كتبت – أماني ربيع

في القرى الأفريقية الفقيرة النائية قد يصعب عادة تحديد أسباب الوفاة، فهناك الجوع وهناك الفقر، وهناك الأوبئة الناشئة عن تداعي البنية التحتية في معظم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تقتصر الرفاهية على أجزاء بعينها داخل المدن الكبرى، لذا لم يكن المرض الذي أصاب أحد العاملين في مصنع للأسماك بمدينة تيما الساحلية في غانا أمرًا ذا بال، فالجميع يمرض لأسباب عدة، لكن إصابة نحو 533 شخصًا بفيروس كورونا المستجد بعدها كشفت أنه يجب أن يؤخذ الأمر بمحمل الجد.

وربط الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو هذا الانتشار السريع للمرض، بغياب القدرة على إجراء اختبارات اكتشاف الفيروس، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة، رغم أن غانا اختبرت أكثر من 155000 شخص، وهو رابع أعلى معدل للاختبارات في أفريقيا، وفقًا لبيانات لهيئة الصحة العامةCDC Africa، لكن في أماكن أخرى تؤدي قلة الاختبارات إلى صعوبة تقييم المسار الحقيقي للمرض، بحسب موقع “إيكونوميست”.

وحتى الآن اندهش العلماء والأطباء من عدم تحول أفريقيا لبؤرة لوباء كورونا الذي ضرب العالم وأصاب أوروبا وأمريكا بضربات موجعة في الصحة والاقتصاد، ومؤخرًا وجدوا أن السبب ربما لأنه لا يوجد تقديرات حقيقية للمصابين في ظل أنه لا توجد اختبارات كافية، وبالتالي فقد تكون هناك نسبة كبيرة من الإصابات دون أن يدري أحد.

سر انخفاض الإصابات

وتوقعت دراسة جديدة، أن ما يقرب من ربع مليار شخص في 47 دولة أفريقية سيصابون بالفيروس التاجي خلال العام المقبل، لكن ستكون الإصابات أقل حدة، وكذلك عدد الوفيات مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا.

وتنبأت الدراسة -التي أعدها المكتب الإقليمي لأفريقيا التابع لمنظمة الصحة العالمية، ونُشرت في BMJ Global Health ،- بانخفاض معدل انتقال الفيروس وانتشاره عبر القارة، وذلك بسبب زيادة معدل الشباب وفئة صغار السن على سكان القارة، وهو أمر يقلل معدلات الإصابة، حيث ينتشر الفيروس بصورة أكبر بين المسنين، وعددهم أكبر في أوروبا وأمريكا بسبب الرفاهية والعناية الصحية.

كذلك يساعد انخفاض معدلات السمنة في الدول الأفريقية، مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، على إبطاء تقدم الفيروس، وفقًا لـصحيفة “الجارديان” البريطانية.

وقال محلل البيانات همفري كاراماجي: “العامل الأكبر الذي يظهر في أرقامنا هو السن، ووجدنا أن أعدادًا قليلة جدًّا من المصابين لديهم سمنة مفرطة، وبالرغم من أن الأعداد في ارتفاع، لكنها ليست على مستوى الولايات المتحدة.

لكن رغم ذلك يحذر الباحثون -الذين أعدوا الدراسة- من أنه قد تحدث زيادة في الإصابات بسبب الضغط على المستشفيات ومراكز الرعاية ما يؤثر على النظم الصحية الأفريقية المتهالكة.

وتوقع بعض المعلقين بأن الدول الأفريقية ربما تبلغ عن عدد أقل من الحالات لأنها لا تكتشفها أصلًا، لكن كاراماجي يشير إلى جنوب أفريقيا، التي لديها “قدرات كشف واختبار جيدة، سجلت حتى الآن عددا منحفضا من الإصابات.

وأضاف: نحاول مراعاة ما يحدث على أرض الواقع، وبالفعل نشهد معدلات انتقال أبطأ للفيروس في البلدان الأفريقية مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة”.

وأوضح: “قد يكون هذا لقلة الاختبارات وعدم الإبلاغ عن الحالات، لكننا لا نعتقد أن هذا يفسر انخفاض المعدلات بشكل كامل، هناك شيء في البنية الاجتماعية والثقافية أو التنموية أو البيئية يبطئ من معدلات انتقال العدوى”.

وتوقع تقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة في منتصف أبريل ارتفاع معدل الإصابة ومعدل الوفيات في القارة بنسبة 1.2 مليار إصابة و3.3 مليون حالة وفاة.

وقام الباحثون بتقدير عدد الإصابات والوفيات لكل دولة من الدول الـ 47 في منطقة منظمة الصحة العالمية، وقاموا بإدراج “خطر التعرض” في تقديرهم لخطر انتقال العدوى، و”خطر التعرض”، هو أمر يشمل عوامل خاصة بالدولة، مثل عدد الأشخاص في الأسرة والكثافة السكانية، ونسبة السكان الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة، والبنية التحتية للطرق.

ووجد البحث أن الدول الصغيرة، بما في ذلك موريشيوس، من المرجح أن تكون الأكثر ضعفًا، لذا قد  يكون لدى موريشيوس وسيشيل وغينيا الاستوائية أكبر عدد من الحالات في المستقبل.

البلدان الأكبر، بما في ذلك الكاميرون وجنوب أفريقيا والجزائر، ستكون الأكثر عرضة للخطر، في حين أن نيجيريا من المقرر أن يكون لديها أكبر عدد من الإصابات بشكل عام، تليها الجزائر وجنوب أفريقيا.

ومن المتوقع حدوث المزيد من حالات العدوى الشديدة بين الأشخاص الذين يعتقد أنهم يتمتعون بصحة جيدة، فمن يعانون من الأمراض المزمنة مثل ضغط الدم أو السكري عادة لا يتم تشخيص حالتهم، والمرضى بهذه الأمراض هم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، وتكون أعراض المرض أكثر حدة لديهم.

ويرى خبراء الصحة العالمية، أن أمراض نمط الحياة هي التي تدفع للإصابة بالعدوى بصورة أكبر من أمراض الفقر، لذا فلدى أفريقيا عدد أقل من الأشخاص الذين ستتطور إصاباتهم بشكل أكثر خطورة.

وبحسب الإحصاءات، بلغ معدل الوفيات في جميع أنحاء أفريقيا نحو 0.06٪ مقارنة بنحو 0.1٪ في أماكن أخرى.

الوجه السيئ للحظر

أدت المخاوف من أن تفشي فيروس كورونا الذي يشكل تحديات عميقة للأنظمة الصحية المتهالكة في أفريقيا إلى دفع العديد من الحكومات الإفريقية إلى اتخاذ إجراءات مبكرة وصارمة لاحتواء المرض.

ومن الأوجه المخيفة لإجراءات الإغلاق، كان تأجيل تطعيمات ما يقرب من 12 مليون طفل لمنع انتشار شلل الأطفال في أفريقيا، ما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع حالات شلل الأطفال.

وسبق وأعلن قال الدكتور باسكال ماكاندا، رئيس وحدة شلل الأطفال بمنظمة الصحة العالمية في أفريقيا، إن حملات الوقاية من شلل الأطفال، وهي حيوية لتفادي تفشي المرض، سيتم تعليقها حتى النصف الثاني من عام 2020 على الأقل.

وبالطبع ستبدأ حالات شلل الأطفال في الظهور لعدم تلقيها اللقاح في الوقت المناسب، ورغم خطورة القرار، أوضح الدكتور ماكندا أنه قرار صحيح؛ لأن تجمعات الأطفال وأمهاتهم لتناول التطعيم، سوف تؤدي إلى زيادة انتشار الفيروس التاجي.

وبدأ تأثير نقص اللقاحات في الظهور بالفعل، وأبلغت النيجر عن حالتين جديدتين لشلل الأطفال تؤثران في العاصمة نيامي ومنطقة تيلابيري، بحسب منظمة الصحة العالمية، والحالات هي الأولى في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا منذ القضاء على تفشي المرض الذي استمر عامين في ديسمبر الماضي.

وكانت النيجر قد أوقفت تفشي شلل الأطفال سابقا عن طريق حملات تطعيم جماعية تم تظيمها بكفاءة.

غالبًا ما يصيب شلل الأطفال ، وهو مرض شديد العدوى ينتشر عن طريق المياه أو الطعام الملوثين، الأطفال دون سن الخامسة، حيث يؤدي واحد من بين 200 إصابة إلى الشلل، ومن بين المصابين بالشلل، يموت قرابة 10٪ بسبب خلل عضلات التنفس.

يحتاج أكثر من 95٪ من السكان إلى التطعيم من أجل القضاء على شلل الأطفال بالكامل.

وكانت زيادة ونجاح حملات التطعيم الوقائي في جميع أنحاء العالم  وبخاصة في أفريقيا وآسيا حيث يتفشى المرض، أعطت السلطات الصحية الدولية الأمل في القضاء على شلل الأطفال، لكن جائحة Covid-19  عرقلت هذه الجهود بشكل كبير.

وسوف تقوم منظمة الصحة العالمية بالعودة بشكل مكثف إلى إقامة حملات التطعيم بمجرد انتهاء إجراءات مكافحة فيروس كورونا.