كتبت – أسماء حمدي

داباونج هي مدينة مزدحمة ومتعددة الأديان، تقع على بعد 13 ميلاً جنوب حدود توجو مع بوركينا فاسو وعلى بعد 300 ميل (500 كيلومتر) شمال العاصمة لومي.

تشتهر رئيسة المنظمات غير الحكومية والأخت الكاثوليكية ماري ستيلا كواك داخل وحول المدينة، وهي واحدة من عدد قليل من قادة المجتمع، يمكن التعرف عليها بسهولة من خلال ابتسامتها وحجاب الراهبة الأبيض على رأسها.

نشأت كواك في عائلة متعددة الزوجات، وهي الآن أخت كاثوليكية تنتمي إلى الأخت الإسبتارية من جماعة القلب المقدس ليسوع، وتعيش في توجو طوال 52 عامًا، باستثناء إقامتها في فرنسا وبلجيكا لحضور دورات التمريض.

تجربة قاسية

عندما كانت في أوروبا في التسعينيات، تلقت مكالمة من أختها تخبرها أن شقيقها مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، تقول كواك: “حصلت على إذن للسفر إلى توجو، كانت تلك تجربة قاسية، كان أخي يزن 105 كجم، وأصبح 35 كجم، وانقسم أفراد الأسرة وخافوا من زيارته وكأنه مرض معدي”.

بعد عودتها إلى مدرسة التمريض، بدأت في التفكير فيما إذا كان بإمكانها التعامل مع المزيد من المآسي عند عودتها إلى المنزل، تقولكواك: “صليت فقال لي الرب: لماذا لا تعتبر معاناة أخيك شهيدًا، ومن [استشهاده] تقدم نفسك للآخرين؟”.

وتضيف: “قلت لنفسي إنني سأقاتل، قررت أن أحضر أطروحة شهادتي حول برامج مساعدة فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، هكذا بدأت في ذلك الوقت، لم يكن هناك شيء في توجو، بينما كان العلاج المضاد للفيروسات متاحًا بالفعل في أوروبا”.

منذ ذلك الحين، أسست كواك واحدة من أكثر المنظمات غير الربحية تأثيرًا في داباونج في عام 1999، أسست Vivre dans l’Espérance “العيش في أمل” مع عدد قليل من المتطوعين لدعم الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز، وسرعان ما بدأت في استقبال الأيتام المصابين بالإيدز، أولاً في مبنى يحمل اسم القديس أوغسطين ثم في مجمع أكبر.

توظف المنظمة غير الحكومية 65 شخصًا، وتدير مركزًا صحيًا واجتماعيا ومزرعة، وستفتتح قريبًا مدرسة ابتدائية، وفي عام 2019، قدمت الدعم الصحي والغذائي والنفسي والاجتماعي لحوالي 1500 شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” في جميع أنحاء المقاطعة الواقعة في أقصى شمال توجو.

رئيسة المنظمات غير الحكومية والأخت الكاثوليكية

مأساة

عندما ظهرت جائحة فيروس كورونا في مارس، حاولت كواك التعامل مع الأزمة، في الوقت الذي فرضت فيه الحكومة التوجولية قيودًا على النقل المحلي والإقليمي، لكنها تخشى من حدوث اضطراب “كارثي” لعقاقير فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” حيث لم يتمكن معظم مرضاها من الوصول إلى داباونج، فقامت بزيارات منزلية وأخذت الطعام والأدوات الصحية والأدوية المضادة للفيروسات إلى المناطق الريفية.

بحلول أوائل يونيو، بعد أن أبقت حالات الإصابة بالفيروس التاجي منخفضة، تم تسجيل 806 إصابة و16 حالة وفاة رسميًا في توجو، قامت السلطات برفع حالة الطوارئ والقيود المفروضة على الحركة.

لكن كواك ما زالت تشعر بحدة الأزمة، تقول: “خططت لأخذ إجازة لبضعة أيام، لكنني لا أستطيع، منذ مارس، نتعامل مع عواقب الوباء والتي أصبحت أكثر مأساوية، ويعاني مرضانا للحصول على الطعام أو دفع تكاليف النقل للوصول إلى المستوصفات”.

كما تضررت داباونج من استمرار إغلاق الحدود البرية، حيث توقفت التجارة مع بوركينا فاسو والأنشطة الاقتصادية الأخرى ولم يتمكن العمال الزراعيون الموسميون الذين غادروا البلاد والذين هم الآن في أمس الحاجة إليهم في الحقول، من العودة.

“أشعر أن كل عملنا الجيد قد تم محوه وأننا نقفز 10 سنوات إلى الوراء، إذا لم تفتح الحدود قريبًا، فقد تنفد الأدوية المضادة للفيروسات، والأمر سيصبح كارثيًا”، بحسب كواك.

لا يمكنني الاستسلام

في الآونة الأخيرة شاركت وكالات الأمم المتحدة مخاوف مماثلة، محذرة من أن تعطيل خدمات فيروس نقص المناعة البشرية في إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى يمكن أن يؤدي إلى مئات الآلاف من الوفيات والإصابات الإضافية.

بالنسبة لكواك، كل هذا مجرد تحدٍ جديد آخر بعد العديد من التحديات الأخرى، ففي السنوات الأولى من العمل، اختلس محاسب المنظمة غير الحكومية مبلغًا ضخمًا من المال؛ وتحول الأمر إلى المحكمة، كما تم تحويل الفيلا المبنية حديثًا إلى سكن للزوار.

 في عام 2017، عندما افتتحت المركز الصحي، واجهت تهديدات بالقتل واحتجاجات عنيفة من بعض سكان داباونج الذين لم يرغبوا في تواجد مرضى الإيدز في حيهم، وخلال كل أزمة، حافظت كواك على روتينها، حيث تستيقظ في الساعة 4.15 صباحًا لمدة ساعة للصلاة، قبل أن تبدأ جدول أعمالها المزدحم والذي غالبًا ما يتعطل.

“بصفتي امرأة مؤمنة ، لا يمكنني الاستسلام للإحباط، هذا هو الوقت المناسب لابتكار طرق جديدة لمواصلة مهمتنا”، بحسب كواك.

وحتى الأن سجلت توجو الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، 1001 إصابة بفيروس كورونا المستجد، و21 حالة وفاة منذ بدء الوباء، وتعافى 690 شخصًا.

ووفق جبريل محمد، المنسق الوطني للاستجابة لكورونا، إن توجو تشهد تفشيًا جديدًا في المناطق الوسطى والشمالية وحذر من زيادة الحالات خلال الأسبوعين المقبلين، مضيفا “خلال الأسبوعين المقبلين ستكون هناك زيادة في الحالات المؤكدة بعد مراقبة المخالطين”.

أفريقيا تتجاوز مليون إصابة

تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد عتبة المليون في أفريقيا، التي تبقى الأقل تأثرا بالوباء بين القارات، وفق الأرقام الرسمية، وحيث تنتشر الحالات بشكل متفاوت بين بلد وآخر، حيث تم تسجيل نحو 1.000.054 إصابة في أنحاء القارة، مع ما لا يقل عن 21724 وفاة.

وتمثل أعداد الإصابات في القارة الإفريقية نحو 5 في المائة من الإصابات الإجمالية في أنحاء العالم، كما تمثل خمس دول من أصل 54 بلدا في أفريقيا، نسبة 75 في المائة من الإصابات، وفقاً لمركز مكافحة الأمراض في القارة.

 تقول منظمة الصحة العالمية، إن دولا أفريقية عدة سجلت في الأيام الأخيرة انخفاضا بنحو 20 % من الإصابات اليومية، وقال ماتشيديسو مويتي، مدير منظمة الصحة العالمية في أفريقيا: “علينا أن ننتظر لفترة أطول قبل أن نقول على وجه اليقين، إن كان هذا اتجاه سيستمر، أم لا”.

ويرى الخبراء إن انخفاض مستويات الاختبار في العديد من البلدان يعني أن معدلات الإصابة من المرجح أن تكون أعلى من المبلغ عنها، وأشاروا إلى أن بعض الحكومات في جميع أنحاء القارة فقيرة جدًا أو تعاني من النزاعات لإجراء اختبارات على نطاقات واسعة، بينما يحجم البعض الآخر عن مشاركة البيانات أو تعريض أنظمته الصحية المتداعية للتدقيق الخارجي.

يقول جون نكينجاسونج، رئيس مركز السيطرة على الأمراض في إفريقيا، في مؤتمر صحفي افتراضي، إن جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا وغانا والمغرب وكينيا وإثيوبيا ورواندا وأوغندا وموريشيوس أجرت أكثر من 200 ألف اختبار.

حتى الآن تم إجراء ما يقرب من 9 ملايين اختبار في جميع أنحاء القارة، بزيادة قدرها 9.4٪ عن حصيلة الأسبوع الماضي.