كتبت – أماني ربيع

كان قطاع السياحة في أفريقيا على موعد مع نمو واعد بداية عام 2020، حيث قدرت منظمة السياحة العالمية (UNWTO)، زيادة بنسبة 3 إلى 5% في عدد السياح القادمين إلى القارة من الخارج، بعد تقديم الكثير من التسهيلات للحصول على تأشيرات، وتوفر السفر الجوي المميز.

لكن ضرب فيروس كورونا المستجد Covid-19، كل التوقعات في مقتل، بعد أن تسبب في إغلاق مطارات العالم، وشلّ حركة السفر، وبالتالي توقف صناعة السياحة بشكل إجباري ليس في أفريقيا وحدها، بل في العالم أجمع؛ لأن التجمعات الكثيفة تعتبر من المصادر الشائعة لانتشار الفيروس التاجي.

وتماشيًا مع سياسات الإغلاق والحظر حول العالم، فرضت الدول الأفريقية قيودًا صارمة داخل أراضيها، وتم إغلاق الفنادق وشركات السياحة، وحظر وسائل النقل العام، وخسرت شركات الطيران الأفريقية بعد قرار حظر السفر ما يقرب من 4.4 مليار دولار جراء ذلك.

وصناعة السياحة ليست مجرد صناعة هدفها ترفيه السياح، بل هي قطاع حيوي وهام في اقتصاد العديد من الدور الأفريقية، التي تعتبر مثارًا للجذب السياحي بسبب طبيعتها الخلابة وثقافتها المتنوعة، ويوفر هذا القطاع أكثر من مليون وظيفة لمليون شخص في دول: نيجيريا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وجنوب إفريقيا، وفقًا لموقع سي إن إن الأمريكي.

كما أنها تمثل أكثر من 20٪ من العمالة في دول: سيشيل والرأس الأخضر وساو تومي وبرينسيبي وموريشيوس، لكن بسبب تفشي Covid-19 فقد معظم أفراد العمالة بالسياحة وظائفهم وبالتالي مصدر دخلهم.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة سيكلف الوباء نحو مليوني شخص خسارة وظائف مباشرة وغير مباشرة في قطاع السياحة بالقارة الأفريقية.

ففي كينيا، أصبحت نسب الإشغال في الفنادق ونزل الضيافة أقل من المعدلات الطبيعية بشكل كبير، وقال فيكتور شيكاتا -مدير فندق شاطئ فلامينجو على الساحل الكيني في مومباسا- إن صالة الفندق والغرف أصبحوا فارغين، والشواطئ الرملية باتت مهجورة بسبب الفيروس التاجي، وكان على الفندق خلال الشهور الماضية إلغاء عدد ضخم من العطلات والمؤتمرات.

وبسبب كل ذلك وجد أصحاب الأعمال انفسهم مضطرين لتسريح العديد من الموظفين أو خفض رواتبهم، خاصة مع استمرار الأزمة وغموض المستقبل.

وبحسب الموقع الأمريكي، اضطرت أدا أوساكوي -مؤسسة سلسلة مطاعم الأغذية الصحية ” Nuli” في لاجوس بنيجيريا- لإغلاق 9 من أفرع مطاعمها العشرة خلال شهر أبريل الماضي، بسبب الجائحة التي خفضت مبيعات المطعم بنسبة 95%، نظرًا لعمليات الإغلاق الإلزامية التي فرضها الرئيس النيجري محمد بخاري، ما وضعها في أزمة فيما يتعلق برواتب موظفيها.

واضطرت أوساكوي لخفض رواتب موظفيها، وقالت: “خلال شهر أبريل وقعت في أزمة حقيقية مع جداول رواتب الموظفين، وتساءلت كثيرًا كيف سأدفع الرواتب، وكيف سنعيش”.

وفي حوارها مع شبكة “سي إن إن”، قالت تانيا كوتزي-مؤسسة شركة سياحة Africa Direct، بجنوب أفريقيا- إن فريق عملها وجد نفسه في حالة فوضى بعد إلغاء الرحلات الدولية إلى البلاد، وأوضحت أن موظفيها أمضوا 4 أسابيع في التواصل مع العملاء لإلغاء الحجوزات، وضمان عدم خسارة عملائهم للأموال، ونقل المواعيد للعام القادم.

وكان أحد طرق كورتز لإبقاء شركتها على قيد الحياة، هي استفادتها من علاقاتها الطيبة مع عملائها الذين يأتون عادة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأكدت أنها محظوظة بهؤلاء العملاء المتكررين، الذين استطاعت منحهم حجوزات بأسعار مقبولة لعامي 2021 و2022، وتقديم اقتراحات جذابة لهم.

وأوضحت أن عروض الجولات المخفضة للعامين المقبلين جعلت الشركة قادرة على الاحتفاظ بعدد كبير من عملائها وتأمين العمل بالشركة خلال الفترة القادمة.

وبحسب منظمة السياحة العالمية، كان السفر الدولي مع أهم عوامل دعم السياحة بأفريقيا، فخلال عام 2018 وحده ربحت أفريقيا بفضل السفر الدولي قرابة 38 مليون دولار.

ومن المحتمل أن يُترجم إلغاء الرحلات وإعادة جدولتها إلى خسارة تبلغ 30 مليار دولار إلى 50 مليار دولار من إيرادات صناعة بالقارة الأفريقية هذا العام، لكن مع تزايد حالات الإصابة بالفيروس التاجي، التي وصلت إلى أكثر من 123 ألف إصابة حتى 29 مايو الماضي، ليس لدى أفريقيا خيارًا آخر.

وحتى الآن ما يزال الغموض يغلف مستقبل السفر والسياحة في أفريقيا، فلا أحد على وجه التحديد يعرف متى ستفتح الدول حدودها بالكامل، حيث تتوقف الرحلات الجوية في الوقت الحالي على رحلات طارئة لإعادة المواطنين العالقين في الخارج وبعض عمليات الشحن المحدودة.

وتعلق سيسا نتشونا -الرئيس التنفيذي لمجلس السياحة في جنوب أفريقيا- على الوضع، قائلة: عندما تفتح الحدود أخيرًا، سيكون السفر بطيئًا وستحتاج أفريقيا إلى إجراء حزمة تعديلات، خاصة وأن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن تستقبل الدولة سياحا من خارج القارة.

ومن وجهة نظرها سيحتاج الأمر من الدول الأفريقية تقديم عروض أكثر جذبًا للسياح وأقل تكلفة، حيث ستتنافس العديد من الدول بعد انحسار الجائحة على جذب السياح إليها.

وقالت نتشونا: “يتعلق الأمر بفهم الأنماط السلوكية للسياح المعاصرين الجدد، والقدرة على تلبية احتياجاتهم، لم يعد الأمر يتعلق بالذهاب إلى الأماكن والتقاط صور جميلة، فالعديد من السياح يرغبون في الانغماس في الثقافة والطعام والموضة، وعلى دول القارة أن تكون قادرة على توفير هذه المتطلبات للمسافرين، والتركيز على تحسين الخدمات السياحية لجذب أكبر قدر ممكن من السياح وتحفيز نمو الصناعة مجددًا.

وهنا ستلعب التكنولوحيا دورًا مهمًّا فيما يتعلق بقطاعي الإقامة والسفر، وسيتحول الأمر إلى نموذج رقمي، حيث سيبدأ الناس في تسجيل الوصول إلى الفنادق فعليًّا دون المرور عبر موظفي الاستقبال، وبنفس الطريق، سوف يشترون تذاكر الطيران عبر الإنترنت، ويسجلون وصولهم.

وتضيف نتشونا، “بعد انحسار الوباء، سيختلف الوضع كثيرًا، فسوف يأتي المسافرون مع أدوات المائدة الخاصة بهم، وسيصبحون أكثر وعيًا فيما يتعلق بما يلمسونه ويرونه، وهو درس هام تعلمناه من كورونا”.

ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية، ستحتاج صناعة السياحة العالمية ما لا يقل عن 10 أشهر للتعافي من آثار الفيروس التاجي، وقد تطول هذه المدة بالنسبة لأفريقيا.

وقامت بعض الدول بالفعل في وضع استراتيجيات لسياسات جديدة تعزز السياحة في عصر ما بعد الفيروس التاجي؛ ففي أبريل أنشأت وزارة السياحة في جنوب أفريقيا صندوق إغاثة للسياحة بقيمة 200 مليون راند -ما يعادل 11 مليون دولار- مما شجع الشركات المؤهلة داخل هذا القطاع على الاستمرار.

وبحسب وزير السياحة في البلاد مامولوكو كوبايي نغوبان، فإن الصندوق هو ضمان بقاء الفنادق والمنتجعات والمطاعم ومنظمي الرحلات السياحية ووكلاء السفر على قيد الحياة حتى انحسار الوباء، وهنا يبرز دور الحكومات في تقديم الحوافز المالية  والإعفاءات وخطط الدعم لإبقاء الصناعة في المسار الصحيح.

يشعر العاملون بقطاع السياحة بقلق مع استمرار غموض الأوضاع، لكنهم يأملون أن تستعيد صناعة السياحة بالقارة عافيتها ودرّ مليارات الدولارات مجددًا.

لقد تغلبت القارة من قبل على فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، وعلى إيبولا، وبإمكانها أيضًا التغلب على الفيروس التاجي.