حسام عيد – محلل اقتصادي

كان يُعتقد في الماضي أن رواد الأعمال متدنيون على سلم الأعمال التجارية والمشروعات الطموحة، ولكن اليوم، بات دورهم الأساسي في بناء اقتصادات أفريقيا معترف به على نطاق واسع.

صعود الأعمال الريادية بعموم القارة

أصبحت ريادة الأعمال في أفريقيا الآن في مقدمة جهود التنمية ومركزها بعد قضاء سنوات ككيان ضعيف بشركات التوظيف.

ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الشركات العالمية متعددة الجنسيات تولي اهتمامًا لما كان يومًا ثقافة فرعية للأشخاص الذين يحاولون صياغة طريقهم الخاص في المؤسسات والأنشطة الاقتصادية البديلة.

واعتاد كثير من الناس في الاقتصاد السائد على الخلط بين ريادة الأعمال والقطاع غير الرسمي، وتشبيههم بالأشخاص الذين ليس لديهم وظيفة في الشركات، وهم على مستوى منخفض في سلم الأعمال كعمال يقاومون حياة صغيرة في الأسواق أو زاوية من منازلهم.

لكن في غضون عقد من الزمان تغير السرد. كونك رجل أعمال أصبح الآن أمرًا رائعًا. يُنظر إليهم على أنهم ديناميكيون ومغامرون ومنفتحون على المخاطرة. لم يعد يتم تجاهلهم من قبل مكان العمل، ولكن يتم السعي وراءهم مع نمو عدد قصص النجاح ومطاردة وملاحقة الأموال الكبيرة للشركات الصغيرة ذات الأفكار الجيدة.

أسباب ومحركات الازدهار

هناك عديد من الأسباب لذلك؛ التكنولوجيا هي أبرزها وأكبرها، حيث يمكن للعديد من رواد الأعمال الذين يمتلكون أفكارًا جيدة أن يدركوها الآن من خلال تطوير التطبيقات والبرامج والمنصات الإبداعية التي يمكنها ربط آلاف الأشخاص ببعضهم البعض بطرق تحسن الحياة والإنتاجية.

يستخدم الأفارقة التكنولوجيا لسد الفجوات الإنمائية القديمة وزيادة الكفاءة في كل قطاع تقريبًا، فالتكنولوجيا أصبحت قوة دافعة لتحسين وظائف الدولة المعطلة، مع قيام رواد الأعمال بإنشاء الأدوات لتحسين مجتمعاتهم.

التركيبة السكانية هي أيضا محرك؛ لقد أدرك القادة الأفارقة أن المشاريع الصغيرة لها دور كبير تؤديه في معالجة مشكلة البطالة المستعصية والمتفاقمة، خاصة بين الشباب.

ففي كثير من البلدان الأفريقية، يمثل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا أكثر من 50% من السكان، وهم بحاجة إلى الأمل.

وفي قارة مترابطة وتتطلع إلى مواكبة متغيرات العصر الحديث، لم تعد الحكومات قادرة على تجاهل البطالة وتعتمد على صمود شعوبها. لم توفر التكنولوجيا للناس أدوات للعمل فقط؛ بل أعطتهم الأدوات اللازمة لتوصيل صوتهم والاستماع لهم.

وجذبت الثورة المتنامية بريادة الأعمال في أفريقيا انتباه الشركات الكبرى، وهذا ما دفعها إلى تخصيص مبالغ قياسية من المال لجهود ريادة الأعمال، كما أن تلك الشركات باتت تتنافس على الرؤية في دعم هذا الاتجاه. تعقد شركة إرنست ويونغ EY – إحدى أكبر الشركات المهنية في العالم- وشركة آي بي إم IBM –الشركة العالمية المتعددة الجنسيات والأكبر بعالم التكنولوجيا- وغيرها، مسابقات ريادة الأعمال والجوائز منذ فترة طويلة وتكاثرت العديد من الشركات الأخرى بمرور الوقت. ومن هنا يتوفر التمويل بسهولة أكبر للشركات الناشئة الواعدة والأفكار الجيدة.

واليوم، لم تعد هناك فجوة بين الشركات والشركات الناشئة. وأصبح المزيد والمزيد من المديرين التنفيذيين الأذكياء يرون قيمة استكشاف الأفكار والخيارات التي تجنبوها ذات مرة لأن الشركة لم تكن بحجم كافٍ أو لم يكن لها رؤية في السوق.

التكنولوجيا المالية تقود الطريق

كانت التكنولوجيا المالية رائدة بشكل واضح في هذا الصدد، ولم يكن الأمر مفاجئًا نظرًا لثغرات السوق في قارة ذات قطاع مالي غير متطور نسبيًا، حيث يوجد أكثر من 60% بلا حسابات بنكية أو حتى مقيدين بالأنظمة المصرفية. وبإغلاق هذه الفجوات، فإنهم يدفعون الشركات متعددة الجنسيات للخروج من منطقة راحتهم.

وظهرت موجة جديدة من الشراكات والاستثمارات الذكية بين الشركات الراسخة ورواد الأعمال الجدد.

على سبيل المثال ، اجتذبت شركات التكنولوجيا النيجيرية الناشئة في مجال الدفع، Flutterwave و Paystack، استثمارات من شركات، مثل؛ Visa و Tencent و Mastercard. وقد حصلت Flutterwave على شراكات مع المنصة الصينية للدفع عبر الإنترنت Alipay وشركة الدفع الأمريكية FIS.

وتُظهر الإحصائيات الرسمية في نيجيريا أن حجم المدفوعات الرقمية في هذا الاقتصاد الذي كان مدفوعًا بالنقد سابقًا نما بنسبة 500% تقريبًا في عام 2019.

في عام 2018، كانت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى واحدة من أسرع المناطق نموًا في مجال التكنولوجيا المالية، حيث تضاعف الاستثمار أربع مرات تقريبًا إلى 357 مليون دولار. واستحوذت الشركات الناشئة في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا على أكبر حصة، وفقًا لتقرير اقتصاد الهاتف المحمول The Mobile Economy بعنوان تقرير أفريقيا جنوب الصحراء 2019، الصادر عن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمولGSMA  المتخصصة في إعداد سلسلة التقارير المتعلقة بصناعة الهاتف المحمول حول العالم.

فكر جديد في الرعاية الصحية

ونظرًا للمشكلات المستعصية في قطاع الصحة في أفريقيا، نرى أن رواد الأعمال ينموون بها المجال أيضًا، حاملين آمال وطموحات النهوض به وتسطير قصص نجاح وريادة جديدة لأفريقيا.

إن النظرة المتغيرة من الاتحاد الأفريقي -التي تحتاج الحكومات إلى اعتبار الرعاية الصحية على أنها استثمار وليس تكلفة- تدفع الفكر الجديد بين رواد الأعمال في هذا المجال، حيث تتزايد الابتكارات التكنولوجية التي تسمح للخدمات والمعلومات بالوصول إلى المناطق النائية والمهمشين في المناطق الحضرية.

كما أنها تجذب الانتباه، فعلى سبيل المثال؛ تلقت شركة Kea Medicals الناشئة في بنين منحة من صندوق الابتكار لتمويل الاتصال التابع الريفي للجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول GSMA في عام 2018 لنشر نظام صحي متكامل يدعم الهاتف المحمول ويسمح للأطباء بالوصول إلى معلومات المرضى من أي مكان طبي في جميع أنحاء البلاد عن طريق مسح هوية طبية شاملة.

لقد أقامت شراكات مع العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك مؤسسة Tony Elumelu –مؤسسة خيرية أفريقية يقودها القطاع الخاص وتمكن رواد الأعمال الأفارقة من خلق فرص عمل في القارة- وتتعاون الآن مع أكبر مشغل للهواتف المحمولة في أفريقيا MTN لتسهيل نظام دفع أكثر كفاءة لخدماتها.

فيما أسست رائدة الأعمال النيجيرية “تيمي جيوا توبسون” شركة “لايف بنك LifeBank” في عام 2016 وتمكنت عبرها من نقل أكثر من 20 ألف من منتجات الدم والأكسجين إلى 300 مستشفى في العاصمة لاجوس من مكتب متواضع في المدينة، باستخدام التكنولوجيا لمطابقة العرض والطلب.

وفي عام 2020، أطلقت LifeBank مركزًا شاملًا لإجراء اختبار “فحص” كورونا عبر المركبة “السيارة” في لاجوس، بالتعاون مع المؤسسات الحكومية.وختامًا، أفريقيا مفعمة بروح رواد الأعمال المنتعشة والملهمة، ومع ظهور المزيد من قصص النجاح، سيتوفر نموذجًا للنجاح لأولئك الذين بدأوا للتو أو يفكرون في رسم مسار جديد لأنفسهم أو لشركاتهم. وهذه تعد أفضل فرصة ليس فقط لكسب المال ولكن لإحداث فرق أيضًا والتحول لركيزة رئيسية في صناعة مستقبل القارة الأكثر ديناميكة في العالم، وحجز مقعدًا تنافسيًا متقدمًا لها بعصر الثورة الصناعية الرابعة