حسام عيد – محلل اقتصادي

توصلت دراسة استقصائية جديدة عن مواقف الشباب في أفريقيا وتوجهاتهم بشأن المستقبل، وهي الأكبر من نوعها، إلى أن الشباب الأفارقة في المتوسط ​​إيجابيون بشأن مستقبل القارة وآفاقهم الخاصة، كما وجدت الدراسة تباينًا كبيرًا في مواقف الشباب مقارنةً بالأجيال الأكبر سنًّا في العديد من العوامل الرئيسية.

إن الشباب الأفريقي، على عكس الحكمة السائدة، خاصة في الغرب، أبعد ما يكون عن التشاؤم بشأن المستقبل، ولكنه يتطلع بدلًا من ذلك إلى عصر النمو الاقتصادي السريع والإنجاز الشخصي، وهذا ما أظهره المسح الاستقصائي الرائد لمؤسسة عائلة Ichikowitz بجنوب أفريقيا.

ما يعني أن هناك اتجاهًا نحو “التفاؤل الأفريقي” بين الشباب في القارة، بسبب شعور الشباب بالمسؤولية الفردية وروح المبادرة المنتشرة في جميع أنحاء القارة والثقة في الهوية الأفريقية.

القرن الـ21.. قرن قارة أفريقيا

وقال غالبية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة ويعيشون في 14 دولة جنوب الصحراء الكبرى الواقعة في شرق وغرب وجنوب أفريقيا خلال مقابلات عند إجراء المسح المتعلق بالشباب الأفريقي 2020؛ إنهم يشعرون بشكل عام أن القارة تسير في الاتجاه الصحيح، وأن هذا هو بالفعل قرن أفريقيا.

وأُجري المسح، وهو الأكبر من نوعه، بتكليف من مؤسسةIchikowitz Family Foundation “مؤسسة عائلة Ichikowitz” في جنوب أفريقيا، وأشرف إيفور إشيكوفيتز Ivor Ichikowitz، رئيس المؤسسة ورجل الأعمال والصناعي البارز في جنوب أفريقيا، على عملية إجراء الدراسة الاستقصائية التي تضمنت 4200 مقابلة وجهًا لوجه.

اكتسب Ichikowitz، الذي يكتب عمودًا بشكل منتظم “ثابت” لمجلةNew African، سمعة كونه أحد رجال أفريقيا الأقوياء والأوفياء لحبه وشغفه المعروف للقارة السمراء في المنتديات الدولية، وغالبًا ما يدخل مع “المتشائمين الأفارقة” في مناقشات قوية.

ومع ذلك، أطلق الدراسة الاستقصائية في لندن في 20 فبراير الماضي، واعترف بأنه في رحلاته حول العالم، غالبًا ما واجه مثل هذه القوالب النمطية السلبية، لكن إيمانه لم يتزعزع لوهلة واحدة في قدرة القارة على مواصلة إبهار العالم والاستمرار في الازدهار والنمو المتسارع في القرن الـ21.

وبرَّر إشيكوفيتز سبب دعوته إلى المسح الإحصائي أنه في جولاته في جميع أنحاء العالم غالبًا ما يُواجه مجموعة من الصُّور النمطية السلبية لأفريقيا، والتي تخالف ما يشاهده عند وجوده في البلدان الأفريقية من حيث شعور الأفارقة بالإيجابية، والعمل نحو تحقيق الأفضل”.

وقال إنه على الرغم من الإحصائيات والتحليلات المثبطة في بعض الأحيان، لا أنه كان يشعر بالمشاعر الإيجابية، خاصة من الشباب.

وأضاف: “لقد احتجنا إلى دعم هذا (الشعور بالإيجابية وتفاؤل الأفارقة) بالأدلة، ومن هنا جاءت فكرة المسح الإحصائي”.

وتابع: “ورغم أن الاستطلاع كان مغامرة ومخاطرة كبيرة؛ إلا أننا قمنا به، لنظهر أن كل الشباب الأفريقي ليس متشائمًا، وأن الواقع يحمل معطيات إيجابية، وهذا ما اتضح في آراء وأفكار فئة كبيرة من الشباب، كما أن تطلعاتهم تبشر بآفاق إيجابية”.

فلم تدحض نتائج المسح الإحصائي فقط ما يردده المتشائمون بشأن مستقبل أفريقيا، وحاملو الصور النمطية البالية تجاهها، بل أظهرت أيضًا أن شباب القارة يتطلعون إلى عصرٍ من النمو الاقتصادي، السريع والوفاء بالإمكانات وتحقيق الآمال الشخصية.

إشيكوفيتز، لم يشعر بالقلق، فالاستطلاع أوجد وأثبت أن هناك شباب في أفريقيا مشبع بالتفاؤل بشأن المستقبل، ويريد تشكيل مصيره.

وشملت عينة المسح بلدان “الكونغو برازافيل، إثيوبيا، الجابون، غانا، كينيا، مالاوي، مالي، نيجيريا، رواندا، السنغال، جنوب أفريقيا، توجو، زامبيا، زيمبابوي”.

ويخطط إشيكوفيتز Ichikowitz على إنتاج استطلاعات سنوية، كل منها يأخذ عينات من مجموعة أخرى من البلدان بحيث أنه في غضون أربع سنوات، سيكون الاستطلاع قد غطى القارة بأكملها.

آفاق الشباب الأفريقي.. رحبة طموحة

ينقسم المسح الحالي إلى 10 أقسام: “التفاؤل الأفريقي، الهوية الأفريقية، الوحدة الأفريقية، القيم الديمقراطية، ريادة الأعمال، التكنولوجيا ووسائط الإعلام، تماسك المجتمع، العلاقات الخارجية، البيئة والتحديات المقبلة”.

كل قسم يحفر ويتوسع في المفاهيم، على سبيل المثال، ردًّا على سؤال: “هل سيتحسن مستوى المعيشة في العامين المقبلين؟” 82٪ من أفراد العينة أجابوا بالإيجاب. فقط في جنوب أفريقيا وزيمبابوي اعتقد عدد كبير أن مستويات المعيشة ستكون أسوأ.

وتتناقض نتائج المسح بشكل صارخ مع القصص المعتادة حول المأساة واليأس عن أفريقيا، فبسؤال الشباب -ضمن العينة المختارة- “هل سيتحسن مستوى المعيشة في العامين المقبلين؟”؛ 82% تفاعلوا بالإيجاب، حيث رأوا أن مستوى معيشتهم سيتحسن في العامين المقبلين.

في تغيير حاد عن الماضي، لم يعد معظم الشباب الذين شملتهم عينة الدراسة الاستقصائية، يتطلعون إلى الوظائف الحكومية من أجل الوظائف والاستقرار، ولكنهم كانوا أكثر حرصًا على الذهاب إلى الأعمال التجارية.

وكانت هناك مشاعر إيجابية عندما تعلق الأمر بريادة الأعمال والتكنولوجيا؛ حيث يعتقد 76% من الشباب ضمن العينة، أنهم سيدشنون أعمالهم التجارية الخاصة في السنوات الخمس المقبلة و81% منهم على قناعة بأن التكنولوجيا ستغير ثروات أفريقيا، ومن ثم ستكون محرّكًا رئيسيًّا لتغيير حالاتهم الاجتماعية وتعزيز ثرائهم، ويعضد هذا حقيقة أن جيل الشباب الحالي من الأفارقة تبنَّوا التقنيات والتكنولوجيا الحديثة للتغلُّب على تحديات كثيرة في مجال التعليم والرعاية الصحية والاندماج “الشمول” المالي.

ومن المثير للاهتمام، أنه في حين تم تحديد وسائل الإعلام الاجتماعية كمصدر إخباري رئيسي من قبل 54% من المستجيبين، قال عدد متساوٍ أنهم أقل ثقة في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” كمصدر إخباري.

وختامًا، يمكن القول: إنه بناء على قوة مسح “الشباب الأفريقي” عام 2020؛ يبدو أن اتساع القاعدة الديموغرافية للشباب، أصبح هو العائد والثروة الحقيقية للقارة السمراء.

ولكن يجب القيام بالكثير من العمل من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والمانحين والمجموعات المدنية والسياسية ورجال الأعمال والمعلمين والمخططين الوطنيين، لتحقيق مكاسب جمة من الإدارة الصحيحة، والاستثمار في ذلك العنصر الرائج المتجدد، وسيكون هذا الاستطلاع عونًا كبيرًا لكل من يشارك في هذه المهمة.

والواقع يتطلب تحسين الموارد العامة، وإنشاء مؤسسات سياسية مستقرَّة واقتصادية قوية تعزّز الابتكار وريادة الأعمال؛ الأمر الذي سيؤثر بقصدٍ أو دون قصد في تحقيق إدارة أفضل.

الشباب الأفريقي اليوم يريد أن يكون جزءًا من قصة النجاح الملهمة التي تصنعها قارة أفريقيا، فلديهم مشاعر صادقة ومهارات فائقة لمواجهة التحديات وخلق فرص وآفاق أرحب للقارة السمراء، وهم حريصون للغاية على إحداث هذا الفرق.