كتب – حسام عيد

السياسات الاقتصادية القديمة القائمة على استخراج الموارد والعمالة الرخيصة لم تعد تعمل، وللمضي قدمًا، نحو أفريقيا المستقبل، يجب أن تتبنى القارة السمراء تفكيرًا جديدًا.

النفط.. رهان على الماضي

في أوائل ديسمبر 2019، وصلت أكبر مصفاة لتكرير النفط في العالم إلى وجهتها نيجيريا، بعدما قطعت رحلة طولها 11 ألف ميل بعد مغادرتها الصين، حيث تمتلكها مجموعة “دانجوتي” النيجيرية الصناعية العملاقة.

ويبلغ طول المصفاة، وهى على شكل عمود 112.5 مترًا، بما يساوي طول ملعب كرة قدم، وتزن 250.2 طن متري بما يعادل وزن 320 فيلًا ضخمًا.

ووصلت المصفاة، التي سوف تقوم بتسخين النفط الخام بدرجات حرارة متفاوتة لانتاج أنواع مختلفة من الوقود، إلى ميناء لاجوس، وتم نصبها. وبحسب وكالة “بلومبيرج” تعد المصفاة الوحدة الأكثر أهمية في معمل “دانجوتي” لتكرير النفط في نيجيريا، وعندما يتم تشغيلها، ستكون أكبر منشأة لمعالجة النفط في أفريقيا والعالم.

الأمر المثير للدهشة هنا بشأن المصفاة الجديدة، التي يجب أن تصبح عاملة في عام 2020 الجاري، إنها كانت رهانًا جريئًا قيمته 15 مليار دولار على اتجاه الاقتصاد النيجيري ومكانته في العالم، من قبل الملياردير أليكو دانجوتي مالك مجموعة “دانجوتي”.

لكن على ما يبدو، إنه مع بزوغ فجر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أصبحت تلك النظرة المستقبلية لكل من نيجيريا وأفريقيا؛ رهانًا على الماضي، فالاعتماد على النفط  -الذي لا يزال يمثل حوالي 85% من عائدات التصدير في نيجيريا- إلى ندرة الأفكار وسياسات التنويع الاقتصادي التي باتت هدفًا استراتيجيًا في القوى الصناعية والاقتصادية الكبرى، وبما إن العالم اليوم بات على يقين بأن أفريقيا هي قارة المستقبل، فلا بديل لبلدان المنطقة الأكثر ديناميكية والأسرع نموًا عن مواكبة الآليات والمتغيرات والتوجهات الاقتصادية الحديثة من أجل ريادة المستقبل.

مرحلة التفكير الكبير

هناك سباق للأفكار الكبيرة التي تحدث في كل مكان. يجب على الحكومات الآن اتخاذ خيارات استراتيجية حول المكان الذي ستستثمر فيه، وكذلك على الشركات الخاصة القيام بنفس الخيارات بنفس الحجم.

والأمل هو أن ينضم القطاع الخاص، مع المصلحة الذاتية الواضحة إلى المجتمع المدني لدفع الحكومات إلى بدء التفكير والتخطيط وإجراءات السياسة على المدى الطويل.

هذه ليست حجة مفادها أن خيارات الطاقة في أفريقيا يجب أن تقتصر على مصادر الطاقة المتجددة، كما يجب على القارة السمراء ألا تتحمل عبء تخفيف أزمة بيئية لم تخلقها.

هذا عن التخطيط للسنوات الخمس والعشرين القادمة أو أكثر، فالأسئلة الكبيرة تمر دون إجابة وبدون إجابة، وهي حالة مكلفة للغاية بالنسبة لقارة أفريقيا.

ومع مقارنة ذلك بحالة الحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، حتى مع فوز الولايات المتحدة بالمرحلة الأولى منها، نرى أن الصين تهدف إلى رفع مستوى الاكتفاء الذاتي في تصنيع المكونات الرئيسية مثل الرقائق إلى 75% بحلول عام 2025، وبالتالي الارتقاء بصناعات التكنولوجيا الفائقة وخفض الواردات.

وداخل قارة أفريقيا ذاتها، هناك مثال حيوي يجب أن يحتذى به. المغرب، المصنف الثاني والعشرون بين الدول الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي في العالم، إلا أنه وفق ضخ أفكار وسياسات اقتصادية جديدة، أصبح اليوم يخطط لإنفاق 12 مليار دولار على مدى السنوات السبع المقبلة لتحسين إمدادات المياه وبالتالي تعزيز قطاعه الزراعي.

البداية بالزراعة

تحتاج أفريقيا إلى حلول محلية لتهديداتها الفريدة طويلة المدى، مثل؛ تكوين شراكات مفيدة، كما فعلت مصر وغيرها في مجال أبحاث الفضاء، وكذلك مجال اللوجستيات.

بالإضافة إلى أن حاجة اقتصادات القارة اليوم إلى البدء بسياسة صناعية ذكية بشأن سلسلة القيمة الزراعية، تحمل الطريق الأمثل للتصنيع، وكذلك آفاقًا واعدة. في هذا التوجه الاقتصادي الجديد، من الضروري محاكاة التجربة المصرية وتعميمها في مختلف البلدان الأفريقية، فالنهج الجديد الذي اتبعته الحكومة من خطط لاستصلاحات واسعة وبناء صوب زراعية؛ المشروع الذي يهدف لإنشاء مجتمعات زراعية تنموية متكاملة، قاد مصر اليوم إلى الريادة العالمية في إنتاج الفواكه والموالح وكذلك صادراتها، وأيضًا جعل مصر رافدًا حيويًا لأمن شعوب العالم الغذائي وسط جائحة كورونا الوبائية التي أحدثت صدعًا كبيرًا بمختلف اقتصادات العالم.

وتعتبر أفريقيا؛ القارة الأكثر تعرضًا لمخاطر التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ.

القارة السمراء هي موطن لـ17 دولة من بين 20 دولة الأكثر اعتمادًا على الزراعة على مستوى العالم، واليوم باتت تعتمد على الزراعة كما كانت في عام 1981.

لذلك، لا بديل عن أفكار كبيرة وخطط طموحة، فأفريقيا تحتاج إلى سياسة صناعية تستهدف البحث الزراعي، وبالتالي السعي للنفاذ إلى الأسواق العالمية، وجذب القوى الكبرى لعقد شراكات معها، وأيضًا التعاون مع الجامعات الزراعية الأمريكية.

يجب أن توفر السياسات الأفريقية الصناعية المنح الدراسية للزراعة المستهدفة وتسعى إليها، وشراء منصات ابتكار مناسبة في سلاسل القيمة الزراعية وإتاحتها للشركات المحلية، إضافة إلى ضخ حوافز، مع معايير تأهيل واضحة لرواد الأعمال المحليين.

وختامًا، بقيادة الحكومات وعبر مع القطاع الخاص، ستنتقل قارة أفريقيا من نموذج العمالة منخفضة المهارات واستخراج المواد الخام التي يعتقد العالم أنها تخصص أفريقيا الرئيسي.

اليوم، الجهات الخارجية وكبار اللاعبين الدوليين وحدهم لن يقودوا أفريقيا إلى المستقبل الذي تستحقه، بل الأفارقة هم من سيصنعون ريادة قارتهم للمستقبل، وسيسطرونها بحروف من نور في تاريخ العالم المعاصر.