بقلم د. أماني الطويل
مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ما نعرفه عن غرب إفريقيا  غالبا لا يتجاوز مناسبات مباريات كرة القدم، حيث تكون التعاويذ المجسمة وسلوك اللاعبين لافتا لأنظار المصريين وربما العرب، ويتم نسبة هذا السلوك لأعمال السحر والشعوذة، بينما  حقيقة الأمر هي أن لسلوكيات أشقاءنا من دول غرب إفريقيا أصول وأسس حضارية تعود الي حضارة النوق وآيضا التقاليد الدينية والاجتماعية، وإلي شعوب وقبائل اليوروبا في غرب قارتنا، فمن المعروف أن  حضارة النوق بدأت حوالي عام ١٠٠٠ ق ن أي من نهاية العصر الحجري الحديث وبداية العصر الحديدي في إُفريقيا، بينما اختفت بشكل غامض حوالي عام ٥٠٠ وهي أوّل حضارات جنوب الصحراء التي دشنت نظما قضائية وصفت بأنها الأكثر عدالة وربما تعقيدا، ويمكن القول أن مجتمعات النوق مجتمعات متقدمة علي الصعيد الإنتاجي، فتوفقت في مجال الزراعة وأنتجت الكاكاو منذ هذا التاريخ، والذي مازال ينتج حتي وقتنا الراهن، كما ينسب إالي النوق زراعة البازلاء كغذاء تكميلي.

أما علي المستوي الفني فإن النوق هم أول من استعملوا الحديد في غرب إفريقيا، وأنتجوا تماثيل للإنسان بالحجم الطبيعي، وبذلك يكونوا الأسلاف الطبيعيين لكل الإبداع بالطين الذي يقف شاهدا عليه حتي الآن مسجد جينه في مالي، علي سبيل المثال لا الحصر.

ويعتقد العلماء علي نطاق واسع آن حضارة النوق هي الاصل الحضاري لشعوب اليوروبا التي تسكن جنوب غربي نيجيريا، وأجزاء من دولتي  بنين وتوجو في غربي إفريقيا، وقد سيطروا  على الضفة الغربية من  النيجر حيث  تعد قبيلة إيجالا (Igala) أقرب القبائل المشتركة معهم في اللغة، وهم الذين عاشوا على الضفة الأخرى من نهر  بنوي (Benue) المتفرع من نهر النيجر، حيث يبرز تيار من الدراسات يشير إلي أنهم انقسموا منذ حوالي 2000 عام، ثم نظم اليوروبا أنفسهم في مجموعات أبوية، واحتلوا المجتمعات القروية وعاشوا على الزراعة، واندمجت مجتمعات القرى المجاورة التي تسمى إيلي (ile) مع العديد من دول المدينة الإقليمية التي تكونت فيها ولاءات العشيرة التابعة لزعماء السلالات منذ القرن الثامن عشر  تقريبًا.

وقد وفرت سلالات اليوروبا (Yoruba) التابعين لرواد العصر الحجري الحديث رأس الفأس الحجري، التي كانوا يستوردونها بكميات كبيرة من الشمال واستخدموها في الغابات لتطوير الزراعة، على أنها “صواعق” ألقتها الآلهة على الأرض، واقترن التمدن  لليوروبا بمستويات عالية من الإنجازات الفنية، خاصة في تيراكوتا (terracotta) حيث تم نحت العاج  وتقدمت صناعة صهر المعادن المُنتجة في إيفي.

وفيما يخص المعتقدات قدست اليوروباومازالوا  الآلهة المتألفة من الإله الأعلى للجميع أولورين (Olorun)، و400 من الآلهة الصغيرة والأرواح التي تسمَّى أوريشا ذوي المهام الخاصة  لكل نفس بشرية تدين بهذه المعتقدات ولكلّ من هذه الآلهة والأرواح  عباده وقساوسته.

وفي معتقداتهم  يعتبر أدودوا  (Oduduwa)  خالق الأرض وجد ملوك اليوروبا، حيث تقول إحدى الأساطير العديدة عنه، أنه أسس مدينة إيفي والتي ينسب إليها  موروث كبير من الاعمال الفنية  حيث أرسل أدودوا أبناءه وبناته لتأسيس الممالك المماثلة في أرجاء مختلفة تعرف اليوم بيوروبلاند (Yorubaland)، حيث يعيش ما يزيد على 17 مليون يوروبي، في تلك المناطق، وهم يتحدثون لغة تُسمّى اليوروبية ويعتمدون في معيشتهم على الزراعة، وتعيش أعداد كبيرة منهم في المدن، ويعملون لدى أصحاب المزارع في المناطق المحيطة، ويعيش أيضًا الكثير من اليوروبيين على بيع البضائع المُصَنَّعة يدويًا، كالملابس المنسوجة، والأعمال المعدنية، والأواني الفخارية.

ولنساء اليوروبا مكانة إجتماعية متميزة حيث يسيطرن علي تجارة الصناعات اليدوية، ومنتجات المزارع، والبضائع المستوردة في الأسواق المحلية، وبشكل عام فإن اليوروبا يصنفون كنخب سياسية ومهنية وإجتماعية وهم يسيطرون مثلا في نيجيريا علي مهن مثل القانون والطب وينتمي إليهم أيضا  الأديب العالمي  “وولي سوينكا” الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1986، وتميز قبائل اليوروبا بروز أبنائها في أشعار الحكمة وأغاني الصيادين والرقى والتعاويذ، وربما كان شعر إيجو أكثر الأشعار الإفريقية روعة وإبداعا، ولذلك فلا يستطيع نظمه سوى بعض كهنة المعتقدات الكريمة والأرواح، وقد يتطلب إلقاء قصيدة ليلة بكاملها، ويترافق إلقاؤها مع قصص تاريخية وأسطورية يستعين بها الكاهن أو العراف على الحكم في قضية ما مثل (أشعار أودو). 

وفي هذا السياق فكل جانب من جوانب الحياة في عند اليوربا في غرب إفريقيا يترافق مع الأناشيد والشعر، فللرعي قصائده وللحرب أشعارها أما الكوارث والأفراح فلكل منها ترنيماته الشعرية والموسيقية .

وقد عاني اليوروبا تاريخيا من أنشطة الاستعباد الأمريكية والأوروبية، وباع الأوروبيون كثيرًا من اليوروبيين عبيدًا للمستعمرات في الأمريكتين، وذلك بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر الميلاديين، حيث أمتدت حضارة اليوروبا الي المهجر الأمريكي شمالا وجنوبا  فكان لها بصمة وتأثير عميق علي الفن والموسيقي

أما علي المستوي السياسي فإن لقبيلة اليوروبا دورها المشهود في مساعدة نيجيريا في الحصول على استقلالها عام 1960م، ولها دورًا قياديًا في الدولة منذ ذلك الحين، ومن أبنائها الذين تولوا رئاسة نيجيريا الرئيس أولسيغون أوباسانجو والذي سبق أن تولى هذا المنصب أكثر من 3 سنوات وذلك من فبراير 1976 إلى سبتمبر 1979 عندما كان جنرالا، ثم عاد إلى كرسي الرئاسة بعد قرابة عشرين سنة وذلك في انتخابات تعددية جرت في مايو1999.

وتعد اليوروبا أحد ثالوث صراع سياسي ممتد في نيجيريا حيث ظلت العلاقة بين قبيلتي اليوروبا التي تقطن الجنوب الغربي النيجيري متواصلة مع باقي بطونها في غرب إفريقيا وبين قبيلة الهوسا، والتي أنتجت  صراعا حادا ومواجهات دامية، وهو ربما مايبرر دعوات الهدوء وإلتزام السلمية المصاحب لإجراء أي عملية اقتراع انتخابي في أي مستوي من مستويات السلطة التنفيذية ، خصوصا مع وجود دعوات قديمة تتجدد أحيانا وتسعى إلى انفصال مناطق اليوروبا عن نيجيريا، وكثيرا ما نادت به جماعة “مؤتمر شعب أودوا” وهم اسم الإله الأكبر لليوروبا.