كتبت – أماني ربيع

تم إعلان أفريقيا خالية من شلل الأطفال البري ، بعد عقود من العمل الذي قام به تحالف من الهيئات الصحية الدولية، والحكومات الوطنية والمحلية، والمتطوعين المجتمعيين والناجين، أيضا.

بعد أربع سنوات من آخر حالات إصابة مسجلة لشلل الأطفال البري في شمال نيجيريا، أكدت لجنة التصديق الإقليمية في أفريقيا (ARCC) يوم الثلاثاء الماضي، أن القارة أصبحت الآن خالية من الفيروس، الذي يمكن أن يسبب شللًا لا رجعة فيه، كما يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.

ويعتبر هذا الإنجاز، ثمرة حملات التطعيم ومراقبة الأطفال في ولاية بورنو، التي كانت الوجهة الأخيرة لجهود القضاء على شلل الأطفال في القارة، ومعقل الجماعات الجهادية في نيجيريا.

إنجاز مدهش

وقال الدكتورة ماتشيديسو مويتي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية(WHO)  في أفريقيا، “كانت مهمة ضخمة، وهي نتيجة لمثابرة مدهشة.”

وأوضحت مويتي، أن الصحة العالمية، لعبت دورًا تنسيقيًا مركزيًا داخل المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، وأدارت تحالف من الحكومات الوطنية والقادة المحليين الذين يعملون مع اليونيسف ومؤسسة “بيل وميليندا جيتس” ونوادي روتاري الدولية والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ونشرت الملايين من المتطوعين لهذا العمل في جميع أنحاء القارة.

ويرجع النجاح في تحقيق هذا الإنجاز إلى تحسين المراقبة، بالإضافة إلى معالجة العنف الناتج عن الشك في اللقاحات والذي أدى غلى هجمات قاتلة طالت العاملين الصحيين، كل هذا كان منالعوامل الرئيسية في القضاء على الفيروس، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.

وقالت ماتشيديسو مويتي: “أود حقاً أن أشيد بالناجين من شلل الأطفال، الذين تعاونوامعنا في القتال، وساعدوا عبر مشاركة تجاربهم مع الإعاقة مع شلل الأطفال وتأثير ذلك على حياتهم”.

وهذه اللحظة، تؤكد على أهمية إعطاء الأولوية لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في أفريقيا، والإدارك بأن الصحة ليست مجرد عدم وجود مرض يمكن أن يقتل، بل هي في صميمها شعور كامل بالرفاهية.

ومن جهته أعرب مصبحو لاوان ديدي، الشريك المؤسس لجمعية نيجيريا للناجين من شلل الأطفال،: “إنه لأمر لا يصدق أن ما بدأناه منذ سنوات قد أدى إلى هذه النتائج، كناجين من شلل الأطفال، نحن الأسعد ونعتقد أننا سنكون آخر ناجين من شلل الأطفال في البلاد “.

أضاف: “90٪ من الناجين من شلل الأطفال في نيجيريا يعيشون في فقر، كثير منا يجوب الشوارع متسولا الطعام ليستطيع البقاء على قيد الحياة، لا ينبغي أن يحدث هذا.والتسول. لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك.”

وجاء الإعلان عن الخلاص من هذا المرض بعد تقييمات شاملة لأنظمة المراقبة في 47 دولة أفريقية لضمان عدم تفويت أي حالة، بحسب الدكتورة روز ليك، رئيسة ARCC، وهي هيئة مستقلة أنشأتها منظمة الصحة العالمية.

وبالرغم من هذا التقدم، إلا أن 16 دولة في المنطقة تشهد حاليًا فاشيات صغيرة لشلل الأطفال المشتق من اللقاح، والتي تحدث غالبا في المجتمعات التي تعاني من نقص المناعة.

وتم تحفيز الجهود المبذولة لاستئصال شلل الأطفال البري على مستوى العالم من خلال تشكيل المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال عام 198،  ومنذ ذلك الحين ، انخفضت حالات شلل الأطفال البرية بشكل كبير من حوالي 350.000 حالة إلى 33 حالة تم الإبلاغ عنها في عام 2018، وفي أفريقيا، قامت حملة بقيادة نيلسون مانديلا وعدد من زعماء القارة، في دفع عجلة التقدم.

لقاح أم مؤامرة

لكن التمرد في شمال نيجيريا، شكل أزمة حقيقة أمام الخلاص من هذا المرض، ففي عام 2013 ، قُتلت 9 نساء كن يقمن بتلقيح الأطفال في ولاية كانو برصاص مسلحين يشتبه في انتمائهم إلى بوكو حرام، كما قُتل ما لا يقل عن 67 من العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية من المشاركين في جهود القضاء على شلل الأطفال بالمنطقة، بينما تعرض آخرون للاعتداء والخطف.

وقال الدكتور تونجي فونشو، رئيس لجنة شلل الأطفال في نيجيريا التابعة لمنظمة الروتاري الدولية، إن العديد من حوادث العنف كانت مدفوعة برفض المجتمعات المحلية للتلقيح.

وأوضح: “كان أمامنا تحدي الشائعات الخبيثة بأن اللقاح غير آمن، وأنه مؤامرة أمريكية، ويمكن أن يؤدي إلى فيروس نقص المناعة البشرية، الإيدز، الذي بدوره قد يؤدي إلى تعقيم النساء بهدف تقليل عدد السكان في الجزء الشمالي من البلاد، ونتيجة لهذه الشائعات اشتعلت الشكوك في المبادرات الطبية المتعاونة مع الغرب، وتم اعتبار الجهود المبذولة مجرد طريقة لقمع الأغلبية المسلمة، في المنطقة.

وفي وقت سابق عام 2003، أوقفت خمس ولايات في شمال نيجيريا استخدام لقاحات شلل الأطفال لمدة عام على الأقل، لترتفع الحالات السنوية في نيجيريا، مع انتشار سلالات الفيروس النيجيرية في جميع أنحاء إفريقيا، كان هذا نتيجة للإرث المرير للتجارب الطبية المثيرة للجدل لأمراض أخرى في شمال نيجيريا الذي أدى إلى رفض المجتمع للتطعيمات.

بدأ الأمر يتغير بصورة تدريجية، مع جهود الزعماء السياسيين، وقادة المجتمع، ورجال الدين، إلى جانب الحملات العامة واجتماعات مجلس المدينة، التي صنعت تحولا تدريجيا في تقبل المجتمع للتطعيم باللقاحات.

وفي عام 2015 ، ظهر الرئيس النيجيري محمد بخاري في بث تلفزيوني، وهو يقوم بنفسه بإعطاء قطرات لقاح عن طريق الفم لأحد أحفاده.

لكن الدكتور فونشو أوضح أن بعض حالات الرفض ليست ناجمة فقط عن عدم الإيمان بلقاح شلل الأطفال، ولكن لأن لدى المواطنين أولويات واحتياجات أهم، مثلا يرى البعض أن هناك اهتمام كبير بلقاحات شلل الأطفال فيما يتعلق بالرعاية الصحية، بالمقارنة بأمراض اشد فتكا مثل الملاريا.

وعلى حد وصف فونشو، “كان رفض اللقاحات أحيانا، نوعا من الاحتجاج ضد الحكومة، ووسيلة يعبر بها المواطنون عن حاجاتهم لاستثمار أكبر في الرعاية الصحية.”

الحرب مستمرة

وفي لقاء مع الصحيفة البريطانية، قال لاوان ديدي، الذي تم تشخيص إصابته بشلل الأطفال عندما كان في الثانية من عمره، إن المشاركة المتزايدة للناجين من شلل الأطفال على مدى العقد الماضي كانت حاسمة في معالجة مخاوف المجتمعات المحلية، وأوضح: “رآنا الناس وتواصلوا معنا، يمكننا أن نشرح لهم أن هذا أمر يمكن منعه باللقاحات، لقد أحدث هذا تغييرا.”

وكانت نيجيريا هي آخر دولة أفريقية تم إعلان خلوها من شلل الأطفال البري، حيث كانت الدولة التي تستحوذ على أكثر من نصف عدد الحالات العالمية قبل عشر سنوات من الآن، وتضمنت حملة التطعيم في نيجيريا جهودًا ضخمة للوصول إلى الأماكن النائية والخطيرة المعرضة لتهديد عنف المسلحين، وقتل بعض العاملين الصحيين خلال هذا.

شلل الأطفال فيروس ينتشر من شخص لآخر، عادة من خلال المياه الملوثة، يمكن أن يؤدي إلى الشلل عن طريق مهاجمة الجهاز العصبي، ويصيب عادة الأطفال دون سن الخامسة ، ويؤدي أحيانًا إلى شلل لا يمكن علاجه، وقد يؤدي إلى الموت نتيجة تأثر عضلات التنفس.

تشمل الأعراض الأولية للمرض الحمى والتعب والصداع والقيء وتيبس الرقبة وآلام في الأطراف، كما أنه يغزو الجهاز العصبي ويمكن أن يسبب شللًا تامًا في غضون ساعات.

وتؤدي إصابة واحدة من كل 200 حالة إلى شلل لا يمكن علاجه، من بين المصابين بالشلل ، يموت 5٪ إلى 10٪ من الأشخاص عندما تتوقف عضلات التنفس لديهم.

وأعطى اللقاح الذي طوره الدكتور جوناس سالك عام 1952 الأمل في إمكانية حماية الأطفال من المرض،وفي عام 1961، طور ألبرت سابين لقاح شلل الأطفال الفموي الذي تم استخدامه في معظم برامج التحصين الوطنية حول العالم.

بحلول عام 1996، أصاب فيروس شلل الأطفال أكثر من 75000 طفل في جميع أنحاء القارة، وفي ذلك العام ، أطلق نيلسون مانديلا برنامج “Kick Polio Out of Africa” ​​، حيث حشد الملايين من العاملين الصحيين الذين انتقلوا من قرية إلى قرية لتوصيل اللقاحات يدويًا.

ومنذ عام 1996 ، تم توفير المليارات من لقاحات شلل الأطفال عن طريق الفم ، مما أدى إلى تجنب ما يقدر بنحو 1.8 مليون حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال البري.

ويمكن الشلل الأطفال أن ينتقل بسهولة إلى بلد خالٍ من شلل الأطفال ومن هناك يمكن أن ينتشر بسرعة بين السكان غير المحصنين، حدث هذا في أنغولا ، التي هزمت شلل الأطفال في عام 2001 رغم عقود من الحرب الأهلية، ظلت البلاد خالية من شلل الأطفال لمدة أربع سنوات حتى عام 2005 عندما كان يعتقد أنه تم إحضار عدد من الحالات من خارج البلاد.

وبحسب موقع بي بي سي البريطاني، تقول منظمة الصحة العالمية إنه من المهم أن تظل الدول يقظة وأن تتجنب حالة الرضا عن الذات حتى يتم القضاء على المرض عالميًا، ولا يعود للانتشار مجددا.

.