كتب – محمد الدابولي

أنهى التوافق بين زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» وزعيم ائتلاف «أزرق أبيض» «بني غانتس» حالة الاضطراب السياسي التي شهدتها إسرائيل على مدار عام تقريبًا، حيث أجريت الانتخابات ثلاث مرات خلال الفترة الممتدة من 9 إبريل 2019 إلى 2 مارس 2020.

فشل أقطاب السياسية الإسرائيلية «نتنياهو» و«بني غانتس» في الوصول إلى أغلبية أعضاء الكنيست (61 مقعد) من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية وذلك في الانتخابات الثلاثة التي سبق إجراؤها، كما فشل الطرفان في تحقيق التوافق السياسي بينهما بعد انتخابات إبريل 2019 وديسمبر 2019.

مؤخرًا وتحديدًا في 20 إبريل 2020 اتفق الغريمان السياسيان على تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع أطياف المجتمع السياسي الإسرائيلي، ومن هنا تم اختيار  عضو الكنيست الإسرائيلي وعضو ائتلاف «أزرق أبيض» «بنينا تامانو» كوزيرة في الكابينت الإسرائيلي الجديد «مجلس الوزراء الإسرائيلي»، لتصبح أول إسرائيلية من أصول إثيوبية «يهود الفلاشا» التي تتولى منصبًا رفيعًا في الحكومة الإسرائيلية، وذلك بعد أربع عقود متتالية عانى منها «يهود الفلاشا» في إسرائيل من اضطهاد وتمييز عرقي وديني ضدهم.

جاء اختيار «تامانو» في الحكومة الإسرائيلية الجديدة كوزيرة للهجرة ليحمل العديد من الرسائل السياسية التي تحاول تل أبيب تسويقها سواء في محيطها الإقليمي أو في علاقتها مع الدول العربية، وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية:

محو الصورة العنصرية لإسرائيل

في سبعينيات القرن العشرين ساد خلاف عقائدي كبير في إسرائيل بين الحاخام عوفاديا يوسف حاخام طائفة السفارديم وبين الحاخام شلومو غورين حاخام طائفة الأشكيناز حول اعتبار طائفة “بيتا إسرائيل” الإثيوبية كطائفة إثيوبية، إذ يرى عوفاديا أنه يمكن اعتبارهم يهودًا في حين رفض غورين هذا الأمر.

تحت وطأة التخوف الديمغرافي وخوف إسرائيل المتكرر من أن الزيادة السكانية للعرب ستؤثر على الموقف السياسي الداخلي في إسرائيل، فعّلت إسرائيل قانون العودة على يهود إثيوبيا وسمحت باستجلابهم في عمليتين كبيرتين الأولى عملية موسى (1983 – 1984) والثانية عملية سليمان (1992).

كان الدافع الديمغرافي هو الدافع الوحيد لاستجلاب يهود الفلاشا، الأمر الذي وضعهم في دائرة الاضطهاد السياسي والتمييز العرقي لثلاثة عقود مستمرة، فرغم أن هجرتهم لإسرائيل سبقت هجرة يهود روسيا إلا أن وضعهم السياسي والاقتصادي مزرٍ للغاية؛ فلا أحزاب سياسية تعبر عنهم، ويرزح أغلبهم تحت خط الفقر وتطاردهم الشرطة باستمرار، الأمر الذي دفع أبناء يهود الفلاشا إلى الاحتجاج بصورة شبه دائمة وكان آخرها في يوليو 2019، الأمر الذي وصم إسرائيل بأنها دولة معادية للسود تمارس عنصرية ضدهم.

لذا جاء تعيين وزيرة من أصل إثيوبي في محاولة لمحو الصورة العنصرية المأخوذة عن إسرائيل ضد السود، وفي محاولة لتهدئة الأوضاع الداخلية في إسرائيل وامتصاص اضطرابات يهود الفلاشا المتكررة.

دعاية انتخابية

خلال عام أجرت إسرائيل ثلاثة انتخابات تشريعية، تبارى فيها قطبا السياسة الإسرائيلية نتنياهو وبني غانتس في استقطاب أصوات الجماعات المهمشة في إسرائيل ومنهم يهود الفلاشا، وكان معسكر بني غانتس أكثر تواصلًا مع يهود الفلاشا، ومن هنا جاء اختيار تامانو في الحكومة الإسرائيلية، لذا فمن المحتمل أن يشكل يهود الفلاشا في المستقبل القريب وزنًا سياسيًّا مهمًّا خلال الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وهو ما سوف يزيد أهميتهم السياسية في المجتمع السياسي الإسرائيلي.

تأزيم قضية سد النهضة

منذ نشأتها في عام 1948 لا تُخفي إسرائيل نيتها في تحقيق دولتها الكبرى من النيل للفرات، وفي سبيل تحقيق ذلك سخّرت إسرائيل معظم إمكانياتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية من أجل تحقيق هذا الغرض، كما وطدت علاقتها بالعديد من الدول الأفريقية كإثيوبيا وأوغندا رغبة منها في تحقيق أمرين؛ أولهما: كسر العزلة العربية التي سبق أن فرضتها الدول العربية على إسرائيل، وثانيهما: محاولة تأزيم العلاقات المصرية والسودانية مع دول منابع النيل.

تتوجس  القاهرة من التحركات الإسرائيلية في منطقة حوض النيل؛ إذ ترى أن تلك التحركات هدفها تأزيم العلاقات المائية بين دول المنابع ودول المصب، وتخشى أن تكون بين شقي رحي إحداهما في أديس أبابا والأخرى في تل أبيب، ما يؤدي لتشتت السياسة الخارجية المصرية بين العديد من الملفات الإقليمية.

ومن هنا يمكن اعتبار ملف العلاقات المائية وسد النهضة ترمومتر التقارب الإثيوبي الإسرائيلي ضد المصالح المصرية، ففي الأول من سبتمبر 2019 قام أبي أحمد بزيارة خاصة لإسرائيل تناولت -كما أشيع في الإعلام- تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أنه بعد تلك الزيارة أصبح الموقف الإثيوبي من مفاوضات سد النهضة أكثر تشددًا من ذي قبل، ففي أكتوبر 2019 -أي بعد الزيارة بشهر- لوّح أبي أحمد باستخدام القوة العسكرية ضد مصر، كما تم تداول أنباء مفادها تزويد إسرائيل لإثيوبيا ببطاريات صواريخ لحماية السد من أي عمل عسكري مصري محتمل، إلا أن السفارة الإسرائيلية في القارة نفت تلك الأنباء.

ومما لاشك فيه أن تعيين وزيرة من أصل إثيوبي في الكابينت الإسرائيلي سيتم استغلاله من الجانبين الإثيوبي والإسرائيلي، حيث ستستغله أديس أبابا من أجل استجداء الدعم الإسرائيلي للموقف الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة، واستغلال اللوبي الصهيوني في واشنطن للضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير مواقفها تجاه مفاوضات سد النهضة.

إنهاء التعاطف بين يهود الفلاشا والفلسطينين:

الاضطهادات المستمرة التي تعرض لها يهود الفلاشا خلقت نوعًا من التضامن الإنساني بين الجانبين؛ فكلاهما يتعرض للعنف والاضطهاد السياسي، فأغلب الكتابات العربية التي تناولت مسألة يهود الفلاشا تبرز تعاطفها الشديد معهم، وهو ما قد يشكل خطرًا مستقبليًّا على إسرائيل، لذا قد يكون تعيين وزيرة من أصل إثيوبي من أجل قطع هذا التضامن.

انهاء التعاطف الأفريقي مع القضية الفلسطينية

تزامن اختيار بنينا تامانو شاتا وزيرة في الحكومة الإسرائيلية مع الذكري 72 للنكبة وإعلان قيام دولة إسرائيل، وهو ما قد يثير التساؤل حول مستقبل التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية، فتعيين وزيرة من أصول أفريقية في الكابينت الإسرائيلي قد تستغله إسرائيل في التسويق السياسي لها في أفريقيا من أجل إضعاف التضامن الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.