كتبت – أماني ربيع

أثار عرض تماثيل أفريقية من نيجيريا للبيع في مزاد قادم في باريس غضب عدد من المثقفين النيجريين، الذين اعتبروا التماثيل المقدسة مسروقة، خاصة وقد خرجت من البلاد خلال فترة الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد في نهاية الستينيات.

وقال شيكا أوكيكي أجولو، أستاذ تاريخ الفن في جامعة برينستون ، إن بيع التماثيل التي تنتمي إلى قبيلة “الإيبو” في نيحيريا، وهي تماثيل مقدسة لدى القبيلة في مزاد “الفن الأفريقي” لدى دار كريستيز، نهاية هذا الشهر، سوف تؤدي إلى إدامة العنف والصراعات.

وفي أكثر من مرة تم نهب منحوتات مماثلة من مزارات “الإيبو” في جنوب شرق نيجيريا، خلال محاولات استقلال بيافرا في الفترة من  عام 1967، وحتى عام 1970، حيث خاضت البلاد حرب أهلية شعواء راح ضحيتها ما يقرب من 3 ملايين شخص، بالإضافة غلى اللذين نزحوا، وأولئك الذين عانوا من الجوع والفقر.

وفي مقابلة مع صحيفة “الجارديان” البريطانية، قالوا أجولو، إنه تم سرقة التمثالين بصورة غير مشروعة على يد جاع تحف فرنسي يدعى جاك كريشاش، وفي وصف دار “كريستيز” للقطعتين قالت إنه تم العثور عليها بين عامي 1968- 1969، دون إشارة إلى أنه تم سلبهما دون معرفة أحد.

هجرة أثرية عابرة للحدود

ويبلغ سعر بيع المنحوتات التقديري ما بين 250 ألف يورو، إلى 350 ألف يورو،  وهما امتداد لعدد لا يحصى من الأعمال الفنية الأثرية التي تم نهبها خلال الحرب من الأضرحة المزينة بجداريات الرسوم الرمزية ومنحوتات آلهة الإيبو.

وقام متأمرون محليون بسرقة هذه الكنوز الخاصة بالشعب النيجيري من ولاية أنامبرا على خط المواجهة خلال الحرب، بالتعاون مع الثرياء الأوروبيون الذين قدموا إلى البلاد تحت ستار الإحسان، بينما قاموا بعمل هجرة لهذه الكنوز الثقافية عبر الحدود إلى الكاميرون.

وعن ذلك قال أجولو: “أتذكر الألم العميق الذي خلفته تكلفة الحرب  على نيجيريا، ومازلت أتذكر والدتي وهي تبحث في الكاتالوجات خلال السبعينيات عن تماثيل “الألوسيس”، وغيرها من الكنوز الثقافية الخاصة بنا، بينما كان معظمها أصبح خارج نيجيريا.”

وأضاف: “كمؤرخ للفنون، أعاني من ألم مستمر خلال تدريسي للفن الأفريقي، لقد درست الفن الأفريقي في جامعة نيجيريا في نسوكا، بينما لم يكن لديّ الفرصة أنا أو زملائي من الوصول إلى المعالم الفنية الخاصة بالإيبو أو اليوروبا.

وفقا لكريستيز، تم الحصول على المنحوتات من قبل جامع التحف الفرنسي، جاك كيرشاش، من خلال تاجر بلجيكي يدعى فيليب جيموت، وتجار فن محليين، وأصدرت دار المزادات الشهيرة بيانا أوضحت فيه أنه لا يوجد دليل على أن هذه التماثيل، قد أزيلت من موقعها الأصلي من قبل شخص ليس من أهل المنطقة”.

وأصدرت نيجيريا عام 1953، قانونا خاصا بالآثار، جرم تجارة القطع الأثرية المسروقة، وجعلها غير قانونية، وحظرت اتفاقية اليونسكو لعام 1970 التي وقعتها نيجيريا التجارة الدولية في القطع الأثرية المسروقة.

وتعتبر تماثيل “الألوسيس” بين مجموعة كبيرة جمعت من قبل كيرشاش وتم بيعها إلى جامع تحف آخر، بعد وفاته عام 2001، وكان كيرشاش شخصية فنية بارز في فرنسا، وساعد في تاسيس متحف  Quai Branly-Jacques في باريس، وكان صديقا شخصيا للرئيس الفرنسي جاك شيراك.

وأكد أوكيكي، أن كيرشاش، كان لاعبا رئيسيا في السوق العالمية للأعمال الفنية والثقافية التي تمت سرقتها من قبل أشخاص استغلوا الحرب، لقد استغل هؤلاء حالة الفوضى في البلاد لينهبوها ثروتها الثقافية.

وبدء أجولو حملة عبر حسابه على إنستجرام، لتوعية الوسط الفني بأصول هذه التماثيل، وللتعبير عن رفضه لعملية البيع لشيء مسروق يخص في الأصل بلاده.

مقتل “فلويد” وتحريك الوعي

وعلقت آنا كرافين، خبيرة علم الإثنيات ومنسقة في دائرة الآثار الفيدرالية النيجيرية في جوس بوسط نيجيريا، قائلة: كان فقدان الأعمال الثقافية والفنية خلال الحرب أمرا فادحا، وكانت كرفين إنها كانت خاضرة عام 1970، خلال عملية إيقاف لتجار من الكاميرون، مع عشرات القطع الثرية الثقافية.

وقالت: “كانت هناك سوق دولية ضخمة للآثار، وخاصة الآثار النيجيرية، وللأسف لايزال الأمر مستمرا إلى اليوم.”

وفي أعقاب مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد شرطي متعصب في مينيابوليس، وتصاعد الاحتجاجات في أمريكا وأوروبا ضد العنصرية، وبزوغ حركة Black Lives Matter تمت إعادة النظر في الأصول الاستعمارية للقطع الأثرية الثقافية الموجودة في حوزة المؤسسات الفنية ولدى جامعي التحف في الغرب.

وتنامت الدعوات المطالبة بإعادة المصنوعات اليدوية التي تم إخراجها من أفريقيا خلال الحقبة الاستعمارية في السنوات الأخيرة ، مما أدى إلى ضغوط غير مسبوقة على صالات العرض والمؤسسات الغربية، ومع ذلك لم تشكل تلك لمطالبات أي تغيير يذكر في عملية إعادة هذه المقتنيات إلى موطنها بصورة عملية حتى الآن.

وبموجب اتفاق مع 10 متاحف أوروبية ، سيعود أكثر من 300 من عمل فني إلى نيجيريا في معرض جديد سيتم بناؤه بحلول عام 2023 ، ولمدة ثلاث سنوات، وقد سُرق معظم هذه الآثار خلال غارات عنيفة قام بها جنود بريطانيون عام 1897.

لكن ورغم ذلك لم يرض أوكيكي عن ظروف عودة هذه التماثيل المؤقتة والمشروطة، وعلق على ذلك قائلا: “يشبه الأمر شخصا قام بسرقة سيارتك، ثم وافق على إعادتها فقط، عندما يكون راضيا عن حالة مرآبك”.

ويأمل أستاذ الفن الأفريقي، أن تساعد خملته في زيادة الوعي وتحريك المياه الراكدة، مؤكدا أن بيوت المزاد لا تهتم إلا بعلامتهم التجارية، وغذا نجحنا في نزع ملكية هذه الأعمال الفنية وغثبات أنه تمت سرقتها، ستتوقف هذه البيوت عن بيعها وتضع ألف اعتبار قبل قيامها بذلك.