كتب. محمد الدابولي

فُجعت نيجيريا يوم 14 يوليو الماضي في وفاة أول ضابطة في سلاح الجو النيجيري «تولولوب أروتيل» في حادث سير  أثناء ذهابها لقاعدة سلاح الجو النيجيري (NAF) في ولاية كادونا الشمالية، حيث أشارت التحقيقات التي أجريت عقب الحادث إلي فقدان «أورتيل» السيطرة على محرك السيارة مما أدي إلي وقوع الحادث الأليم.

خيم الحزن على الأوساط السياسة والعسكرية النيجيرية لوفاة «أروتيل»، إذ تسابق العديد من المسئوليين النيجيرين وعلى رأسهم رئيس الأركان المارشال «صادق أبوبكر» الذي عبر عن أسفه وتعازيه لما حدث، كما استقبل مقر قيادة القوات الجوية النيجيرية العديد من المسئوليين لتسجيل تعازيهم في وفاة «أروتيل» مثل أعضاء المجلس التنفيذي الاتحادي وأعضاء الجمعية الوطنية النيجيرية وكذلك وزيرة شئون المرأة «بولين تالين» ووزير الإعلام والثقافة النيجيري «لاي محمد».  

يعود الحزن المتصاعد في الأوساط السشياسية النيجيرية لوفاة «أروتيل» إلي كونها أول إمرأة نيجيرية تقدم على قيادة الطائرات الحربية وتشترك في العديد من العمليات الحربية والجوية لملاحقة العناصر الإجرامية في البلاد، كما أنها تعد أول تجربة نسوية نيجيرية في مسألة تحقيق المساواة بين الجنسين داخل الجيوش الوطنية خاصة في التكليفات والمهام القتالية، فغالبا ما كان يتم حصر مهام النساء في معظم تلد الجيوش في المسائل الإدارية والتمريض وبعض الخدمات اللوجستية مثل إعداد الأطعمة وتفصيل البزات العسكرية وغيرها.

التحقت الضابطة ذات 24 عاما بالقوات المسلحة النيجيرية في سبتمبر 2017 حيث انتظمت في الدورة 64 لأكاديمية الدفاع النيجيرية، لتكون أول إمرأة نيجيرية تتدرب على قيادة المروحيات العسكرية ذات المهام القتالية، كما أنها خضعت لدورة متقدمة في قيادة المروحيات القتالية في جنوب أفريقيا أثبتت فيها كفائتها وفعاليتها الشديد في تنفيذ المناورات الصعبة، كما خضعت لدورة متقدمة في إيطاليا على قيادة المروحية الإيطالية «أوغستاوستلاند إيه دبليو  109»، مما دفع قيادة القوات الجوية النيجيرية إلي تكليفها بقيادة طائرة من ذات الطراز تعمل في سلاح الجو النيجيري وذلك في فبراير 2020، حيث تم تقديمها كأول إمرأة تقود طائرة في الجيش، وتم ذلك خلال حفل أقيم في ساحة النسر بأوبوجا وفي حضور الرئيس محمد بوخاري.

بالإضافة إلي الخبرة القتالية والتدريبة الواسعة لـ«أروتيل»، شاركت لتوها في العديد من العمليات العسكرية التي نفذها الجيش ضد المهربين والعناصر المتطرفة مثل عملية «GAMA AIKI» التي تشنها القوات النيجيرية في ولاية نهر النيجر ملاحقة عناصر المتطرفين والمهربين وغيرهم، وخلال تلك العملية تم استخدام القوات الجوية بكثافة في مهاجمة أوكار المجرمين وتدمير خطوط التهريب، الأمر الذي دفع رئيس الأركان النيجيري المارشال «صادق أبو بكر» إلي الثناء بشكل كبير على دور القوات الجوية في تلك العملية.

آمازونات أفريقيا

حفل التاريخ الإغريقي القديم بالعديد من الأساطير والرويات عن سيدات سكن شمال أفريقيا وكان لهن الإدارة والسياسة فضلا عن كونهن مقاتلات تتميزن بالانضباط العسكري الشديد والمرونة الشديدة في استخدام الأقواس والآلات القتالية، وعلي مدار التاريخ الأفريقي القديم والحديث كانت للمرأة المقاتلة دورا كبيرا في تشكيل الجيوش الوطنية والدفاع عن بلادهن، فمملكة داهومي التي عاشت قرابة ثلاث قرون (1600 ـ 1904) كانت من أبرز الممالك الأفريقية اعتمادا على تجنيد النساء وتشكيل كتائب وفرق خاصة منهن، والاهتمام بتدريبهن على أعلي مستوى، ولاحقا أطلق عليهن آمازونات داهومي لشجاعتهن وبراعتهن في القتال ضد القوات الاستعمارية الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وعلى غرار  أمازونات داهومي كان لمقاتلات إريتريا والجزائر دور لا يقل أهمية عن الرجال في تحقيق استقلال البلدين، وبعد مرحلة الاستقلال باتت النساء تشكل ما يقارب 30 % من إجمالي قوة الجيش الإريتري، في حين تعد الجزائر من أكثر  دول شمال أفريقيا في تحقيق المساواة بين الضباط الرجال والنساء في الجيش وفقا لمرسوم الجيش الصادر في 28 فبراير 2006، والذي مكن المرأة الجزائرية من الوصول إلي أعلي الرتب العسكرية، حيث تقلدت فاطمة الزهراء عرجون رتبة جنرال في الجيش وذلك في عام 2009 ولحقتها فاطمة بوداني في نفس الرتبة العسكرية.

وحاليا تتجه معظم الدول الأفريقية إلي تشكيل قاعدة كبيرة من الضابطات في جيوشهن وتشجيعهن على اللالتحاق بالسلك العسكري،إلا أن تلك المحاولات جاءت من أعلى حيث لجأت العديد من الدول إلي تعيين إمرأة في منصب وزير الدفاع في محاولة لتشجيع النساء على الالتحاق بالجيش مثل نسيفيوى مابيسا وزيرة دفاع جنوب أفريقيا والتي تولت في عام 2012 وفي كينيا تولت راشيل أومامو منصب وزير الدفاع من عام 2013 وحتي عام 2020قبل أن تتولي منصب وزير الخارجية، وتتولى عائشة محمد منصب وزير الدفاع الإثيوبي منذ أكتوبر 2018، وفي الجابون استقالت مؤخرا وزيرة الدفاع روز كريستيان رابوندا من منصبها في 16 يوليو 2020 بعد ان قضت قرابة 18 شهر في المنصب لكي تتولي منصب رئاسة الوزراء في البلاد.

إحباط نسوى

قد تحمل وفاة «أروتيل» احباطا للآمال الأفريقية في تحسين أوضاع المرأة في القارة الأفريقية، وتحقيق المساواة بين الجنسين في العديد من الوظائف والفرص التشغيلية خاصة تلك التي كانت مقتصره على العنصر الذكري فقط، مثل الخدمات والتكليفات القتالية في الجيوش الوطنية.

أزكت وفاة «أروتيل» الحديث عن معاناة المرأة الأفريقية داخل الجيوش الأفريقية، إذ تسمح معظم الدول الأفريقية بتجنيد النساء في صفوف جيوشها الوطنية على سبيل المثال الجزائر وكينيا وجنوب أفريقيا وإريتريا والعديد من الدول الأخري، ومن أبرز صور تلك المعاناة:

  • انحصار المهام الموكلة للمرأة في الجيوش الأفريقية: في بعض الخدمات اللوجستية والإدارية والصحية وغيرها من الوظائف والمهام التي لاتحمل أية طبيعة قتالية، فمازالت تحمل الجيوش الأفريقية نظرة مفاداها عدم قدرة المرأة علي تولي المهام القتالية والاشتراك مع الرجال في عمليات حربية، وحاولت العديد من الدول الأفريقية تشجيع النساء على الالتحاق بالمهام القتالية في الجيوش نظرا للعديد من العوامل ستم توضيحها لاحقا، وهو ما حدث في حالة الضابطة في سلاح الجو النيجيري أروتيل والتي حظيت تجربتها بدعم كبير من رئيس الأركان النيجيري وكافة المؤسسات السياسية في بلادها.
  • ضعف تمثيل المرأة: تشكلنسب المرأة في الجيوش الأفريقية متواضعة للغاية، ولا تعبر عن حجم وجودها في المجتمع الأفريقي، حيث تشكل نسبة المرأة في قوة الدفاع الوطني لدولة جنوب أفريقيا حوالي 25% وتعد أعلي دولة في تمثيل المرأة في قواتها المسلحة.
  • الترقية والرتب الأعلي: بالإضافة إلى ضعف تمثيل المرأة عموما في الجيوش الأفريقية وحصر مهامها في التمريض والأعمال اللوجستية،نجد أن المرأة في الجيوش الأفريقية تعاني من التمييز في الترقي وتولي المناصب القيادية داخل الجيوش الأفريقية، فإلي الآن لم تتولي أي إمرأة أفريقية قيادة أسلحة رئيسية أو رئاسة أركان أي جيش أفريقي، وقد يتعلل البعض بأن بعض الدول مثل إثيوبيا وأفريقيا الوسطي وجنوب أفريقيا وصلت فيها المرأة إلي منصب وزير الدفاع، إلا أن هذا لا يعد سببا كافيا نظرا لكون منصب وزير الدفاع في معظم الدول الأفريقية منصب سياسي وليس وظيفي وتقتصر مهامه على إيجاد حلقة وصل بين قوات الجيش والحكومة والبرلمان.
  • النظرة المجتمعية: مازالت العديد من المجتمعات الأفريقية لا تنظر بعين الارتياح إلي مسألة تجنيد النساء وإشراكهن في العمليات القتالية، وتعتبر أن مشاركتهن في القتال بمثابة تحدي للطبيعة الجسمانية للنساء والتي قد لا تتحمل مشقة التدريبات والعمليات القتالية، وفي زاوية أخري تعاني المرأة داخل الجيوش الأفريقية ليس فقط من التهميش بل أيضا من بعض الاعتداءات الجنسية والتحرش من أقرانهن الذكور، الأمر الذي يجعل مشاركتهن في الجيوش أمر غير محبب لدى الكثيرات.

دور المرأة في حفظ السلام

 خلال العقدين الأخيرين باتت الأمم المتحدة تعتمد على العنصر النسائي بشكل كبير في تشكيل بعثات الأمم المتحدة للمناطق المضطربة للعديد من الأسباب أهمها قدرة المرأة على التواصل مع عناصر المجتمعات الأكثر تعرضا للظلم والتهميش والاعتداء الجنسي مثل الأطفال والنساء، فأغلب السيدات اللاتي تعرضن لاعتداءات جنسية ستنتابهن حالة من الخوف إزاء تقدم رجل بتفقد أحوالهن وتقديم المساعدة، لذا يُعتمد على العنصر النسائي في بعثات السلام لتغطية هذا الأمر.

ولتكريس العنصر النسوى في بعثات السلام أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1325 الصادر في 21 أكتوبر 2000 الذي يقوم علي إشراك النساء وتعزيز حقوقها في المشاركة في مؤسسات وبعثات عمليات السلام وذلك لمنع العنف ضد المرأة وضمان حمايتها، وفي عام 2009 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1888 المطالب بضرورة حماية بعثات حفظ السلام للأطفال والنساء من العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة، وفي عام 2013 أصدر المجلس القرار رقم 2122 لوضع تدابير تسمح بمشاركة المرأة في جميع مراحل منع النزاعات وحلها.

إلا أن مشاركة المرأة في بعثات السلام جاءت بصورة كبيرة في العناصر المدنية، حيث تشكل نسبة 22% من وظائف بعثات حفظ السلام المدنية، أما الجانب العسكري في بعثات حفظ السلام فتشكل نسبة النساء أقل من 4% من الأفراد العسكريين، وتعد بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية هي أكبر بعثة للأمم المتحدة تضم نساء في صفوفها بنسبة 19% من إجمالي البعثة البالغ تعدادها 200 فرد.