كتبت – د. سالي محمد فريد
أستاذ الاقتصاد المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة

يعد قطاع الزراعة وتنوعه الغذائي من أهم القطاعات التي تعتمد على الابتكار وتوظيف التكنولوجيا والآليات الحديثة؛ لإبراز الفرص الاستثمارية المتاحة، وضمان استدامة العمل في هذا القطاع من خلال توفير ودعم الابتكار والتقنيات الحديثة القادرة على إحداث التكيف والتأقلم للقطاع الزراعي مع التغير المناخي وضمان استدامتهما، وتحقيق الأمن الغذائي، وتسعى الحلول التكنولوجية الداعمة لاستدامة القطاع الزراعي ومساهمته في تحقيق الأمن الغذائي، والتوجه نحو الزراعة الذكية مناخيًّا من خلال التركيز على إنتاج المحاصيل الزراعية في الأماكن المغلقة التي تعتمد على تكنولوجيا متقدمة تعمل على الاستهلاك الأقل للمياه والحد الأدنى للأسمدة، بما يتوافق مع المعايير الدولية، من خلال استخدام كميات أقل من المياه، بالإضافة إلى تعزيز تبني البيوت المبردة التي ترتكز في آلية عملها على استخدام الشبكات ونظم الطاقة الشمسية وأجهزة الاستشعار، مما يقلل استخدام الطاقة والتكاليف لغايات التبريد، والمساهمة في تعظيم الإنتاج كمًّا ونوعًا وقيمة.
وتهدف هذه الدراسة إلى تحديد استفادة دول الخليج وأفريقيا من التكنولوجيا الحديثة في القطاع الزراعي لتوفير الاحتياجات الغذائية، وذلك من خلال النقاط التالية:-
أولًا: عرض الأدبيات الاقتصادية عن أهمية التقنيات الحديثة في المجال الزراعي
ثانيًا: تطور حجم الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في دول الخليج
ثالثًا: تطور حجم الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في أفريقيا
رابعًا: التقنيات والتكنولوجيا الحديثة واستخداماتها في الزراعة في دول الخليج وأفريقيا

أولًا: عرض الأدبيات الاقتصادية عن أهمية التقنيات الحديثة في المجال الزراعي
يمكن تعريف نقل التكنولوجيا بأنه عملية مدروسة ومنهجية لاقتناء أو تقديم أو تبادل أو ترخيص المعدات والتكنولوجيا والمهارات، والمعارف، وحقوق الملكية الفكرية، والعمليات التجارية والتنظيمية، من أجل تصنيع منتج، أو تطبيق عملية أو تقديم خدمة .
ومن المرجح أن تؤدي التكنولوجيا الحيوية الخضراء إلى زيادة كبيرة في الإنتاجية الزراعية، وتمكين الدول من مواجهة مشكلة انعدام الأمن الغذائي، وتقليص اعتمادها على الواردات الغذائية، وإنتاج فائض زراعي لتنشيط عملية التصنيع والتحول، وخاصة في البلدان الفقيرة بالموارد المعدنية، كما يساهم نقل التكنولوجيا في رفع مستوى مهارة الاقتصادات ووقف هجرة العقول من خلال زيادة توافر فرص عمل مرتفعة الأجر نسبيا، وذات التقنية العالية .
وتوجد العديد من الأدلة على أهمية التحول الرقمي والتقنيات الحديثة في المجال الزراعي، لتحسين حياة الفقراء، فمن خلال الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة يمكن مواجهة تحديات انعدام الأمن الغذائي من جبهات متعددة، بما في ذلك زيادة الوصول إلى الأسر محدودي الدخل وتمكين الأسر لقياس أفضل للسلامة والجودة والقيمة الغذائية لطعامهم؛ حيث إن التقنيات الرقمية يمكن أن تجعل الفقراء أكثر مرونة في عدة طرق أولًا: التكنولوجيا الحديثة توفر المعلومات وتجعلها متاحة للفقراء، وهذا بدوره يمكن أن يترجم إلى فرص عمل أفضل وارتفاع غلة المحاصيل .
ثانيًا: التقنيات الرقمية تعزز التعلم، مما يؤدي إلى نقل التكنولوجيا بين المزارعين، كما أن تحسين الوصول إلى المعلومات الغذائية الصحية من خلال التقنيات الرقمية يمكن أن تساهم في الحد من انتشار الجوع بين الفقراء ، كما أن هناك أدلة تشير إلى أن التقنيات الرقمية قد تؤثر على تكاليف النقل لكل من المدخلات والمحاصيل، ويمكنها تقليل تقلبات الأسعار.
وأخيرًا، يمكن أن تلعب التكنولوجيا الرقمية دورًا في الحد من القيود الرئيسية التي تواجهها خدمات الإرشاد التقليدية في الدول النامية، وزيادة التواصل بين المزارعين ووكلاء الإرشاد ومراكز البحوث .

ثانيًا: تطور حجم الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في دول الخليج
يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الاقتصادية الهامة في غالبية الدول العربية من حيث تلبيته للاحتياجات الاستهلاكية الغذائية، واستيعابه لحجم القوى العاملة، ومساهمته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى توفيره السلع والمواد الأولية كمدخلات للعديد من الصناعات التحويلية والغذائية.


جدول رقم (1) حجم الناتج الزراعي في الدول العربية

انخفض الناتج الزراعي العربي بالأسعار الجارية إلى 119.9 مليار دولار عام 2018 بتراجع بلغ 12.5% عن عام 2017. وسجل الناتج الزراعي في دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة الإمارات والكويت وقطر والبحرين حيث الموارد الزراعية المحدودة نموا تراوح بين 3% في الإمارات، 12% في الكويت .


شكل رقم (1) القيمة المضافة والمساهمة النسبية لقطاع الزراعة وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي لمجلس التعاون الخليجي خلال الفترة (2014- 2018)

يتضح من الشكل السابق أن القيمة المضافة لقطاع الزراعة وصيد الأسماك تزايدت خلال الفترة (2014 – 2018) حتى بلغت 23.4 مليار دولار عام 2018، بما يمثل 1.4% من الناتج المحلي الاجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. 

شكل رقم (2) المساهمة النسبية للقطاع الزراعي وصيد الأسماك في الناتج المحلي الاجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة (2014 – 2018)

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2018
يتضح من الشكل السابق أن مساهمة القطاع الزراعة وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 1% في كل من الإمارات والكويت والبحرين وقطر، وأنها تجاوزت 2% في عمان، وتبلغ حوالي 2.5% في السعودية وذلك خلال الفترة (2014 – 2018).

على مستوى أقاليم المنطقة يتضح أن معظم المساحات المزروعة بصورة مستديمة (مطرية ومروية) في عام 2017 تركزت في إقليم المغرب العربي بمساحة حوالي 6 مليون هكتار (62.3% من إجمالي المساحة الزراعية المستديمة)، وأن معظم المساحات المزروعة بصورة موسمية (مطرية ومروية) في عام 2017 كانت في إقليم الوسط بمساحة حوالي 14.3 مليون هكتار أي بنسبة 22.8% من إجمالي المساحة الزراعية الموسمية.

يتضح من الجدول السابق أنه على الرغم من أن الدول العربية تحتل حوالي 9% من مساحة اليابسة ويسكنها نحو 5.3% من سكان العالم إلا أنها تتلقى 2% من المتوسط العالمي للأمطار السنوية التي تسقط على اليابسة ونحو 1% من المياه المتجددة سنويا، ولهذا لا تتجاوز حصة الفرد في الدول العربية من المياه المتجددة 800 م3/ السنة في مقابل المعدل العالمي الذي يبلغ 7525 م3/ السنة.

يتضح من الشكل السابق أن نسبة الأراضي المزروعة في الكويت تمثل حوالي 80% من الأراضي القابلة للزراعة وهي أعلى دول مجلس التعاون الخليجي تليها البحرين حوالي 75%، ثم الإمارات 62.6%، ثم قطر 20.3%.

 يتضح من الشكل أن السعودية تعتبر أكبر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث حيازة الأراضي المزروعة بالمحاصيل وتبلغ 994.8 ألف هكتار، تليها عمان 108.8 ألف هكتار، ثم الإمارات تليها قطر ثم الكويت.

الخضروات التمور

يتضح من الشكل السابق أن السعودية تعتبر أكبر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث إنتاج المحاصيل سواء حبوب أو فاكهة أو خضروات أو تمور، تليها الإمارات على مستوى الحبوب والفاكهة وتليها عمان على مستوى الخضروات والتمور .

يتضح من الشكل السابق أن قيمة الصادرات والواردات من المنتجات الزراعية في مجلس التعاون الخليجي تمر بحالة من الاستقرار خلال الفترة (2014 – 2018)، حيث بلغت الصادرات حوالي 3.7 مليار دولار، وبلغت الواردات حوالي 26 مليار دولار عام 2018.

لقد بلغت قيمة العجز في الميزان التجاري الزراعي العربي عام 2017 حوالي 62.4 مليار دولار أي بزيادة نسبتها 0.5% عن عام 2016، واستمر العجز الغذائي في بعض السلع الغذائية حيث بلغ 33.6 مليار دولار عام 2017، فقد انخفضت قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية من حوالي 34.5 مليار دولار عام 2016 إلى حوالي 33.6 مليار دولار عام 2017 وبنسبة قدرها 2.7% وذلك للعام الثالث على التوالي، كما انخفضت تلك الفجوة بنسبة قدرها 1.2% خلال عام 2016 بالمقارنة بعام 2015.

يتضح من الشكل رقم (8) أن الحبوب تحتل النسبة الأكبر من الفجوة الغذائية العربية بنسبة 56.2%، تليها اللحوم 19.8%، ثم الألبان 8.9%، ثم السكر 8.4%، الزيوت 3.4%، البقوليات 1.5%، البيض 1.3%، البطاطس 0.4% من الفجوة الغذائية العربية عام 2018.

أما عن الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية فقد تراجعت نسبة الاكتفاء عام 2017 وللعام الرابع على التوالي لعدد من السلع الغذائية وهي الحبوب والقمح بنسبة قدرها 0.6%، 0.3% على الترتيب، وانخفضت نسبة الاكتفاء من البقوليات والسكر والزيوت بنسبة كبيرة بلغت 7.8%، 7.5%، 5.2% على الترتيب .

يتضح من الشكل رقم (9) أن السعودية تعاني من 21% من الفجوة الغذائية العربية، تليها مصر 16.5%، ثم الجزائر 13.2%، الإمارات 13%، العراق 8.9%، الكويت 4.4% من الفجوة الغذائية العربية لعام 2018. 
ويتطلب تقليص الفجوة والتخلص من العجز الغذائي تنفيذ برامج متكاملة لتنمية الريف، وتحديث أساليب الاستثمار الزراعي، وتخصيص موارد كافية للبحث الزراعي، واعتماد وسائل الري الحديث في المشاريع الجديدة، وإعادة تأهيل المشروعات القائمة، وتوفير المتطلبات الفعلية ليكون الاستثمار الزراعي جاذبًا ومجزيًا، وهذا ما تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيقه باستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة.

ثالثًا: تطور حجم الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في أفريقيا
تتميز القارة الأفريقية بإمكانيات زراعية هائلة من حيث الموارد الأرضية ذات التربة الغنية والموارد المائية ومصادر مياهها المتجددة والتركيب المحصولي والمواسم الزراعية المتنوعة والثروة الحيوانية والتي تؤهلها لأن تكون سلة الغذاء العالمي، وذلك إذا ما توفرت لها الشروط الضرورية لإقامة مشاريع زراعية متكاملة هدفها تلبية احتياجات القارة من الغذاء.

يتضح من شكل رقم (10) أنه بلغت نسبة مساحة الأراضي الزراعية من إجمالي مساحة الأراضي في أفريقيا 43.9% عام 2017، وتعادل الأراضي القابلة للزراعة كنسبة من إجمالي الأراضي في أفريقيا نحو 8.8%، ويبلغ نصيب الفرد من الأراضي القابلة للزراعة حوالي 0.23 هكتار في دول أفريقيا. هذا وتجدر الإشارة إلى أن 4% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا هي التي تتمتع بنظام الري، والباقي يعتمد على الزراعة المطرية.
تتمتع القارة الأفريقية بأنواع مختلفة من التربة الغنية، وكذلك بمواسم زراعية متنوعة، وتشكل الأراضي الزراعية ذات الإنتاجية المرتفعة نسبة 8% من مساحة القارة، حيث تبلغ مساحتها 2300 ألف كم2، منها 700 ألف كم2 أراضي ذات إمكانيات ممتازة تتركز في الهضبة الإثيوبية ودلتا نهر النيل، و1600 ألف كم2 ذات إمكانيات جيدة وتتركز في وسط وجنوب شرق القارة وفي بعض مناطق الغرب. أما الأراضي ذات الإمكانيات الإنتاجية الجيدة فتشكل نسبة 35% من مساحة القارة وتقدر مساحتها بـ 12900 ألف كم2 وتتوزع بين الشريط الساحلي لشمال القارة ووسطها وجنوبها الشرقي، منها 700 ألف كم2 أراضي ذات إمكانيات جيدة، و1600 ألف كم2 ذات إمكانيات متوسطة إلى جيدة، و8200 ألف كم2 ذات إمكانيات جيدة نسبيًّا .

يتضح من جدول رقم (4) انخفاض إنتاجية وحدة المساحة من المحاصيل المختلفة في دول القارة الأفريقية بالمقارنة بالدول الآسيوية والأوروبية والمتوسط العام لكل دول العالم.
يعتبر إقليم شمال أفريقيا الأكثر إنتاجية حيث ترتفع بالإقليم إنتاجية قصب السكر، الذرة، البطاطا الحلوة، بنجر السكر، البصل الجاف، الجزر، وفي إقليم الجنوب الأفريقي ترتفع إنتاجية البطاطس، الموز، البرتقال، الفاكهة والخضروات، وفي وسط أفريقيا ترتفع إنتاجية الموز .

يتضح من شكل رقم (11) أنه بلغ الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا 1654 مليار دولار عام 2017، وقد انعكس ذلك على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ 1652 دولار/للفرد. ويلاحظ أن متوسط القيمة المضافة في قطاع الزراعة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو17.21% في عام 2017. وربما يعزى ذلك إلى محدودية التوسع في المساحة الأرضية المنزرعة، وضعف معدلات النمو في إنتاجية الموارد الزراعية المستغلة، هذا فضلًا عن تناقص الوزن النسبي للاستثمارات الموجهة للنشاط الزراعي من إجمالي الاستثمارات القومية الموجهة للقطاعات الأخرى. كما بلغ متوسط القيمة المضافة للعامل في قطاع الزراعة عام 2017 حوالي 1240.5 دولار/عامل.

يتضح من الشكل رقم (12) أنه بلغت قيمة الصادرات الكلية في أفريقيا 276.8 مليار دولار عام 2017، وقيمة الصادرات الزراعية 36.4 مليار دولار عام 2017، وبلغت نسبة الصادرات الزراعية من الصادرات الكلية 13%، وقيمة صادرات مستلزمات الإنتاج الزراعي 1.76 مليار دولار. أما الواردات الكلية لدول أفريقيا فقد بلغت قيمتها حوالي 347.5 مليار دولار عام 2017. كما بلغت قيمة الواردات الزراعية حوالي 36.4 مليار دولار في عام 2017. وبلغت نسبة الواردات الزراعية من الواردات الكلية 10%، وقيمة واردات مستلزمات الإنتاج الزراعي 7 مليار دولار.

  يتضح من جدول رقم (5) أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء في أفريقيا ارتفع من 196 مليون نسمة عام 2005 إلى 256.5 مليون نسمة عام 2017، في حين انخفض عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء على مستوى العالم من 945 مليون نسمة عام 2005 إلى 820.8 مليون نسمة عام 2017.

  يتضح من شكل رقم (13) أن نسبة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا ارتفعت من 22.3% عام 2014 إلى 29.8% عام 2017، فهي أعلى من النسبة على مستوى العالم حيث ارتفعت من 8.9% عام 2014 إلى 10.2% عام 2017.

يتضح من الشكل رقم (14) أن نسبة الرجال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا تبلغ 23.9% من إجمالي الأشخاص البالغين (أكبر من 15 عام)، ونسبة النساء اللاتي تعانين من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا تبلغ 24.3% عام 2017، في حين تبلغ هذه النسب على مستوى العالم 7.5% للرجال و8% للنساء عام 2017.

 يتضح من الشكل رقم (15) ارتفاع الواردات من السلع الزراعية في أفريقيا بما قيمته 6 مليار دولار خلال الفترة (2007 – 2017)، وانخفاض الصادرات من السلع الزراعية في أفريقيا بما قيمته مليار دولار خلال الفترة (2007 – 2017).

رابعًا: التقنيات والتكنولوجيا الحديثة واستخداماتها في الزراعة في دول الخليج وأفريقيا

تعتبر التقانة الحيوية الحديثة في مقدمة التقانات الزراعية الواعدة لتحسين الإنتاجية وخفض تكاليف الوحدة المنتجة وتطوير نوعية المنتج وتحسين نظم حفظ واستخدام الموارد الوراثية، وتشمل التقانة الحيوية هندسة الموروثات أو الجينات، من خلال التعرف على الموروثات وخصائص ووظائف كل منها وعزلها ونقلها عند الضرورة لتحقيق أهداف معينة، وتطوير تقنيات زراعة الأنسجة في عالم النبات وتقنيات إكثار وزراعة ونقل الأجنة، بالإضافة إلى تصميم واستنباط سلالات نباتية محسنة. وتعتبر تقانة الاستشعار عن بعد من التقنيات المهمة لاستخدامها في تنمية وتطوير الزراعة، من خلال رصد العوامل المناخية والتغيرات البيئية ومسح الموارد الأرضية والبيئية وتحديد المساحات التي تعاني من التصحر والجفاف، إلى جانب تقانة أشعة الليزر في تسوية التربة ورفع كفاءة طرق الري واحتياجات التربة والنباتات من المياه، وفي اختيار المواصفات التقنية والاقتصادية في تخصيص الموارد والمستلزمات الزراعية[i].

  حدثت تطورات هامة في مجال التقنيات الحديثة أثرت على الإنتاجية الزراعية في العديد من الدول العربية، ومن أهمها تقنيات إنتاج الأصناف النباتية، والأصول الحيوانية، وتقنيات المكافحة الكيماوية والبيولوجية، الأكثر توافقا مع البيئة، وتقنيات نظم الري المرشدة لاستخدام موارد المياه، وكذلك نظم الزراعة الحديثة مثل الزراعة المحمية والزراعات الطبيعية واستزراع الأسماك، بالإضافة إلى تقنيات استخدام المخصبات الزراعية وتقنيات ما بعد الحصاد ونقل المعلومات الزراعية[ii].

وتعتبر أحد مجالات التكنولوجيا هي الزراعة المائية، حيث يتم استخدام محلول المواد الغذائية لتغذية النباتات في الصوبات الزراعية، للتغلب على مشكلات نقص المياه والحرارة الشديدة. وتشير الدراسات أن استخدام الزراعة المائية يمكن أن يقلل من استخدام المياه بنسبة 40-60%[iii].

لقد قامت أبوظبي باستخدام التقنيات والمشاريع التي تتناسب مع الإنتاج المحلي، في وجود بيئة صحراوية في ظل تاريخ قليل من الزراعة المكثفة، حيث يمكن تحقيق الأمن الغذائي من خلال كمية صغيرة من الإنتاج المحلي والتجارة الجيدة، لذا قامت الإمارات بإنشاء عدد من المزارع المائية في السنوات الأخيرة، حيث تعتبر الإمارات من أوائل الدول التي أدخلت التكنولوجيا الزراعية المتقدمة إلى المنطقة، وزراعة الخيار والفلفل والفراولة والخس بتقنية الاستزراع المائي، باستخدام المياه التي تعيش فيها الأسماك أسفل النباتات لتقديم المواد الغذائية الإضافية[iv].

وكذلك شهدت المملكة العربية السعودية ظهور شركات زراعية جديدة، وإضافة إلى المنتجات الغذائية اليومية المتزايدة، كما تسعى الشركات الخليجية إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج المواد الاستهلاكية الأقل استخدامًا مثل الكافيار والرخويات البيضاء، ويعد انخفاض احتياطي المياه الجوفية الذي يحدث بشكل طبيعي في منطقة الخليج هو التحدي الرئيس لاستدامة عمليات زراعة الصحراء. ويتم تجديد إمدادات المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة بالمياه المحلاة، والتي تفتقر إلى المواد الغذائية نفسها، وعلاوة على ذلك فإن المياه يتم استهلاكها أيضًا بشكل أسرع بكثير من تجديدها. وتخطط إحدى الشركات الخليجية إلى تقديم خدماتها إلى نحو 1200 مزرعة في قطر، حيث يتم زراعة الخيار، والفلفل، والفاصوليا الخضراء، والعديد من الفواكه والخضراوات الأخرى[v].

قام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا) بدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بتعزيز الشراكات الإستراتيجية بين مركز ايكاردا ومراكز البحوث الزراعية الوطنية بدول الخليج، وقد شملت تلك الشراكات مجالات عديدة منها التغير المناخي والموارد الوراثية، وإدارة المياه وتقانة الزراعة المحمية، والإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات، واستعادة النظام البيئي في المراعي الطبيعية. كما تمخض عن هذا الدعم انجازات ملموسة شملت استنباط وتعميم البذور المحسنة لأصناف القمح والشعير والذرة والبقوليات تتلاءم مع الظروف المناخية والبيئية في الدول ذات الإنتاجية العالية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات مبتكرة ثم تبنيها وتعميم نشرها بين المزارعين في دول الخليج، مما أسهم في زيادة إنتاجية العديد من المحاصيل منها؛ القمح بنسبة 50%، والشعير بنسبة 75%، والبقوليات بنسبة 35%[vi].

تسعى أفريقيا إلى معالجة تدهور حالة الأمن الغذائي، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، والنمو السريع للسكان والزحف العمراني، باعتبارها أولوية رئيسية تنعكس في المبادرات المشتركة بين أفريقيا وباقي دول العالم، فالدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي تلتزم بالفعل بإنهاء الجوع بحلول عام 2025 بموجب البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا، ويدعو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة إلى القضاء على الجوع وجميع أشكال سوء التغذية بحلول عام2030 ، وعلى الرغم من هذه الالتزامات وغيرها، فإن التقدم كان متواضعًا إذ إن 9 دول فقط من بين 55 دولة أفريقية تمضي على المسار الصحيح لتخفيض نقص التغذية إلى 5% أو أقل بحلول عام 2025 ، ويؤكد هذا التقدم غير الكافي على ضرورة مضاعفة الجهود، فإن أولويات السياسة العامة التي تركز على الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا الرقمية تبشر بأكبر قدر من الأمل.[vii]

ففي رواندا، على سبيل المثال، ساعد مشروع “فلاحة الأراضي وتجميع مياه الأمطار والري على سفوح التلال” في السيطرة على تآكل التربة، وزيادة غلة المحاصيل في الأراضي المزروعة، وتوفير حماية أكبر من الجفاف، وفي إطار هذا البرنامج، زادت غلة محصول الذرة 2.6 مرة بين عامي 2009 و2018، مع زيادة أكبر في غلات محاصيل الفول والقمح والبطاطس.

وفي السنغال، قام برنامج تحسين الإنتاجية الزراعية في غرب أفريقيا بتطوير سلالات جديدة من المحاصيل مرتفعة الغلة مبكرة النضج ومقاومة للجفاف؛ مثل السرجوم والدخن والفول السوداني واللوبيا. ويتم نشر هذه السلالات على المزارعين على نطاق واسع وقد رفعت الغلات بمعدل 30%، حتى مع نقص هطول أمطار وزيادة عدم انتظامه.

ويتيح العلم إمكانات هائلة لتوفير حلول مستدامة للأمن الغذائي، بما في ذلك الابتكارات للتكيف مع تغير المناخ، وإدارة الموارد الإنتاجية مثل الأرض والتربة والمياه، وقابلية تخزين الأغذية ونقلها لتقليل هدر الأغذية وفقدانها. وتتطلب الاستفادة من العلوم بشكل فعال تحويل الحلول العلمية إلى حزم يمكن نشرها وتبنيها من قبل المزارعين على نطاق واسع. وتتطلب هذه المهمة إقامة روابط فعالة بين المنظمات العلمية الدولية والإقليمية والوطنية مع المزارعين وأنظمة الإرشاد.

هناك ضرورة لتسخير التقنيات الرقمية وتوفير خدمات الإرشاد، حيث تُكسب المزارعين مهارات جديدة وتعزز إنتاجية العمالة والأرض، ولكنها غالبًا ما تكون غير كافية وقد لا تستجيب دائمًا للاحتياجات المتغيرة للمزارعين، لذا يمكن للتقنيات الرقمية أن تساعد في تحقيق ذلك بصورة كبيرة، إذ يمكن للأدوات الرقمية لرصد المخاطر المناخية تحديد الصدمات المناخية قبل وقوعها، وتسهيل الاستجابة لبناء القدرة على المواجهة، ويمكن لشبكات الري الآلية، وأجهزة استشعار التربة، والطائرات بدون طيار تعزيز كفاءة الإنتاج، ويمكن للأدوات الرقمية تعزيز توافر الأغذية وإمكانية الوصول إليها، وكذلك تحسين استخدام الأغذية وسلامتها من خلال الرصد الفعال للمخاطر التي تهددها. ويمكن لمنصات التجارة الإلكترونية دمج المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في سلاسل القيمة وتمكينهم من القضاء على تكلفة المعاملات التي تتعلق بتحديد الطلب وتحديد الأسعار وتحسين الكفاءة في تقديم الخدمات.

توجد العديد من الأمثلة على مستوى أفريقيا التي تبرز دور التكنولوجيا في تغيير حياة المزارعين. فعلى سبيل المثال التطبيق الذي يربط مالكي الجرارات بالمزارعين عبر الرسائل النصية، حيث يمكن للمزارعين من خلال تطبيق  Hello Tractorفي نيجيريا وغانا وكينيا استئجار الآلات التي كان عليهم شراؤها أو كان يصعب عليهم الوصول إليها، وتم ربط أكثر من 500 ألف مزارع بخدمات الجرارات، وقد ترتب على ذلك زيادة إنتاجية حوالي 60% من المزارعين.

ويمكن للمنصات الرقمية مثل أداة التشخيص والرصد Plantix أو Digital Green تيسير اكتساب المزارعين مهارات جديدة لمراقبة جودة محاصيلهم، حيث يوفر تطبيق يسمح لمستخدميه تبادل صور النباتات المريضة، وتحديد الأمراض والآفات والمغذيات الناقصة، ثم إرسال المعلومات مرة أخرى إلى المجتمع المحلي. وتساعد هذه التقنيات بشكل مباشر في تحسين الإنتاجية على مستوى سلاسل القيمة للأغذية، وقد ترتب على ذلك ارتفاع الإنتاجية الزراعية بنسبة 90%.

 وختامًا تسعى دول الخليج والدول الأفريقية لتوفير الاحتياجات الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي، لذا فهي من أكثر المناطق حاجة لتطبيق تقنيات الزراعة الذكيّة، مما يتطلب تعزيز العمل العربي الأفريقي المشترك، وتبادل المعرفة والأفكار وإدراج تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات كعامل أساسي للتنمية الزراعية المستدامة. كما يتعين الاستفادة من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، وتسخير الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوات والآلات المستخدمة في مجال الزراعة والري، والاستفادة من التقنيات الحديثة بما يخدم استراتيجية الأمن الغذائي.


[i] United Nations Development Program, African Economic Outlook 2019, (New York, UNDP, 2019).

[ii] الأمم المتحدة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الابتكار ونقل التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية (نيجيريا، اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، 2014)

[iii] منظمة التعاون الإسلامي، الزراعة والأمن الغذائي في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي 2016، (مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، 2016)

[iv] Technology will make the UAE one of the world’s most food-secure countries by 2021, Jan 2019) www.thenational.ae

[v] Ibid.

[vi] صندوق النقد العربي، مرجع سبق ذكره.

[vii] الاتحاد الأفريقي، تقرير المفوضية الأفريقية بشأن تنفيذ إعلان مالابو بشأن تسريع النمو الزراعي والتحول من أجل الرخاء المشترك وتحسين سبل المعيشة، (أديس أبابا: الاتحاد الأفريقي، (2018.