كتب – محمد الدابولي

وصل الصراع السياسي في موريتانيا إلي ذروته يوم الإثنين الموافق 17 أغسطس 2020، حين احتجزت الشرطة الموريتانية رئيس البلاد السابق «محمد ولد عبد العزيز» على خلفية اتهامة بتهم فساد وجرائم مالية ارتكبها أثناء فترة حكمة الممتدة من 2008 وإلي 2019.

تم احتجاز «ولد عبد العزيز» بتهم نهب ثروات البلاد واستغلال منصبه في ابرام العقود التجارية بالمخالفة للقانون، وأوردت التحقيقات أن «ولد عبدالعزيز» استغل قصره المقام على أرض أكاديمية الشرطة في نواكشوط في إدارة العقود الخاصة ولم تقتصر عملية توجيه الاتهامات إلى الرئيس السابق فقط بل شملت العناصر المقربة منه وأفراد أسرته.

لم تكن الاتهامات السابقة هي الأولي من نوعها، ففي يوليو 2020 فتح البرلمان الموريتاني تحقيقا حول منح الرئيس السابق ولد عبدالعزيز إحدى الجزر الموريتانية كهدية لأمير قطر سابق «حمد بن خليفة»، وفي سياق التحقيقات البرلمانية تم استدعاء مسئوليين سابقيين في القصر الجمهوري الموريتاني مثل وزير العدل السابق «إبراهيم ولد عبدالله ولد داداه» والذي كان في الماضي مستشارا برئاسة الجمهورية وكُلف بشكل مباشر من الرئيس ولد عبد العزيز بمتابعة إهداء الجزيرة إلي الأمير القطري السابق.

استندت التحقيقات البرلمانية على وثيقة سرية مسربة أرسلها سفير قطر بنواكشوط «محمد بن كردي طالب المرى» يوم 12 يناير 2012 إلي وزارة خارجية بلاده، يوضح فيها منح «ولد عبد العزيز» إحدى الجزر السياحية قرب حوض آرغين السياحي  إلي الأمير القطري، وجاء إهداء الجزيرة ردا على الزيارة التي قام بها أمير قطر إلي نواكشوط في مطلع يناير 2012.

فشل في الرؤية

استهل الرأي العام السياسي في موريتانيا عام 2019 باعلان الرئيس السابق «محمد ولد عبد العزيز» بعدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في شهري يونيو / يوليو 2019 مُعلنا اكتفائه بعقد كامل في حكم البلاد منذ عام 2008 وإلي عام 2019.

شكل اعلان «ولد عبدالعزيز» وما لحقه من اجراء انتخابات في يونيو 2019 تبارى فيها «محمد ولد الغزواني» وزير الدفاع السابق ومرشح الحزب الحاكم «الاتحاد من أجل الجمهورية» ورموز المعارضة مثل «بيرام ولد عبيدي» فرصة لتحقيق التنمية السياسية وتعزيز الديمقراطية في البلاد بعدما عانت البلاد طوال عقد من الزمان من عُزلة دولية على خلفية الانقلاب الذي دبره «ولد عبد العزيز» في 6 أغسطس 2008 وتم فيها الإطاحة بالرئيس الأسبق «سيدى محمد ولد الشيخ عبدالله»، بالإضافة إلي تفاقم معدلات الفساد في البلاد.

لم تكن رؤية «ولد عبدالعزيز» في اعلان عدم ترشحه في منتصف يناير 2019 هي دفع عملية التنمية السياسية والتحول الديمقراطي في البلاد، إذ كان يرى أن في استقالته ودعم  وزير الدفاع السابق «محمد ولد الغزواني» للوصول إلي منصب الرئاسة فرصة لتعزيز مكاسبه السياسية مثل تحقيق الخروج الآمن من قضايا الفساد المتورط فيها هو وأسرته وأيضا استغلال فترة ولاية «ولد الغزواني» كمحطة انتقالية تمكنه من العودة مرة أخرى للحكم في الانتخابات القادمة المقررة في عام 2024.

وأخيرا فإن تصورات «ولد عبد العزيز» كالن ترمي إلي استمرار تمسكه بإدارة حكم البلاد، من خلال منصب جديد وهو رئيس «حزب الاتحاد من أجل الجمهورية»، إذ كان يرى أن رئاسته للحزب الحاكم ستشكل له الفرصة للتحكم بمسارات السياسة الداخلية في البلاد والتحكم في كلا من البرلمان ورئاسة الجمهورية، بيد أن تصورات ولد عبد العزيز  سرعان ما اصطدمت بالطموحات السياسية للرئيس الحالي «ولد الغزواني» الذي رفض أن يكون مجرد محطة انتقالية أو  أداة في يد رئيس الحزب.

صراع مبطن

لم يكد يمر شهور على انتخاب «ولد الغزواني» حتى اندلع صراع الرجلين في ديسمبر 2019، إذ اندلع الخلاف بعد محاولة «ولد عبد العزيز» السيطرة على الحزب الحاكم “الاتحاد من أجل الجمهورية”، إذ طالب بعقد مؤتمر عام للحزب لاختيار قادته ورئيس الحزب، ورأي أن محاولة ولد الغزواني السيطرة على الحزب بمثابة خرقا للدستور، إذ يرى ولد عبد العزيز بأنه الأحق بقيادة الحزب نظرا لكونه مؤسس الحزب في عام 2009.

لم تلقى دعوة «ولد عبدالعزيز» صدى واسع في أرجاء الحزب الحاكم، إذ ساد نظرة مفاداها أن مرحلة ولد عبد العزيز ولت، إذ أكدت الهيئة البرلمانية للحزب (102 نائب برلماني) بتمسكها بالرئيس ولد الغزواني كمرجعية سياسية للحزب ورفض تحركات ولد عبد العزيز.

وفي المقابل نجد أن اللجنة السابقة المشكلة لإدارة شئون الحزب برئاسة «سيدى عالي ولد محمد خونه» كانت ترى أحقية ولد عبد العزيز في إدارة شئون الحزب، وأصدرت بيانا وقتها أكدت فيها اجتماعها مع الرئيس السابق ولد عبد العزيز باعتباره مؤسس الحزب لمناقشه واقع الحزب وأفاق تقدمه.

استشعر الرئيس الحالي «محمد ولد الغزواني» خطر تحركات سلفه، وعبر  عن ذلك في حواره لصحيفه لوموند الفرنسية بأنه يبدذل جهوده لتهدئه الأوضاع، وقلل وقتها من شأن الصراع السياسي في البلاد، واعتبره اختلافا في وجهات النظر، وما لبث أن انعقد مؤتمر الحزب مساء يوم 28 ديسمبر 2019 وتم اختيار «سيديمحمدولدالطالبأعمر» رئيسا للحزب ووأد طموحات ولد عبد العزيز في قيادة الحزب الحاكم.

ملاحقات مستمرة

بعد انتهاء أزمة رئاسة الحزب الحاكم في ديسمبر 2019، باشر النظام السياسي الجديد بقيادة ولد الغزواني في ملاحقة الرئيس السابق ورموز نظامه في محاولة لوضع حد للصراع السياسي بين جناحي النظام الحاكم، ففي يناير 2020 شكل البرلمان لجنة للتحقيق في ملفات الفساد التي تم ارتكابها في عهد النظام السابق.

وفي إبريل 2020 قررت اللجنة استدعاء الرئيس السابق «ولد عبد العزيز»، وعدد من المقربين منه مثل الوزير الأول الأسبق «مولاي ولد محمد الأقظف»، وكذلك صهر الرئيس «محمد ولد أمصيوع» الذي يعد أهم رجال الأعمال في موريتانيا، كما تم توقيف نجل ولد عبدالعزيز  في مطار نواكشوط في فبراير 2020 لاستجوابه في بعض الملفات قبل أن يتم اطلاق سراحه.

وبالإضافة إلي عمل اللجنة البرلمانية أقال ولد الغزواني العديد من القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية الموالية للرئيس السابق خاصة قائد الحرس الخاص في رئاسة الجمهورية، وأخيرا احتجاز ولد عبدالعزيز لاتهامه بقضايا فساد عديدة.

مكاسب الغزواني

حقق الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني مكاسب متعددة جراء ملاحقاته القضائية للرئيس السابق بتهم الفساد، أبرزها التحجيم السياسي للرئيس السابق ولد عبد العزيز ووأد طموحه السياسي في استعادة المنصب السياسي في انتخابات 2024، فضلا عن ذلك إحداث فراغ نخبوى في البلاد بملاحقة رموز ولد عبد العزيز وإعادة ملئها بعناصر من قبيلة وعائلة الغزواني والمقربين منه.

كما يسعي الغزواني إلي اكتساب شرعية شعبية لنظام حكمه باعتباره محاربا للفساد، فالغزواني كان ينظر إليه على أنه خليفة ولد عبدالعزيز وأحد أدواته في إدارة السلطة، لذا يرغب الرئيس الحالي في كسر الصورة السلبية وإعادة طرح نفسه شعبيا على أنه مقاوم للفساد وحريص على ثروات الشعب الموريتاني، واسترداد الأموال المنهوبة.

ومن نقطة أخرى يسعي ولد الغزواني إلي كسر العزلة الدولية التي فرضت على موريتانيا في عهد سابقه نظرا لسياساته الفاسدة وانقلابه على السلطة في 2008، وأخيرا يحاول كسر العلاقة الوطيدة التي بين ولد عبد العزيز ودول الخليج العربي خاصة السعودية والإمارات وذلك من خلال كشف المستور في علاقة ولد عبدالعزيز بالدوحة والتي وصلت لإهداء أمير قطر  جزيرة سياحية عقب زيارة ادعت فيها وسائل إعلام أن أمير قطر غادر نواكشوط مطرودا في يناير 2012.