كتبت – أماني ربيع

كان عهد السنغال بالإسلام قديمًا، ويرجعه المؤرخون إلى القرن الحادي عشر، مع قدوم حركة المرابطين بقيادة عبدالله بن ياسين عام 1053م، وللإسلام في السنغال طابع خاص يختلف عنه في الدول الأفريقية الأخرى، ربما لانتشار الطرق الصوفية بين أهلها، وما يضفيه التصوف من سكينة على النفوس يجعلها دومًا للسماحة والخير أقرب.

ومع قدوم رمضان يتنسم المواطنون في السنغال أجواء روحانية فريدة، فهم يعتبرون الشهر الكريم أشبه بسباق إلى الجنة ~فيتبارون في اتباع العادات والتقاليد التي تحث على الخير والتسامح.

تسامح وغفران

يمثل الدين الإسلامي الأغلبية في دولة السنغال بنسبة تصل إلى نحو 97% من السكان، وأغلبهم ينتمون إلى طريقة صوفية ما، حيث لا يعتبر الإنسان لديهم مسلما ما لم يتبع طريقة صوفية ما.

عند غروب الشمس يوم 29 شعبان ، يخرج معظم المسلمين في السنغال لرؤية هلال رمضان، وهم يعتمدون بشكل أساسي على هذه الطريقة لتحديد بداية الشهر، ومنهم من يعتمد على شيخ الطريقة الصوفية التي يتبعها، وعندما تثبت رؤية الهلال يصلون طلبا في نصيبهم من الخير في الشهر الكريم، والملاحظ أن المسلمين وغير المسلمين يحترمون رمضان وطقوسه.

ثبوت رؤية هلال رمضان يعني للمواطن السنغالي أن ليالي الفرح ستقام لثلاثين ليلة، فتبدأ السهرات الدينية والأمسيات الرمضانية، حيث تلاوة القرآن والذكر والابتهالات.

تنتشر الطرق الصوفية في السنغال مثل الطريقة القادرية أو التيجانية، أو الطريقة المريدية وهي طريقة محلية أسسها أحد أبناء البلاد وهو الشيخ أحمد بامبا، وتتنافس تلك الطرق في إقامة حلقات الذكر حيث تجمع مريديها في جلسات مليئة بالنفحات الإيمانية.

يدخل المواطن السنغالي رمضان مثل صفحة بيضاء، بحيث تكتب أعمال الخير التي يقوم بها صفحته الجديدة، ليخرج من الشهر الكريم كمن ولد من جديد، ومن أهم السمات الرمضانية في السنغال هي الصلح بين المتخاصمين، والصفح والعفو عمن أساء، وتشتهر بجلسات تجمع بين أصحاب المشاكل لتهدئة الأجواء وتليين القلوب.

ويحرص المسلمون في السنغال مع بداية رمضان على زيارة أي شخص بينهم وبينه مشكلة أو خصام، تكون الزيارة بنية المصالحة والغفران واستعادة الود، ويعتبر هذا من الطقوس الرمضانية الاحتفالية هناك، كما يبدأ الناس في الدعاء لبعضهم البعض بصلاح الحال والهداية والخير، وهكذا نجد أن السمتين الأساسيتين في المجتمع السنغالي خلال رمضان هما التسامح والتعاون.

مساجد عامرة

رمضان في السنغال مزيج من الحياة الأفريقية البسيطة، والإسلام بروحانياته التي تزداد في الشهر الفضيل، فتحدث حالة من الزهد في الحياة، ورغبة في التقرب من الله بالصلاة في أوقاتها، لذا نجد المساجد عامرة بالمصلين، وتفرغ الشوارع تمامًا في أوقات الصلاة، وتغلق المحال، ويندر أن تشاهد شخصًا يصلي بمفرده.

تهدأ وتيرة الحياة في السنغال خلال رمضان، حيث يميل الناس إلى الابتعاد عن مظاهر الحياة في الأيام العادية وجعل كل يوم من رمضان مناسبة خاصة، وهناك بعض الطرق الصوفية التي تميل للاعتزال للعبادة، والاعتكاف في المساجد منذ بداية الشهر بحيث يكون اليوم الرمضاني لوجه الله مخصص للذكر والصلاة وتلاوة القرآن.

وفي رمضان ترتدي المساجد في السنغال حُلة من النور، وتفتح أبوابها ليلا ونهارا، فالمصلون يتوافدون في أوقات الصلاة، بخلاف المعتكفين طوال الشهر، وتنتشر الدروس الدينية، حيث يرهف الحضور آذانهم لسماع الدروس الدينية لشيوخهم المفضلين، يتحدثون عن السيرة والتابعين، أو يتناقشون معهم في أمور الدين والدنيا.

وتحرص المساجد على إقامة المسابقات الدينية طوال رمضان، ويتعهد الأثرياء والميسورون بقيمة الجوائز للفائزين، ويلاحظ أنه حتى الأنشطة الترفيهية في رمضان ليلًا أو نهارًا تكون مرتبطة بشكل أو بآخر بالقرآن وعلومه والذكر، بحيث لا ينفصل المواطن السنغالي المسلم عن روحانيات الشهر الكريم في أي لحظة.

صوت القرآن الكريم يتعالى من كل مكان، ولا يعلو عليه صوت آخر، حيث يمتنع الشباب في السنغال عن استماع الأغاني احترامًا منهم للشهر الكريم، ويستبدلونها بالأناشيد الدينية.

ويتبارى الرجال في السنغال على إحياء ليالي رمضان، ويتنافس أصحاب الأصوات الجميلة في إنشاد الابتهالات، وتقديم الموشحات، ورفع الأذان بأصواتهم العذبة.

الفقراء مسؤولية الأغنياء

يزداد الاهتمام بالفقراء، عبر تقديم المساعدات والإعانات للأسر المحتاجة، سواء بالأموال أو بتقديم منتجات عينية من أطعمة، خاصة وأن البلاد تعاني من فقر شديد، ويرى السنغاليون أن صيام الفقراء مسؤولية تقع على عاتق الأثرياء، فيقيمون موائد الرحمن، ويقدمون التبرعات، ويحرصون على تلبية حاجة كل فقير.

تبدو أيام رمضان في الدولة الأفريقية مثل العيد؛ فالجميع يحرص على ارتداء الملابس زاهية الألوان، والاجتماع مع الأحباء والأقرباء عند إقامة الولائم والعزومات حرصا منهم على تكريم صلة الرحم والمودة مع الأقرباء.

وقبل غروب الشمس بقليل، تصبح الشوارع هادئة نسبيًا باستثناء مجموعات صغيرة تنتشر على الطرقات، يقوم أفرادها بغلي الأواني الضخمة من الشاي المحلي، المعروف باسم Kinkeliba والقهوة المحلية، Cafe Touba، ولحظة انطلاق أذان المغرب تتناثر الأكواب والأوعية في الشوارع حيث يقومون بتوزيع طعام الإفطار على المسافرين والعابرين، ويصرون حتى على الأطفال، وغير المسلمين.

ويطلق على جبة الإفطار محليًّا “ندوجو” وهي كلمة تصف الإفطار في رمضان بلغة الولوف السنغالية، والوجبة الرئيسية في الإفطار بالسنغال هي الأرز، وبخاصة الأرز بالسمك أو “جيب جن”، وهو شبيه بوجبة الأرز والسمك الصيادية في مصر، ويفطرون على التمر ولبن الماعز، ويعدون العصائر الأفريقية المميزة.

وبعد الانتهاء من صلاة المغرب، يتناولون حلوى “لاخ” وهي نوع من الحلوى يُصنع من الدقيق المطبوخ مع اللبن والسمن والسكر، يتبعها جلسة شاي، وبعد صلاة العشاء يتناولون الوجبة الرئيسية من الأرز والخضار والسمك، وتعتبر الأسماك من الوجبات المفضلة للسنغاليين بسبب وفرتها ورخص أسعارها، ولم لا وسواحلهم المطلة على المحيط الأطلسي غنية بها.

ويكتفي السنغاليون بالعشاء دون تناول السحور، لأنهم يتناولون فيه طعامًا دسمًا، لذا فهم عادة لا يتناولون الطعام بعد منتصف الليل، ويتفرغون لصلاة القيام والذكر.

ومن العادات اللطيفة في رمضان تقديم “شوجر كور” أو سكر رمضان، وهي هدية تقدم للأحباء تعبيرًا عن الود والمحبة.

ومع اقتراب عيد الفطر، تبدأ احتفالات “كوريتي” أو نهاية الصيام، وتبدأ الأسر المسلمة في شراء الملابس الجديدة والأطعمة المختلفة في أجواء احتفالية مليئة بالفرح، لذا فهم يستقبلون رمضان بالاحتفال، ويودعونه بالاحتفال أيضًا.