الرسمي بنسبة كبيرة من فرص العمل تصبح الإنتاجية في هذا القطاع لها آثار مهمة بالنسبة للأداء الاقتصادي للدولة، وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن مستوى الإنتاجية في الشركات غير الرسمية أقل بكثير من الشركات الرسمية، ففي المتوسط، بلغت إنتاجية الشركات غير الرسمية 25% فقط من إنتاجية الشركات الصغيرة الرسمية و19% من إنتاجية الشركات رسمية متوسطة الحجم، وذلك بالاعتماد على الإنتاج الحقيقي لكل موظف، هذا يعكس على الأرجح مستوى أقل من رأس المال المادي ومستويات المهارة للعمال، وهناك أيضًا اختلافات كبيرة يبن دول أفريقيا جنوب الصحراء في فجوة الإنتاجية الرسمية وغير الرسمية والتي تعكس مستويات مختلفة من عدم الكفاءة النسبية للقطاع غير الرسمي، حيث تزداد فجوة الإنتاجية بشكل خاص في بعض البلدان وعلى سبيل المثال: كينيا، ناميبيا، النيجر، السنغال، سوازيلاند وتنزانيا حيث أكثر إنتاجية.

وارتباطًا بما تقدم، فإن متوسط حجم المشروع أصغر بكثير بالنسبة للشركات غير الرسمية من الشركات الرسمية في أفريقيا جنوب الصحراء، وعادة ما تكون المشروعات غير الرسمية مشاريع صغيرة يعمل لديها أقل من خمسة عمال، والتي تشكل حوالي 30% فقط من المشروعات الرسمية صغيرة الحجم و7% من المشروعات الرسمية متوسطة الحجم شركات رسمية، وتمثل نسبة الشركات الصغيرة 71% في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي نسبة أكثر من أي بلد آخر خارج البلدان الواقعة في هذا الإقليم، حيث تكون نسبة الشركات الصغيرة 61% فقط، وهذا يعني أنه من الضروري تصميم سياسات من شأنها العمل على تحويل الموارد إلى القطاع الرسمي[3].

 وعلى سبيل المثال، يوجد في زمبابوي عدد كبير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، لكن معظمها غير مسجل، ومن ثم أصبحت جزءًا من القطاع غير الرسمي، وأحد أسباب عدم التسجيل هو التهرب من الضرائب وغيرها من اللوائح أو المتطلبات الحكومية، حيث تعمل معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة في الخفاء، وبالتالي تتهرب من فرض الضرائب، وقد كشف أحد المسوح في زمبابوي عام 2012 أن 85% من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر غير مسجلة أو مرخصة[4].

3- العجز في الضمان الاجتماعي في الاقتصاد غير الرسمي

 يعتبر غياب التغطية الاجتماعية والضمان الاجتماعي صفة أساسية في لاقتصاد غير الرسمي ويمثل جانبًا هامًّا من الاستبعاد الاجتماعي، ونمو حجم الاقتصاد غير الرسمي في العالم وفي الدول النامية يعني أن الملايين من الناس إما أنهم لم يتسن لهم الوصول إلى آليات رسمية للرعاية الاجتماعية، أو أنهم يفقدون أشكال الحماية التي يتلقونها من طرف الشركة التي يعملون فيها أو من طرف الدولة، أو كليهما في نفس الوقت، كما أن من يعمل في الاقتصاد غير الرسمي هم الأكثر حاجة للحماية الاجتماعية، ليس فقط بسبب انعدام الأمن في عملهم وإنما لتعرضهم إلى مخاطر فعلية تخص الصحة والسلامة ليس فقط للعاملين وإنما لأسرهم أيضًا.

 ويمكن تصور مدى صعوبة توفير الحماية الاجتماعية عندما يتم إدراك أنه يوجد فقط 81% من العمال في العالم يستفيدون من حماية اجتماعية حقيقية، وأن أكثر من نصف العمالة مستبعدون من أي شكل رسمي من أشكال الحماية الاجتماعية، ويبلغ معدل الحماية الاجتماعية للعمال في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا من 5 إلى 10%[5].

4 – عدالة توزيع الدخول بين أفراد المجتمع:

 يظهر تأثير الاقتصاد غير الرسمي على توزيع دخول المواطنين ويتم ذلك من خلال طرق عدة منها التهرب الضريبي، حيث يعيد التهرب الضريبي توزيع الدخول بطريقة نسبية وغير مباشرة بما يخل بمبدأ العدالة والمساواة أمام الإدارات العامة الضريبية، حيث يحدث أن تتحمل شريحة الممولين دافعي الضرائب في الاقتصاد الرسمي الضرائب مقابل تهرب الفاعلين في الاقتصاد غير الرسمي من دفع الضريبة في سبيل الحصول على الخدمة العامة بما يرفع الدخل النسبي لتلك الشريحة، كما أن أثر الاقتصاد غير الرسمي يظهر عند إعادة توزيع الدخول لكافة أفراد المجتمع دون مراعاة المواطنين دافعي الضرائب خلال الإعانات العامة لمحدودي الدخل وإعانات البطالة والمعاشات دون اعتبار الدخل المتحصل عليه من ممارسة انشطة القطاع غير الرسمي[6].

رابعًا: سبل مقترحة لدمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي بالدول الأفريقية

 يستعرض هذا الجزء ثلاث سياسات بديلة للتعامل مع الاقتصاد غير الرسمي، وذلك حسب طبيعة الدولة وطبيعة الاقتصاد غير الرسمي فيها، وهذه الاستراتيجيات هي: إما أن تقوم الدولة برفع يدها عن الاقتصاد غير الرسمي وعدم التدخل في عمله، أو القضاء على الاقتصاد غير الرسمي تمامًا، أو إضفاء السمة الرسمية على الاقتصاد.

أ – استراتيجية عدم تدخل الدولة في عمل الاقتصاد غير الرسمي

 أول خيار محتمل هو “ألا تفعل الدولة شيئًا” تجاه الاقتصاد غير الرسمي، وكنتيجة لذلك سيشكل ذلك حافز لمعظم الوحدات الاقتصادية الناشئة وبخاصة الصغيرة ومتناهية الصغر أن تنضم للاقتصاد غير الرسمي والاستفادة من الوفر الضريبي وفائض عرض العمالة غير المستوعبة في الاقتصاد الرسمي وفائض الطلب على السلع والخدمات غير الرسمية زهيدة الثمن مقارنة بالسلع والخدمات الرسمية، غير أن المشكلة في هذه الاستراتيجية أنها قد تكون مجدية بالنسبة للدول المتقدمة وعلى النقيض غير مجدية في الدول النامية، نظرًا لطبيعة الاقتصاد غير الرسمي وآثاره السلبية على كل من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، وأصحاب المؤسسات غير الرسمية، والمؤسسات الرسمية، والمستهلك، والدولة بصفة عامة، ومن ثم فإن عدم تدخل الدولة في عمل الاقتصاد غير الرسمي غير مجدٍ بالنسبة للدول النامية، ومنها دول أفريقيا جنوب الصحراء بما يعني أن اتخاذ اجراءات للتصدي للاقتصاد غير الرسمي أمر حتمي ومرغوب فيه.

ب- استراتيجية القضاء على الاقتصاد غير الرسمي

 والخيار الثاني هو القضاء على الاقتصاد غير الرسمي في حال إذا ما تعاملنا مع الفاعلين الاقتصاديين غير الرسميين على أنها الفئة المتهربة من الضرائب وكافة اللوائح والقوانين نظرًا لارتفاع العائد أو المردود من العمل في الاقتصاد غير الرسمي مقارنة بالتكلفة المتوقعة من الكشف أو الاعتقال والعقاب، غير أن المشكلة الرئيسية في سياسة القضاء التام على الاقتصاد غير الرسمي هو بمثابة قضاء على ثقافة ريادة الأعمال التنافسية بين المؤسسات والقضاء على خلق مشروعات جديدة مهما بلغ حجمها، حيث يعد الاقتصاد غير الرسمي أرضًا خصبة للمشروعات الجديدة وبخاصة الصغيرة ومتناهية الصغر، فضلًا عن عدم الاستفادة من الآثار الإيجابية للاقتصاد غير الرسمي اقتصاديًّا واجتماعيًّا بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والنمو.

ج- استراتيجية إضفاء السمة الرسمية على عاملي ووحدات الاقتصاد غير الرسمي

الخيار الثالث ولعله الأهم هو سياسة إضفاء السمة الرسمية على عاملي ووحدات الاقتصاد غير الرسمي، ويتم ذلك من خلال الإجراءات التالية:

1- تقنين الانضمام إلى الاقتصاد غير الرسمي: للحد من الانضمام للاقتصاد غير الرسمي، يمكن اعتماد عدد من تدابير السياسة العامة التي تثبط الوحدات الراغبة في العمل في الاقتصاد غير الرسمي، وذلك من خلال عدد من السياسات لعل من أهمها:

أ- تبسيط الإجراءات التنظيمية القانونية والإدارية.

ب- إضفاء سمة المشروعية على الوحدات غير الرسمية متناهية الصغر.

ج- تقديم برامج تنمية المشاريع متناهية الصغر والصغيرة.

2- تشجيع الخروج من الاقتصاد غير الرسمي وتمكين إضفاء الطابع الرسمي: حتى يتم تثبيط أو “دفع” العمالة والوحدات وكذا ممارسة الأنشطة الاقتصادية خارج إطار الاقتصاد غير الرسمي لابد أن تستهدف السياسة إما القوة العاملة غير الرسمية أو أصحاب العمل أو المتعاملين مع الاقتصاد غير الرسمي وتندرج هذه السياسات والتدابير في عدد من الفئات المختلفة عن تدابير الردع وتقنين الانضمام للاقتصاد غير الرسمي، وتقع في إطار وسائل الجذب للاقتصاد الرسمي، ومن أهم هذه السياسات:

أ- العفو المجتمعي والكشف الطوعي عن الأعمال غير الرسمية.

ب- تقديم الخدمات الاستشارية والدعم.

ج- استهداف المستهلكين أو العملاء من خلال تخفيض الضرائب المباشرة وغير المباشرة.

د- التوعية والحملات الإعلامية.

خاتمة وتوصيات

 هناك الكثير من الطاقات الكامنة في القطاع غير المنظم حيث الكثير ممن يعملون فيه ليدهم القدرة على الإبداع والتجديد وممارسة الأعمال بشكل يتميز بقدر كبير من الكفاءة إذا ما تمت إزالة عدد من القيود، ووضع استراتيجيات مناسبة لذلك، وانطلاقا مما سبق، يمكن القول بأن التعامل مع القطاع غير المنظم يجب أن يرتكز على أربعة محاور أساسية: تحسين أوضاع العاملين في القطاع غير المنظم، وتيسير تحول العاملين في القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم، وتشجيع اندماج القطاع غير المنظم في القطاع المنظم، ورفع كفاءة القوى العاملة.

1- تحسين أوضاع العاملين في القطاع غير المنظم

 يمكن القول: إن هناك عددا من الحقوق التي لابد من توفيرها للعاملين في القطاع غير المنظم، ومن ثم يجب العمل على الآتي:

أ- وضع برامج تمويلية لأصحاب المنشآت في القطاع غير المنظم لتحسين أحوالهم.

ب- على الحكومات العمل على توفير التأمين الاجتماعي للعاملين في القطاع غير المنظم

ج- التركيز في وضع البرامج التدريبية والتمويلية على المناطق الريفية التي يكون أحوال العاملين فيها أسوأ منهم في المناطق الحضرية.

د- التركيز في وضع البرامج التدريبية والتمويلية على المرأة، حيث إنها تتركز بشكل أعلى نسبيًا من الرجل في القطاع غير المنظم.

هـ- لابد من خلق الوعي لدى أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأهمية التنسيق فيما بينهم لخلق شبكات أو هيئات متخصصة بهدف أن يكون لهم صوت مسموع يسمح لهم بحماية حقوقهم، وأن يرفعوا مستوى الإنتاجية والكفاءة عبر التعاون فيما بينهم، وتوفير المعلومات والتكنولوجيا والتمويل وغيرها من الموارد، وخلق روابط بالشركات الكبيرة في القطاع المنظم حتى يستطيعوا التصدي لتحديات العولمة.

2- تيسير تحول العاملين في القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم:

أ- الاهتمام بالتعليم، والارتقاء بمستواه، ومراعاة الاتساق بين متطلبات سوق العمل والعملية التعليمية

ب- وضع برامج تدريبية رفيعة المستوى للعاملين تساعدهم على اكتساب المهارات التي توائم متطلبات سوق العمل، وتمكنهم من الحصول على فرص عمل مناسبة في إطار القطاع المنظم، أو إقامة منشأة منتجة تعمل بشكل منظم.

ج- وضع سياسات من شأنها إذابة المعوقات التي تحول دول الدخول في القطاع المنظم:

– يمكن أن تقوم الحكومات بتخفيض معدلات الضرائب على المنشآت، أو على الأقل تُعطَى المنشآت مدة معقولة من الإعفاء الضريبي، يسمح للمنشأة بتحقيق معدلات من الأرباح لدعم نموها، وتطوير أساليب الإنتاج فيها.

– تعديل قوانين سوق العمل لتكون أكثر مرونة بشكل يحفز أصحاب الأعمال على تعيين الأفراد بشكل رسمي.

– تعديل القوانين لتحقيق إنصاف بين المرأة والرجل بشكل لا يجعل تعيين الإناث أكثر تكلفة بشكل كبير على صاحب العمل مقارنة بالذكور.

– وضع قواعد صارمة بشأن حظر عمالة الأطفال تتماشي وقوانين العمل الدولية، مع توجيه اهتمام خاص بالفتيات، ومحاولة خلق فرص تعليمية، وبيئة صحية للأطفال العاملين.

3- تشجيع اندماج القطاع غير المنظم في القطاع المنظم:

 ويقصد بذلك إدماج القطاع غير المنظم في القطاع الحديث المنظم، لتوفير الحماية الاجتماعية للعاملين فيه، وتنظيم شؤونه لتطويره. دون أن يؤدي ذلك إلى التضحية بديناميكية وروح المبادرة والمرونة التي يتحلى بها، ومن ثم لابد من دراسة القطاع غير المنظم لتحديد المشاكل التي يواجهها، وبالتالي تعظيم المزايا التي أن يحققها في حال تنظيمه، ومنها القدرة على النمو، توفير الخدمات، والنفاذ للأسواق، والاستفادة من إمكانيات المنافسة.

4- رفع كفاءة القوى العاملة:

ويجب التركيز على تنمية المهارات الآتية بالنسبة لعاملين:

– القدرة على التقاط المعلومات، وتحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام.

– القدرة على التكيف والتعلم بسرعة، وامتلاك المهارات اللازمة لذلك.

– إتقان التعامل مع تقنية المعلومات، والتقنية المعتمدة على الحاسب، وتطبيقاتها في مجال العمل.

– القدرة على التعاون والعمل ضمن فريق، وإتقان مهارات الاتصال اللفظية والكتابية والافتراضية.

– امتلاك مهارات إضافية مميزة تختلف عن المهارات التقليدية في الأعمال الروتينية.

– إتقان أكثر من لغة حتى يمكن العمل في بيئة عمل عالمية.

– إتقان العمل خارج حدود المكان والزمان، والقدرة على إدارة العمل سواء كان ذلك في بيئات عمل تقليدية أم بيئات افتراضية.

– القدرة على تحديد الحاجات والرغبات الفريدة الخاصة بالمستهلكين الأفراد أو المؤسسات والهيئات، فلم تعد المنتجات ذات المواصفات المعيارية الموحدة تناسب الجميع.

Referances:

[1]فريديريك شنايدر، دومينيك إنستي: الاختباء وراء الظلال،” نمو الاقتصاد الخفي، سلسلة قضايا اقتصادية، العدد 31، مارس (واشنطن: صندوق النقد الدولي، 2002(،  ص.2.

[1] المرجع السابق نفسه.

[1] Beegle, G. ; Benjamin, N. ; Recanatini, F & Santini, M. (2014). Informal Economy &The World Bank. Policy Research Working Paper No. WPS 6888.( Washington, DC: World Bank Group ,2014).

4 لجنة العمل والشؤون الاجتماعية التابعة للاتحاد الأفريقي: تأثير الأزمة العالمية على العمالة وسوق العمل في أفريقيا، متابعة توصيات الدورة السادسة للجنة العمل والشؤون الاجتماعية حول الدراسة بشأن الاقتصاد غير الرسمي في أفريقيا: البرنامج حول الاقتصاد غير الرسمي, وثيقة رقم 1553 LSAC-EXP-5-SA , (أديس أبابا، إثيوبيا، 28 سبتمبر – 12 أكتوبر 2009)، ص3.

[1] Organization For Economic Co-Operation & Development “OECD, Is Informal Normal? Towards More & Better Jobs In Developing Countries, (Paris:OECD, 2009)

[1] إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية الشعبة الإحصائية: تحديثات وتعديلات نظام الحسابات القومية 1440، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك، وثيقة . ST/ESA/STAT/SERF/2/REV4/Add 2005، http://unstats.un.org/unsd/publication/series

[1] المجلس الاقتصادي والاجتماعي: الاقتصاد غير الرسمي أوهام وحقائق، تقرير لجنة علاقات العمل،

الجزائر، يونيو 2004.

[1] Schneider, F. and Leandro Medina (2017), “ Shadow Economies around the World: New Results for 158 Countries over 1991-2015? papper No. 5769, IZA Discussion Paper. Feb. 2017.

[1] Organization For Economic Co-Operation & Development “OECD, Is Informal Normal? Towards More & Better Jobs In Developing Countries, Op.cit.

[1] Organization For Economic Co-Operation & Development “OECD’ , “Informal Employment In Developing Countries”, Centre OECD Development, Labor Stat Of ILO, January2009.

[1] African Development Bank “AFAB” “Addressing Informality In Egypt” Working Paper No 12odj, North Africa Policy Series, ( London ,AFDB,2016).

[1] ILO: Women and men in the informal economy: A statistical picture (Geneva, ILO–WEIGO, 2002 and 2012);

ولمزيد من التفاصيل انظر:

  • Joann Vanek, Martha Alter Chen, Françoise Carré, James Heintz and Ralf Hussmann , Statistics on the Informal Economy: Definition, Regional Estimates & Challenges,

WIEGO Working Paper (Statistics) No 2,( Cambridge:WIEGO , April 2014)

[1] انظر في هذا الصدد:

[1] Chen, M. (2012): The Informal Economy: Definitions, Theories & Polices. WIEGO, Working Paper No.1.

[1] Bajada, C. & Schneider, F. (2005): “The Shadow Economies Of The Asia‐Pacific” Journal Of Pacific Economic Review, Vol. (10), Iss. (3), Pages 379-401

[1] International Monetary Fund, Regional Economic Outlook, Sub-Saharan Africa Restarting the Growth Engine, (Washington, D.C: IMF, April 2017)

[1] Joann Vanek, Martha Alter Chen, Françoise Carré, James Heintz and Ralf Hussmann , Statistics on the Informal Economy: Definition, Regional Estimates & Challenges, Op.cit.

[1] Joann Vanek, Martha Alter Chen, Françoise Carré, James Heintz and Ralf Hussmann , Statistics on the Informal Economy: Definition, Regional Estimates & Challenges, Op.cit.

[1] Rose Constancia Sakuhuni, Causes, Benefits And Costs Of Informal Economy: Evidence From Zimbabwe (1980-2013), research journal, Vol. 2, No. 4 , June , 2014, available at: www.researchjournali.com

[1] Enste, D. & Schneider, F. ,”Increasing Shadow Economies All Over The World – Fiction Or Reality?”A Survey Of The Global Evidence Of Their Size & Of Their Impact From 1970 To 1995, Discussion Paper No. 26, The Institute For The Study Of Labor (IZA)., 1998.

[1] Organization For Economic Co-Operation & Development “OECD” (2000): “Tax Avoidance & Evasion”, 2000 .

22 Ibid, p.56       

[1] Rose Constancia Sakuhuni, Causes, Benefits And Costs Of Informal Economy: Evidence From Zimbabwe (1980-2013), Op.cit., p.5

[1] Bureau Internationale Du Travail: Sécurité sociale: questions, défis et perspectives, rapport VI, Conférence internationale du Travail, 89e session, Genève, 2001, pp. 3 -4

[1] Brockmann, H. Genschel, P. Seelkopf, L. ,Happy Taxation: Increasing Tax Compliance Through Positive Rewards?, Journal Of Public Policy, Vol. 36, Iss. 03, Pages: 381 -430.