حسام عيد – محلل اقتصادي

تشتهر كلًا من روسيا وإيران في إنتاج بيض السمك أو ما يعرف بـ”الكافيار”، ولكن إنتاجه بدأ أيضًا في بحيرة “مانتاسوا” في مرتفعات مدغشقر، حيث تتم تربية الأسماك وتغذيتها في هذه البحيرة التي وضعت فيها ما تشبه الأقفاص لتسهيل عملية جني المحصول من بيض السمك.

وعبر حوض مائي يعتبر أول مزرعة لإنتاج الكافيار في أفريقيا، وهو المشروع الذي بدأه زوجين فرنسيين، يعيشان في مدغشقر ويأملان في أن تحسن هذه التجارة من اقتصاد البلاد، أصبح اليوم الكافيار الأفريقي طبقًا رئيسيًا لرواد المطاعم الأثرياء في باريس والعواصم العالمية الأخرى تحت علامة Rova “روفا” التجارية، فجودته عالية للغاية، والكيلو منه يباع بآلاف الدولارات.

أول مزرعة للكافيار بأفريقيا

البداية تأتي من رواد أعمال فرنسيين، والذين وجدوا فرصة استثمارية فريدة غير مستغلة على ارتفاع 1400 متر فوق سطح البحر، وتحديدًا ببحيرة “مانتاسوا” البكر الاصطناعية والتي تغذيها مياه الأمطار بشكل أساسي.

فسرعان ما دشنت مؤسسة “روفا كافيار مدغشقر” مزرعة لاستخلاص وإنتاج بيض السمك من بطارخ بعض الأنواع من الأسماك مثل سمك الحفش، وهو المصدر والمورد الغني الذي تتسم به بحيرة مانتاسوا.

لذلك تعد تلك المزرعة هي أول منشأة لسمك الحفش منتجة للكافيار في القارة السمراء.

كما تتسم المزرعة بأن حجم البيض بها أكبر قليلًا من مثيلاتها بدول العالم، حيث تتجاوز 2.5 مليمترًا، وهو الحجم المثالي للكافيار، فيما يبدي ملمسها بعض المقاومة وذلك يعني أنه يمكن تحويلها إلى كافيار.

كانت مغامرة غير مضمونة النتائج بالنسبة للقائمين على هذه المزرعة، هذا ما قالته “ديلفين دابيزيس” المديرة التنفيذية وواحدة من ثلاث فرنسيين مؤسسين لشركة “روفا كافيار مدغشقر”، وتعيش في جزيرة مدغشقر منذ 1990.

وأضافت، “كان اليوم الذي أنتجنا فيه أول كافيار في مدغشقر مطمئنًا جدًا لإننا في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ولا يوجد الكثير من المزارع، كما أنه لم يخض أحدًا بعد تجربة تربية هذا النوع من السمك الذي نحصل منه على الكافيار في مدغشقر، ولم نكن متيقنين أن نوعيته ستكون جيدة، ولكن عندما رأينا أنه ممتاز وأن هذا الحوض في مدغشقر استطاع إنتاج هذا النوع المميز من الكافيار شعرنا بارتياح كبير”.

وبدأت الشركة أول دفعة من إنتاجها من الكافيار عام 2017 وهي تُشغل بين 250 و300 شخص من السكان المحللين وذلك حسب الحاجة، حيث يقوم العاملون بمعمل الشركة بعملية تقطيع الكافيار ثم تمليحه “لمدة دقيقة واحدة” وهي العملية الأكثر أهمية لتحضير الكافيار.

بدورها، قالت “آينا راكوتواريمالالا”، المسؤولة المساعدة في الموقع، “عندما أنهيت دراستي لم أكن أفكر أنني سأعمل في مجال إنتاج الكافيار، كنت أفكر أنني ربما أعمل في مجال إنتاج غيره من المنتجات الأخرى التي تشتهر بها مدغشقر.. أما اليوم فأنا أعمل على إنتاج شيء خاص ونادر في مدغشقر بل في أفريقيا كلها، ولذلك أنا فخورة”.

ويأمل القائمين على إنتاج الكافيار في مدغشقر أن يلاقي منتجهم إقبالًا واسعًا بالسوق الفرنسية، ومن ثم التقديم كطبق للعشاء على موائد المطاعم الرائدة والفاخرة.

غزو السوق العالمية

وتباع 100 جرام من الكافيار في مدغشقر بـ100 يورو، أي أقل بثلاث مرات من الكافيار الفرنسي، فضلًا عن جودة النوعية أيضًا، الأمر الذي يجعله منافسًا قويًا في السوق العالمية. وتحمل الروابط التجارية القائمة بين مدغشقر وفرنسا، الكافيار الأفريقي، إلى السوق الفرنسي.

من جانبه، قال “جورج أنرينتجافو”، العامل بشركة “روفا كافيار مدغشقر”، “لون الكافيار رمادي جميل، وحين ألمسه وكأنه زبدة طازجة، وأخيرًا حين أتذوقه أرى أنه يذوب في الفم، بالنسبة إلي أنه كافيار جيد النوعية”.

كافيار بهذه الجودة إنما يعود إلى ظروف تربية الأسماك الحفشية في مدغشقر، فما يقارب من 300 طن من هذا النوع يتم تربيتها بالمرزعة.

وقالت “ديلفين دابيزيس” مديرة شركة “روفا كافيار مدغشقر”، “لدينا بحيرة مياه نقية جدًا يتم تزويدها بمياه الأمطار فقط ولا توجد أي صناعات أو نشاط مهني حولها”.

وأضافت، “نحن ننتج أيضًا أعلاف الأسماك من منتجات محلية من مدغشقر وطبيعية للغاية لذا فالأسماك في صحة جيدة جدًا”.

وبنهاية عام 2019، تم بيع 5 أطنان من الكافيار في منطقة المحيط الهندي وأفريقيا وأوروبا، أما في عام 2018 فقد نفذت الكمية الأولى من الكافيار المنتج في مدغشقر خلال بضعة أسابيع فقط.

ومع مطلع النصف الثاني من عام 2020 الجاري، وبعد تخفيف قيود التباعد الاجتماعي لاحتواء فيروس كورونا، تستعد “روفا كافيار” مرة أخرى لاستخراج الدفعة التالية من البطارخ من بطن سمك الحفش الأصيل، التي سيتم شطفها ومعالجتها وتملحها وتعليبها.

ويبلغ سعر علبة 250 جرام من مجموعة “سوبرا” روفا كافيار 700 يورو (757 دولارًا). وتنتج كل سمكة ما يصل إلى 12 كجم من البطارخ، مما يجعل إنتاجها يساوي ما يعادل سيارة “أودي” الألمانية من طراز A6 تقريبًا.

فيما أعلنت ديلفين دابيزيس، أن شركتها تتجه إلى دخول السوق الروسية بعد إطلاقها في نيويورك وهونج كونج في وقت سابق من هذا العام. كما يبيع تجار التجزئة كافيار مدغشقر في نيجيريا ودول أفريقية أخرى، ويتم تزويد الفنادق والمطاعم الفاخرة في جزر المحيط الهندي بـ “لآلئ مدغشقر السوداء”.

نموذج أعمال يتطلب الصبر

تأسيس مزرعة لإنتاج الكافيار يعتبر نموذج أعمال يتطلب استثمارات مبكرة كبيرة، والكثير من الصبر.

وقد تأسست روفا كافيار Rova Caviar في عام 2009، لكنها بدأت التداول ومزاولة نشاطها التجاري فقط في عام 2017، وينتظر موظفوها ثماني سنوات للجيل الأول من سمك الحفش المستورد الفرنسي للنمو إلى النضج الجنسي وإنتاج الكافيار الشهي الذي أحبه أرسطو والملوك الأوروبيون وعدد متزايد من الأفارقة محبي المأكولات الراقية.

وتحتوي مزرعة الكافيار على الآلاف من سمك الحفش المنتج للكافيار، بما في ذلك 1500 من فصيلة “بيلوغا” الثمينة، المشهورة ببطارخ تعطي طعمًا غنيًا وعميقًا بالزبدة.

وبمجرد نضجهم في عام 2026، يجب أن يحمل كل منهم حمولة بقيمة 86600 دولار.

المنافسة الصينية

من المتوقع أن يصل سوق الكافيار العالمي إلى 1.55 مليار دولار بحلول عام 2021، وفقًا لشركة أبحاث السوق “تيكنافيو” Technavio التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها؛ والتي قدرت حجم الزيادة المتوقعة بنسبة 75% مقارنة بعام 2016.

ويستقطب إنتاج الكافيار، النخبة ذوي الملاءة المالية العالية في الصين، والتي تعد مستهلكًا هامًا للعرض العالمي، فهي البلد الذي يواجه منه المنتجون مثل “روفا” أكبر منافسة لهم.

وقد تسارعت وتيرة الإنتاج الصيني من مزارع الكافيار في أعقاب حظر أمريكي على الواردات من بحر قزوين في عام 2005 بعد تحذيرات من الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة بأن سمك الحفش البري كان “في خطر أكثر من أي مجموعة أخرى من الأنواع”.

وأغرق الكافيار الصيني الأسواق الأمريكية والأوروبية، مما تسبب في انخفاض الأسعار. ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، انخفض سعر الاستيراد إلى الولايات المتحدة من 850 ألف دولار للطن في يناير 2012 إلى 350 ألف دولار للطن في نوفمبر 2018، على الرغم من الطلب المتزايد. وكجزء من الحرب التجارية المستمرة بين الصين والولايات المتحدة، فرضت واشنطن تعريفة أولية بنسبة 10% على الكافيار الصيني والتي يمكن أن ترتفع إلى 25% محتملة.

وختامًا، هناك رسالة تحملها وتعمل من خلالها “روفا كافيار مدغشقر” لإضفاء الثقة في منتجاتها ومن ثم النفاذ إلى الأسواق العالمية، وهي: ” لا نريد أن نكون أكبر منتج للكافيار العالمي.. طموحنا هو إنتاج كافيار معترف به على أنه الأفضل في العالم، مع احترام الطبيعة والكائنات الحية في نفس الوقت، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتحقيق هذا الهدف”.