كتبت – أسماء حمدي

رحلت عن عالمنا الدكتورة حواء عبدي، أول طبيبة نساء صومالية، والناشطة في مجال حقوق الإنسان في مقديشو في السادس من أغسطس الجاري، عن عمر ناهز 73 عامًا، تاركة بصمتها في العمل الإنساني، فقد ساعدت الآلاف من الصوماليين.

ماما حواء

في مقديشو عام 1947، ولدت “ماما حواء” كما كان يناديها الجميع، من رحم المعاناة والحروب والفقر والمجاعة ونشأت على تحدي الصعاب مما أثقل شخصيتها، كما تأثرت أيضا بوفاة والدتها حيث توفت عندما كانت صغيرة في عمر الـ12 عاما.

درست حواء الطب في  جامعة كييف بعد فوزها بمنحة دراسية في الاتحاد السوفيتي، درست الطب في كييف، وفي عام 1971 بدأت حياتها المهنية كأول طبيبة نساء في الصومال.

حملت حواء على عاتقها وصية جدتها، حيث أوصتها بخدمة الصومال قائلة : “اخدمي شعب الصومال بعلمك ومهاراتك”، لم تفارق هذه الكلمات قلبها وعقلها، وعملت على تنفيذها.

بعد اندلاع الحرب الأهلية، التي تسببت في أضرار جسيمة لاقتصاد الصومال وبنيته التحتية، برزت عبدي من عمق هذه الفوضى واستطاعت أن تبني عيادة صغيرة افتتحتها في عام 1983 والمكونة من غرفة واحدة على أرض أسرتها لمساعدة النساء أثناء الولادة وتوفير الرعاية الصحية للأطفال.

ولكن مع تفكك البلاد، حولت حواء العيادة إلى مستشفى متكامل يستقبل يوميا آلاف الحالات المرضية، وأنشأت مدرسة ومخيم للنازحين داخليًا، كما رفضت سياسات العشائر التي قسمت المجتمعات وأججت الحرب، واعتمدت فلسفة الوحدة وإيواء الناس من خلفيات متنوعة، ودعموا جحافل من النازحين خلال الحرب.

عندما زار الرئيس جورج بوش الصومال في أوائل عام 1993، وهو الزعيم الأمريكي الوحيد الذي زار البلاد، وكان ذلك قبل أسابيع من مغادرته منصبه، لتفقد القوات الأمريكية وجهود الإغاثة الدولية التي كانت تستجيب للمجاعة التي اجتاحت هذه الدولة الواقعة في القرن الأفريقي، كانت حواء أول صومالي يلتقيه هناك، وقامت معه بجولة في المخيم وأظهرت له كيف تتلقى الأطفال والنساء وتقدم لهم الرعاية الطبية والغذاء.

قال بوش حينها: “إننا نشهد انتعاشًا هنا، لقد أخبرني معظم هؤلاء الأطفال أنهم كانوا يتضورون جوعا قبل شهرين”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

تحدي

على مر السنين توسع المجمع إلى 400 سرير وأصبح يستضيف ما يصل إلى 90.000 شخص، وقام الطبيبة الصومالية بتدريب وتوظيف العشرات من الأطباء والممرضات وإجراء عدد لا يحصى من العمليات الجراحية وولادة الأطفال وإزالة الرصاص من جرحى الحرب، كما أسست فصولاً لمحو الأمية للنساء ومشروعًا زراعيًا ساعد الرعاة السابقين في زراعة طعامهم بأنفسهم، وعُرفت هذه المنطقة بقرية “حواء عبدي”.

ولكن في بلد بالكاد يوجد به أي بنية تحتية للرعاية الصحية أو دعم حكومي للرعاية الصحية، كانت حواء تتعامل أيضا مع تفشي التيفود والسل بالإضافة إلى الخسائر المدمرة للمجاعات، مثل تلك التي حدثت في عام 2011 بسبب الجفاف.

كان عليها أيضا مواجهة المسلحين، ففي مايو 2010، استولى متشددون إسلاميون على مستشفاها ومخيمها ونهبوا وثائق ومعدات طبية، وطالبوا بالنظر إلى عمرها ولأنها امرأة  بتسليم إدارة المستشفى إليهم.

يصعب التصديق إن هذه المرأة ولوحدها واجهت نحو 800 مسلح يتبعون لواحدة من أعنف الجماعات المسلحة في الصومال حين احتجزوها داخل مشفاها الذي يعالج الأطفال والنساء، وكانت تهمتها بالنسبة لهؤلاء انها امرأة.         

وفقًا لمذكراتها، قال لها أحد المسلحين: “لا يُسمح لك بتحمل أي مسؤولية وسلطة”، ردت قائلة: “هذا مستحيل، وعلى الرغم من أن كبار السن قالوا لي إن المسلحين يمكنهم إطلاق النار علي في أي لحظة، إلا أنني رفضت التراجع”.

حواء تحدت التهمة ولم ترعبها الأسلحة ولا التهديد بالقتل بل استماتت في مواجهتهم، وقالت: ” قلت للشيوخ إذا أطلقوا النار علي، على الأقل سأموت بكرامة”، بعد أيام من الإقامة الجبرية، لم يفرج عنها المسلحون فحسب، بل وافقوا أيضًا على كتابة خطاب اعتذار لها.

أصرت حواء أن تُسمع العالم من خلال محنتها، أن بلدها الصومال ومنطقتها التي تأوى وترعى أكثر من مئة ألف صومالي معظمهم من النازحين انهم مهددون بالإبادة.

رئيسة جمهورية الأمل

اجتذب العمل الإنساني للدكتور عبدي الاهتمام الدولي في السنوات الأخيرة، ففي عام 2010 تم إدراجها هي وبناتها ضمن فئة نساء العام في مجلة جلامور، لتكون مع جوليا روبرتس والملكة رانيا، حيث كان لها ابنتان وهن طبيبات، وكان لها ابنة ثالثة توفيت في الثانية من عمرها وتوفي ابنها عن 23 عاما.

ووصفت المجلة الدكتورة عبدي بأنها “الأم تيريزا و رئيسة جمهورية الأمل” ووصفتها وابنتيها “قديسي الصومال”، أوصاف تختصر الطبية التي أصرت بجهدها أن توصل رسالة أن المرأة يمكنها أن تصنع السلام.

 وأصبحت حواء وجها معروفا دوليا بعد 30 عاما من الكفاح، وفي عام 2012 تم ترشيحها لجائزة نوبل للسلام، وفي عام 2017 حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد، جنبًا إلى جنب مع مؤسس “فيسبوك” مارك زوكربيرج والممثلين جودي دينش وجيمس إيرل جونز.

يقول الدكتور محمد، الذي يدير المستشفى الآن، إنه حتى مع انحسار الحرب الأهلية، استمرت الدكتورة عبدي في تقديم الرعاية الصحية للأطفال والنساء والجميع.

قال الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد، في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، “إن الدكتورة حواء ستظل في قلب وروح آلالاف الأشخاص الذين ساعدتهم خلال الأوقات العصيبة، فهي لها مكانة ذهبية في تاريخ أمتنا، ولفترة طويلة أخذت على عاتقها خدمة الضعفاء بيننا”.