كتب – محمد سليمان

الباحث المتخصص في الدراسات الأفريقية

أعلنت الحكومة الإثيوبية في أواخر عام 2016 عن سعيها لإقامة منطقة اقتصادية في إقليم أوروميا بالقرب من العاصمة أديس أبابا، وهو ما كان سيترتب عليه نزوح عددٍ كبيرٍ من المزارعين القاطنين في تلك المنطقة، مما أدى إلى اندلاع الاضطرابات والاحتجاجات في إقليم أوروميا، ثم اتسع نطاق تلك الاحتجاجات حتى وصل إلى إقليم الأمهرة، الأمر الذي نتج عنه في النهاية نشوب أزمة سياسية كبيرة في البلاد أدت إلى إعلان حالة الطوارئ لما يزيد عن 10 أشهر.

وبالرغم من ذلك زادت شدة الاضطرابات والاحتجاجات مما دفع رئيس الوزراء “هايلي مريم ديسالين” إلى الإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين بغرض تهدئة الأوضاع، إلا أن الأمور تفاقمت بصورة أكبر، وزادت المطالبات بالإفراج عن باقي المعتقلين ومنح المزيد من الحريات، مما أدى في النهاية إلى إعلان “ديسالين” استقالته في 15 فبراير 2018 بشكل مفاجئ وغير مُتوقع، وهو ما أعقبه قيام الحكومة الإثيوبية في اليوم التالي بإعلان حالة الطوارئ من جديد دون تحديد القيود المفروضة خلالها، ثم أعلن وزير الدفاع الإثيوبي “سراج فقيسا” أن حالة الطوارئ ستستمر لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، وفي 2 إبريل 2018 تم اختيار “آبي أحمد” رئيسًا للوزراء خلفًا لـ “ديسالين”، ليكون أول مسلم أورومي يتولى منصب رئاسة الوزراء في إثيوبيا.

ولعل المتأمل للوضع الراهن في إثيوبيا حينها يتضح له أن المناخ العام في إثيوبيا كان قد أصبح مشحونًا بالاضطرابات والمناوشات الداخلية؛ سواء بين الجماعات الإثيوبية والجبهة الحاكمة من جهة، أو بين الجماعات الإثيوبية وبعضها البعض من جهة أخرى، ومع فقدان الجبهة الحاكمة في إثيوبيا للدعم الداخلي وكذلك الدعم الغربي فقد أصبحت أمام أمرين لا ثالث لهما وهما؛ إما الاستمرار في ممارسات القمع والتنكيل للمعارضة، واستخدام القوة في دحض مطالبات الجماعات المختلفة، وهو ما سيؤدي -لا محالة- إلى الإضرار بوحدة الدولة الإثيوبية وتزايد المطالبات بالانفصال، وربما تحول الجبهات والحركات المطالبة بالانفصال إلى حركات تمرد مسلحة في مواجهة الجبهة الحاكمة من جهة. وإما فتح باب الحوار الوطني مع كافة الجماعات المشكلة للمجتمع الإثيوبي بلا استثناء أو إقصاء لأي منها، وهو الاتجاه الذي كان واضحًا بما لا يدع مجالًا للشك أنه الاتجاه الأكثر ملائمة  لطبيعة الأوضاع السائدة في إثيوبيا وقتها، فقد ضَعُفَت قوة الجبهة الحاكمة الإثيوبية وفقدت الكثير من شرعيتها السياسية في الشارع الإثيوبي.

لذا فقد كان الاتجاه للحوار الوطني وتقاسم السلطة هو الخيار الأمثل في ذلك الوقت وهو ما تم وفقًا له اختيار “آبي أحمد” لتولي زمام الأمور من قبل الائتلاف الحاكم حتى يتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فآبي أحمد ينتمي إلى جماعة الأورومو، ولأسرة تجمع ما بين الإسلام والمسيحية، فهو ينتمي لأب مسلم وأم مسيحية، وقد تدرج في المناصب والمهام في وزارة الدفاع الإثيوبية حتى تولى منصب نائب مدير وكالة أمن المعلومات الإثيوبية (المخابرات) كما تولى منصب وزير العلوم والتكنولوجيا.

أولًا: الهدف من تطبيق الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا:

أصبح الاعتراف بالتعددية الإثنية في إثيوبيا بعد سقوط نظام الدرج عام 1991 حتى وإن كان ذلك بشكلٍ صوري هو المخرج الوحيد لأي نظامٍ حاكمٍ جديد راغب في الهيمنة على مقاليد السلطة في إثيوبيا، بعد أن أثبتت جميع التجارب السابقة أن محاولة الهيمنة من جانب إحدى الجماعات الإثنية على مقاليد الأمور في إثيوبيا هو أمر شبه مستحيل في ظل التعدد الإثني الذي تعج به الدولة الإثيوبية، والتي تضم بين حدودها ما يزيد عن 80 جماعة إثنية، وأصبح مبدأ التعدد الإثني هو المبدأ الأساسي الذي اتخذته الجبهة الديمقراطية الثورية في كل ترتيبات المرحلة الانتقالية للحفاظ على الاستقرار المؤقت في الشارع الإثيوبي أولًا، وبما يمكنها من الحصول على الشرعية السياسية لتولي مقاليد الحكم ثانيًا، واستمرت على سياستها تلك حتى تم الإعلان عن اتخاذ الشكل الفيدرالي الإثني لإثيوبيا عام 1995.

  1. الهدف المعلن من لتطبيق الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا:        

تم اللجوء إلى الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا كأداةٍ لإدارة التعددية الإثنية وهيمنة وسيطرة الجبهة الديمقراطية الثورية الحاكمة، فقد كانت مسألة الاعتراف بالتنوع والتعدد الإثني في إثيوبيا هي العقبة الكبيرة التي تواجه أي نظام حاكم في أثيوبيا، حتى جاء نظام الجبهة الثورية الذي اعترف بالتعددية الإثنية، وأقرها من خلال الدستور الفيدرالي الدائم، فقد أصبح الاعتراف بالتعددية الإثنية في إثيوبيا هو المخرج الوحيد لأي نظامٍ حاكمٍ جديدٍ راغبٍ في الهيمنة على مقاليد السلطة في إثيوبيا، خاصةً بعد أن أثبتت جميع التجارب السابقة أن محاولة الهيمنة من جانب إحدى الجماعات الإثنية على مقاليد الأمور في إثيوبيا هو أمرٌ شبه مستحيل في ظل التعدد الإثني الذي تزخر به الدولة الإثيوبية، والتي تضم بين حدودها ما يزيد عن 80 جماعة إثنية، وأصبح مبدأ الاعتراف بالتعدد الإثني هو المبدأ الأساسي الذي اتخذته الجبهة الديمقراطية الثورية في كافة ترتيبات المرحلة الانتقالية للحفاظ على الاستقرار المؤقت في الشارع الإثيوبي، حيث بدأت المناداة بالتحول للشكل الفيدرالي الإثني للدولة باعتباره أفضل النماذج الممكنة لإدارة التعددية الإثنية في إثيوبيا، لا سيما وأن اللجوء إلى إعلان الفيدرالية بين إثيوبيا وإريتريا في الخمسينيات كان السبيل الوحيد الذي تم على أساسه حل الأزمة وإنهاء الحرب الأهلية بينهما، وبذلك تمكنت الجبهة الثورية من الحصول على الشرعية السياسية لتولي مقاليد الحكم، واستمرت في سياستها تلك حتى تم الإعلان عن التحول للشكل الفيدرالي الإثني في إثيوبيا، وعُقدت أول انتخابات برلمانية عام 1995، حيث سيطرت الجبهة على نتائج تلك الانتخابات، وتمكّنت من تشكيل أولى الحكومات الفيدرالية للمرحلة الجديدة، ثم واصلت هيمنتها لتكتسح كافة جولات الانتخابات البرلمانية باستثناء انتخابات 2005 التي ظهرت من خلالها بعض معالم التنافسية، حيث فازت المعارضة فيها بثلث مقاعد مجلس النواب.

2 . الهدف الحقيقي لتطبيق الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا:

اتجهت الجبهة الثورية إلى تطبيق الفيدرالية الإثنية كمحاولة منها لتخفيف حدة المواجهات مع الجماعات الإثنية الأخرى خلال المرحلة الانتقالية حتى تتمكن من اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لفرض سيطرتها وهيمنتها على البلاد، فعلى الرغم من أن الجبهة الثورية كانت أكثر الائتلافات السياسية تنظيمًا، إلا أنها لم تكن تلق الدعم والتأييد الكافي من الجماعات الإثنية الأخرى، مما كان يمثل تهديدًا محتملًا في حال تشكيل تلك الجماعات لأحزابٍ سياسيةٍ في أعقاب المرحلة الانتقالية، فكان الخطاب السياسي الموجه للجماعات الإثنية الإثيوبية المختلفة بشأن الفيدرالية الإثنية هو أنها السبيل الذي ستتمكن من خلاله الجماعات الإثيوبية المختلفة من إدارة شؤونها من خلال منحها المزيد من سلطات الحكم الذاتي، وأن إعادة الترسيم الإداري للمقاطعات الإثيوبية على أسسٍ إثنية من شأنه ضمان حقوق الجماعات الإثنية التي كانت مضطهدة في السابق؛ مثل جماعتي الصومالي والأورومو التي تعرضت كل منهما للقمع والحرمان من التنمية، فأعلنت الجبهة الثورية في إطار ذلك عن أنه سيتم لأول مرة منذ نشأة الدولة الإثيوبية السماح باستخدام اللغات المحلية للتدريس في المدارس الابتدائية في الولايات الإثيوبية، وهو ما من شأنه السماح لمختلف الجماعات الإثنية بالتحرر من القيود التي فرضتها عليهم الثقافة الأمهرية بالقوة.

ثانيًا: الأصوات المعارضة لتطبيق الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا:

واجهت الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا معارضةً ومقاومةً شديدتين من جانب فئتين رئيسيتين؛ الأولى هي الفئة التي تفضل خيار الدولة البسيطة الموحدة التي تشتمل على حالة من التعدد الإثني؛  والثانية هي الفئة التي كانت تسعى إلى الحصول على الحكم الذاتي والراغبة في الانفصال عن الدولة الإثيوبية، وبالتالي فقد كانت تعارض تمامًا أي وضع ينتج عنه بقاؤها كجزء من الدولة الإثيوبية، حتى وإن كان ذلك في إطار الحكم الذاتي تحت مظلة الفيدرالية الإثني.

ثالثًا: واقع الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا:

أعلنت الجبهة الديمقراطية الثورية الحاكمة في أعقاب نجاحها في انتخابات 1995 استعدادها لاستيعاب كافة الجماعات الإثنية المشكِّلة للمجتمع الإثيوبي ومشاركتها لها في الحكم، وأصبحت حكومة زيناوي تمثل الأمل الذي ترجوه غالبية القوى السياسية الأخرى في البلاد، خاصةً مع إقرار الدستور الفيدرالي والحكومة الإثيوبية المنتخبة بعدم وجود دين رسمي للدولة، إلى جانب إقرار الدستور لأحقية الجماعات الإثنية المختلفة في تقرير مصيرها، وفقًا للقواعد والشروط التي وضعها الدستور، إلا أن ممارسات الجبهة على أرض الواقع أثبتت عكس ذلك، فعلى الرغم من كل ما جاء في خطاب الجبهة الثورية خلال المرحلة الانتقالية بشأن قبول الآخر والاعتراف بالتعددية الإثنية والمناداة بالفيدرالية الإثنية باعتبارها المخرج لأزمة التعددية الإثنية في إثيوبيا، إلا أن تشكيل الحكومة الانتقالية وما تلاها من حكومات منتخبة عكس الانتماء لجماعة التيجراي قلبًا وقالبًا، فقد احتكر “ميلس زيناوي” (التيجيريني) منصب رئيس الوزراء، وهو أعلى منصب في البلاد منذ الفترة الانتقالية وحتى وفاته عام 2012، وتم توزيع الحقائب الوزارية على الجماعات الإثنية دون وجود معيار واضح للتوزيع، فوفقًا للأهمية لم تحصل جماعة العفر على أي حقائب وزارية برغم أهميتها السياسية والأمنية لجوارها لميناء عصب الإريتري والذي يمثل العمق الحيوي لإثيوبيا، ووفقًا للحجم سيطرت الأقلية المسيحية على التشكيل الحكومي بنسبة 55% مقابل 45% للأغلبية المسلمة، ولم يكن هناك أي مرونة في تنفيذ المادة (39) من الدستور، والخاصة بحق تقرير المصير للجماعات الإثنية في إثيوبيا، بل إن الشروط التي وُضعت بشأن هذه المادة تكاد تكون تعجيزية ويستحيل في ظلها حصول أي من الجماعات الإثيوبية على حق تقرير مصيرها.

نتيجة لما سبق، زادت حدة التوتر والتنافس الإثني  بين الجماعات الإثيوبية وبعضها البعض وتفاقمت بصورةٍ أكبر من قبل، وهو ما دفع الجبهة الثورية الحاكمة إلى سياسة تشويه المعارضة واستبعادها والقبض على قاداتها وإيداعهم السجون والمعتقلات والتضييق على مشاركتهم السياسية، فبدأت المعارضة في التلويح بطلب الانفصال عن الدولة الإثيوبية كورقة ضغط وتهديد للنظام الحاكم، خاصةً وأن الدستور الفيدرالي يسمح بذلك حتى وإن كان ذلك في إطارٍ تعجيزي، وعلى الرغم من ذلك استمرت الجبهة الحاكمة في اتباع سياسة العنف تجاه المعارضة، وساندها المجتمع الدولي في ذلك على الرغم من إعلانه الدائم لحق المعارضة في المشاركة السياسية دون أن تنتهك، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت الداعم الأكبر لنظام الجبهة الديمقراطية الثورية، وعلى الرغم من ادعائها بالتهديد بربط المنح والمساعدات المقدمة للنظام الإثيوبي بالإصلاح السياسي كورقةٍ للضغط عليه لإجباره على قبول المشاركة السياسية للمعارضة، إلا أن تصريح مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية (هيرمان كوهين) بشأن المرحلة الانتقالية والذي قال: “إن ما تم هو أفضل ما كان يمكن فعله” وهو ما أدى في النهاية إلى اتجاه المعارضة الإثيوبية للتصعيد من خلال زيادة حدة المطالبات بالانفصال ونشر العنف.

رابعًا: هل نجحت الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا في إدارة واحتواء التعددية في إثيوبيا؟

فَرًّغت الجبهة النموذج الفيدرالي من محتواه السياسي والإداري؛ فسياسيًّا لا يوجد فصل بين سياسة الحكومة الفيدرالية وسياسات حكومات الولايات، وإداريًّا لا زالت إثيوبيا تُدار بصورةٍ مركزيةٍ؛ فالجبهة الثورية الحاكمة تهيمن على الجانب الاقتصادي والإداري، فالتعيينات الإدارية تتم على أساس الولاء السياسي لها، كما أنها فعليًّا تهيمن على المنظومة التشريعية والقضائية، والغالبية العظمى من القيادات في الولايات هم أعضاءٌ في الجبهة الحاكمة أو في الكيانات الموالية لها، فهم إما أنهم تولوا مناصبهم بالتعيين المباشر أو من خلال الفوز في الانتخابات التي تهمين عليها الجبهة الحاكمة بطبيعة الحال، لا سيما وأن المعارضة السياسية في إثيوبيا فقدت شرعيتها داخليًا وخارجيًا؛ داخليًا من خلال خسارتها المستمرة في الانتخابات، فلم يعد هناك تداولٌ سلمي للسلطة في إثيوبيا وهو ما ظهر جليًا من خلال نتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية التي أجريت في إثيوبيا على مدار الـ 20 عامًا واستبعاد المعارضة دائما من المشاركة في الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، أما خارجيًّا وفي ظل الخسارة المتتالية لأحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية والمحلية، وما نتج عن ذلك من اتجاه المعارضة للتهديد والتلويح بالانفصال من جهة، وتأجيج الأوضاع الداخلية ونشر العنف والاضطرابات من جهةٍ أخرى، فتم اعتبار أن تلك الأحزاب والتنظيمات ما هي إلا حركات تمردٍ مخالفة للدستور والقانون.

في إطار ما سبق أصبح من الواضح لدى الجماعات الإثنية الإثيوبية أنها لم ولن تحقق أيًّا من آمالها المنشودة في توزيع السلطة والثروة من خلال التحول للشكل الفيدرالي الإثني، بل فقد زادت قيودها، فالجبهة الثورية نجحت في تحويل الصراع ليكون بين الولايات وبعضها البعض بدلًا من أن يكون بينها والولايات من خلال اتباع سياسة فرق تسد أحيانًا والعصا والجزرة في أحيانٍ أخرى، فزادت هيمنتها وسيطرتها من خلال حفاظها على استقرار المركز بما يوحي بأن الوضع في الدولة الإثيوبية مستقر، خاصةً في ظل الدعم الغربي الأمريكي لنظام الجبهة وتمتعها بالشرعية والدعم الدوليين.

إن النجاح الظاهري للجبهة الثورية في تحقيق قدرٍ جيد من الاستقرار في إثيوبيا، لا يرجع بالأساس إلى اتباع الشكل الفيدرالي الإثني، ولكن الاستقرار الذي تم تحقيقه لا يمكن تناوله بمعزل عن البيئة الداخلية والخارجية لنظام الجبهة؛ فعلى مستوى البيئة الداخلية تخلص نظام الجبهة من المشكلة التاريخية التي أرّقت جميع الأنظمة الإثيوبية السابقة والمتمثلة في مشكلة انفصال إريتريا من جهة، كما أحكمت الجبهة هيمنتها وسيطرتها على كافة مناحي الحياة على مستوى كامل الإقليم الإثيوبي، واستبعدت أيًّا من الكيانات الأخرى من المشاركة في عملية الحكم من جهةٍ أخرى، وعلى مستوى البيئة الخارجية لم يعد المجتمع الدولي يقبل بالحركات والتنظيمات الانفصالية والمتمردة، وبالتالي فإن الاستقرار الذي تحقق في أعقاب إعلان الشكل الفيدرالي الإثني في إثيوبيا هو استقرارٌ قمعي قائمٌ على استخدام القوة والقمع من جانب النظام الحاكم ومساندة المجتمع الدولي له، وليس على المشاركة المجتمعية لجميع الفئات والفصائل المشكّلة للمجتمع الإثيوبي، وهو ما نتج عنه تجدد الاضطرابات الداخلية في إثيوبيا بصورة دائمة كلما اختلفت خريطة التحالفات السياسية لإثيوبيا داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يدفع النظام الحاكم في إثيوبيا -حتى بعد تولي آبي أحمد مقاليد الأمور- من حين إلى آخر إلى إثارة زوبعة وهمية من المعارك المبنية على التصريحات الرنانة للنظام الحاكم الإثيوبي تجاه قضايا قومية؛ مثل قضية سد النهضة والتباطؤ المتعمد في إيجاد حل نهائي لها، حتى تكون مثل هذه القضية هي الحجة التي يستند إليها لنظام الحاكم في مناشدة كافة الجماعات إلى درء الصراعات والمصالح الشخصية جانبًا لحين الانتهاء من حل هذه المسألة المصيرية التي تواجهها الأمة الإثيوبية قاطبة!

المصدر:  رسالة الماجستير للباحث بعنوان “التجربة الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا منذ 1995”.