كتب – محمد الدابولي

تناولنا في مقالنا السابق المعنون «التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل..«تحولات تنظيمية» مسألة نشأة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، والدور الذي لعبته «الجماعة الإسلامية المسحلة» في الجزائر  وقادتها مثل «عبدالملك دروكدال» و«مختار بلمختار» في نشر الظاهرة الإرهابية في إقليم الساحل بأكمله.

شكل نجاح فرنسا في اغتيال «عبد الملك دروكدال» زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ضربة موجعة لجميع التنظيمات الإرهابية العاملة في المنطقة نظرا للحيثية التنظيمية والروحية التي يمثلها «دروكدال» لمعظم إرهابى منطقة الساحل. نظرا للعوامل الأتية:

  • الأب المؤسس: لم يكن «دروكدال» فقط زعيم التنظيم الإرهابي الأكبر في منطقة الساحل والصحراء، بل أيضا هو  الأب المؤسس لمعظم التنظيمات الإرهابية في المنطقة، فـ«دروكدال» تمكن خلال عامي 2006 و2007 من نقل نشاط «الجبهة السلفية للدعوة والقتال» من إطار محلي في الجزائر إلي إطار إقليمي دولي تحت مسمى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» طالت ضرباتها العديد من دول شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس، كما توسعت جنوبا في دول الساحل خاصة مالي والنيجر وتشاد، لذا فدروكدال كان بمثابة الأب الروحي لمعظم إرهابي منطقة الساحل.
  • قدرات استيعيابية: أظهر «عبد الملك دروكدال» قدرات استيعيابية هائلة مكنته من استيعاب معظم الجماعات الإثنية في منطقة الساحل في إطار تنظيمه «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، فلم يكد يمر أربعة سنوات على نشأة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب (2007) حتي تمكن من الانتشار في معظم دول الساحل مستوعبا العديد من الجماعات الإثنية مثل الطوارق في شمال مالي، ففي عام 2011 تشكلت حركة أنصار الدين بقيادة إياد أغ غالي في منطقة كيدال بمالي،وانتهجت الحركة فكر تنظيم القاعدة واحتفظت معها بعلاقات وثيقة.
  • امتصاص الخلافات: استكمالا للنقطة السابقة، تميز دروكدال بقدرته على امتصاص الخلافات بين أفرع التنظيم وقياداته، فعلي سبيل لم يصطدم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مع التنظيمات التي انشقت عنه خلال عامي 2011 و 2012 مثل تنظيم حركة التوحيد والجهاد وأنصار الدين والمرابطون وغيرهم، فلم يحدث أية اشتباكات بين تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي والتنظيمات الإخرى على غرار الاشتباكات التي حدثت بين التنظيمات الإرهابية في سوريا.
  • اعادة إدماج التنظيمات الإرهابية: نتيجة للضغوط العسكرية التي مورست ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل خاصة بعد التدخل الفرنسي في عام  2012، لعب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي دورا كبيرا في اندماج التنظيمات الارهابية في إطار تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين» في مارس 2017 حيث لعب كل من «يحيى أبو الهمام» أمير الصحراء في تنظيم القاعدة والقاضي الشرعي للتنظيم «أبو عبدالرحمن الصنهاجي» دورا كبيرا في تشكيل تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأعلن «إياد أغ غالي» قائد التنظيم مبايعته لعبدالملك دروكدال وأيمن الظواهري.

تشير  النقاط السابقة إلي الأهمية التنظيمة لـ«عبد الملك دروكدال»، لذا سيحمل مقتله العديد من المآلات سواء على بنية التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل أو حتي على الجهود الإقليمية والدولية المخصصة لمكافحة الإرهاب في المنطقة ومن أبرز تلك المآلات المتوقعة:

أولا: ارتياح جزائري

 مما لاشك فيه أن مقتل «دروكدال» سيشكل حالة من الارتياح في الأوساط الأمنية والاستخبارية الجزائرية، نظرا لضلوعه في العديد من الإرهابية في الجزائر منذ عام 1992 وإلي  اليوم، ففي عام 1993 انضم إلي تنظيم الجماعة الإسلامية المقاتلة المعروفة باسم (GIA)، وفي عام 1998 انشق عن الجماعة الإسلامية مشكلا الجبهة السلفية للدعوة والقتال والتي رفضت التسوية السياسية والأمنية التي أجراها الرئيس الجزائري الأسبق «عبد العزيز بوتفليقة»، وأجرت العديد من العمليات الإرهابية في الجزائر خلال الفترة من 1998 و2007.

رغم الارتياح الجزائري إلا أن عملية الاغتيال ستدفع السلطات الجزائرية إلي مزيد من الاجراءات الاحترازية خلال الفترة المقبلة خاصة على الحدود مع دولة مالي، حيث رصدت واشنطن تحركات دروكدال عبر الحدود الجزائرية المالية واجتماعه في مدينة تساليت الواقعة على بعد 20 كم من الحدود الجزائرية. 

ثانيا: تفوق استخباراتي أمريكي

رغم قرار الإدارة الأمريكية بقيادة «دونالد ترامب» بتخفيض تواجدها العسكرية في أفريقيا عموما، إلا أن نشاطها الاستخباراتي مازال قائما، ففي العملية الأخيرة تمكنت فرنسا من قتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي «عبد المالك دروكدال» بواسطة معلومات استخباراتية أمريكية. 

ثالثا: اضطراب تنظيمي

العملية العسكرية الفرنسية التي تمت في مدينة تساليت المالية والواقعة على بعد 20 كم من الحدود الجزائرية عن الحدود، أدت إلي مقتل العديد من القيادات التنظيمية الهامة بالإضافة إلي دروكدال ومن أبرز تلك القيادات «توفيق الشايب» مسئول التنسيق والدعاية في التنظيم والذي كان يعد أبرز خلفاء دروكدال، لذا سيمر التنظيم بفترة اضطراب ريثما يتم الاتفاق على قيادة جديدة من شأنها ممارسة الدور الذي رسمه دروكدال لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب.

كما من المحتمل تصاعد المنافسة بين قيادات تنظيم القاعدة حول من سيخلف دروكدال في قيادة التنظيم خاصة بعد تصفية العديد من القيادات الوسيطة مثل أبو عبدالرحمن الصنهاجي ويحيي أبو الهمام وأبو طلحة الليبي والحسن الأنصاري وغيرهم خلال الأعوام الماضية، وجلهم عناصر جزائرية شاركت في العشرية السوداء.

 لذا من المحتمل أن يكون تصفية دروكدال بمثابة تصفية شاملة للسيطرة الجزائرية على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي قد يتولها أحد العناصر المنتمية لدول أخرى كمالي أو النيجر، ويبرز في هذا الخصوص قيادات مثل إياد أغ غالي زعيم تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين التابع لتنظيم القاعدة.

كما من المحمتل أيضا أن تسفر عملية اغتيال دروكدال عن تزايد الانشقاقات الداخلية في التنظيم وتقوية شوكة تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بقيادة أبو الوليد الصحراوي، ففي خلال المرحلة الأخيرة من عانى دروكدال فيها من محاولات الانشقاقات المستمرة في صفوف التنظيم.

ثالثا: هجمات انتقامية

من المؤكد أن تشهد الفترة المقبلة العديد من العمليات الانتقامية ضد المصالح الفرنسية في منطقة الساحل ردا على عملية تساليت أو «عش النمل»، ويرجح أن تكون قاعدة أغاديز شمال النيجر ومناطق وسط المالي من أكثر المناطق عرضة للعمليات الإرهابية خلال الفترة المقبلة.

رابعا: هيمنة عسكرية فرنسية

باتت فرنسا هي المهيمنة عسكريا على منطقة الساحل وذلك في إطار عملية برخان والتي تبلغ إجمالي قواتها حوالي 5200 عسكري فرنسي، وخلال النصف الأول من عام 2020 كثفت القوات الفرنسية من عملياتها العسكرية ضد قيادات التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل ففي 19 مايو اعتقلت القيادي في تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى الموالي لداعش «محمد المرابط»، كما نجحت فرنسا في تحييد قرابة 500 من قادة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، لذا يعد اغتيال دروكدال بمثابة تتويج للجهود الفرنسية خلال الشهور الخمس الأخيرة.