كتبت – أسماء حمدي

لا يزال الوضع الاقتصادي الهش الذي خلفه النظام السوداني السابق يلقي بظلاله على عودة الأزمات وطريقة معالجتها وهو ما جعل الشعب السوداني وإن أبدى تفهم لما تقوم به الحكومة الجديدة إلا أنه يخشى من نفاد الصبر.

تستمر أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في السودان لتشكل عبئا على ميزانية ذوي الدخل المحدود، فقد سجل سعر الخبز ارتفاعا كبيرا بعد قرار الحكومة رفع الدعم عنه.

وحذرت الأمم المتحدة من أن قيود الفيروس التاجي تمنع الوصول إلى أكثر الفئات ضعفا وتتسبب الأسعار المتزايدة في جوع الكثيرين، حيث يعاني ما يقرب من ربع سكان السودان من الجوع بسبب الخسائر الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وكورونا.

وفي أعلى رقم تم تسجيله في تاريخ السودان الحديث، يواجه حوالي 9.6 مليون شخص الآن نقصًا حادًا في الغذاء،   ويعيش العديد من المتضررين في مناطق النزاع في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق، كما سجلت جميع ولايات السودان الثماني عشرة تقريبًا مستوى من الجوع، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

وقالت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، إن عددًا كبيرًا من الأشخاص سيحتاجون إلى مساعدة غذائية طارئة حتى سبتمبر على الأقل، حيث أدى ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية وإجراءات مواجهة فيروس كورونا إلى الحد بشكل كبير من الوصول إلى الغذاء.

حذرت وكالات الأمم المتحدة من العواقب الوخيمة، وقال وو جونغ كيم، مسؤول الاتصالات في برنامج الغذاء العالمي في السودان: “إذا لم يتم اتخاذ أي إجراءات، فقد ينزلق الناس إلى انعدام الأمن الغذائي المزمن والفقر ​وإلى درجة عالية من التعرض الدائم للأخطار المستقبلية، كما يؤدي التدهور الاقتصادي والتضخم إلى دفع القوة الشرائية للسكان”.

وتقول الأمم المتحدة إنها غير قادرة على الوصول إلى بعض الأشخاص الأكثر ضعفا بسبب قيود كورونا وعدم الاستقرار، وأشارت إلى أن الموظفين يجدون صعوبة في الحصول على تأشيرات أو إذن من الحكومة للسفر داخل البلاد.

وحتى 4 أغسطس سجل السودان  11780إصابة و11 وفاة و57 متعافيًا بفيروس كورونا المستجد، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وجبة واحدة في اليوم

وفي حديث لصحيفة “الجارديان” البريطانية، تقول بثينة النور 31 عاما، والتي تعمل بائعة شاي في قرية حجر الطير في جنوب كردفان، إنها اضطرت إلى تقليص ساعات عملها بسبب الوضع الأمني ​​في المنطقة، مما جعلها تكافح من أجل شراء الطعام.

وتضيف بثينة: “لا يمكنني البقاء طويلاً في السوق لأن الرجال المسلحين يتسكعون قد يسرقونك ويقتلونك، ومعظم الناس الذين أعرفهم يمكنهم تناول وجبة واحدة فقط في اليوم ولا أحد يقدم أي مساعدة، نقول فقط الحمد لله أننا على قيد الحياة”.

من جانبها تقول وصال أبو الشام، والتي تساعد زوجها في زراعة أراضيهم في قرية أم جاب في شمال كردفان، إنها تكافح من أجل الحصول على ما يكفي من الغذاء لإطعام 13 طفلاً يعيشون مع العائلة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الأمطار.

وتضيف وصال: “في بعض الأحيان لدينا وجبتان، ولكن في كثير من الأحيان وجبة واحدة فقط في اليوم، لقد أعددنا أرضنا لزرع السمسم والذرة الرفيعة لكنها لم تمطر بعد وكان علينا أن نأكل بعض بذورنا التي كان من المفترض أن تزرع”.

العنف يزيد عدد الجياع

في جونقلي ومنطقة بيبور الكبرى الإدارية في الجزء الشرقي من جنوب السودان، أدى تكرار العنف إلى تشريد أكثر من 60 ألف شخص وشل الأمن الغذائي وسبل العيش مما يجعلهم فى حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

كما عطل العنف الزراعة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى خفض غلة موسم الحصاد لبقية العام بالإضافة إلى حرمان المجتمعات المحلية من الماشية كمصدر للتغذية، كما أدى العنف إلى نهب المساعدات الغذائية الإنسانية التي كانت تهدف إلى دعم الأشخاص الأكثر ضعفاً.

يقول ممثل منظمة الأغذية والزراعة فى جنوب السودان، ميشاك مالو، أنه “في ذروة موسم الزراعة الرئيسي، يمنع انعدام الأمن المزارعين من الذهاب إلى حقولهم لزراعة المحاصيل الغذائية، ويعيق مربي الماشية من اتباع أنماط الهجرة التقليدية لرعي حيواناتهم”.

وأشار مالو إلى أن سرقة الماشية جزءا من العنف، حيث تفقد المجتمعات الحيوانات الضرورية لكسب عيشها ولا يمكنها المشاركة فى الأنشطة الزراعية المنتجة التى تؤدى إلى مزيد من الأمن الغذائي.

يقول مدير برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان، ماثيو هولينجورث، أنه “لا يمكننا ببساطة استبدال السعرات الحرارية التي يوفرها الحليب للأطفال عندما تسرق الماشية وتُفقد كمية حليب تكفي لسنة كاملة، ونحن بالكاد لدينا موارد كافية لتلبية الاحتياجات الحالية”، مؤكدا أنه لن يكون هناك منتصرون فى هذا الصراع، فهذا العنف يخاطر بالتسبب في انعدام الأمن الغذائي الكارثي على المدى الطويل في أنحاء المنطقة، لبقية هذا العام”.

ووفقا للأمم المتحدة فُقد أكثر من 430 طنا من الإمدادات الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي بعد تعرض مخازن البرنامج وشركائه للسرقة في المناطق المتضررة هذا ويزيد العنف القائم في شرق جنوب السودان عدد الجياع، خاصة عندما تكون البلاد في موسم العجاف السنوي.

الجراد يهدد الأمن الغذائي

منذ بداية العام، اجتاح الجراد الصحراوي منطقة القرن الأفريقي، والذي قد يتجه قريبًا إلى منطقة الساحل، وهي واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم

تقولمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”: “لقد شهدنا تهديد الجراد الصحراوي غير المسبوق للأمن الغذائي وسبل العيش في شرق أفريقيا، ونحن نبذل قصارى جهدنا لمنع تكرار أزمة مماثلة في منطقة الساحل، التي تشهد بالفعل العديد من الأزمات المستمرة”.

كل عدة سنوات تواجه منطقة الساحل الممتدة جنوب الصحراء الكبرى نوبات دورية من المجاعة ونقص الغذاء، وغالبًا ما يُشار إلى المنطقة باسم الصفر الأرضي لظاهرة الاحتباس الحراري وتعاني من التصحر الواسع الانتشار وتزايد هطول الأمطار بشكل غير متوقع.

في الوقت نفسه، شردت الجماعات الجهادية والمسلحة التي تقاتل عبر مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد حوالي مليون شخص في العام الماضي، وعطلت إمدادات الغذاء القليلة جدا في المنطقة، مما أخاف المزارعين من العمل في مزارعهم وبيع محاصيلهم في الأسواق.

وفي ظل الوباء وعمليات الإغلاق أصبحت الأمور أسوأ بكثير، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في بوركينا فاسو ومالي والنيجر بمقدار مليون إلى 4.8 مليون منذ بدء تفشي الجائحة، وفقًا للأرقام الصادرة في مايو عن برنامج الغذاء العالمي.

ويخشى الخبراء من أن هذه الأرقام يمكن أن تتضاعف، حيث تستمر إجراءات الإغلاق والانكماش الاقتصادي العالمي في الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفًا.

وحذرت منظمة الأغذية والزراعة من أن أسراب الجراد الصحراوي، التي تعتبرها المنظمة أكثر الآفات المهاجرة تدميرا في العالم يمكن أن تجعل الوضع أسوأ بكثير، حيث بدأ المليارات من الجراد الصحراوي ينتشر في مساحات شاسعة من إثيوبيا والصومال وكينيا منذ بداية العام، مما أدى إلى تدمير المحاصيل.

 يمكن أن يحتوي سرب واحد على ما يصل إلى 80 مليون حشرة ويأكل الكثير من الطعام مثل 35000 شخص ويطير من30 إلى 80 ميلاً في يوم واحد، وقالت المنظمة إن معظم الأسراب في شمال غرب كينيا من المتوقع أن تحملها الرياح شمالًا  وتمر بجنوب السودان ثم إلى السودان.

وأضافت المنظمة “ما لم تهطل أمطار أكثر في صحراء السودان، مما يوفر ظروف تربية مواتية للآفات، لن يبقى الجراد في السودان لفترة طويلة وبدلاً من ذلك سينتقل غربا عبر منطقة الساحل بغرب أفريقيا بحثاً عن الغذاء ومناطق التكاثر الملائمة”.

قدر البنك الدولي أن تكلفة دعم المزارعين والمنتجين المتضررين من الجراد في شرق أفريقيا يمكن أن تصل إلى 8.5 مليار دولار (6.5 مليار جنيه استرليني) بحلول نهاية عام 2020.

في أواخر يوليو، حذرت وزيرة التنمية الدولية البريطانية آن ماري تريفيليان، من أن أسراب الجراد في شرق إفريقيا تنمو الآن إلى حوالي 20 ضعف ما كانت عليه في مارس، وأعلنت أن بريطانيا ستنفق 18 مليون جنيه إسترليني لدعم الدول المتضررة.