حسام عيد – محلل اقتصادي

الانفجار الكارثي الذي ضرب العاصمة اللبنانية، ​​بيروت، في 4 أغسطس 2020، نجم عن مواد خطرة مخزنة في المرفأ. لتدق معه نواقيس الخطر في موانئ مدن وعواصم العالم، والكثير من الحكومات سارعت بمراجعة وفحص محتويات الشحنات والحاويات والمخازن.

لكن إذا ما أسقطنا هذه الحالة على قارة أفريقيا، فما مدى احتمالية وقوع حادث مماثل في ميناء أفريقي وما هو المطلوب لمنعه؟.

التجارة العالمية وأمن الموانئ

انفجار مرفأ بيروت الضخم الذي أودى بحياة 160 شخصًا، وأكثر من 6 آلاف جريح، ولا يزال هناك من هم تحت الأنقاض، كان مدفوعًا بـ2750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم الكيميائية عالية التفاعل التي كانت محتجزة في الميناء منذ ما يقرب من سبع سنوات.

وعلى هذا النحو، فإن الكارثة تسلط الضوء على التجارة العالمية في المواد الخطرة وأهمية أمن الموانئ. وفي تحمل في طياتها بعض التحذيرات المهمة للموانئ الأفريقية.

كما هو مسجل في نشرة “arrest news” المتخصصة بصناعة الشحن، في عام 2013، وصلت المواد الكيميائية على متن السفينة إم في روسوس MV Rhosus.

وكانت السفينة ترفع علم مولدوفا متوجهة إلى بييرا في موزمبيق. في طريقها واجهت السفينة مشاكل فنية ودخلت مرفأ بيروت. عند التفتيش، اُعتبرت السفينة غير آمنة، ولم يُسمح لها بالمضي قدمًا.

وقد تم التخلي عن السفينة وحمولتها وفشلت جهود الاتصال بالمالك والمستأجرين. ومع عدم وجود أحد يطالب بالممتلكات، تم تخزين المواد الكيميائية الخطرة في مستودعات الميناء.

بينما لا تزال المأساة قيد التحقيق وجميع التفاصيل غير معروفة حتى الآن، لعب التخزين والتعامل غير المناسبين للمواد الخطرة دورًا رئيسيًا في الحدث.

المخاطر على الموانئ الأفريقية

فما هي الدروس، إن وجدت، لأفريقيا؟.. إن حقيقة أن المواد الكيماوية كانت متجهة إلى موزمبيق تثير مخاوف، وكثيرًا ما يتم شحن المواد الخطرة إلى الموانئ الأفريقية.

وحتى عندما لا تكون الموانئ الأفريقية هي الوجهة النهائية للمواد الخطرة، فقد يتم الاحتفاظ بالحاويات أثناء العبور.

وقد يؤدي ضعف الإدارة إلى زيادة طول الفترة الزمنية التي يجب فيها إدارة هذه المواد، والمخاطر التي تنطوي عليها.

نظرًا لتوسيع الموانئ الأفريقية بشكل متزايد كجزء من استراتيجيات الاقتصاد الأزرق، في الوقت الراهن، يجب أخذ هذه المخاطر على محمل الجد.

وتواجه الموانئ في أفريقيا أيضًا نوعًا آخر من المواد التي يمكن أن تكون خطرة، مثل؛ النفايات. تعتبر تجارة النفايات اقتصادًا عالميًا مزدهرًا، حيث تتراوح المواد من الإلكترونيات (النفايات الإلكترونية) والبلاستيكية والطبية والكيميائية وحتى النفايات المشعة التي يتم شحنها يوميًا في جميع أنحاء العالم. وتعد الموانئ في غرب وشرق أفريقيا هي الوجهات الرئيسية لهذه البضائع.

وفي كثير من الأحيان، يتم الاتجار بهذه النفايات بشكل غير مشروع، من خلال الأوراق المزيفة والإعلانات الخاطئة وأنشطة التهريب الأخرى، ويمكن للنفايات السامة أن تدخل الموانئ الأفريقية دون أن يتم اكتشافها.

وفي أوقات أخرى، يتم التخلص من هذه الشحنات بشكل غير لائق أو حتى التخلي عنها.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه قد يكون هناك عدد كبير من هذه الحاويات المهجورة في أفريقيا وأماكن أخرى. هذه الحاويات تشكل خطرًا كبيرًا.

الكارثة التي حدثت في بيروت هي بالتأكيد الاستثناء. ومع ذلك، هناك طرق أخرى أكثر صمتًا يمكن أن تسبب من خلالها المواد الخطرة مثل النفايات السامة والمواد الكيميائية ضررًا كبيرًا لسكان مدن الموانئ، وحتى من هم خارجها. يمكن للنفايات والمواد الكيميائية أن تلوث المياه الجوفية والسطحية حول الموانئ إذا تم التخلي عنها، أو إدارتها، وتعبئتها بشكل غير صحيح (مثل غالبية النفايات المهربة) وبالتالي تؤثر على الصحة العامة.

وأيضًا، لهذه النفايات المتداولة، آثار وتداعيات صحية كبيرة وخطيرة  إذا لم يتم اعتراضها وبدلاً من ذلك يتم التخلص منها بشكل غير صحيح في مناطق خارج الميناء.

وهناك حالة حية وشاهدة على ذلك، بعدما سلمت سفينة “ترافيجورا بروبو كوالا” نفاياتها السامة إلى شركة محلية في كوت ديفوار، وإلقاء هذه النفايات في مواقع متعددة في العاصمة أبيدجان، مما تسبب في أزمة صحية كبيرة طويلة الأجل.

ويمكن أيضاً ملاحظة مثل هذه التداعيات في غانا، فتدفقات النفايات الإلكترونية غير القانونية وتهديدها للموانئ الغانية، تدفع جهات فاعلة غير رسمية للتخلص منها بطرق غير آمنة؛ من أجل إنقاذ عناصر قيمة مثل الذهب والنحاس والنيكل، والمواد النادرة ذات القيمة الاستراتيجية مثل الإيديوم والبلاديوم.

إن التفكيك غير السليم للنفايات الإلكترونية وإعادة تدويرها يؤثر على صحة العمال الذين يكونون في كثير من الأحيان عرضة للخطر بالفعل.

أما بقية النفايات فيتم حرقها متفحمة، الأمر الذي يسمح بتسرب المواد السامة إلى البيئة، وخلق ضباب دخاني سام، بل ويساهم في تغير المناخ.

الموانئ هي خط الدفاع الأول في منع المواد الخطرة التي تلحق ضررًا كبيرًا بالبيئة وسكان المدن الساحلية.

منع الكارثة القادمة

الموانئ الأفريقية هي محاور أساسية في التجارة العالمية للمواد والنفايات الخطرة. ومع ذلك، فإنها غالبًا ما تفتقر إلى الإجراءات المناسبة للكشف عن المواد الخطرة والتعامل معها. وبالتالي فهي معرضة للخطر بشكل خاص. نظرًا لتوسيع الموانئ، كي تصبح أكثر حيوية في الاقتصادات الوطنية، وربما تقترب في كثير من الأحيان من المناطق المأهولة بالسكان والمستوطنات العشوائية، لذلك يجب معالجة نقاط الضعف هذه.

أصبحت سلامة وأمن الموانئ مصدر قلق متزايد كجزء من أجندة الأمن البحري الدولي. وعلى وجه الخصوص، أدى تهديد الإرهاب البحري إلى مزيد من الإجراءات الهادفة إلى رفع مستوى الأمن في الموانئ من خلال المراقبة والتدريب والمبادئ التوجيهية.

وعلى الرغم من أن اتفاقية بازل تنظم تجارة النفايات العالمية، إلا أنها لا تهدف إلى معالجة الأنشطة غير المشروعة.

وتشير الأدلة إلى وجود ثغرات كبيرة في اتفاقية بازل، بما في ذلك الافتقار إلى التنسيق والصعوبات في ضمان تفسير الاتفاقية وتنفيذها بشكل صحيح. نظرًا لأن المواد الخطرة المهربة غالبًا ما تكون موسومة بعلامات مضللة أو مقنعة، فيجب فحص الحاويات بعناية ويحتاج المفتشون إلى درجة عالية من التدريب من أجل التعرف عليها.

وتهدف البرامج التي يديرها برنامج الجريمة البحرية العالمية التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والمنظمة البحرية الدولية والاتحاد الأوروبي إلى بناء القدرات في الموانئ الأفريقية لرفع مستويات الأمن وضمان تنفيذ الأحكام القانونية الدولية.

ومع ذلك، تركز هذه البرامج، على الإدارة العامة للموانئ، أو الجرائم الزرقاء مثل تهريب المخدرات والأسلحة. فجرائم المواد الخطرة والنفايات تتطلب مزيدًا من الاهتمام.

غالبًا ما يتم اعتبار مشكلة النفايات على أنها مشكلة بيئية ثانوية، وليست مشكلة تتعلق بالأمن العام. ولا تزال الوكالات المكلفة بمعالجة هذه القضية تعاني من نقص الموارد.

بعد بيروت، يجب إعادة تقييم الطريقة التي يتم بها تداول جميع المواد الخطرة في الموانئ، بما في ذلك النفايات.

نداء إيقاظ

الدرس المستفاد من بيروت، بالنسبة لأفريقيا؛ هو أن هناك حاجة لأنشطة مكرسة لبناء القدرات، ويجب أن يضمن ذلك مراجعة الإجراءات الحالية لمناولة وتخزين المواد الخطرة في الموانئ الأفريقية وتعزيزها.

يجب أيضًا التركيز على الكشف عن المواد الخطرة والتعامل معها بشكل أفضل، خاصة تلك الناتجة عن تهريب النفايات. وفيما يتعلق بالنفايات على وجه الخصوص، يجب مراجعة التشريعات لتقييم ما إذا كانت تجرم بشكل كاف جرائم النفايات أو تسهيلها.

لن يتمكن مشغلو الموانئ أو سلطات مدن الموانئ من التعامل مع التحدي بمفردهم. بالنظر إلى النطاق العابر للحدود الوطنية للمشكلة، فهي ليست مسؤولية وطنية فحسب، بل تتطلب استجابات إقليمية وعالمية.

وختامًا، إن تجارة النفايات المزدهرة في أفريقيا تسلط الضوء على أن تجارة المواد الخطرة تحتاج إلى مراقبة وتنظيم أفضل، وينبغي تبادل المعلومات حول جرائم النفايات.

مأساة بيروت هي جرس إنذار مهم لأخذ التهديدات التي تمثلها التجارة العالمية للبضائع الخطرة على محمل الجد، ومعالجتها من خلال تحسين أمن الموانئ.