أماني ربيع

من منا لا يعرف أو يحب ويل سميث، إيدي ميرفي، إدريس ألبا، دينزل واشنطن، هالي بيري، لوبيتا نيونجو، وغيرهم من النجوم السمراء الذين أضاءوا السينما العالمية بموهبتهم العريضة وحضورهم الطاغي، وأيضًا نجاحهم في شباك التذاكر، فهم علامة مسجلة بملايين الدولارات.

ولو عدنا سنوات إلى الوراء، وتحديدًا إلى العصر الذهبي لهوليود، سنجد أن الواقع كان مغايرًا كثيرًا لما هو عليه الآن، ربما ما زالت العنصرية موجودة، لكن هناك أصوات سوداء كثيرة تتعالى وتعلو فوق الكراهية، لكن في الماضي حتى في الفن، كان على أي شخص أسود البشرة أن يناضل طويلًا ليحصل على مكانه بين النجوم.

ولولا وجود رواد الفن من النجوم السود الذين سوف نستعرضهم في التقرير التالي، لم يكن ليصبح لدينا هذا الجيل الرائع من النجوم، فهؤلاء الرواد مهدوا الطريق، وصنعوا قصة كفاح، ولهم مساهمات كبيرة في تاريخ السينما، والذي تحدث مثيرًا عن تجربتهم مؤرخ الفيلم الأفريقي الأمريكي الشهير، دونالد بوجل، صاحب كتب: Hollywood Black: The Stars ، The Films ، The Filmmakers ، Bright Boulevards ، Bold Dreams: The Story of Black Hollywood.

فتاة الجوقة وقبيلة قوس قزح.. جوزفين بيكر

“أبهرت فتاة جوقة اسمها جوزفين بيكر الجماهير، ثم هربت إلى باريس بحثًا عن التقدير، مثلت جوزفين بريق أوروبا القديمة، في مقابل سطحية أمريكا”.

تحولت جوزفين من فتاة كورس، إلى أسطورة لامعة، ووجدت في أوروبا وتحديدًا باريس مسرحًا لطاقتها الجبارة وأزيائها الرائعة، التي سحرت الجمهور، وبعدما أظهرت مهاراتها كراقصة ومغنية وكوميديانة، كان من الطبيعي أن يجتذب حضورها الكاريزمي شاشة السينما في أفلام مثل: “الأميرة تام تام”، و”زوزو”.

لم يكن الطريق مفروشًا بالورود أمام جوزفين التي عانت من العنصرية والتعصب في أمريكا، وهي فتاة واضحة لا تريد الانقياد ولا الخضوع، لذا سافرت إلى فرنسا، حيث وجدت الفرصة أكبر لتكون نفسها، ولم تلتفت للوراء، أو تسمح للماضي بتأخير خطاها، كانت مثالًا للمثابرة، لا شيء بإمكانه الوقوف في طريق أحلامها، وعملت خلال الحرب العالمية الثانية جاسوسة لصالح شارل ديجول، وقامت بشراء قلعة، وتبنت 12 طفلًا من ديانات وأعراق مختلفة، كانت تؤمن بأنه على جميع الناس أن يتواجدوا معًا في وئام دون تحيز أو عنصرية، وكانت قبيلة “قوس قزح” هي طريقتها في إثبات ذلك.

الأوسكار السوداء الأولى.. هاتي مكدانيل

كان أحد عوامل حضورها القوي هو صوتها القوي الراسخ، وشخصيتها الكاسحة على الشاشة، امرأة واثقة حازمة، وفي نفس الوقت مرنة.

اشتهرت هاتي مكدانيل بلعب دور مامي في الفيلم الشهيرGone With the Wind، وفي الواقع في أكثر من 70 من الأفلام التي شاركت بها، لعبت ماكدانيل دور خادمة أو امرأة مستعبدة، لكن منحها هذا السيناريو تحديدًا الفرصة لإبراز موهبتها حتى لو كانت أدت الدور ذاته مرات.

وعن هذا قالت: “لماذا أشتكي من أداء دور خادمة وأنا أربح بفضله 700 دولار في الأسبوع، بينما إذا لم أفعل، فلن أجني أكثر من 7 دولارات أسبوعيًّا”.

وبفضل هذا الدور، أصبحت عام 1940، أول أمريكية أفريقية تفوز بجائزة الأوسكار، لكن رغم ذلك وبسبب العنصرية في أمريكا، والتي كانت هوليود جزءًا منها، لم يُسمح لمكدانيل بحضور العرض الأول لـGone With the Wind، وحضرت عرضًا أوليًّا منفصلاً .

وفي حفل توزيع جوائز الأوسكار، الذي أقيم في فندق أمباسادور في لوس أنجس، لم يكن مقدرًا لها أن تحضر بسبب سياسة الفندق التي كانت تتبع قوانين صارمة لا تسمح بدخول السود، لكن وساطة المنتج ديفيد سيلزنك مكنتها من الحضور، لتجلس وسط نجوم فيلمها، وتقبل الجائزة بكلمات مؤثرة للغاية.

موهبة في خدمة القضية السوداء.. هاري بيلافونتي

ربما لم يحقق بيلافونتي، نفس نجاح بواتييه الباهر في السينما، لكن طموحه السياسي كان واعدًا، وكان أكبر الداعمين لمارتن لوثر كينج، وساهم في تقديم كينج، وحركة الحقوق المدنية للكثيرين في مجتمع الترفيه في هوليود.

بيلافونتي كان معجونًا بالموهبة، وسيم جذاب، مغنٍ مذهل، وممثل رائع، وناشط سياسي، حطم القالب، وكسر الفكرة السائدة وقتها بأن الرجال السود ليسوا وسيمين أو جذابين، وكان هذا في الخمسينيات أمرًا غريبًا.

بدايته كانت ناجحة على مسارح برودواي، في مسرحية “جون موراي أندرسون”، عام 1953، وحصل بفضل هذا الدور على جائزة “توني” المسرحية المرموقة، وكان أول أمريكي من أصول أفريقية يفوز بجائزة إيمي عن برنامجه الموسيقي التلفزيوني “الليلة مع هاري بيلافونتي” عام 1959.

في أواخر الخمسينيات، أسس شركته الخاصة لإنتاج الأفلام، Belafonte Enterprises، التي أنتجت فيلمينThe World ،The Flesh and the Devil and Odds Against Tomorrow، ثم أخذ استراحة من الأفلام لانشغاله بألبوماته الموسيقية وظهوره التلفزيوني الواسع، وأيضًا بنشاطه في مجال الحقوق المدنية.

وليس هذا غريًبا، على شاب ولد في حي هارلم بنيويورك، وهو حي السود الشهير، الذي كان شاهدًا على فترة مظلمة من تاريخ أمريكا في العنصرية والتعصب، لكن بدلًا من إفراغ طاقته في الغضب، حولته الموسيقى الشعبية في جامايكا بدل والدته إلى علامة مميزة في تاريخ الفن، واستطاع بألبومه الثالث “كاليبسو” أن يبيع أكثر من مليون نسخة، وفاز بجائزة جرامي لأفضل أغنية لعام 1985.

اعتبر بيلافونتي نجاحه فرصة ليكون منبرًا لصوت ذوي البشرة السوداء، وحشد قاعدة تأييد كبيرة لقضاياهم، وقام بجمع ملايين الدولارات لصالح المساعدات الطارئة في أفريقيا، وأصبح رئيسًا للمنتدى الدولي للفنانين والمثقفين من أجل الطفل الأفريقي في السنغال في عام 1987.

تاريخ السينما السوداء على كتفي سيدني بواتييه

“في الستينيات، حمل النجم الأسمر سيدني بواتييه تاريخ الفيلم الأسود على كتفيه، لقد أصبح بطل شباك التذاكر والفاعل الأسود المهيمن في هذه الحقبة المضطربة سياسيًّا، حيث تصاعدت حدة حركة الحقوق المدنية في أمريكا

“خمن من سيأتي على العشاء”، “زنابق الحقل”، “في دفء الليل”، و”إلى المعلم، مع الحب”، وغيرها من الأفلام الشهيرة التي تنوعت بين الدراما والرومانسية والأكشن، كان بواتييه هو العامل المشترك بين هذه الأفلام الشهيرة في سينما القرن العشرين، 40 فيلمًا هي خلاصة مسيرته المهنية، أغلبها حقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، ما كرّس نجوميته رغم بشرته السوداء، في وقت كان لا يزال أمام أبناء جلدته النضال طويلًا لنيل أبسط حقوقهم.

نجاح بواتييه وتكريسه كنجم جذاب، ساعد في فتح الأبواب أمام المزيد من النجوم في العقود اللاحقة، وتوجت نجوميته بفوزه بجائزة الأوسكار عام 1964، عن دوره في فيلم “زنابق الحقل”، “ilies of the Field”، ليصبح أول ممثل أسود يفوز بهذه الجائزة، ولم يكتف بدوره أمام الكاميرا، فقد كان نجمًا أيضًا وراء الكواليس ككاتب سيناريو ومخرج ومنتج.

الكبرياء الأسود يتحدى هوليود.. لينا هورن

وسط الدعوات لتغيير الصورة النمطية عن ذوي البشرة السوداء، وحصول الأمريكيين من أصل افريقي على فرص أفضل، وصلت لينا هورن في الوقت المناسب نجمة مثالية في صناعة السينما، وكصوت للأمة السوداء.

هبت هون على هوليود مثل عاصفة، وكمعظم السود هي فنانة من الرأس حتى أخمص القدمين، حضور طاغٍ، وصوت حنون جذاب، وفوق كل ذلك امرأة قوية تعتز بهويتها السوداء، نشأت في كنف جدة ناشطة ومناضلة من أجل حقوق ذوي البشرة السوداء في أمريكا.

لم تكتف بدورها كشخصية عامة فحسب، فتحولت بدورها إلى ناشطة، لها مجموعة كبيرة من الأعمال الموسيقية الناجحة مع استوديوهات مترو جولدن ماير، مثل “بنما هاتي”، و”كابينة في السماء”، و”طقس عاصف”.

كانت امرأة ذكية ومعقدة، بحسب وصف المؤرخ السينمائي دونالد بوجل، فاجأت الصناعة برفضها لقيود النجومية وخضوعها لبريق الشهرة، ما يعني أدوارًا أقل، وهي نفسها سئمت من لعبة هوليود، وفضلت التركيز على الموسيقى، والعمل في ناديها الموسيقي، بعدما حققت مسيرة سينمائية مميزة في أفلام الخمسينيات والستينيات، وكان أعظم أدوارها في المسرحية الموسيقية السوداءGlinda the Good Witch of the South.