كتبت – أسماء حمدي

داخل مركز للاجئين والمشردين في مانهاتن، يسير صبي لا يتجاوز عمره العشر سنوات إلى غرفته، حاملًا بين ذراعيه شيئًا ثقيلًا، لا ينتبه لأصوات من حوله، ولا يتوقف عن الابتسام؛ لأن الحمل الثقيل الذي يحمله هو كأس ضخم، يكاد يكون بحجمه، والذي حصل عليه بعد فوزه ببطولة الشطرنج في ولاية نيويورك.

الصبي هو تانيتولوا أديومي، لاجئ نيجيري، وصلت أسرته إلى نيويورك عام 2017، هربًا من هجمات بوكوحرام في شمال نيجيريا، طلبًا للجوء السياسي، وتقيم عائلته في مأوى للاجئين والمشردين، حيث لم يتم الرد على طلب لجوئهم بعد، بينما تم إلحاق “تاني” كما ينادونه وشقيقه الأكبر بإحدى المدارس القريبة.

يعمل والده “تاني” سائق أوبر من أجل توفير الطعام واحتياجات أسرته، يقول كايودي أديومي: ” فررنا من بوكوحرام في نيجريا، فلا أريد أن أفقد أحباءً”.

معجزة الشطرنج

في الولايات المتحدة عادة ما تشتري العائلات الثرية مكانًا بالمدارس وبالجامعات الكبري لأولادها، إما بشكل غير قانوني من خلال الرشاوى أو بشكل قانوني من خلال التبرعات، ليس هناك شك في أن أمريكا ميدان مائل يمنح الأطفال الأثرياء مزايا هائلة، بحسب “نيويورك تايمز”.

لكن “تاني” وجد في المدرسة فرصة لتعلم الشطرنج خارج المقرر الدراسي مع مدرس الشطرنج “راسل ماكوفسكي”، والذي قرر التنازل له على رسوم نادي عباقرة الشطرنج الخاص بالمدرسة، وعلى الرغم من ظروف “تاني” الصعبة إلا أنه حقق نجاحًا في نادي ناشئي الشطرنج بالمدرسة.

في مارس 2019، شارك “تاني” في بطولة الولاية، وفاز في فئة الأطفال من عمره، من رياض الأطفال، بخمسة انتصارات وتعادل واحد، متفوقًا على الأطفال من بعض المدارس الخاصة الأكثر تميزًا في البلاد.

وتمكن الطفل “تاني” 9 سنوات، من حصد لقب بطولة الشطرنج في ولاية نيويورك، متفوقًا على أطفال مدارس النخبة الخاصة، واللاعبين الذين لديهم سجلات طويلة ومعلمين خصوصيين، كما فاز بسبع جوائز في عدة مسابقات مختلفة للشطرنج، ويأمل أن يصبح ” أصغر بطل عالمي للشطرنج”.

ومنذ ذلك الحين، وجدت العائلة منزلًا بعد أن كانت تعيش في مأوًى للمشردين، وتم نشر مذكرات تحكي قصتها فيما أعلن استوديو “باراماونت” والفنان الكوميدي تريفور نوح، مقدم برنامج “ديلي شو”، عن خطط لتصوير فيلم يستلهم قصة العائلة النيجيرية.

تحدي المستحيل

يحتل تانيتولوا المركز الثالث بين اللاعبين في عمره وهو في طريقه إلى المركز الأول، يقول والده كايودي، إنه وأمه لا يعرفان كيف يلعب الشطرنج، موضحًا أنه “تعرّف عليه في مدرسته، لكنه كرّس كل وقته لها”.

تحكي والدته، التي تعمل بجد لإتقان اللغة الإنجليزية الأمريكية، في البداية أنها أرسلت عبر البريد الإلكتروني للنادي: “إنه مهتم ببرنامج الشطرنج الذي يرغب في المشاركة فيه، وأوضحت أنها لم تستطع دفع رسوم البرنامج؛ لأن الأسرة كانت تعيش في ملجأ”.

بعد ذلك قرر ماكوفسكي، الذي يشرف على برنامج شطرنج، التنازل عن الرسوم، ومن ثم شارك الصبي في أول بطولة له، يقول ماكوفسكي: “بالرغم من أن “تاني” يفتقر إلى المنزل إلا أن لديه آباء داعمين بشكل كبير ومكرسين كل وقتهم لدعمه ولرؤيته ينجح”.

لا تستطيع أم تاني لعب الشطرنج، ولكنها كانت تأخذه كل يوم سبت، إلى جلسة تدريب مجانية لمدة ثلاث ساعات في هارلم، وتنتظره حتى ينهي دورته، كما يسمح له والده باستخدام جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به كل مساء للتدريب.

وعلى الرغم من أن الدِّين مهم للغاية للعائلة، فقد ترك الآباء تاني يغيب عن الكنيسة عند الضرورة لحضور البطولة، يقول مدرس الشطرنج لي ماكوفسكي: “تاني غني بما لا يمكن مقارنته مع أحد، هو غني بقوة عائلته وحبها ودعمها له”.

يمتلك والد تاني وظيفتين، كان يستأجر سيارة يستخدمها لقيادة أوبر، كما أصبح أيضًا بائع عقارات مرخصًا، أما والدته فنجحت في أن تصبح مساعِدة للصحة المنزلية، ومن خلال الالتقاء بوالديه، فمن السهل معرفة من أين جاءت جهود تاني ونجاحه.

في بعض الأحيان كان الأمر صعبًا على “تاني”، يقول والداه أنه عاد ذات مرة من المدرسة وهو يبكي، بعد أن أزعجه زملاؤه في الصف بأنه “بلا مأوى”.

وبسبب هذه الظروف الصعبة التي تعيشها أسرته، بدأ ماكوفسكي وهو معلم “تاني” بعد فوزه ببطولة نيويورك، حملة على صفحة GoFundMe لجمع مساعدات مالية لأسرته، حتى تتمكن من العيش خارج مأوى المشردين.

يقول ماكوفسكي: “تاني متحمس ومجتهد بشكل كبير، وهو يقوم بحل ألغاز الشطرنج أكثر بعشر مرات من الطفل العادي، يريد فقط أن يكون أفضل، ففي عام واحد وصل إلى هذا المستوى، وتسلق الجبل، وأصبح الأفضل من دون أي موارد عائلية، أنا لم أر قط ذلك”.

ويضيف “عندما فاز “تاني” بهذه البطولة، ووجدت أنه كان يعيش في ملجأ بلا مأوى لم يكن ذلك على ما يرام”، وأشار إلى أن الحملة كان لها صدى كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، واستجاب الناس وتبرعوا بمبلغ 98 ألف دولار أمريكي، متجاوزًا هدف الحملة الأوليّ وهو 50 ألف دولار أمريكي.

في 25 مارس 2019 حصل “تاني” وأسرته على منزل، وعلى عروض بمنحة دراسية من ثلاث مدارس خاصة، كما أصبح لديه حساب مصرفي من ستة أرقام، وقرروا التبرع به للكنيسة التي ساعدتهم، ولغيرهم من المهاجرين الأفارقة الذين يكافحون مثلهم، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”.

وعبّرت مديرة المدرسة على فوز “تاني” ببطولة نيويورك، عن سعادتها قائلة: “إنه مثال ملهم على أن تحديات الحياة لا يمكنها أن تَحُد من فرص أحد”.