كتب. محمد الدابولي

أطاح انقلاب عسكري بالرئيس المالي «إبراهيم أبو بكر كيتا» ورئيس حكومته بوبو سيسي ورئيس البرلمان، إذ شهدت العاصمة المالية «بماكو» بالأمس والساعات الأولي من صباح اليوم تحركات عسكرية انطلقت من قاعدة «كاتي» التي تبعد عن العاصمة بـ15 كيلومتر، وفي صباح اليوم خرجت البيانات تلو الأخر كاشفة لنتيجة التمرد العسكري، إذ أعلن الرئيس أبوبكر  كيتا تنحيه عن السلطة تجنبا لإراقة الدماء، وفي المقابل تم الإعلان عن تشكيل «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب المالي» التي يقودها كل العقيد مالك دياو نائب القائد العام في معسكر كاتي والجنرال ساديو كامارا، بالإضافة إلي الكولونيل إسماعيل واغي المتحدث باسم اللجنة العسكرية لإدارة البلاد والذي كان يشغل مساعد رئيس أركان سلاح الجو في مالى.

خرجت اللجنة في بيان بثه التليفزيون الرسمي المالي  صباح اليوم 19 أغسطس/ وقرأه العقيد إسماعيل جوى بأن المجلس العسكري يتولى زمام الأمور في إدارة البلاد، وأن تحركه جاء محاولة لمنع البلاد من الانزلاق السياسي والاقتصادي الناجم عن سوء إدارة وفساد النظام السابق، كما أضاف “جوى” أنه تم إغلاق الحدود البرية وحظر حركة الطيران وفرض حظر تجوال من الساعة 9 مساءا وحتي 5 صباحا. 

وفيما يخص المسار السياسي أوضح البيان أن اللجنة طالبت منظمات المجتمع المدنى وكافة الحركات الاجتماعية والسياسية بالإنضمام إلي أجهزة الحكم الجديدة في الدولة والتعاون معها لتهيئة الأوضاع من أجل تحقيق الانتقال السياسي للحكم المدنى مرة أخرى وذلك عبر الدعوة إلي عقد انتخابات عامة، وفي سبيل تهدئة الصراع السياسي الدائر في شمال البلاد مع  الأزواد دعت اللجنة تنسيقية حركات الأزواد إلي الانضمام إليهم تنفيذا لاتفاقية الجزائر وترسيخ لمبادئ الحكم الرشيد.

أبرز  ردود الأفعال

انصبت ردود الأفعال الإقليمية والدولية على إدانة الانقلاب العسكري في مالي، حيث طالب الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» بضرورة الافراج غير المشروط عن القادة السياسيين في مالي والعودة الفورية للنظام الدستوري.

أما الاتحاد الأفريقي فقد أكد رئيس المفوضية موسى فكي إدانة الاتحاد بشدة لاعتقال الرئيس كيتا ورئيس وزرائه، أما المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الإيكواس فقد أدانت الانقلاب وأمرت باغلاق الحدود الإقلميمية مع مالي  ووقف جميع التدفقات المالية إلي بماكو ، وأن الانقلاب جاء في وقت تتخذ فيه الايكواس مبادرات عدة للوساطة في مالي، الجزائر والتي أبرز دول الجوار فقد أكدت رفضها لأي تغيير غير دستوري في مالي.

أما دوليا فقد حظي الانقلاب بادانة فرنسية وأمريكية، إذ أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على ضرورة عودة الجنود لثكناتهم، أما “جيه بيتر فام” مبعوث الولايات المتحدة إلى منطقة الساحل فقد أكد معارضة واشنطن لجميع التغييرات الغير دستورية للحكومات.

أما فيما يخص تيارت المعارضة في مالي فلا يزال الوضع في مرحلة الشك والريبة تجاه  قادة الانقلاب الجديد، رغم دعوة قادة الانقلاب لقادة منظمات المجتمع المدني والسياسي بالمشاركة في الحكم والتعاون في صياغة المرحلة الانتقالية القادمة، ومن هنا تتأخر ردود أفعال المعارضة المالية قليلا ريثما يتم استبيان الأمور وتوضيحها بالشكل الأمثل، ورغم ذلك حملت قوى المعارضة الرئيس كيتا مسئولية ماحدث بالبلاد أمس، إذ عبر  «نوهوم توغو» المتحدث باسم أحد ائتلافات المعارضة بأن الرئيس كيتا كان يرفض الاستماع إلي الشعب، ورد على مطالب الشعب بالقتل.

دوافع الانقلاب السياسي

أعلن قادة الانقلاب أن تحركهم جاء من أجل انقاذ البلاد من حالة الانزلاق السياسي والاجتماعي التي شهعدتها البلاد خلال الشهور الماضية وتحديدا منذ مارس الماضي، إذ اتجهت البلاد وقتها إلى تنظيم الانتخابات البرلمانية رغم تفشي حالة كورونا واتجاه كل دول العالم إلي تأجيل الانتخابات وقتها.

جرت الانتخابات وقتها في ظل تأزم الحالة السياسية في البلاد على خلفية اختطاف زعيم المعارضة في مالي قبيل الانتخابات على يد الجماعات الإرهابية في شمال البلاد سوميلو سيسيه في 25 مارس الماضي، الأمر الذي خلق حالة استنفار قوية في تيارات المعارضة المالية وإعادة ترتيب صفوفها مرة أخرى  تحت قيادة الشيخ محمد ديكو التي قادة الاحتجاجات في البلاد يوم 5 يونيو 2020.

منذ الخامس من يونيو الماضي بدأت شوكة الحراك السياسي في مالي تتصاعد وبلغت ذروتها في 10 يوليو الماضي حينما نجح محتجون في اقتحام مبني الإزاعة والتبفزيون في وسط مالي وقطع شارة البث عنه، ومن حينها تصاعد سقف المطالب بضروة استقالة الرئيس كيتا، وتقدمت مبادرات تدعو إلي تجميد صلاحيات الرئيس مع تعيين رئيس وزراء متفق عليه من قبل كافة التيارات السياسية في مالي وهو ما رفضه كيتا، وفي ذات الوقت تدخلت الإيكواس على خط مساعى الوساطة بين الطرفين، إذ تولي الرئيس النيجيري السابق غودلاك غوناثان مسئولية الوساطة بين الرئيس وقوى المعارضة.

في منتصف يوليو الماضي أسفرت محادثات بين الرئيس كيتا والشيخ ديكو  وباقي قوى المعارضة على فترة هدنة سياسية تتوقف فيها المعارضة عن التظاهر وفي المقابل يسعي الرئيس إلي حلحلة الأزمة، إلا أن كيتا استغل الأزمة لأجل استمرار حكمه مما أدي إلي اندلاع التظاهرات مرة أخري في 11 أغسطس الماضي، ورفض تجمع المعارضة عرضا قدمه الرئيس كيتا في 14 أغسطس الماضي لأجل المحادثات وهو ما رفضته المعارضة ليقيتها بأن الرئيس كيتا يحاول استنزاف قوى المعارضة وإثنائها عن مطالبها بتشكيل حكومة وحدة وطنية وتجميد صلاحيات الرئيس.

وإزاء العوامل السابقة وجد قادة الانقلاب أن الفرصة مواتية وسانحة لتحركاتهم واعتقال القادة السياسيين في البلاد بحجة استمرار الأزمة وعدم تجاوب الرئيس كيتا معها.

السيناريوهات المستقبلية

ما أشبه الليلة بالبارحة، الانقلاب الذي بدأ أمس وأكُمل صباح اليوم يذكرنا بانقلاب مارس 2012 على الرئيس ” أمادو توماني توري” إذ انلع من ذات القاعدة ولأسباب تبدو مشابه، وللعلم أن انقلاب 2012 مازالت تأثيراته السلبية ممتدة إلي اليوم في البلاد، إذ كان سببا في تغول الجماعات الإرهابية وسيطرتها على شمال مالي واعلان قيام دولة الأزواد الإسلامية في شمال البلاد، واتجاه الحركات المتطرفة في نفس العام للسيطرة على العاصمة بماكو وانهيار الدولة، الأمر الذي دفع بفرنسا ذات النفوذ التقليدي في مالي إلي القيام بعملية عسكرية “السرفال” لمنع سقوط بماكو وبعدها عملية “برخان” لمطاردة الجماعات الإرهابية.

مما لاشك فيه أننا أمام أزمة سياسية وأمنية كبرى على وشك الانفجار في منطقة الساحل والصحراء، خاصة أن الانقلاب الأخير من المحتمل أن يصل صداها إلي دول الجوار كالنيجر وبوركينافاسو التي تعاني فيها الدولتان من تأزم الحالة السياسية وانتشار واسع للجماعات الإرهابية، وفيما يلي أبرز التدعيات المحتملة للانقلاب الدائر حاليا في مالي وتأثيراته المستقبلية:

  • إعاقة جهود مكافحة الإرهاب: الأزمة السياسية المتصاعدة في مالي وما لحقها من انقلاب عسكرى من شأنها إضعاف دور الدولة ممثلة في الجيش وأجهزتها الأمنية في ملاحقة العناصر الإرهابية في شمال البلاد، واقتصار عمليات المكافحة على القوات الفرنسية والدولية الموجودة في البلاد وهو الأمر الذيس ستعاني منه القوات الأجنبية خلال الفترة المقبلة، كما يعد الانقلاب الأخير بمثابة طوق نجاة للجماعات الإرهابية، حيث اضعاف دور الدولة من شأنه توفير مساحة وحرية واسعة للجماعات الإرهابية للتحرك بأريحية كبيرة في شمال مالي.
  • اختبار صعب لقوى المعارضة السياسية: بعد الانقلاب الأخير بمثابة اختبار قوى لقوى المعارضة السياسية في مالي والشيخ محمود ديكو، فتأييد الانقلاب من شأنه إضعاف الدور السياسي قوى المعارضة لصالح اللجنة العسكرية المشكلة لإدارة البلاد، لذا يجب التروي والحذر الشديد من عملية دعم الانقلاب الأخير،  لذا يجب تصعيد المطالبة بتحقيق عملية الانتقال السياسي السلمي في البلاد عبر آلية الانتخابات فقط وليس الانقلاب العسكري، خاصة أنه من المحتمل أن يفشل الانقلاب في ظل حالة الرفض الدولي والإقليمي المتزايدة للانقلاب، فدول الإيكواس والجزائر وفرنسا والولايات المتحدة أعلنوا رفضهم الشديد للتغيير غير رالدستوري، لذا من المحتمل أن تمارس ضغوط دولية خلال المرحلة المقلبة من شأنها اثناء قادة الانقلاب من المشهد السياسية والبحث عن صيغة سياسية ومدنية ودستورية تضمن عملية التحول السياسي في البلاد.
  • ربيع أفريقي: باتت العديد من دول الساحل وغرب أفريقيا تعاني من احتمال انتقال عدوى التظاهرات السياسية والانقلابات إليها خاصة مع معاناة تلك الدول من أزمات سياسية حادة كبوركينافاسو والنيجر وكوت ديفوار المقبلة على انتخابات جديدة، كما تخشي تلك الدول من أن الفراغ الأمني الناجم عن التطورات السياسية في مالي سيعاظم من نشاط الجماعات الإرهابية التي تتخذ من هشاشة الحدود بين تلك الدولة فرصة للتنقل وتوسيع قاعدة عملياتها العسكرية في البلاد.