كتبت – أماني ربيع

في أعقاب الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2007، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 57٪ عام 2008 و 64 % عام 2012، ما أدى إلى حالة طوارئ غذائية عالمية، في ذلك الوقت كان نحو 75 مليون شخص من سكان العالم يأوون إلى الفراش جوعى، وساهمت أزمة الغذاء تلك في اشتعال احتجاجات كبيرة، وأدت إلى حالة من عدم الاستقرار حول العالم في عدة دول منها المكسيك وبنجلاديش وبوركينا فاسو، ويعتقد البعض أن هذا الغلاء كان وراء انطلاق ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط.

عادت المخاوف في مارس 2020، مع حلة الهوس الشرائي التي انتابت الناس وأفرعت رفوف محلات السوبر ماركت حول العالم، مع تفشي فيروس كورونا المستجد، وألقت الأزمة بظلالها على المجتمع الزراعي، حيث واجهت العديد من البلدان نقصًا في العمال، مثلا في إيطاليا لم يتمكن المزارعون من توظيف 350.000 عامل مؤقت يقومون بالمساعدة كل عام في موسم الزراعة بالربيع، كما وضعت بعض الدول قيودا على تصدير السلع الغذائية الإستراتيجية، مثل القمح في روسيا والأرز في فيتنام.

لكن ورغم ذلك ما زال تدفع الإمدادات الغذائية وتوصيل الأغذية إلى المواطنين في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا، يسير بشكل جيد، كما أن الإنتاج العالمي أعلى بكثير مما كان عليه في عام 2008، لكن ليس الأمر بنفس الصورة الإيجابية في أفريقيا، حيث لا تزال النظم الغذائية وآليات إنتاجها ضعيفة، وتفتقر العديد من الدول الأفريقية إلى آليات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وقوة القطاع الخاص لتخفيف أثر أزمة الغذاء، هذا الضعف أبرزه بصورة أكبر، فيروس كورونا وظروف الإغلاق التي فرضها على الدول الأفريقية.

وتضررت العديد من الأسر الأفريقية من الإجراءات الاحترازية لاحتواء فيروس كورونا، وحالة الانكماش العالمي، فتلك الأسر ليس لديها الأموال الكافية لشراء الغذاء، خاصة وأغلبها تحصل على مرتبات من عبر العمل المؤقت والموسمي، وفي الأسواق غير الرسمية التي تم حظرها خلال الجائحة.

أفريقيا والوضع الصعب

وفي تحليل أجراه المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI)، ذكر أنه خلال فترة الإغلاق في رواندا والتي استمرت ستة أسابيع في الفترة بين 21 مارس و 4 مايو، انخفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 39٪ وزاد الفقر بنسبة 20 %.

كما أدى تعطيل سلاسل التوريد العالمية إلى الحد من قدرة إفريقيا على استيراد الغذاء، حيث تستورد القارة صافي 51 مليار دولار سنويًا، ويتم نقل نسبة كبيرة من هذه الكمية كبضائع على طائرات الركاب، ومع انخفاض معدل السفر الجوي بعد فرض القيود على السفر، انخفضت سعة الشحن بشكل كبير وارتفعت أسعار الشحن الجوي بنسبة 80 % بين فبراير وأبريل.

وانخفضت سعة النقل بالشاحنات في غرب أفريقيا بنسبة 30 ٪ في أبريل حيث أغلقت الحدود وفرضت قيود على السائقين.

وتعطل الإنتاج الزراعي المحلي، في العديد من الدول الأفريقية، في إثيوبيا مثلا، توقعت الحكومة انخفاض إنتاج الغذاء في موسم الحصاد القادم ​​بنسبة 8٪.

ووجد المواطنون في نيجيريا أنفسهم في وضع صعب مع قيود الإغلاق، التي ادت لإرتفاع لأسعار بشكل مبالغ بنسبة وصلت أحيانا غلى 50%، وكان القطاع غير الرسمي في نيجيريا كان الأكثر تضررًا أثناء الإغلاق.

وعلق بولو فاشينا الطالب الجامعي في لاجوس على الوضع قائلا: ” لم يتم التخطيط للإغلاق بشكل جيد من قبل الحكومة، الأسعار ترتفع ولا تنخفض مجددا، وبسبب الإغلاق، لم أستطع الذهاب إلى الأسواق الكبيرة، لمعرفة ما إذا كن بإمكاني شراء الطعام بسعر أرخص.”

وتحدث الكثيرون عن اقتراب نيجيريا من أزمة انعدام أمن غذائي وكساد في الاقتصاد، خاصة بعد أن أغلقت الحكومة حدودها ، ولا سيما تلك مع جمهورية بنين المجاورة في محاولة لوقف تهريب الأرز.

حتى بائعي المواد الغذائية، يحصلون على البضائع بأسعار أغلى مما كانت عليه قبل الإغلاق، ويعلق أديبسي أديلي صاحب محل للمنتجات الغذائية قائلا: “كل شيء باهظ الثمن الآن، كما هناك ندرة في المنتجات، يقول الموردون أن هناك مشكلة في إدخال الطعام إلى لاجوس”.

وهذا أمر متوقع مع توقف النقل التجاري وتوقف حواجز الطرق في شوارع ولايتي لاجوس وأوجون ، ثبتت صعوبة حركة المنتجات الغذائية والزراعية.

يقول الخبير الاقتصادي أولواتوسين أجاني، إنه نظريا كان هناك حديث عن إعفاء الإمدادات الغذائية من معظم القيود المفروضة بسبب الفيروس التاجي، لكن عمليا، لم يتمكن صغار المزارعين من الوصول إلى الإمدادات وحتى إلى أسواقهم ، ما أدى إلى خسائر تجارية فادحة.

وأصدرت شركة الخدمات اللوجستية Kobo360 ، بيانا حول ارتباك توجيهات الحكومة حول لوائح حركة الشاحنات، وعزوف السائقين عن العمل خوفا من أن يتم القبض على الشاحنات والبضائع في حالة القبض عليها، ودعت الشركة الحكومة لتوضيح شروطها حتى يتمكن سائقي الشحنات من التحرك دون مضايقة من الأجهزة الأمنية ، لضمان استمرار التدفق في سلسلة الإمداد الغذائي.

ومع انهيار أسعار النفط، لم تعد نيجيريا قادرة على تمويل ميزانيتها، في ظل انخفاض الأنشطة الاقتصادية ولم تعد الدولة قادرة على جنع الأموال، وفي محاولة للمساعدة في التخفيف من المشاكل في البلاد، أعلن البنك المركزي النيجيري (CBN) عن صندوق يقول خبراء السياسة إنه صغير جدًا بحيث لا يجدي، كما أعلنت الحكومة عن تجميد سداد القروض للمزارعين والشركات الصغيرة.

يعتقد البعض أن تخفيف الإغلاق القادم سيعيد الأمور إلى سابق عهدها خاصة في المدن الكبرى، لكن هناك مخاوف من عودة الإغلاق مجددا.

الرقمنة والاستثمار في تحسين الزراعة

ويعتبر الاقتصاد الغذائي هو أكبر قطاع اقتصادي في غرب أفريقيا، تبلغ قيمته ما يقرب من 260 مليار دولار، وهو مزود رئيسي للوظائف، ففي المناطق الحضرية، يعمل واحد من كل ثلاثة أشخاص في وظائف الاقتصاد الغذائي، سواء التسويق والبيع في المتاجر الصغيرة وأسواق الشوارع والباعة المتجولين.

وتعتمد الأسر الحضرية الفقيرة على شراء كميات صغيرة من الطعام بشكل يومي، من بائعي الأطعمة في الشوراع، بسبب ارتفاع تكاليف الطعام بكميات أكبر ونقص المرافق اللازمة لإعداد وتخزين الطعام في المنزل.

ربما لن تتضرر الزراعة بشكل كبير بالنسبة للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة فهم يعتمدون بشكل كبير على عمال من داخل الأسرة، لكن بالنسبة للممتلكات المتوسطة والكبيرة، فكان من ضمن تداعيات الفيروس التاجي نقص اليد العاملة.

ومن ضمن التأثيرات السلبية أيضا لفيروس كورونا المستجد، تقليل طلب المستهلكين، بسبب فقدان الدخل، وزيادة نفايات الطعام بسبب القدرات المحدودة لتخزين المواد الغذائية، وكان للقيود على حرطة النقل التي فرضتها الحكومات لوقف انتشار الوباء آثار مباشرة على آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في سلاسل الإمدادات الغذائية.

هذه المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة هي في الغالب غير رسمية، حيث يمثل القطاع غير الرسمي 80٪ -90٪ من الاقتصاد في غرب أفريقيا، ويفتقر العاملون به إلى التسجيل الرسمي وشبكات الأمان مثل التأمين ضد البطالة.

وأطلقت حكومات غرب إفريقيا برامج لدعم الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم، ومع ذلك، فإن التغطية الحالية للحماية الاجتماعية في غرب أفريقيا منخفضة للغاية (4٪ في بوركينا فاسو ، 14٪ في ليبيريا ، 6٪ في نيجيريا). نظرًا لأن أنظمة الحماية الاجتماعية لم تكن موجودة قبل الأزمة، فإن الاستجابات المستمرة ليست منظمة بشكل جيد ولا يتم الوصول إلى الأشخاص الأكثر ضعفاً، كما أن هناك فجوة في البيانات، تمنع حماية هؤلاء بشكل أكثر كفاءة وفاعلية.

وهنا تبدو الحاجة ملحة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أنظمة الغذاء للمساعدة في تخفيف المخاطر الناتجة عن الأزمات مثل الأزمة الحالية، ويمكن أن تساعد خدمات المعلومات في تقليل الآثار السلبية للأزمة، على سبيل المثال ، بإخبار المزارعين بكيفية حماية تلف المحاصيل، على المدى القصير، يقلص هذا من خسائر الغذاء لدى المنتجين الذين يفتقرون إلى مرافق تخزين الطعام.

إن ربط مختلف الجهات الفاعلة في المنطومة الزراعية من خلال الأسواق الرقمية سيضمن إدارة الإمدادات لدى المزارعين العائليين ، وإدارة المخزونات وتسويق المنتجات الزراعية ونقلها.

وليس هناك حل أمام الدول الأفريقية سوى الاستثمار في تحسين الزراعة، وتبرز الحاجة الآن بشكل ملح لإحداث تنمية زراعية في البلدان النامية، عبر تغيير طريقة عمل المجتمع الدولي في إطار المساعدات التي يمنحها، فبدلا من الدعم المباشر قصير المدى للمزارعين، ينبغي توجيه الدعم لتطوير الأسواق المحلية والنظم الحكومية.

ويجب أن يكون هناك دعم من الدول المانحة لأجندة التحول الزراعي للحكومات الأفريقية، عبر المساعدات المالية والتقنية، وتيسير الاستثمار لخلق فرص عمل في المجال الزراعي.

وبإمكان الدول الأفريقية تحقيق طفرة حقيقية في المجال الزراعي والمنافسة عالميا، وخلق فرص عمل في الوظائف الزراعية، لكن هذا الأمر يحتاج إلى الاستمثار في البنية التحتية بالمناطق الريفية، وتسهيل الحصول على الأراضي والتمويل وتنمية المهارات، مع تحفيز الابتكار المحلي، ومشروعات ريادة الأعمال.

ربما كان هذا هو المخرج لأزمة الدول الأفريقية المتضررة من القيود التي فرضها فيروس كورونا، ومن أزمات أخرى قادمة، حتى لا تتحول أفريقيا غلى بؤرة أزمة غذائية.