كتبت – أماني ربيع

تاريخ ذوي البشرة السمراء -سواء أفارقة أو من أصول أفريقية- ليس قاصرا فقط على الرق والعبودية والظلم، فقد صقلت المعاناة الطويلة التي خاضوها سواء ضد الاستعمار في الدول الأفريقية، أو الكفاح ضد العنصرية في بلاد الشتات وبخاصة في الولايات المتحد الأمريكية فيهم روح الكفاح، وصنعت منهم أبطالًا أضاءوا بأفكارهم ونضالهم العالم، وتحولوا إلى أيقونات خالدة ما زال تأثيرها ممتدا إلى الآن.

وفي التقرير التالي نلقي نظرة على أربع شخصيات من ذوي البشرة السمراء اكتسبوا احترام العالم، وجذبت مسيرتهم البطولية المثيرة هوليود لتقدمها في على شاشة السينما..

محمد علي كلاي.. ملك العالم

اعتزل الملاكم الأسطوري محمد علي كلاي الملاكمة عام 1979، لكنه إلى الآن يظل يذكر في تلك الرياضة باعتباره أعظم ملاكم في التاريخ، ولم تكن شهرة “كلاي” العالمية نابعة فقط من انتصاراته الرياضية، ولكن للكاريزما التي تتمتع بها شخصيته، وقدرته على النقاش بشكل هادئ ومفحم، وكونه بدا دوما خلال لقاءاته بعيدا عن الصورة النمطية للرياضيين باعتبار أنهم مجرد عضلات وقوة دون عقل.

واعتبر صناع السينما شخصيته جديرة بأن تخلد على الشاشة البيضاء، فأنتجت العديد من الأفلام عن مسيرته المثيرة والناجحة.

وكان أول الأفلام التي تناولت شخصية “كلاي”، عام 1977، قبل اعتزاله بعامين، بعنوان ” the greatest”، وهو اللقب الذي أطلق على محمد علي، واللافت أن الفيلم كان من بطولته هو شخصيا، حيث أدى الدور بنفسه ولم يستعن بممثل يشبهه، وتناول الفيلم العقبات التي واجهها كلاي في بداياته، وبخاصة النظرة العنصرية تجاهه بسبب كونه مسلمًا من ذوي البشرة السوداء.

وفي عام 2000، أنتج فيلمان عن كلاي الأول ” King of the World ” وهو فيلم تلفزيوني من بطولة تيرينس هاوارد، وتحدث عن حياة كلاي داخل وخارج الحلبة، أما الفيلم الثاني بعنوان ” Ali: An American Hero ” من بطولة ديفيد رامزي.

أما الفيلم الأشهر عن حياة البطل المحبوب فكان ” Ali” عام 2001 من بطولة النجم ويل سميث، واعتبر سميث الفيلم مهمة صعبة وقام بالاستعانة بكلاي نفسه وتوجيهاته فيما يتعلق بتكنيكاته القتالية برياضة الملاكمة، وكذلك كيفية ممارسة شعائر الدين الإسلامي، وكان كلاي راضيا للغاية عن الصورة التي خرج بها الفيلم وعن أداء ويل سميث المتميز، حيث تحدث الفيلم عن معارك كلاي داخل الحلبة وخارجها، وسلط الضوء على أزمة كلاي مع الحكومة الأمريكية بعد رفضه للتجنيد في حرب فيتنام، الذي أدى إلى سحب لقب بطولة العالم منه عام 1967، ولم يغفل بالطبع قصة الصعود التي تعتبر من التيمات المفضلة لصناع السينما في هوليود.

وركز فيلم ” Muhammad Ali’s Greatest Fight ” عام 2013، للمخرج البريطاني ستيفن فيراس على تفاصيل محاكمة محمد علي بعد رفضه الخضوع لأمر التجنيد في حرب فيتنام عام 1967.

 وكان لمسيرة الملاكم الأشهر نصيب في السينما التسجيلية، حيث قدمت المخرجة كلير لوينس عام 2014 فيلم ” I Am Ali” الذي رصد حكاية محمد علي من خلال علاقته بعائلته وبناته، وكذلك فيلم ” Facing Ali” الذي استعرض مشواره عبر قصص الملاكمين الذين وقف ضدهم في الحلبة.

استطاع محمد علي رغم كل شيء أن يفرض شخصيته في قلب أمريكا، وأحبته أمريكا والعالم لقوته واستبساله في الدفاع عما يؤمن به، وظل محبوبا حتى بعد عقود من اعتزاله، وفي عام 2005، عند افتتاح مركز محمد علي في المدينة التي ولد بها لويفيل، قال: “أنا مجرد رجل عادي عمل بجد ليطور مواهبه، أراد الكثير من المعجبين أن يقوموا بإنشاء متحف لتكريم إنجازاتي، لكننى أردت شيئًا أكثر من بناء يحتوى على تذكاراتي، أردت مكانًا يستطيع أن يلهم الناس ليصبحوا أفضل نسخة عن أنفسهم.”

 وحتى بعد وفاته عام 2016، عن 74 عاما، ما يزال محمد علي كلاي ملهما وبطلا في عيون العالم.

مانديلا.. رجل لكل العصور

في عام 1991، أطلق سراح المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا من السجن بعد 27 عاما، لم يكف فيها عن الكفاح ضد الظلم والفصل العنصري حتى من وراء القضبان، وتحول من رمز محلي إلى أيقونة عالمية ونموذج وقدوة، وبدأ الاهتمام العالمي بشخصه يزيد، وهو ما كان جديرا بأن يعمي عيونه عن القضية التي كافح من أجلها طويلا، لكنه سعى لصنع تغيير حقيقي في بلاده وكرس نفسه لاجتثاث بذور العنصرية والكراهية التي غرسها نظام “الأبارتايد” في بلاده.

وبالطبع مسيرة معقدة كهذه لم تكن لتفلت من قبضة هوليود، وقبل إطلاق سراحه عام 1987، جسد الممثل داني جلوفر شخصية “Mandela”  في فيلم تلفزيوني من إخراج فيليب سابيل.

وفي عام 1997، جسدت أيقونة حياة أيقونة، حيث قدم المخضرم سيدني بواتيه دور مانديلا في فيلم ” mandela and de klerk”، بينما جسد ماكيل كاين شخصية دي كليريك رئيس جنوب أفريقيا وقت إطلاق سراح مانديلا، وتناول الفيلم فترة سجن مانديلا الأخيرة في عهد دي كليريك، وقراره بالإفراج عن مانديلا الذي كان من المفترض أن يمضي عقوبة السجن مدى الحياة.

وفي عام 2009، قدم مورجان فريمان دور مانديلا في فيلم Invictus ” الذي جسد مساعي مانديلا للمصالحة عبر العلاقة بينه وبين وقائد منتخب الرجبي لجنوب أفريقيا، اعتقد البعض بعد فوزه برئاسة البلاد عام 1994 أنه سيقود حملة عنصرية مضادة ضد البيض، لكنه كان يصرح دائما أنه بات زعيما لكل مواطني جنوب أفريقيا، وأن من اختار العيش في البلاد من البيض آمن، وسعى لأن ينسى الجميع الماضي العنصري البغيض.

نرى في الفيلم مانديلا يجتمع مع قائد فريق الرجبي الأبيض الذي يؤدي دوره مات ديمون، ويؤكد له دعمه الكبير، ويتابع بنفسه التدريبات، محاولا أن يكون بنفسه مثالا للتغير يمحو به الصور الذهنية السائدة، إنه يعد الشاي لكابتن المنتخب، ويأخذ الحديث منحا حميميا، ويهديه قصيدة أعطت مانديلا يوما الأمل، نرى مانديلا وقد قرر بدء مسيرته الإصلاحية في النفوس والعقول، ليجمع الشعب بكل طوائفه على قلب رجل واحد، من أجل مصالحة حقيقية.

الفيلم يحدثنا عن القيم التي آمن بها مانديلا وسجن من أجلها وعاش لتحقيقها وهي التي خلدت اسمه في النهاية.

وقدم النجم الأسمر إدريس ألبا عام 2013، فيلم “Mandela” الذي تناول مشوار القائد الجنوب أفريقي منذ الطفولة وفترة النضال خلال الشباب، ثم السجن، وبعد ذلك زعامته لجنوب أفريقيا.

مارتن لوثر كينج.. رجل الأحلام

“لدي حلم..”، كانت هذه بداية واحدا من أشهر الخطابات في التاريخ لرجل حاول بشدة تغيير واقع أبناء جلدته للأفضل، وجعل العالم مكانا للسلام وليس الصراع، لذا حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1964، والذي كان أصغر من يفوز بها، ذلك الوقت، وهو في عمر 35، تتويجا لجهوده الدؤوبة في مجال مكافحة العنصرية بأمريكا، إنه مارتن لوثر كينج الذي تحل اليوم 15 يناير ذكرى ميلاده.

حتى النهاية ظل كينج يدافع عن حقوق الأمريكيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة التي خنقت أحلامهم وحصرتها في لون بشرتهم الذي جعلهم منبوذون في كل مكان يعانون من العنصرية، ورغم أنه كان مجرد رجل عادي بلا منصب، لكن تأثيره الكاسح وشخصيته الطاغية، جعلا تأثيره كبيرا على الشعب الأمريكي، لذا كان من الطبيعي أن يلجأ الراغبون في إبقاء الأوضاع كما هي لاغتياله في أبريل 1968، في فندق “لورين” بمدينة ميمفيس.

واحتفت السينما بالمشوار القصير زمنا، الكبير تأثيرا في أكثر من فيلم أبرزها، ” Selma” الذي تناول فترة مشحونة من مسيرة كينج، وتحديدا عام 1965، بعد فوزه بجائزة نوبل، والحديث عن حق السود في التصويت، واشتعال الوضع في ألاباما، حيث منع الناخبون السود من التصويت وطالب كينج الرئيس جونسون بالتدخل، لكنه رفض، والفيلم يعد توثيقا جريئا لحركة الحقوق المدنية بأمريكا.

وفي عام 2001، قدم المخرج كلارك جونسون فيلم “Boycott” الذي ركز على قصة مقاطعة الحافلات في مونتجومري بعد منع السود من الجلوس فيها، وقام جيفري رايت بأداء الدور باقتدار، صور فيه المشاعر الداخلية لمارتن لوثر كينج ومخاوفه من انحدار الأمور للأسوأ، والكتاب يستند على كتاب بعنوان daybreak of freedom للكاتب ستيوارت بورنز

وقدم الفيلم الوثائقي “In the Hour of Chaos” عام 2016، نظرة مختلفة على حياة كينج، ورحلته من الفقر وتحوله لواحد من قادة الحقوق المدنية الأكثر ++إ، والذي دفع حياته ثمنا لمبادئه.

وعرضت قناة HBO الفيلم الوثائقي”King in the Wilderness” لأول مرة عام 2018 على قناة.، الذي قدم سردا لحياة كينج جونيور من خلال القصص الشخصية للأشخاص الذين عرفوه، يتتبع الفيلم السنوات التي كان فيها ناشطا في مجال حقوق التصويت بولاية ألاباما.

قدم فيلم “The Witness: From the Balcony of Room 306″، وهو وثائقي قصير مدته 32 دقيقة، إحدى اللحظات المثيرة للاهتمام في حياة كينج، حيث شهد القس بيلي كيليس إطلاق النار المميت على كينج، ويحكي الفيلم القصة من منظوره، وتم تصويره في الموقع ذاته، مع مقابلات كثيرة من أشخاص شاركوا كينج في أعماله.

وقام المخرج سميث مور بصنع تركيبة صوتية من الخطابات والألحان التي تحتفي بكينج في ” Scenes From the Life of a Martyr”، تضمن عرضا رائعا من أوركسترا ديترويت السيمفوني من 16 حركة ولمدة 40 دقيقة، وألقى نظرة على أربعة مراحل مختلفة من حياة كينج، باستخدام الشعر والكتاب المقدس واقتباس جمل قالها كينج نفسه، لذا خرج كعمل فني مثير يعكس إرث كينج الغني.

مالكوم إكس.. صوت الأخوة الحقيقية

خلال سنوات عمره القصير، استطاع مالكوم إكس حصد الكثير من الاهتمام لأفكاره الجريئة التي كان مجرد طرحها خلال ستينيات القرن العشرين ضربا من الجنون، كما أن علاقته بأمة الإسلام ” NOI” وآراءه حول “الشياطين البيض”، جعلت منه شخصية مثيرة للجدل أيضا داخل أمريكا.

وكان أول فيلم تحدث عن شخصية مالكوم، هو “Death of a Prophet” عام 1981، للنجم مورجان فريمان إلا أن أكثر الأفلام شهرة لدى الجمهور هو ” Malcolm x” الذي أدى فيه دينزل واشنطن دور البطولة عام 1992، من إخراج سبايك لي، والذي صور في مكة بالسعودية.

ركز الفيلم على نقطة التحول في حياة مالكوم، بعد أدائه فريضة الحج، التي جعلته يفهم معنى الإسلام الحقيقي بعيدا عن المؤامرات والدماء، كدين للتسامح والمحبة ونشر السلام، وعرف وقتها أن الإسلام ليس دينا لذوي البشرة السوداء وإنما لكل البشر.

وقال بعد أدائه لفريضة الحج: “الحج وسع أفاق تفكيري، وفتح بصيرتي فرأيت في أسبوعين ما لم أره في 39 سنة، رأيت كل الأجناس من البيض ذوي العيون الزرق حتى الأفارقة ذوي الجلود السوداء وقد ألّفت بين قلوبهم الوحدة والأخوة الحقيقية فأصبحوا يعيشون وكأنهم ذات واحدة في كنف الله الواحد.”

وكان التغير في نظرة مالكوم دافعا لإثارة الحرب بينه وبين زعيم “أمة الإسلام” إليجا محمد، الذي طرده من الحركة وهدده بالقتل واعتبره يشوه صورة الإسلام، لكن مالكوم لم يكترث، وسعى لنشر تعاليم الإسلام بين البيض والسود، واعتبر الأخلاق أهم من لون البشرة، لكن رفض الإعلام صورة مالكوم الجديدة وأصبح الجميع ضده من البيض والسود، لذا كان من الطبيعي أن تنتهي حياته بالاغتيال عام 1965 أثناء إلقائه محاضرة في نيويورك، أمام زوجته وأطفاله الستة.

واجه الفيلم الكثير من العقبات حيث كان من المفترض خروجه للنور عام 1967، بعد عامين من اغتيال مالكوم، وبالفعل حصل المنتج مارفين وورث على حقوق السيرة الذاتية عام 1967 من أرملة مالكولم إكس، وساعد صديق للعائلة مع جيمس بالدوين في كتابة نص غير مكتمل عن حياته، ثم توقف بسبب إدمانه للكحول، ثم اغتيال مارتن لوثر كينج، وتوفي وهو لم يكتب إلا نصف نص الفيلم فحسب عام 1987 ++ظو

وقام كاتب السيناريو أرنولد بيرل، بتنقيح نسخة بالدوين فحسب، تبعه في ذلك كالدر ويلينجهام وديفيد ماميت، إلى أن جاء المخرج سابيك لي عام 1990 لتولي مهمة إخراج الفيلم وخاض أكثر من صراع الأول مع زعيم جماعة أمة الإسلام لويس فاراخان الذي هدده بالقتل إذا ما شوه صورة المنظمة، ثم رفضت شركة وارنر براذر المشروع بعد خلاف على الميزانية، فلجأ إلى رجال أعمال من المجتمع الأسود في أمريكا، ومنهم: أوبرا وينفري وجانيت جاسكون وبيل كوسبي وتريسي تشابمان.

وخرجت مظاهرات ضد الفيلم من شارع هارلم في أغسطس عام 1991، دعا إليها الكاتب المسرحي أميري باراكا، الذي عبر عن المخاوف من تشويه سيرة زعيم ومناضل له مكانة كبيرة بين المسلمين، وطالب بالمحاربة للحفاظ على إرث مالكوم، الذي اعتبره ذوي البشرة السوداء رمزا لتقرير المصير الأسود.

كان هناك خوف من التركيز على ماضي مالكوم خلال سنوات المراهقة، حين كان لصا، ثم آراؤه المتطرفة بعد انضمامه لحركة أمة الإسلام، والتناول المعتاد للشخصيات المسلمة باعتبارها شخصيات كاريكاترية.

مر مالكوم بتحولات عديدة في حياته، ونجح النجم الشاب وقتها دينزل واشنطن في أداء تجسيد كل مرحلة من حياته بصورة مذهلة، دون تكلف وبدا أنه يؤدي الشخصية دون مجهود، رغم أنه لم يضطر لوضع ماكياج معقد لأداء الشخصية واعتمد على تقديم الانفعالات الداخلية لشخصية وتقمصها بشكل جعل الجمهور يصدق أنه بالفعل مالكوم إكس، حتى أنه ترشح عن هذا الدور لجائزة أوسكار أفضل ممثل.

الفيلم أظهر حقيقة دعوة مالكوم ورغبته في إحداث تغيير يشمل الجميع ذوي البشرة البيضاء والسوداء تغيير حقيقي من الداخل في نظرتهم تجاه بعضهم البعض، لقد ناضل من أجل حقوق السود والمستضعفين، ولم يكن متطرفا كما حاول الإعلام تصويره لفترة طويلة.

وهكذا أنصفته السيرة الذاتية التي كتبها صاحب “جذور” ألكس هايلي، وأخذ عنها الفيلم، حيث نقلت من خلالها مالكوم نفسه الذي عمل مع هايلي على تسجيلها وكتابتها، الحقيقة كاملة دون تلميع، وباع الكتاب ملايين النسخ، وأصبح ملهما لكل من يريد التغيير.