كتبت – أماني ربيع

ربما تبدو صرامة إجراءات الإغلاق في مواجهة فيروس كورونا المستجد أمرًا إيجابيًّا من وجهة نظر البعض فهي تضمن إلى حد ما الوقاية من الإصابة بالفيروس التاجي، لكن هذه الإجراءات مميتة في نظر الكثير من الفقراء الذين تسبب لهم فرض الحظر ومنع التجمعات، التي تعتمد عليها مهن كثيرة.

وإذا كان لكورونا خطر وارد، فالجوع خطر أكيد، ووطأته على الفقراء وبخاصة الأطفال أشد، لذا تبدو طوابير الأطفال الذين تبدو عليهم علامات سوء التغذية في انتظار الحصول على طبق العصيدة أمرًا معتادًا في بلدة تشيتونجويزا على مشارف العاصمة هراري، وهي بلدة تتسم بكثافة سكانية عالية

يبدأ الأطفال في الاصطفاف أمام منزل سامانثا موروزوكي منذ السابعة صباحًا، يوقظهم الجوع، حيث ينامون على حلم تناول الطعام الساخن في الصباح، يأخذون حصتهم في أي طبق بلاستيكي أو كوب صفيح، أو قطعة ممزقة من صندوق ورق مقوى، فلا يهمهم سوى إخماد الجوع الذي يسكن أحشاءهم.

وفرضت زيمبابوي مثل كل الدول الأفريقية، إجراءات إغلاق على المستوى الوطني لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، حيث شهدت البلاد ظهور 46 حالة إيجابية، بينما سجلت أربع وفيات.

وبدأ برنامج التغذية من إعداد موروزوكي، بعد نحو أسبوع من الإغلاق الوطني، وبمرور الوقت صار أمرًا لا غنى عنه في بلدة تشيتونجويزا، حيث تقوم كل صباح بإعداد العصيدة للأطفال، وتعد وجبة عشاء فيما بعد لتقديمها للأسر الجائعة.

يمر الآلاف يوميًّا بمطبخ موروزوكي المتواضع، الذي لا يحتوي إلا على موقد وزوجين من الأواني الكبيرة، وعدد قليل من أوعية الطهي، لكن رغم تواضع مطبخها الصغير فازت باحترام الجميع، في محاولاتها الحثيثة في تتبع الأطفال الجائعين وتجنيد المتطوعات من النساء لغسل الأواني ومساعدتها في تقديم الطعام.

 قائمة الانتظار أمام منزلها طويلة، وهي عادة لا تستطيع إبعاد أي شخص جائع، ولا تقول لأحد أبدًا: لا يوجد طعام، وتقدم يوميًّا أكثر من 100 وجبة ساخنة، منزلية إلى العائلات التي تم قطع دخل أسرتها بسبب إغلاق الأسواق التي كانت مصدر رزقهم بعد الحظر.

وفي حديثها مع صحيفة “الجارديان” البريطانية تقول “موروزوكي”: بدأت بـ2 كجم من الأرز و500 جرام من الفول، لكن تضاعف عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الطعام، منذ ذلك الحين، وهي لم تكن تخطط لذلك.

لم يقف فقر الإمكانيات عائقًا أمام المرأة الزيمباوبوية متواضعة الحال، لقد شعرت في قرارة نفسها أن مساعدة مجتمعها واجب عليها، طالما تستطيع ذلك، لقد رأت جيرانها وأطفالهم يعانون من الجوع ولم تستطع الوقوف ساكنة.

 وبعد تناقص الإمكانات لديها، قامت ببيع ممتلكاتها الشخصية للحصول على المزيد، تقول:  “عندما نفدت أموالي بدأت في مقايضة المواد الغذائية مع بنطالي الجينز وأحذيتي الرياضية”.

كان التعاطف هو وقود حماس وروزوكي، لمساعدة فقراء بلدتها، بعد أن سمعت من جارة لها كيف كانت تعود كل ليلة إلى فراشها جائعة، بعدما توقف عملها في السوق.

وانشترت مبادرة موروزوكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودعمها الكثيرون.

تقول: بعدما نشرتُ صورًا لما كنت أفعله على WhatsApp، قام أصدقائي وعائلتي بمشاركة الصور مع متابعيهم للحصول على الدعم، ونشر الفكرة، وقرر أحد الزملاء أيضًا وضع قصتي على Twitter وFacebook، وهكذا بدأ مجتمع زيمبابوي في المساعدة، هناك من تبرع بالبقالة، وبعضهم قاموا بتحويل الأموال من الخارج.

ويطالب من يريد الطعام بتسجيل نفسه وأسرته لتلقي المساعدات الغذائية، والمبادرة لا تفرق بين شخص وآخر، فالجميع أمام الجوع واحد.

ورغم أن رئيس زيمبابوي، إيمرسون منانجاجوا، فتح الاقتصاد بشكل جزئي لقطاعي الصناعة والتعدين، لكن بالنسبة للاقتصاد والتجارة غير الرسمية، ما يزال الإغلاق عائقًا ويواجه الملايين ممن يعتمدون على مهن موسمية خلال الحظر شبح الجوع مع انخفاض مخزون المواد الغذائية.

وتساعد موروزوكي في الطهي، أناستنسيا هوف امرأة في الخامسة والثلاثين، جاءت في أحد الأيام وطفلتها على ظهرها لتناول وجبة، وانتهى بها الأمر بالتطوع كطاهية ضمن المبادرة.

وقالت عن الأمر: “لقد تأثرت للغاية بما تفعله، فمن النادر أن تجد أشخاصًا يفكرون في الآخرين، وتقديرًا لما تفعله، قمت بدعمها عبر التطوع لطهي الطعام، فهناك الكثير من الجائعين”.

وشرحت رشيقة مانجو ، 39 سنة،  التي تقف بإناء بلاستيكي بانتظار نداء اسمها، كيف ساءت الحياة في فترة الإغلاق، فلم يعد يوجد طعام في المنزل، وأصبح الحصول على الغذاء يوميًّا مهمة صعبة، تقول: “لم أستطع أنا أو زوجي كسب أي أموال، فقد توقف الاقتصاد حرفيًّا”.

وقالت ميشيل ماكوفيز ، 30 سنة، التي تعمل بائعة متجولة، للجارديان، إن مبادرة  موروزوكي بحاجة إلى دعم الجميع، وأضافت: “أعتقد أن هذا عمل جيد يجب ألا يمر دون أن يلاحظه أحد، المجتمع يتغذى حرفيًّا على كرمها لذا هي بحاجة إلى دعم أكبر”.

وشهدت زيمبابوي محصولًا ضعيفًا آخر العام الماضي، ما يجعل نصف السكان تقريبًا في حاجة إلى معونة غذائية عاجلة، ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمات إنسانية، أصبح سكان بعض المناطق الريفية على حافة المجاعة.

والأمر لا يقتصر على الريف فحسب؛ ففي المناطق الحضرية أيضًا نحو 2.2 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدات الغذائية حيث يكافحون من أجل المعيشة والحصول على الطعام، وفشل الكثير من الأسر الفقيرة في الاستمرار في كسب أي نقود وسط اقتصاد يعاني من التضخم الشديد.

وتقول موروزوكي: “حتى لو تم رفع الإغلاق، فقد أستمر في تقديم الطعام لمدة شهر أو أكثر، حتى يقف الجميع على أقدامهم، فطالما أتلقى المساعدة فأنا أستطيع مواصلة عملي”.