كتب – محمد الدابولي

بعد شهور من الشد والجذب بين الحكومة السودانية ممثلة في مجلس الوزراء والمجلس السيادي السوداني والحركات والتحالفات المسلحة الممثلة في الجبهة الثورية، وقع الطرفان يوم الإثنين 31 أغسطس 2020 اتفاقا للسلام وقع بالأحرف الأولي، تحت رعاية دولة جنوب السودان، التي شهدت عاصمتها “جوبا” جولات تفاوضية مارثونية بين الطرفين طيلة عشرة أشهر تقريبا.

خُيمت أجواء احتفالية على مراسم التوقيع على اتفاق السلام بين الأطراف السودانية، إذ لوح رئيس المجلس السيادي «عبدالفتاح البرهان» ورئيس الوزراء «عبدالله حمدوك» بعلامة النصر تعبيرا عن سعادتهم بالاتفاق الذي وُقع في الذكرى السنوية الأولي لتوقيع وثيقة تقاسم السلطة في السودان في أغسطس 2019، وفي ذات السياق أكد «حمدوك» تقديره لجهود دولة جنوب السودان واستضافتها للمفاوضات طيلة الفترة الماضية، معربا عن أمله في عودة اللاجئين إلي قراهم بعد إحلال السلم والأمن وعودة العدالة والتنمية للبلاد.

طريق عسير

لم تكن مفاوضات جوبا بين الأطراف السودانية يسيرة الحال بل شهدت تأزماً في العديد من المراحل الأمر الذي أجل التوقيع على الاتفاقية مرتين، فكان من المفترض أن يتم التوقيع في منتصف يوليو الماضي إلا أنه تأجل بسبب الاقتتال بين الحكومة والحركات المسلحة إضافة إلي عدم اكتمال الترتيبات الأمنية بين الحكومة والحركات، وكان من المفترض أن يتم التوقيع على الاتفاقية يوم الجمعة الماضي 28 أغسطس إلا أنها تأجلت ليوم 31 أغسطس تحت دعوى تنقيح بنود الاتفاقية.

بالإضافة إلي محاولات التأجيل المستمرة غابت اثنين من أبرز الحركات المسلحة في السودان عن التوقيع على الاتفاقية وهما جيش تحرير السودان الذي يتزعمه عبد الواحد نور المسيطر على منطقة جبل مرة بدارفور، وأيضا “الحركة الشعبية ـــــ شمال” بقيادة عبدالعزيز الحلو التي تقاتل حاليا مناطق جنوب كردفان، ففي 6 أغسطس 2020 اندلعت اشتباكاتبين الجيش السوداني ومتمردي ولاية جنوب كردفان وتبادل الاتهامات بين “الجبهة الشعبية شمال” والجيش السوداني بإشعال الحرب في الولاية.

وفي هذا الصدد أكد المتحدث باسم الحركة «عمارأموم» استمرار خروقات الحكومة بمحاولة إفساح المجال للقبائل الرعوية “المرحال” بالمرور من مناطق سيطرة ونفوذ الحركة، الأمر الذي يؤدي إلي اندلاع العديد من أعمال العنف بين تلك القبائل الرعوية والقبائل القاطنة في الولاية، وعادة ما تُتهم الحكومة السودانية بدعم القبائل الرعوية.

وفي 12 أغسطس الماضي قرر رئيس فريق الوساطة “توت قلواك” تجميد عملية التفاوض مع الحركة الشعبية شمال، بعد اعلان الحركة انسحابها من المفاوضات اعتراضا على ترأس محمد حمدان دقلو “حميدتي” النائب الأول لرئيس مجلس السيادة لوفد الحكومة في المفاوضات، إذ ادعت الحركة أن رئاسة حميدتي لوفد الحكومة يعد خرقا للوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية.

وأخيرا تداولت العديد من وسائل الإعلام في مايو 2020 أنباء عن حدوث انقسامفي الجبهة الثورية ذاتها، مرجحة وجود خلافات بين رئيس الجبهة «الهادي إدريس» ونائبه «أركو مناوي» رئيس حركة تحرير السودان، حيث أشارت إلي رغبة مناوى في إعادة هيكلة إدارة الجبهة الثورية لتكون بطريقة أفقية وليس رأسية بما يسمح بإدارة جماعية للجبهة، وتناثرت العديد من الإشاعات حول استقالة مناوى بعدما قوبل مطلبه بالرفض، وفي محاولة لتدارك الموقف نفت الجبهة أية محاولات للانشقاق داخل الجبهة  وأن تلك الأخبار ليس لها أساس من الصحة.

مسارات الأمن أولا

نتيجة فشل الأطراف السودانية في التوقيع على اتفاق سلام في منتصف يوليو الماضي لغياب الترتيبات الأمنية ، أبرمت الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور على ثلاث بروتوكولات أمنية لمسار دافور وذلك في 30 أغسطس 2020 وذلك تمهيدا لعملية التوقيع بالأحرف الأولي على اتفاقيةالسلام، كما وقع الطرفان على بروتكولات أخرى متعلقة بقضايا السلطة وتوزيع الثروة واللاجئين والنازحين والمصالحة والتعويضات وجبر الضرر.

وجديرا بالذكر أن عضوي المجلس السيادي الفريق شمس الدين كباشي ومحمد حسن التعايشي ووزير الدفاع اللواء يس إبراهيم ومسئولين حكومين أخرين وأعضاء لجنة الوساطة وممثلي الحركات المسلحة وممثلي الدول الرعاية لعملية التفاوض وهم مصر والإمارات وتشاد شهدا عملية التوقيع على تلك البروتوكلات والمعروفة باسم مسار دارفور.

بنود الاتفاق وأطرافه

تناول اتفاق السلام بين الجانبين بنود عديدة شملت العديد من المناحي مثل إدارة المرحلة الانتقالية وتقاسم الثرورة والسلطة بين الجانبين، ومن أبرز تلك البنود:

  1. تحقيق الحكم الذاتي لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
  2. تقسيم موارد المنطقتين بحيث تحصل الحكومة الفيدرالية على 60% من إيراد المنطقتين، ويتم تخصيص 40% لصالح السلطات المحلية في تلك المناطق.
  3. تعيين ثلاثة أعضاء من الجبهة الثورية في المجلس السيادي، فضلا تخصيص ربع مقاعد مجلس الوزراء لصالح الجبهة الثورية، بالإضافة إلي ذلك إطالة أمد المرحلة الانتقالية لتصل إلي 39 شهر ذلك لإنهاء عملية دمج مقاتلي الجبهة  والحركات التابعة لها  في الجيش السوداني

أما الأطراف الموقعة والمُشكلة للجبهة الثورية فهم أولا حركة “جيش تحرير السودان” التي تأسست في فبراير 2003 بقيادة عبد الواحد نورفي إقليم دارفور  والتي تعد الخصم الأبرز لنظام عمر البشير في بداية الألفية، إذ أدت الحرب بين الطرفين عن مقتل ما يقارب 300 ألف شخص فضلا عن تشريد أكثر من مليوني مواطن في دارفور، ونتيجة تلك الحرب أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس المعزول عمر البشير، وتعرضت الحركة لحالة انشقاق في عام 2006 نتيجة التفاوض مع الحكومة إذ رفض رئيس الحركة عبدالواحد نور التفاوض، فيما قبل أمينها العام أركو مناوي عملية التفاوض، الأمر  الذي خلق جناحين للحركة.

وتأتي حركة العدل والمساواة كثاني الحركات المشكلة للجبهة الثورية، وتأسس الحركة في عام 2001 بقيادة خليل إبراهيم الذي كان مواليا للبشير  ثم انشق نتيجة حالة التهميش في إقليم دارفور، وفي عام 2008 قامت الحركة بمغامرة عسكرية إذ قطعت أرتالها العسكرية مسافة ثلاثة آلاف كيلو متر من دارفور إلي الخرطوم ونجحت في اقتحام مدن أم درمان ووصلت إلي الجسر الرابط بين أم درمان والخرطوم وبات مقاتلوها على مرمي البصر من القطر الجمهوري السوداني الذي يبعد عن الجسر بمسافة ثلاث كيلومترات فقط، وفي ديسمبر 2011 أغتيل مؤسسها خليل إبراهيم، وتم اختيار شقيقه جبريل إبراهيم رئيسا للحركة.

أما الحركة الشعبية لتحرير السودان فتعد ثالث حركة توقع على الاتفاقية وسبق لتلك الحركة أن قاتلت في صفوف جنوب السودان، لكن مع توقيع اتفاق السلام بين الشمال والجنوب في 2005 وانفصال الجنوب في عام 2011 عادت الحركة للقتال في منطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي 2017 انشقت الحركة إلي فصيلين أحدهما يقوده مالك عقار والأخر يقوده عبد العزيزالحلو، ويتبقي لنا المجلس الثوري الانتقالي كرابع حركة موقعة على الاتفاق بقيادة الهادي إدريس والذي كان ضمن حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور ثم انشق عنه في عام 2012.

المكاسب المتحققة

حققت الأطراف السودانية بتوقيعها اتفاق السلام العديد من المكاسب التاريخية منها مكاسب سياسية متعلقة بمسألة دفع عملية التحول السياسي الذي بدأت خطواته مع ثورة ديسمبر 2018، ثم التوصل إلي وثيقة تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير  في أغسطس 2019، لذا يعد الاتفاق بمثابة اللبنة لإكتمال عملية التحول السياسي في البلاد خاصة أن الاتفاق يأتي في ظل متغيرات سياسية خارجية جديدة للسودان أبرزها اقتراب عملية رفع اسم السودان قوائم الدول الراعية للارهاب.

كما يعد الاتفاق بمثابة ايقاف لعملية الحرب الدائرة في السودان منذ الثمانينات، حينما انقلب الرئيس الأسبق جعفر النميرى على اتفاق أديس أبابا 1972، واشتعلت مرة أخري في الجنوب بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان، ومع التوصل إلي ترتيبات مشاكوس 2002 واتفاقية السلام في نيفاشا 2005 لإنهاء الحرب في الجنوب، تفجر الصراع مرة أخري في مناطق عدة أبرزها دارفور وجنوب كردفان، الأمر الذي خلف آلاف القتلي والملايين من المشردين كلاجئين ونازحين لذا من المتوقع أن يعود اللاجئين إلي قراهم السابقة حسبما صرح رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

ويتبقي نقطة أخري من مكاسب اتفاقية السلام ألا وهي المكاسب الدبلوماسية والسياسية التي حققتها دولة حنوب السودان، فعلى مدار 10 أشهر نجحت جوبا في إدارة العملية التفاوضية بين الفرقاء السودانييم بنجاح، الأمر الذي سيعلى من المكانة السياسية والدبلوماسية لجنوب السودان ورئيسها  سيلفا كير في القارة الأفريقية.

مخاوف متصاعدة

رغم النجاحات والمكاسب التي حققها اتفاق السلام في جوبا، إلا أن ثمة عقبات ومخاوف يثيرها الاتفاق ومن أبرزها:

  • طول الفترة الانتقالية: أقر الاتفاق إطالة الفترة الانتقالية إلي 39 شهر أي أكثر من ثلاث سنوات، الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمالية فشل المرحلة الانتقالية، فطول فترة المرحلة الانتقالية قد يصاحبه اندلاع مشكلات بين عناصر النظام السياسي والحركات السياسية الأمر الذي يؤدي إلى تعرض الفترة الانتقالية للاضطربات المتلاحقة.
  • عدم انضمام بعض الحركات:من المؤشرات التي قد تثير المخاوف هي عدم توقيع بعض الحركات على الاتفاقية مثل جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، والحركة الشعبية لتحرير فلسطين جناح عبد العزيز الحلو والتى تقاتل حاليا في جنوب كردفان، هذا بالإضافة إلي تشظي الحركات الدافورية إلي أكثر من 80 حركة الأمر الذي قد يعيق عملية انحاح السلام.  
  • عدم القدرة على إدارة حوار وطني: نقطة أخري أبرزها الأتفاق الأخير هي عدم قدرة النظام والمجتمع السياسي السوداني على إدارة حوار وطني داخلي بعيدا عن الوساطات والتدخلات الدولية، فعلى سبيل المثال لعبت إثيوبيا دورا كبيرا في مسألة التوصل إلى وثيقة تقاسم السلطة وفي الجانب الأخر لعبت جنوب السودان ومصر وتشار والإمارات العربية دورا مهما في عملية التوقيع على اتفاقية السلام الأخيرة.