كتبت – د. أماني الطويل

مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تشكل العلاقات المصرية الإثيوبية أحد أعقد العلاقات في القارة الأفريقية، حيث تلعب عوامل متنوعة دورًا في هذا التعقيد، ولعل أهم هذه العوامل هي نهر النيل والبعد المائي، خصوصًا مع توظيف هذا البعد من جانب أطراف إقليمية ودولية طوال القرن العشرين، ولعل اعتماد إسرائيل على استراتيجيات شد الأطراف منذ عام ١٩٥٥ يعد عاملًا مركزيًّا في تعقيد العلاقة، أيضًا لجأت إسرائيل -في إطار الصراع العربي الإسرائيلي- إلى تطويق العالم العربي عبر عدد من النقاط تقع في تخومه؛ مثل إثيوبيا، والأكراد، وجنوب السودان، وذلك بهدف أن تظل العواصم العربية -خصوصًا القاهرة- مشغولة ومستنزفة مع هذه التخوم لتأمين مصالحها الحيوية، ومن غير شك فإن أهم مصالح مصر هو أمنها المائي الذي يُعد أحد عناصر الأمن القومي المصري.

وبطبيعة الحال تفرض جملة المتغيرات الراهنة تفاعلات من نوع جديد على مستوى العلاقات الثنائية بين القاهرة وأديس أبابا، تحت مظلة عامل جديد هو بناء سد النهضة، وما ترتب عليه من تصاعد التوتر بين البلدين، وإحداث متغيرات ذات تأثير مستقبلي يتحدد مدى إيجابيته أو سلبيته طبقًا لمخرجات التفاعل الراهنة بشأن سد النهضة، وإن كان ذلك لا ينفي أن المحددات الحاكمة والتاريخية في علاقات البلدين ما زالت مؤثرة، وهو ما يتطلب إجمالًا إرادة سياسية إيجابية في العاصمتين المصرية والإثيوبية، بما يوفر عوامل الاستقرار في الإقليم وفي كلا الدولتين أيضا.

في هذا السياق نستعرض المحددات الحاكمة لعلاقات البلدين:

المحدد المائي:-

يلعب المحدد المائي دورًا حاسمًا في العلاقات بين مصر وإثيوبيا على اعتبار أن ٨٥٪ من التدفقات المائية لنهر النيل تأتي من إثيوبيا، وهو شريان الحياة للمصريين، وطبقًا لهذه المعادلة فإن نقص هذه التدفقات يُعدّ إضرارًا بالغًا لمصر يرقى إلى مستوى تهديد الحق في الحياة للمصريين، بينما ترى إثيوبيا أن استمرار جريان نهر النيل إلى دولتي المصب يعرقل قدراتها التنموية، وربما هذا ما يفسر تضمين إعلان توجهات السياسة الخارجية الإثيوبية الصادرة عام ٢٠٠٢ العلاقات مع مصر باعتبارها منافسًا يرقى إلى درجة العدو بسبب مسألة المياه.

وهو الأمر الذي ينعكس حاليًا على مجمل التفاعلات بشأن سد النهضة فعلى مدى تسع سنوات هي عمر سنوات التفاوض بشأن سد النهضة، تلقى الشواغل المصرية المائية مقاومة إثيوبية كبيرة، وهي الشواغل المرتبطة أولًا بمعامل أمان السد، ومدى تهديده للأمن الإنساني إجمالًا في منطقة وادي النيل، وثانيا بتأثير السد على التدفقات المائية لمصر.

 ويبدو أن إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في مارس ٢٠١٥ هو المرجعية التي تتمسك بها مصر على المستوى الرسمي في هذا السياق، فإن ما قدمته إثيوبيا بشأن معامل أمان السد حتى وقتنا هذا هو جد ضئيل، وذلك في ضوء قيام بعض الخبراء المصريين في جامعة القاهرة ببناء نموذج محاكاة لسد النهضة خلصوا منه إلى أن معامل أمان سد النهضة قد لا يتجاوز ١ على مقياس ١٠ بينما معامل أمان السد العالي مثلًا هو ٨.

في هذا السياق تبدو آفاق العلاقة المصرية مع إثيوبيا مرهونة بعدم الإخلال بالأمن المائي المصري أو تهديد الأمن الإنساني في وادي النيل؛ أي أمن مصر والسودان، مع احتفاظ إثيوبيا بحقها في التنمية، وهو ما يحقق فوزًا لجميع الأطراف في نهر النيل ذي الطبيعة الدولية.

وربما تنجح مصر في عقد اتفاقية للمياه لدول حوض النيل كله بما يعني الحصول على غطاء قانوني لحصة مصر من المياه، والبالغة ٥٥ مليار متر مكعب من المياه لم تنقذ مصر من حالة فقر مائي راهن، وذلك بالتوازي مع النجاح في إنشاء مشروعات تنمية الموارد المائية من مناطق المستنقعات ومنها مناطق مشار على الحدود الإثيوبية السودانية، وهي الموارد التي تقدر نهر النيل بـــ٥٦ مليار متر مكعب من المياه يكون لجميع دول حوض النيل الحق تقاسمها والاستفادة منها.

ويمكن القول إجمالًا: إن الآفاق المطروحة من الجانب المصري في البعد المائي لأزمتي تقاسم مياه نهر النيل وسد النهضة حتى الآن هي آفاق تعاونية تتماهى مع أجندة الاتحاد الأفريقي للقارة ٢٠١٥- ٢٠٦٣، كما أنها تساهم في تحجيم فرص النزاعات في حوض النيل وشرق أفريقيا لصالح التنمية التي هي حاجة ملحة واستراتيجية لكل دول حوض النيل، بشرط الالتزام بأجندة إقليمية أفريقية تخدم الاستراتيجيات الأفريقية في دعم مستوى رفاه وجودة حياة الأفارقة، وهي بالضرورة أجندة تتقاطع مع أخرى دولية نجحت وما تزال في استنزاف أفريقيا عمومًا ودول حوض النيل خصوصًا.

المحددات السياسية:

تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم يتجاوز المائة عام، وهو مرتبط بتأسيس الدولة الإثيوبية ذاتها التي لم تتبلور كإمبراطورية متضمنة قوميات متنافرة إلا مع بداية القرن العشرين، وعلى ذلك فإن أول قنصلية مصرية في إثيوبيا أُنشئت عام ١٩٢٣، ويمكن القول: إن العلاقات السياسية بين البلدين قد تأثرت بالعلاقات المتميزة بين إسرائيل وإثيوبيا منذ عام ١٩٥٦، والتي استندت إلى روافد دينية وثقافية؛ حيث يُعتقد أن القبيلة اليهودية الثالثة عشر هي الفلاشا الإثيوبية، وربما هذا ما يفسر هجرة هؤلاء إلى إسرائيل عبر السودان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حيث تبلورت الاستراتيجيات الإسرائيلية في محاصرة المنطقة العربية وخصوصًا مصر من تخومها الأفريقية، وفي هذا السياق لعبت إثيوبيا دورًا مناوئًا لبناء السد العالي، كما كانت مخلبًا غربيًّا بامتياز وقت صعود تيار القومية العربية، حيث جنح الغرب -وخصوصًا الولايات المتحدة- إلى مناوئة مصر بالأداة الإثيوبية عبر تبني إنشاء مجموعة من السدود الإثيوبية في منتصف الستينات، لكن حال دون تنفيذها صعوبات طبيعية ومستوى التقدم التكنولوجي المتوافر وقتذاك، ورغم تعقد الموقف إلا أن مصر اعتمدت كثيرًا على العامل الديني والاعتراف لها بوزن إقليمي نسبي خصوصًا في إطار الاتحاد الأفريقي، وذلك في محاولة تحييد إثيوبيا.

وقد لعبت ثلاثة عوامل في تراجع العلاقات المصرية الإثيوبية على المستوى السياسي، وذلك خلال فترتي الرئيسين الأسبقين أنور السادات وحسني مبارك، وأول هذه العوامل هو اتفاقية كامب ديفيد؛ حيث تم إهمال الكتلة الأفريقية على المستوى العربي والمصري على اعتبار أن وظيفتها ككتلة تصويتية بالمنظمات الدولية في إطار الصراع العربي الصهيوني قد انتهت، وتم الإعلان من جانب السادات أن ٩٩٪ من أوراق اللعبة هي أمريكية.

وفي هذا السياق استعادت إسرائيل علاقتها بالأفارقة، ووطدت علاقتها بإثيوبيا دون ضغوط مصرية تذكر، أما العامل الثاني فهو تراجع الدور المصري في أفريقيا في عهد مبارك الذي يمكن النظر إلى تجربته في الحكم كعملية دفع ذاتي بلا ملامح جديدة من نظامي عبدالناصر والسادات، ويتعلق العامل الثالث بمحاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا، وربما يكون من سوء الطالع لمصر أنها أدارت ظهرها لإثيوبيا في نفس عام صعود المشروع القومي الإثيوبي على يد مليس زيناوي عام ١٩٩٥، وعلى ذلك افتقد البلدان القدرة على التفاعل الإيجابي حتى أن اتفاقية ١٩٩٣ الموقعة بين البلدين بشأن مجمل العلاقات ظلت جامدة لا حياة فيها حتى تم اختراقها بالكامل عام ٢٠١١ ببناء سد النهضة بلا إخطار مسبق.

ويمكن القول إنه اعتبارًا من عام ٢٠١٣ شهدت التفاعلات المصرية مع أفريقيا بشكل عام منهجًا جديدًا لم يتم التركيز فيه على المحور المائي فقط، ولكنه تجاوزه إلى محاولة بلورة معادلة تعاونية شاملة كافة المجالات التنموية والاقتصادية، وبطبيعة الحال انعكس ذلك نسبيًّا على العلاقات مع إثيوبيا وإن كانت ليست كافية حتى الآن فيما يبدو للخروج من عنق زجاجة سد النهضة.

المحدد الثقافي والديني

يمكن القول: إن العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية تلعب دورًا أحيانًا في تحجيم تصاعد التوتر بين البلدين استنادًا إلى رعاية الكنيسة المصرية للإثيوبيين الموجودين بالقاهرة، الذين يستوطنونها حاليًا كنقطة انطلاق للحصول على اللجوء السياسي لمعظم دول العالم، حيث تقوم بترسيم القسس والشمامسة، كما توفر لهم الدراسات اللاهوتية، والحصول على الدرجات العلمية في اللاهوت المسيحي الأرثوذكسي، كما تقوم الكنيسة المصرية أيضًا بأدوار في الرعاية الصحية والاجتماعية للإثيوبيين، وذلك استنادا إلى أن انتشار المسيحية في إثيوبيا كان على يد كاهن مصري، في القرن الأول الميلادي، وأصبحت الديانة الرسمية لمملكة أكسوم الإثيوبية في القرن الرابع الميلادي، بفضل جهود «فرومنتيوس» التبشيرية، فذهب إلى مصر للحصول على دعم ومساندة البابا للكنيسة الجديدة الناشئة في إثيوبيا، باسم «سلامة»، وأطلقوا عليه «كاشانس برهان»، أي «كاشف النور»، كأول مطران للكنيسة الإثيوبية قامت بترسيمه الكنيسة المصرية سنة 328م، وليعرف «الأب سلامة» بأنه المؤسس الحقيقي لكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية، التي بلغ عدد مطارنتها 111 مطرانًا خلال 16 قرنًا.

وبحسب الدكتور مراد كامل، في دراسته عن العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، نشأ التقليد بأن يقوم الكرسي السكندري في مصر بترسيم مطران إثيوبيا من بين الرهبان المصريين، ويأخذ المطران الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى مقره.

وظل تقليد سيامة مطران إثيوبيا من بين الرهبان المصريين معمولًا به حتى عام 1950، وبدا الأمر وكأنه صلة «رحم روحي» تكونت بين الكنيستين والشعبين، وتمتع المطارنة المصريون في إثيوبيا بمكانة متميزة، فالمطران يرأس الكنيسة الإثيوبية، ويتوج الإمبراطور، ويعين الكهنة في سائر أنحاء البلاد، وصار تتويج الملوك والأباطرة من كبرى مهامه بدءًا من النصف الثاني من القرن الثالث عشر، حتى أصبح من حقه أن يعزلهم أيضًا.

ولم تتوقف مناوشات الغرب لزعزعة العلاقة بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، ففي عهد «ثيودورس الثاني» كادت الدسائس والمؤامرات التي تحيكها بريطانيا وفرنسا تتسبب في اندلاع الحرب بين مصر وإثيوبيا بسبب غارات القبائل على الحدود، لولا تدخل الباب العالي وقيام سعيد باشا بإرسال البابا كيرلس الرابع إلى إثيوبيا للتوسط مع إمبراطورها، ونجح البابا في مهمة الوساطة وعاد محملًا بالهدايا لنفسه وللوالي.

وفي سنة 1935 عقب احتلال إيطاليا لإثيوبيا حاولت الحكومة الإيطالية فصل الكنيستين، من خلال العزف على الشعور القومي الإثيوبي، والدعوة إلى «الكنيسة الإثيوبية المستقلة»، فبدأت مطالبات الإثيوبيين بإدخال تعديلات على العلاقة بين الكنيستين، وبدأ ماراثون المفاوضات، حتى قرر المجمع المقدس عام 1949 أن يكون مطران الإمبراطورية الإثيوبية الذي يخلف المطران كيرلس راهبًا إثيوبيًّا، فكان ذلك بمثابة الحدث الأول من نوعه في تاريخ الكنيسة القبطية بعد انقضاء ستة عشر قرنًا، وفي سنة 1950 توفي آخر مطران مصري قبطي لإثيوبيا، فرسم البطريرك يوساب في القاهرة عام 1951 أحد الأساقفة الإثيوبيين، ويدعى الأنبا باسيليوس كأول أسقف يتولى هذا المنصب، وفي نفس العام قام البطريرك يوساب بترقية الأنبا باسيليوس إلى رتبة مطران مع السماح له بسيامة خمسة من الأساقفة الإثيوبيين.

وفي 1956 عادت أجواء التوتر مرة أخرى بين الكنيستين -كما يوضحها الدكتور أنطوان يعقوب في كتابه «نحن وإثيوبيا»- إذ رفضت الكنيسة الإثيوبية الاشتراك في ترسيم البابا كيرلس السادس سنة 1959، وأرسل المجمع المقدس الإثيوبي وفدًا إلى القاهرة للتوصل إلى اتفاق كامل عرف فيما بعد ببروتوكول 1959، وينص على ترفيع مطران إثيوبيا إلى مركز «البطريرك جثليق»، وحددت رسامته وتنصيبه بواسطة بابا الإسكندرية، «ولقد ساعدت شخصية البابا كيرلس السادس على ترطيب الأجواء والاتجاه نحو المصالحة».

عند الإطاحة بهيلاسلاسي بدأت تتراجع قوة العلاقات المصرية الإثيوبية إلى أن وصلت إلى مرحلة العلاقات الرسمية الشكلية، وكان من نتيجة ذلك أن استقلت كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية عن الكنيسة الأم في مصر في سنة 1971، وفي سنة 2002 رحبت كنيسة إثيوبيا بوجود كاهن قبطي مقيم على أديس أبابا لرعاية الأقباط طبقًا لبروتوكول 1994، الذي تم التوصل إليه، وشهد الاتفاق على مجمل العلاقات بين الكنيستين[1].

المحدد الاقتصادي

تبدو العلاقات الاقتصادية بين مصر وإثيوبيا دون المستوى المأمول ذلك أن حجم التبادل التجاري لا يتجاوز مليار دولار متضمنًا ٤٠٠ مليون دولار صادرات إثيوبية لمصر معظمها في مجال اللحوم المبردة والأبقار الحية، بينما بلغ الاستثمار المصري وزنًا متوسطًا بـــ٣٥ مليار دولار موزعة على ٥٨ مشروعًا، كما لعب المجتمع المدني في القطاع الصحي أدوارًا متوسطة القيمة عبر مركز الدكتور مجدي يعقوب وجمعيات الكبد المصرية.

وتتمثل أبرز المشروعات المصرية في إثيوبيا في مشروعات لصناعة كابلات الكهرباء وصناعة موتورات الري ومواسير المياه.

وقد وقعت مصر وإثيوبيا أكثر من 30 مذكرة تفاهم واتفاقية منذ بدء العلاقات بين البلدين، وفقًا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية، وتأتي أبرز الاتفاقيات في تسيير خطوط جوية منتظمة عام 1952، واتفاق التجارة عام 1959، واتفاق التعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي والفني عام 1976، واتفاق بين البنك المركزي المصري والبنك الأهلي الإثيوبي عام 1976، ومعاهدة لتسوية المنازعات عام 1986، بالإضافة إلى عشرات اتفاقات التعاون في مجالات الثقافة والفنون والتعليم والصحة والسياحة، وغيرها.

وعلى المستوى الاستراتيجي تطرح مصر حاليًا آفاقًا للتعاون مع إثيوبيا تتيح لها منصة على البحر المتوسط، وكذلك إقامة مناطق صناعية لإثيوبيا، إلا أن التحدي الأساسي إزاء مصر هو أن الملعب الإثيوبي يعج باللاعبين الإقليميين والدوليين.

المحدد الإقليمي

ساهمت عوامل داخلية وعالمية في تصاعد الوزن الإقليمي الإثيوبي فعلى المستوى الداخلي كانت إثيوبيا تعاني من عدم استقرار سياسي لفترة طويلة لتعدد قومياتها وأعراقها من جانب، ولنزوع إريتريا إلى الاستقلال من جانب آخر، وهو ما ترتب عليه حربًا طويلة بين الطرفين، ولكن مع وصول ميلس زيناوي للسلطة في إثيوبيا في ٢٢ أغسطس ١٩٩٥ متحالفًا مع أسياسي أفورقي في إريتريا توافرت عوامل الاستقرار النسبي لإثيوبيا خصوصًا مع وجود علاقات متميزة بين الأخيرين والولايات المتحدة الأمريكية التي وفرت المساندة المطلوبة لزيناوي في التخلص من الحكم الشيوعي لهيلا مريام، كما وفرت مساندة مماثلة لأفورقي كي يحصل على استقلال بلاده.

وقد نجح زيناوي في بلورة مشروع قومي إثيوبي كان ركيزته الرئيسية دستور يعترف بالتعدد إلى حد الحق في تقرير المصير للقوميات الإثيوبية، كما تطورت علاقاتها مع الجهات المانحة، واتجه الاقتصاد الإثيوبي نحو الاستقرار.

وقد ساهمت المتغيرات الدولية المرتبطة بحوادث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ في الولايات المتحدة الأمريكية، وما سبقه من اعتداء على السفارة الأمريكية بدار السلام عام ١٩٩٨ في أن تلعب إثيوبيا دورًا في المعركة الأمريكية في الحرب على الارهاب في شرق أفريقيا، وخصوصا أن مصر كانت قد انسحبت من الساحة الصومالية بضغوط أمريكية، وتم إفشال مبادرة الجامعة العربية لإيجاد حل في الصومال.

كما توجهت إثيوبيا نحو التنمية الداخلية، وقد تم بالتركيز على النيل الأزرق دون غيره من الأنهار الإثيوبية؛ حيث تم توظيف التوجه الإثيوبي نحو التنمية من جانب قوى إقليمية ودولية تسعى إلى إضعاف عناصر القوى الشاملة للدولة المصرية؛ لذلك شرعت إثيوبيا في بناء سدود فرعية جديدة منها تيكيزي بتمويل صيني وغيره.. +++هذا السياق توجهت السياسات الخارجية الإثيوبية نحو البلورة إزاء إقليمها.

وفي هذا السياق نجحت إثيوبيا أن تمدد إقليميًّا في مناطق النفوذ المصري الإقليمي التقليدي أي حوض النيل والقرن الأفريقي، حيث نجحت أن تكون المكون الرئيس لقوات حفظ السلام في جنوب السودان، وعلى الحدود بين دولتي السودان بقوة قوامها ٤٠٠٠ عنصر، كما أن لأديس أبابا وزنًا في حل المنازعات الأفريقية باعتبارها بلد المقر للاتحاد الأفريقي، وعلى ذلك تواجه مصر حاليا مناوئة إثيوبية واضحة من إثيوبيا لأي تفعيل مصري للعلاقات مع دول القرن الأفريقي مثلا، حيث ينظر إلى ذلك من جانب إثيوبيا على أنه عمل شبه عدائي، من هنا قاومت إثيوبيا وجود قوات مصرية لحفظ السلام في جنوب السودان، كما تستريب في الوجود الدبلوماسي المصري في الصومال، وفي هذا السياق شهدنا تصعيدًا إثيوبيًّا بشأن تحسن العلاقات المصرية الجنوب سودانية، ووجود انفتاح مصري على صومالي لاند التي زارها وفد مصري رفيع المستوى سياسيًّا وعسكريًّا مؤخرًا، وذلك إلى حد اعتبار أن الاقتراب المصري من هاتين الدولتين مهدد لإثيوبيا.

إجمالًا نستطيع القول: إن مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية يبدو مرهونًا بالمخرجات النهائية لمباحثات سد النهضة، حيث يبدو أننا أمام سيناريوين؛ إما استمرار العلاقات تحت مظلة البعد المائي الصراعي بما يشكله من توتر في إقليم حوض النيل وتهديد للدولتين على المستوى الداخلي، وإما استفاقة إثيوبية تجعل البعد التعاوني لدول حوض النيل الأزرق ممكنًا، وهو ما يعني إمكانية تطوير المنظور التنموي الشامل في العلاقات بين هذه الدول.


https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%BE%D9%8A%D8%A9_%