كتب – حسام عيد

في خضم الجائحة الوبائية الحالية، مع استمرار تفشي فيروس كورونا في مختلف دول العالم، لم تكن الفنادق ومنظمو الرحلات السياحية في أفريقيا بمنأى عن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن التدابير الوقائية من إغلاق للحدود وحظر الطيران لمكافحة “كوفيد-19”.

ففي الأوقات العادية، كان فندق سيرينا Serena Hotel في كمبالا، العاصمة الأوغندية –أحد أفرع سلسلة شركة الضيافة التي تدير فنادق ومنتجعات راقية في شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي- والذي يشتهر بكونه مجمعًا فاخرًا من مرافق المؤتمرات ومساحات الطعام الراقية والحدائق ذات المناظر الطبيعية؛ كان النادل “جيفري سيجونغو” يقدم العشاء لرجال الأعمال والسياح في أحد مطاعم سيرينا اللامعة. ولكن في أبريل الماضي كان جالسًا في المنزل خائفاً من المستقبل، حيث أغلقت أوغندا الفندق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي. لقد فقد الدخل جراء تلك التدابير، ويخشى أنه قد يفقد راتبه أيضًا إذا استمرت الأزمة.

ويقول سيجونغو، “يقول: “تصبح الحياة في المنزل صعبة للغاية لأن عائلتك يجب أن تنظر إليك ويتوقعون منك شيئًا.. إنه يسبب ضغطًا فظيعا”.

وكان من المقرر أن يكون شهر أبريل شهرًا مزدحمًا للفنادق الراقية في أوغندا حيث تستعد البلاد لاستضافة رؤساء الدول لقمة مجموعة الـ77- وتم إلغاء الاجتماع مثل العديد من الفعاليات الأخرى.

كارثة “تهاوي” السياحة

فيما يقول أنطوني تشيج، المدير العام للفندق، إن “سيرينا” كانت تتوقع 85% من الإشغال. بدلاً من ذلك، يسعى هو وفريقه لمراجعة العقود مع الموردين، من جامعي القمامة إلى خدمات البرامج، حيث تكون جميع غرف الفندق فارغة.

ويضيف تشيج، “إن الإيرادات التي خسرتها الصناعة والاقتصاد ككل ضخمة.. والسيطرة الوحيدة التي لدينا الآن هي على التكاليف”.

ويمكن أن يكون انهيار صناعة السفر والسياحة -من شركات الطيران إلى مكاتب رحلات السفاري- كارثة على الاقتصادات الأفريقية.

ويقدر المجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC)، وهو اتحاد صناعي، أن السياحة والأنشطة المرتبطة بها تدر حوالي 9% من دخل القارة، كما يعمل في القطاع 10 ملايين أفريقي بشكل مباشر، وربما يتم توفير 14 مليون وظيفة إضافية من خلال آثاره الضخمة.

السياحة هي أيضا مصدر رئيسي للعملات الأجنبية، ففي أوغندا تجلب دولارات أكثر من مبيعات القهوة. وفي إثيوبيا، تمثل عائدات السائحين ما يقرب من نصف إجمالي الصادرات. وقد وصف رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا السياحة بـ “الذهب الجديد”.

ولكن بحلول بداية أبريل، أغلقت الفيروس التاجي معظم مناطق الجذب السياحي في أفريقيا، فالتلفريك معلق بلا حراك في جبل الطاولة “تيبل” والمصنف كأحد 7 عجائب الطبيعة في العالم، في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا.

فيما باتت تظهر إضاءات أهرامات مصر المهجورة ليلاً حاملة رسالة إلى الأشخاص، تطلب منهم “البقاء في المنزل، والبقاء في أمان”.

وأيضًا عُلقت رحلات الغوريلا في وسط أفريقيا خوفًا من أن القردة نفسها يمكن أن تصاب بفيروس كورونا.

وتقول سيسا نتشونا، الرئيس التنفيذي لمجلس السياحة في جنوب أفريقيا، والتي تكمن مهمتها في الترويج لسياحة البلاد بالخارج: “لم يعد بإمكاننا طرح صور لمدى روعة جنوب أفريقيا.. في الواقع نحن نطلب من الناس عدم الزيارة”.

كما يضيف محمد هيرسي، رئيس مجلس إدارة اتحاد السياحة الكيني ومدير العمليات في “بولمان” لجولات ورحلات السفاري، أن “صناعة السياحة تجاوزت الأزمات السابقة من إيبولا إلى الإرهاب. لكن تلك كانت مشاكل محلية. الآن، العالم يواجه المصير ذاته في انهيار صناعة السياحة”.

الإغلاق لاحتواء كورونا

في أواخر يناير 2020، قامت امرأة أمريكية تايوانية برحلة بحرية أعلى النيل إلى الأقصر، موقع مدينة طيبة المصرية القديمة، وقد تم الاكتشاف لاحقًا أنها مصابة بالفيروس التاجي الجديد “كوفيد-19”. وبحلول مارس الماضي، أصيب عشرات من أفراد الطاقم بالعدوى وتعرض الركاب للخطر.

ما يعني أن السفر الدولي قد جلب فيروس كورونا القاتل إلى أفريقيا، فمعظم الحالات المستوردة كانت قادمة من أوروبا، وكان أول شخص مات من “كوفيد-19” في مصر سائحًا ألمانيًا يبلغ من العمر 60 عامًا في منتجع على البحر الأحمر، وذلك بعد وصوله من بلاده بـ7 أيام، حيث وضع في الرعاية المركزة لمعاناته من فشل تتفسي ناتج عن التهاب رئوي حاد، كما أنه رفض النقل إلي مستشفي العزل المخصص، لتسوء بعدها حالته وحدث اضطراب فى درجة وعيه، ثم توفى. بينما قامت كل من تونس وموريتانيا بترحيل مجموعات من الزوار الإيطاليين الذين رفضوا فرض الحجر الصحي عليهم.

وتوقعت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO) انخفاض 20-30% في عدد السياح الدوليين في جميع أنحاء العالم نتيجة الوباء. وقد يكون التأثير في أفريقيا، الذي يعتمد بشكل كبير على حركة النقل لمسافات طويلة، أكبر.

وأظهر استطلاع لـ 443 من منظمي رحلات السفاري من قبل SafariBookings.com، وهو سوق عبر الإنترنت، أن 93% فقدوا ثلاثة أرباع حجوزاتهم على الأقل بسبب تفشي الفيروس التاجي، وشهد جميعهم تقريبًا زيادة في عمليات الإلغاء.

كما فرضت العديد من البلدان عمليات إغلاق جزئي، مما أدى إلى تدمير سفر الأعمال الداخلي وكذلك السياحة الترفيهية.

إشغال فندقي “ضئيل”

ويقول جان باياموغيشا، المدير التنفيذي لجمعية أصحاب الفنادق في أوغندا، “إن الفنادق الوحيدة التي يوجد بها ضيوف هي الفنادق التي تم تصنيفها كمراكز للحجر الصحي”.

ويضيف أن الفنادق تحتاج عادةً إلى نسبة إشغال تصل إلى 40% لتحقيق التعادل، والعديد منها “لا يمكنها الوفاء بالتزاماتها المالية مثل دفع الضرائب وخدمة قروضها”.

فيما ترى كارمن نيبيجيرا، محللة السياسة السياحية التي تتخذ من رواندا مقرًا لها، “إن الصناعة بأكملها على ركبتيها.. فعندما تنظر إلى منطقة شرق أفريقيا، لا توجد العديد من الشركات الكبرى التي تهيمن على قطاعنا حقًا. لا يزال لدينا الآلاف والآلاف من أصحاب الأعمال المستقلين الذين يقاتلون ويحاولون البقاء على قيد الحياة”.

في الواقع ، كما تقول، فإن العديد من تلك الشركات الصغيرة “مدفونة بالفعل” بسبب الوباء. وتضيف: “هذه هي الخطوط الأمامية في صناعتنا.. إنهم ليسوا “ماريوت”. ربما يعملون من المنزل، كسوق عبر الإنترنت لتقديم الإقامات أو تجارب السياحة، مقابل تلقي عمولات من كل حجز، ما يعني أنهم أشبه بالتحول إلى بيت ضيافة”.

اختفاء الطلب

تراجعت الأعمال والشركات من جميع الأحجام إلى وضع البقاء على قيد الحياة، مع عدم وجود إيرادات، فمستقبلها أصبح يعتمد على مقدار ما يمكنها من تخفيض تكاليفها، وحساب مقدار الأموال والأصول التي لديها، وما إذا كان بإمكانها الحصول على التمويل.

يقول هيرسي من اتحاد السياحة الكيني، إن الفندق الفارغ لا يحتاج إلى دفع ثمن الطعام أو تنظيف الغرفة. ولكن لا يزال يتعين عليه دفع الرواتب والتكاليف الثابتة مثل فواتير الصيانة والكهرباء، مع خدمة القروض المصرفية بأسعار فائدة من خانتين عشريتين.

ويضيف أن الفنادق خفضت الأجور -في بعض الحالات بنسبة 30-50%- وتشجع الموظفين على تقديم إجازة سنوية غير مستخدمة، ولكن عمليات التسريح أمر لا مفر منه.

أما بالنسبة لمنظمي الرحلات السياحية، فهم عادة يدفعون مقدمًا للحصول على تصاريح الرحلات والدخول إلى المنتزهات الوطنية. في بعض البلدان، يكافحون من أجل استرداد هذه التكاليف من وكالات الحياة البرية الحكومية حتى عندما يقومون برد الحجوزات الملغاة.

شركات الطيران “معطلة”

وتواجه شركات الطيران الإفريقية أيضًا خيارات صعبة، وكان الكثير منها بالفعل في حالة سيئة قبل تفشي الوباء، ومع إغلاق المطارات، تم تخفيض حركة النقل الجوي إلى نقل البضائع ورحلات العودة إلى الوطن من حين لآخر.

وتراجعت عدد المقاعد المجدولة على الرحلات الجوية من وإلى البلدان الأفريقية بنسبة 70% في الأسابيع الأربعة حتى 6 أبريل، وفقًا لـ OAG، المزود العالمي لبيانات السفر، والتي لديها أكبر شبكة في العالم من الجداول وبيانات حالة السفر.

ويقول رافائيل كوشي، نائب رئيس اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA)، على مستوى أفريقيا، إن هناك “اختفاءًا تامًا للطلب”.

ويتوقع خبراء اقتصاد القارة السمراء، انخفاض عائدات شركات الطيران في المنطقة بمقدار 6 مليارات دولار هذا العام، مع انخفاض عدد الركاب إلى النصف.

ويضيف كوشي أن شركات الطيران تجري مناقشات مع شركات التأمين والدائنين والمؤجرين لتأخير أو تخفيض المدفوعات. كما أنهم يطلبون من الحكومات دعمًا مثل القروض والضمانات والإعفاءات الضريبية.

بينما النقود التي بحوزة شركات الطيران المتوسطة لديها أموال فقط تكفيها لشهرين، وقد تنفذ قبل وصول الانتعاش.

قد تتجه شركة الخطوط الجوية لجنوب أفريقيا، التي كانت مضطربة ماليًا بالفعل، إلى التصفية بعد أن رفضت الحكومة منحها أي تمويل إضافي. فيما تنشد الخطوط الجوية الكينية المتعثرة الإنقاذ، وحتى الخطوط الجوية الإثيوبية، وهي واحدة من أفضل شركات الطيران في المنطقة، خسرت 550 مليون دولار بسبب فيروس كورونا التجاي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

ويقول كوشي: “اعتمادًا على مستوى الدعم الذي نحصل عليه من الحكومات، قد لا تعود بعض شركات الطيران بعد هذا الوباء”.

فيما يرى سين منديس، رئيس العمليات في خطوط طيران أفريقيا العالمية (AWA) والتي تتخذ من العاصمة الغانية، أكرا، مقرًا لها، أن التحدي الحقيقي ليس الآن في فترة الإغلاق، ولكن سيكون عند استئناف العمليات، فالنمو سيكون بطيئًا، ففي البداية قد تكون حجوزات الرحلات مكتملة بنسبة 20-30%، وهذا ما يعني تكبد تكاليف كاملة بالإضافة إلى انخفاض الإيرادات بشكل كبير.

وختامًا يمكن القول بإن، شركات السياحة والطيران في أفريقيا بالإضافة إلى الحكومات باتت مطالبة بالتخطيط للمستقبل، حيث يبدو أن فيروس كورونا مستمر لفترة غير معلوم مداها كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، وتخطي مرحلة عدم اليقين من انتهاء الإغلاق أو تخفيف القيود الوقائية.

وحتى بعد انتهاء الجائحة الوبائية، سيستغرق التعافي بعض الوقت، فلما لا تكون بداية الآمال الإيجابية من الداخل، عبر تنشيط السياحة الداخلية، سواء برحلات أعمال أو سفاري، فهذا هو الوقت المثالي للقيام بجميع الأعمال الرياضية. أو حتى الاكتفاء بتقديم خدمات سياحية عبر الإنترنت مثل؛ عمل مدونات سفر مبتكرة، وأيضًا كتب وصفات للأكلات الشعبية في دول أفريقيا.

وهذا بالتأكيد سيتطلب إعادة الضبط، ما يعني فرض إصلاحات بأنظمة البيانات أو إعادة النظر في السياسة أو التركيز على المسافرين المحليين.